الفنــان المغترب فائق العبودي:أعمالي نافذة للتطلع إلى فن الشرق

Friday 11th of January 2013 08:00:00 PM ,
العدد : 2697
الصفحة : تشكيل وعمارة ,

حينما اوشكت أن اعبر حدود الألم بكيت لأني ربما تسببت لهذا الألم بنوعٍ من النكران والتخلي المسبق عنه ولا أعرف هل خانتني شجاعتي أم أنا التي خنت كلماتي وتوقفت لاستذكر الأيام الغابرات حينما كان هناك صوت يقول قفوا ايها الراحلون لتسمعوا بعضاً من كلمات الودا

حينما اوشكت أن اعبر حدود الألم بكيت لأني ربما تسببت لهذا الألم بنوعٍ من النكران والتخلي المسبق عنه ولا أعرف هل خانتني شجاعتي أم أنا التي خنت كلماتي وتوقفت لاستذكر الأيام الغابرات حينما كان هناك صوت يقول قفوا ايها الراحلون لتسمعوا بعضاً من كلمات الوداع... لكن الصدى وحده كان يردد الكلمات وحينما التفت لم أجد رفقتي ولا اصحابي...

وبعد مرور كم هائلٍ من السنوات ربما يصعب حسابه في تقاويم الزمن وجدتني التقي وأحداً من أنهار الفن العراقي المتدفق بهدوء وبلا ضجيج مخافة أن يزعج الفراشات الهاجعات فوق أزهار الألق، الفنان التشكيلي فائق العبودي الذي غادرنا منذ العام 1997 إلى سويسرا ليبدأ رحلة المجهول، قادتني الصدفة لألتقيه عند زيارته لبغداد مؤخراً، ولا أدري كيف استطعت التعرف إليه وأنا التي اعتدت أن أنسى الأشكال بمجرد أن أدير وجهي، ربما هو وجهه بملامحه الشرقية التي لم تستطع الغربة أن تغير شيئاً منها فظلت كما عناد قلبه المتشبث بهوى أرض بغداد تلك الملامح السمراء تقول أنا عربي من وادي الرافدين... لوني كغرين هذه الأرض.. ولن تغير الأيام شيئاً من ملامحي ولا احساسي. ولأني كنت أحبس دمعة تكاد تفر من مقلتي لذا ابتدأت كلامي معه عن الذكريات...

 

* كان معرضك الأخير قبل أن تودع العراق مغادراً في رحلة بلا تخطيط مسبق لها ثم تحولت إلى رحلة بلا عودة يتحدث عن الرحيل الذي تجسد بشكلٍ عملي.. هل يمكن ان يكون العمل الإبداعي نبوءة العراف؟

- بالتأكيد الفن يتعامل مع الإحساس وأنا دائماً كنت احس بالاغتراب وأنا داخل بلدي، مع كل الحب الذي أكنه لهذا البلد العريق والجميل وارتباطي العميق بحضارتي التي اقدسها لهذا كنت أشعر بالرحيل وألمه الممض في داخلي وأنا لم أرحل بعد، ثم فجأة اضطررت للسفر لكني وأقولها بكل أسف ومرارة لم اعش الغربة وأنا في بلاد غريبة عني بقدر ما كنت أعيشه هنا في بلدي وعلى أرضي وبين اهلي. ربما هذا الرحيل الذي تحدثت عنه في لوحاتي كان هو احساس الفنان المرهف الذي كنت اترجمه على جسد اللوحة من دون ان أدري.

 

* ربما هي الصدفة التي قادتك إلى أن تدخل غمار الصراع الأبدي ما بين السلطة والإبداع الذي لا يعرف رضا طرف عن آخر فهل تجد أن مثل هذا الصراع ضروري ليستمد الفن والإبداع ديمومته؟

- سأتكلم عن نفسي، أنا لست سياسي وأنا ضد السياسة هذه اللعبة الفجة، فهي مهنة ليست نظيفة بل أستطيع أن أقول عنها أنها فن المراوغة اللعوب، بينما الفن يقف على العكس من ذلك فهو يتعامل مع الرقي الإنساني والأحاسيس المرهفة الجميلة، أنا لا أقول أن كل السياسيين سيئون ولكن الحقيقة لكي يكون السياسي سياسياً جيداً عليه أن يكون مراوغاً جيداً، بينما لكي يكون الفنان شخصاً مبدعاً عليه أن يكون في قمة الإحساس والرقي... وربما تلعب الصدفة دورها في أن نلتقي هنا في نفس المكان الذي تعرضت فيه إلى الملاحقة من أجهزة الأمن والمخابرات العائدة للنظام السابق في بغداد عندما كنت أتحدث مع الوفد الأوكراني فُعد ذلك في خانة التجسس وتم اعتقالي في الحال واقتيادي إلى إحدى غرف الطابق الأول في الفندق واستجوابي، عندها شعرت بحجم الخطر الذي يحيق بنا من دون أن نستشعر مدى قربه، كما إني احسست بالإهانة وأنا اقتيد بهذا الشكل الفج، لذا، قررت منذ تلك اللحظة الرحيل عن بلدي.. وابتدأت رحلة اكتشفت فيما بعد، مع كل المرار الذي قاسيته، كم كانت ضرورية لتطوير حالة الإبداع لدي واستفدت في اغناء تجربتي في الخارج.

