عالم آخر: المشغول بهوامش صدام حسين

Saturday 6th of October 2012 08:38:00 PM ,
العدد :
الصفحة : مقالات واعمدة ارشيف ,

 سرمد الطائيتجد نفسك فجأة في صالون سياسي بارز يجمع استاذا يشغل ذلك المنصب الرفيع، وأستاذا آخر يشغل منصب خبير رفيع، وقائدا أمنيا، وبعض الصحفيين. وحصيلتي من هذه اللقاءات المزيد من القصص والمعلومات التي تكشف كيف تسير دولتنا اليوم.

ان المرور بمشاكل البلد رحلة موجعة نجربها كل يوم. لكن بعض المناسبات تتيح لك ان تقوم بالولوج الى عقل دولتنا وحكومتنا كأنك \"تتدلى بحبل\" نحو مناطق اعمق داخل \"عقل الازمة\" الذي ظلت الامة مرهونة به منذ عقود.ميزانية العام المقبل موجودة على طاولة مجلس الوزراء وهي لا تحمل جديدا عن سابقتها، سوى انها تحمل مخاطر أكبر، وتهدد بتحويل اكثر من وزير الى \"عاطل عن العمل\" لسنة كاملة. لقد افترضنا العام الماضي ان سعر النفط 85 اما هذه السنة فرفعنا التقدير الى 90. كما بنينا على اننا نصدر من النفط كل يوم ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل، وهي مخاطرة كبيرة كما يعتقد محدثي. حين يتغير شيء وسط القلق الدولي من مشاكل العالم القديم \"يفرط كل شيء وقد نعجز عن دفع الرواتب لا سمح الله\".محدثي يتصفح مسودة الموازنة ويشير الى الجداول ليوضح كيف فشل الخبراء في اصلاح اخطاء الانفاق لهذه الثروة. يقول ان المفروض ان يقدم الخبراء صيغ عمل للساسة، لكن الساسة في الغالب يرفضون الصيغ المصممة وفق المعايير الدولية، وكل ما يهمهم هو خطة انفاق مالي تأتي بالمزيد من اصوات الناخبين! والامر هذا يقوم بتحويل الخبير الى مجرد موظف يستثمر خبرته للدفاع عن رغبات السياسي وأحلامه التي لا تطابق المعايير. خبرة الخبير في العراق لا تتحول الى مقترح فني صحيح، بل هي مجرد آلة لتجميل أحلام القيادة الحكيمة.الرجل يواصل: ستأخذ موازنة الامن والدفاع 15 في المائة من الميزانية، بينما ليس للصناعة والزراعة سوى اقل من 2 في المائة لكل منهما. انه خطأ متواصل في كل موازناتنا. وفي النتيجة لم نحصل على أمن ولا زراعة ولا صناعة. هناك مليار وأربعمئة مليون دولار ستسلم فورا لاكثر من شركة من اجل التسليح، بينما تظل البلدات العراقية المطلة على الخليج العربي تشرب الماء المالح.اكثر من وزير اكتشف حين اطلع على الموازنة انه سيظل بلا تخصيصات ولا مشاريع لمدة عام كامل. اكثر من وزير سيتحول الى \"عاطل عن العمل\" لان معظم الجهود تصرف نحو التسلح وأشياء اخرى تستقطب اصوات الناخبين.القائد الامني يستمع الى سؤال شغل تفكيري طويلا: لماذا اعتقلنا 3 آلاف مواطن بعضهم بعثي سابق، قبل نحو سنة؟ كانت التهمة \"تدبير انقلاب منهجي\"، ثم افرج عنهم جميعا بعد شهرين دون توضيح. يجيبك: القادة الكبار اعترفوا مؤخرا بأنهم تعرضوا الى خديعة في قصة الانقلاب. هناك من صمم هذه الخديعة ليزيد الشرخ بين زعماء الكتل!كم خديعة اخرى في الطريق اذن؟ لا احد يدري بالضبط، لكن كل الجالسين يتحدثون عن مخاوف من انزلاق البلاد نحو التقسيم اذا ظلت القرارات تصنع على نحو ارتجالي، واستمر فريق واحد في محاولة اخضاع الجميع بالقوة، وسد الباب امام التفاهمات.تسألهم: خلافاتكم لن تنتهي والازمات متواصلة. ولكن أليس من الممكن صناعة نموذج ادارة يجعل التنمية تنطلق الى جوار الخلافات اليومية؟ الكثير من البلدان غير مستقرة سياسيا لكن الحد الادنى من الخطط يأخذ طريقه الى التنفيذ، فلماذا كل هذا التعثر.تطرح الاستفهام ولا تتفاجأ بإجابات مليئة باليأس، تطلب المزيد من الصبر لان علينا ان نتكيف مع التحسن البطيء جدا ونفرح به، اذ لا خيار آخر حتى الان والخشية من \"انزلاق كبير\" قائمة.تسأل سياسيا كبيرا، عن سياسي آخر \"صار كبيرا جدا\": انت تعرفه من 10 اعوام وتعمل معه، هل لاحظت انه تطور من حيث الخبرة؟ فيجيبك: نعم انه يتطور ولكن بالعكس، فهو ينبش في وثائق الدولة القديمة و\"يتعلم\" من هوامش صدام حسين على الكتب الرسمية! كل يوم يرصد اسلوب صدام في ادارة الملف الكذائي او القضية الفلانية. كان يعارض صدام بقوة لكنه اليوم لا يخفي على زواره ان طريقة الدكتاتور السابق \"كانت مناسبة لعلاج تحديات حكم العراق\"! كلما عجز مستشاروه عن تقديم حل، هرع صاحبنا الى ارشيف الاخ الدكتاتور. يضيف قائلا: في الشهور الاخيرة انهمك \"السياسي الكبير جدا\" بهذه الوثائق اكثر من اللازم، لقد \"أدمن على قراءة خط الريّس، ولكل إدمان عواقبه\".