كرنفــال الكتـــب السنـــوي فـي فرانكفورت

Tuesday 16th of October 2012 06:09:00 PM ,
العدد : 2624
الصفحة : الأعمدة , نجم والي

انتهى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب يوم الأحد الماضي، ومن يزور المعرض في أيامه الأربعة أو الخمسة (المعرض يُفتتح رسمياً في أربعاء أول أسبوع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام) وينهمك في نشاطاته، يحتاج على الأقل إلى يومين، راحة، أو ليلتي نوم طويل. ليست زيارات القاعات الإحدى عشرة الكبيرة، أغلبها بطابقين، والهواء الخانق الفاسد الذي يسيطر على فضائها بسبب الحرارة التي تلفظها أجهزة التدفئة المركزية وزحمة الزوار، خاصة في يومي الجمعة والسبت، يوم زيارات الجمهور، لأن اليومين الأولين مخصصان لعقد الصفقات التجارية بين الناشرين القادمين من كل أنحاء العالم، بل أكثر من ذلك، لأن الزائر المختص أو المدعو لعقد ندوة أو تقديم بعض القراءات يحتاج إلى وقت طويل حتى يختفي من رأسه الصدى المتردد لكل الحوارات والنقاشات والأحاديث، لكل ما عاشه في أيام المعرض، ليس في داخل قاعات المعرض الضخمة ورؤيته لأصدقاء قادمين من كل أنحاء العالم أو عرب أو عراقيين، أو أثناء تجواله في صحن المعرض الواسع خاصة في الأيام المشمسة وحسب، لأن هطول المطر وتلك ليست حالة نادرة في ألمانيا، يعني البقاء داخل القاعات وتنفس هواء آلاف البشر، بل ما يعيشه الزائر هذا في ساعات المساء بعد انغلاق المعرض على وجه الخصوص. الجلسات الليلية التي تمتد حتى ساعات الفجر أحياناً، هي أرومة المعرض في الحقيقة. الجلوس إلى طاولة عشاء تضم ناشرين عالميين من جيل ناشرين كلاسيكيين، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من كياسة وأصالة وتقدير، وكتّاب عالميين وألمان ما زالوا مصرين على كتابة أدب لا علاقة له بماكنات صناعة الكتاب البيستسيلر، تلك الماكنات التي تلفظ كل عام وقبل أيام من افتتاح المعرض كل ما هو غث ومخرب للأذواق (كتب على شاكلة كتب البرازيلي باول كويلهو مثلاً!). من لا يشعر بالسعادة بالجلوس مع الكاتب الأميركي ريشارد فورد، الهولندي غيس نوتبوم، الرومانية الألمانية هيرتا مولر، الإيطالي كلاوديو ماغريس، الإسباني أدوارد ميندوزا، الدنماركية جين تيلر، لذكر بعض الأسماء؟ جلسات مثل هذه يمكن أن تطول دون إحساس بالوقت وهو يمر، كل كلمة محسوبة هنا، وكل تصريح يبعث على اللذة، تبادل أنخاب النبيذ الأحمر أو الأبيض، أو البيرة، يغمر الجلسات هذه حميمة ومشاعر صادرة عن القلب، تبادل معلومات وآراء، أي كتاب قرئ بإمعان أو أي موضوع، ومن لا يعجبه أن يعرف أن زميلاً له قرأ كتاباً أو قصة له إن لم يذكره بمادة قرأها عنه بالذات، من لا يعجبه أن يسمع كلمات إطراء من محدثيه على مائدة العشاء؟ الحديث عن كتاب من آلاف الكتب التي تصدر كل عام، هو مثل من يستل الشعرة من العجين.

قرابة 300000 كتاب (أو ربما أكثر) تصدر فقط في ألمانيا صاحبة المعرض كل عام، طبعاً ليس في مجال الأدب لوحده، بل في مختلف المجالات، من كتب العلم والرياضة والطبخ والتنجيم مروراً بالكتب التعليمية والقواميس، كتب لا تترك مجالاً من مجالات الحياة ولا تختص به، لكن رغم ذلك، تظل الكتب الأدبية، من روايات ودراسات سياسية وفلسفية وبحوث ومذكرات هي التي تأخذ الحيز الأكبر إذا لا يكون الرئيسي من قبل الصحف الكبيرة، سواء في صحافة البلدان الناطقة باللغة الألمانية، ألمانيا والنمسا وسويسرا، أو في الصحافة العالمية. وأن يلفت النقاد هذا الكتاب قبل غيره، فذلك لوحده هو أمر لافت للنظر. الصحافة الألمانية وبشخصية محرريها الثقافيين تتسلم سنوياً وقبل المعرض بأسابيع عشرات الكاتولوجات بأسماء الكتب التي ستصدر بمناسبة معرض الكتاب، المحررون ورغم ضيق الوقت وضغط العمل يختارون قائمة من الكتب، بعضها يقرأونها بأنفسهم والبعض الآخر يكلفون به نقاداً متخصصين بتقديم الكتب، في النهاية يُقدم عرض فقط للكتب التي يظنها المحررون ومعهم النقاد جديرة بالقراءة قبل غيرها من القراء! وهي الكتب هذه التي لا تأتي في ملاحق نقد الكتب التي تصدرها كل صحيفة بمناسبة معرض فرانكفورت وحسب، بل أن أغلبها سيدور الحديث عنها في هذه الجلسات.