 

* وماذا أضافت الغربة لتجربة فائق العبودي التشكيلية؟ وإلى أي مدى تسهم الغربة في تطوير تجربة المبدع؟

- شخصياً افادتني الغربة وأثرت تجربتي الفنية بشكلٍ ملحوظ، ذلك إنها اتاحت لي فرصة الاختلاط بفنانين من مختلف الجنسيات وهم مبدعون يشار لهم بالبنان، ما كان لي أن احلم يوماً بالالتقاء بهم لولا تجربة الغربة هذه كما اتاحت لي فرصة عرض أعمالي في كبريات صالات العرض العالمية وفي مختلف المحافل الدولية والاستفادة من تجارب العروض المشتركة مع فنانين عرب وعالميين.. وهذا كله اثرى رصيدي الفني.

 

* وكيف يوظف المبدع وخصوصاً التشكيلي مفردات مجتمع غادره في أعمال قد لا يبصرها سوى أفراد لا يمتون إلى مجتمعه بصلة وعليه أن يكون قادراً على إيصالها إلى وجدانهم قبل قناعاتهم وفهمهم؟

- أقول لك شيئاً ولا أبالغ إنني لم أجد أي صعوبة في عرض أعمالي امام المتلقي الأوربي الذي وجدته متابعاً شغوفاً لحضارات الشرق لا بل ولديه من المعلومات عن حضاراتنا أكثر مما نمتلكه نحن ولديه وعي بكل ما يحيط بها من غموض أو معرفة. ولا أبالغ أيضاً عندما أقول إنني وجدت كل الترحيب عندما قدمت أعمالي في معرض لأول مرة لأنها ،وكما قال لي الكثيرون منهم، إنها فتحت لهم نافذة جديدة للتطلع إلى فن الشرق وخصوصاً من بلدٍ مثل العراق ضمت أرضه أخصب الحضارات وأغناها.

 

* ولكن في متابعة بسيطة لأعمالك الأخيرة نجد أنك اختصرت الكثير من الرموز، فهل كان هذا نوع من التعبير عن واقعك الذي اختصرت فيه الكثير من العلاقات الشخصية والتفاصيل اليومية مرغماً بسبب ابتعادك عن الوطن؟

-  الرمز في لوحاتي احتجب وراء الاختزال لأنني صرت اعتمد على تقنية العمل واوظفها بشكلٍ مختلف لأنها تخدمني أكثر في التعبير ولكني في المعرض الأخير اشتغلت على الرمز لأنني احسسته يخدمني أكثر في تقديم الفكرة الواضحة والجميلة عن بلدي الذي يؤلمني أن أجد أحد ما يحمل صورة سيئة عنه بسبب الإعلام المغرض الذي شوه صورة هذا البلد الجميل.. لذا كان استخدامي للرمز والتقنية في العمل مترادفين لتحقيق مشاعري على اللوحة.

 

* أسست مجلة (ألوان) الإلكترونية فهل لك باع في هذا المجال أم أنه الإبداع يلح أحياناً لدمج كل الفنون؟

- في الحقيقة "ألوان" كانت تجربتي الأولى وكانت وليدة الصدفة، إذ كنت عملت مدرسة لتعليم التصميم وفكرت عندها أن أعمل موقع تصميم مميز ولكي لا أكون أنانياً اردت أن يستفيد الآخرون من تجربتي في هذا المجال فكانت "ألوان"، فكرة لمد جسور التواصل مع المبدعين في الغربة وزملائهم في داخل الوطن وكانت المجلة الثقافية العربية الأولى في أوربا اجتمع فيها المبدعون العرب من شتى بقاع العالم لذا لا أستطيع أن أقول إنها مجلة عراقية، وكانت تعنى بكل أشكال الأدب والفن واحتوت فقرات منوعة وجديدة واستطعنا أن نصدر 16 عدداً منها ولكنها تعرضت إلى التخريب الإلكتروني على يد أعداء الجمال والإبداع والحب ولقد تألمت وشعرت بفقدان شيء حميم إلى نفسي لأني كنت اعطيها الكثير من وقتي ومن جهدي حتى إني لم يعد لدي متسع من الوقت للرسم إذ كنت أعمل عليها 16 ساعة في اليوم.

 

* وبعد كل هذه السنوات وعودتك كيف تنظر إلى تجربة الفنانين العراقيين في الداخل؟

- للأسف وجدت أن الكثير من هؤلاء الفنانين مع إنه يتواصل بالعمل إلا أنه يستنسخ نفسه ونسي أن الفن التشكيلي مثله مثل القصيدة إبداع متجدد. بينما وجدت الكثيرين أيضاً أبدعوا وتجاوزوا الأسوار المحلية وقدموا أعمالاً تضاهي الأعمال العالمية. 

 

* هل تفكر في إقامة معرض شخصي في بغداد ضمن مشاريعك المستقبلية؟

- بصراحة، خلال زيارتي للبلد تلقيت الكثير من الدعوات من جمعية الفنانين العراقيين ومن الأصدقاء لعمل معرض للتعريف بتجربتي، وشخصياً أؤمن أن العراق هو المصهر الحقيقي للفن والذي لا يستطيع أن يقدم شيئاً في بلده لن يستطيع أن يقدم شيئاً في الخارج.. ومع ذلك فإن فكرة إقامة معرض هنا تحتاج إلى التروي والوقت.