هل تعدل الحكومة عن الانتحار؟

Friday 1st of February 2013 08:00:00 PM ,
العدد : 2714
الصفحة : آراء وأفكار ,

لم يعد أعداء العراق بحاجة إلى وضع الخطط وبذل الجهود من أجل تدميره، فمن الغباء أن تطلق النار على شخص مقبل على الانتحار، ذلك أن الذي نفعله بأنفسنا يفوق كثيراً  ما يقدر عليه الكارهون لنا. وقد يبدو الأمر معقولاً إذا ما عرفنا أن علم النفس يؤكد 

لم يعد أعداء العراق بحاجة إلى وضع الخطط وبذل الجهود من أجل تدميره، فمن الغباء أن تطلق النار على شخص مقبل على الانتحار، ذلك أن الذي نفعله بأنفسنا يفوق كثيراً  ما يقدر عليه الكارهون لنا.

وقد يبدو الأمر معقولاً إذا ما عرفنا أن علم النفس يؤكد  أن الإنسان عادة ما يحمل في داخله قدراً من عوامل التدمير الذاتي تعادل عوامل رغبته بالحياة والتمسك بها، ولا يتحكم بإظهارهما سوى وعي الإنسان بإنسانيته واحترامه لكيانه وللآخرين، وبما يؤدي إلى احترام الحياة نفسها. 

ما يحدث في العراق اليوم أنموذج فاضح على انحسار الوعي والتجاوز على كل مقومات الحياة، ويعكس ضيق أفق المتشبثين بالسلطة، دون أن يستعينوا بذاكرتهم، ويطلوا على صور الماضي القريب، ليكتشفوا مساوئ السلطة، وما تجر على أصحابها من مصائب حين يتم استغلالها للوقوف ضد إرادة الجماهير.

لقد بات مكشوفاً أن السلطة تحاول أن تغطي على صورتها المرفوضة جماهيرياً بتحويل الخلافات السياسية إلى صراع طائفي، يؤدي إلى تقسيم المجتمع ويضعه في جبهات متحاربة، لا يمد طرف يده إلى الآخر إلا وهو يحمل السلاح، الأمر الذي يتيح للسلطة عزل من تشاء وتصفية من تريد وفي ظنها أنها إحدى وسائل استمرارها في الحكم.

وفي خضم كل تلك المخاطر، يبدو أن رئيس الوزراء  تائه بين جموحه الشخصي وانتمائه التنظيمي في حزب الدعوة، ومشغول بصولجان الرئاسة وليس بالمهام الحقيقية التي يفرضها موقع الرئاسة، فالذي يجري في البلد معيب إلى حد كبير ويصل إلى مستوى الفضيحة. 

كل العراقيين يدركون مَن الذي وقف وراء هذه الوجوه، وطبيعة الظروف التي جاءت بها إلى واجهة القيادة، والدواعي الحقيقية التي تدفعها إلى ممارسة انتصارات وهمية على الشعب المثقل بجراح الجوع والحاجة والصمود في مواجهة سنوات القمع الطويلة.

وكل العراقيين واعون لحجم الخديعة التي وقعوا بها، عندما جاءت قوافلهم المشبوهة من خارج الحدود محملة بشعارات الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكيف تم طمر تلك الشعارات النبيلة بعد مدة وجيزة في وحول الطائفية والعرقية وفنون الفساد والمصالح الشخصية.

ومع كل أنواع الفساد الإداري وسرقات المال العام من قبل فرسان السلطة المتمسكين بتقوى الدين، والزاهدين بالحياة ومباهجها! فإننا نعيش حالة أزمات متتالية تقضّ مضاجعنا، وترسخ كل عوامل الخوف والترويع في نفوسنا، كل أزمة الغاية، منها استغفال الشعب عن متابعة التي سبقتها، وإشغاله عن حقوقه الأساسية، حتى تبدو الأزمات وكأنها مسبحة طويلة بيد حاكمنا، يسبح بها حمداً للنعم المفاجئة، تتزحلق حباتها من بين أصابعه بطرق مختلفة، وأساليب متعددة، وتصدر أصواتاً غريبة، مقلقة، يتردد صادها في كل أنحاء البلاد.

ومن الأمور العجيبة أن حاكمنا والفرسان الذي يحيطون به يكثرون الحديث عن الدستور لكنهم يقتلون الناس الذين خرجوا للتظاهر بكفالة الدستور نفسه، ويتحدثون عن القانون وحقوق الإنسان وفي سجونهم السرية والعلنية يحشر الأبرياء سنوات طويلة دون أسباب قانونية، وينادون بالديمقراطية، لكنهم يظهرون على الفضائيات بسحنات محتقنة يرفضون موافقة نواب الشعب على تحديد ولاية الرئاسات الثلاث، ويصرون على أن ولاية حاكمنا ينبغي أن تمتد إلى ما قدر الله له، وحتى لو حان اجله فإنهم سوف يستنسخونه في الأنابيب الطبية.

هل يدرك حاكمنا وفرسان دولته أن فضيحة واحدة، من نوع الفضائح التي تتفجر في أروقة الحكومة بشكل يومي، ينبغي أن تكون كافية لاستبدال وجوه، وإسقاط رؤوس، وتنحي أحزاب واستقالة الحكومة؟

ذلك ما يجري في الدول الديمقراطية، وحتى غير الديمقراطية، أو المتحضرة، وحتى غير المتحضرة، التي تتحدث باستحياء عن الديمقراطية.