أحاديث شفوية: المال والطائفية

Saturday 6th of October 2012 10:05:00 PM ,
العدد :
الصفحة : مقالات واعمدة ارشيف ,

 احمد المهنالم يخلق المال أحزاب الاسلام السياسي السني والشيعي. فقد ولدت نتيجة عوامل اجتماعية وثقافية. شأنها في ذلك شأن الأحزاب الشيوعية والقومية. وبينما دخلت الأحزاب الأخيرة مرحلة الأفول، ازداد زخم أحزاب وجماعات الاسلام السياسي، خاصة بعد \"الربيع العربي\".

ولعل البعض الأقل من هذا الزخم يمكن تفسيره بعوامل تاريخية وفكرية. أما بعضه الأكبر فيعود الى البترودولار الخليجي والايراني. والعراق مثل يمكن القياس عليه في بقية البلدان العربية. وهو مثل يُستثنى الكرد منه، لاختلاف ظرفهم التاريخي الذي انتج احزابا نشأت وتطورت بمعزل عن عامل البترودولار.ان اغلبية الجمهور العربي في العراق، ومعه الأقليات، ليست \"اسلامية\" الهوى ولا طائفية. ومع ذلك فان الأغلبية السياسية القوية طائفية الطابع. وهذه الأغلبية مقسمة ما بين \"التحالف الوطني\" الشيعي، و\"القائمة العراقية\" ذات الأغلبية السنية. وهذان الكيانان يملآن الفضاء السياسي والاعلامي في العراق. الأول مدعوم ماليا وسياسيا من ايران، والثاني، على الأقل عند تشكيل القائمة العراقية قبيل انتخابات 2010، مدعوم ماليا وسياسيا من السعودية.أما الأغلبية، التي تتطلع الى حياة طبيعية بعيدة عن الاستقطاب أو الصراع الطائفي، فانها تفتقد الى التمثيل السياسي والاعلامي. فعجلة السياسة أصبحت تدور بالمال أو النفوذ الحكومي، أو كليهما. أما الإعلام فهو في كل زمان ومكان لا تقوم له قائمة دون المال. وقد توجد قوى سياسية مدنية أكبر من حيث الجماهيرية من بعض الأحزاب والجماعات الطائفية. ولكنها تفتقد الى قوة الحضور على المسرحين السياسي والاعلامي لافتقادها الى المال والجاذبية. فهي لا تستطيع افتتاح المكاتب والمقرات أو شراء الولاء بالنفوذ الحكومي ولا بالأموال، ولا تستطيع اصدار صحيفة أو اطلاق فضائية، كما انها لم تبتكر وسائل جذب بديلة عن المال والسلطة.هذه الحالة تنطبق بهذا المقدار او ذاك على معظم الجمهوريات العربية. فالبترودولار الخليجي السني يمول الأخوان المسلمين والسلفية، والبترودولار الايراني يمول الحركات والأحزاب الشيعية واحيانا السنية اذا قضت السياسة كما في حالة تمويل طهران لحماس. وتبدو نظم البترودولار عارفة بما تفعل. دول الخليج تريد أن تقدم نفسها نموذجا على الاستقرار والرفاه. وبالتالي فان لا مصلحة لها في قيام نماذج حكم ديمقراطية متقدمة عليها، يمكن أن تمثل لها تهديدا في المستقبل. ومثل هذه النماذج مرفوضة بدورها لدى حكومة طهران الثيوقراطية والحاضنة الأم للقوى والأحزاب الشيعية.والقاعدة والاستثناء في هذا السلوك السياسي يمكن تفسيرهما بالنفط والسلطة والتجانس أو التعدد الطائفي. فليبيا يمكن أن تفلت من قبضة البترودولار الخليجي لكونها دولة نفطية سنية مدنية السلطة. ولكن العراق النفطي لم يفلت من صراع البترودولار للتعدد الطائفي في داخله ومحيطه. ومن دون النفط والسلطة الدينية ما كانت حكومة ايران نفسها لتصبح رأس حربة في الصراع الطائفي الدائر في المنطقة. وهذا الصراع لا يهدد الغرب كثيرا لأنه لا يمنع الصادرات النفطية. ويفيد اسرائيل لأنه يبقي المنطقة ملتهبة وضعيفة. ويضر الدينامية السياسية التي صنعها \"الربيع العربي\"، وقبله الثورة الخضراء في ايران، بتجميده تلك الدينامية أو تأخير اقلاعها الى أفق التحرر الانساني. ونجاح الصراع الطائفي في ذلك يعني إعادة انتاج \"الاستثناء العربي\" وشقيقه الايراني، أي موت الحياة السياسية. وقد كان ذلك الاستثناء، مثلما هو الصراع الطائفي اليوم، الابن المسخ للعنة النفط.