رسالة من الجبالي إلى المالكي: لقد فشلنا

Sunday 10th of February 2013 08:00:00 PM ,
العدد : 2722
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

منذ ان تفجرت الثورة في تونس وبعدها في مصر، ومن ثم في ليبيا ونحن نردد معهم المقولة الشهيرة: "الدكتاتورية تبنى في سنين وتسقط في لحظات"، وكأن التطور الدراماتيكي المثير في هذه البلدان اراد ان يثبت للعالم أن التغيير ممكن وبأبسط الأدوات، المهم أن تتوافر الإرادة الشعبية المخلصة، وأن يكون هناك استعداد لدفع الثمن، وساعتها سيكون التغيير سهلا، رغم ما يسببه أحيانا من آلام وخسائر في الأرواح والممتلكات، وفي تونس  التي دقت فيها ساعة التغيير بعد ربع قرن من الانتظار على الأقل، في تلك الايام كنت اسمع ساستها يرفعون شعار دولة القانون فكتبت مقالا قلت فيه: هل سيخدع التونسيون مثلما خدعنا، وهل تصبح أقصى أحلامهم موافقة المسؤول على السماح بإقامة ناد اجتماعي للأدباء، أو السماح بإقامة حفلة غنائية على أحد المسارح، وهل ستنتهي تضحيات التونسيين بمثل ما انتهت إليه تضحيات إخوة لهم في العراق لا يستطيعون القيام بمظاهرة أو احتجاج إلا بموافقة السلطات الرسمية؟ وهل سيضع أولو الأمر قانونا للأخلاق العامة مثلما يصر رجال دولة القانون تشريعه لنا، وهل سيستجدون الحرية مثلما نستجديها اليوم؟ وكنت أخشى على أشقائنا في تونس من شعارات تنادي بدولة القانون، لأنها شعارات براقة سرعان ما يلتف الساسة حولها فيفرغونها من مضامينها الحقيقية، فينتشر الفساد المالي والإداري وتكشر المحاصصة عن أنيابها لتتقاسم الأموال والمنافع لتحرم الشعب منها. فما مر بتونس مر في العراق من قبل حيث بادرت النخب السياسية عندنا قبل الانتخابات بالعمل على تعزيز الخطاب الوطني واتخذت جملة من الإجراءات في إطار إشاعة مفهوم الدولة المدنية و روح المواطنة لدى قطاعات كبيرة من العراقيين. فما الذي حدث بعد ذلك؟ قرر اشاوسة السياسة نسف اللعبة الديمقراطية بأكملها والانقلاب على هذه الخطة، والعودة بالبلاد إلى زمن القرون الوسطى".. اليوم يدفع شعب تونس ضريبة شعارات احزاب السلطة مثلما دفعنا وتحولت تونس من دولة للقانون الى حلبة للصراع راح ضحيتها شخصية مناضلة بحجم شكري بلعياد.. ليجد الشعب التونسي مثلما المصري والليبي وقبلهما العراقي امام ساسة لا يجيدون غير لعبة "غزو المناصب" وبيع الوهم للناس، من خلال المتاجرة بالدين للوصول الى كرسي الحكم.. حيث تركوا خدمة البلاد ليحدثوا الناس عن عورة النساء واهمية النقاب وارضاع الكبير وخطيئة الخروج على الحاكم، واتهام المعارضة بأنهم زنادقة وملحدون، بعد سنتين في مصر وتونس وعشر سنوات في العراق اكتشفت الشعوب ان مسؤوليها وساستها فاشلون بامتياز يريدون ان يبيعوا الكذب على انه منجزات، مستغلين حاجة الناس الى الامن والخبز والاستقرار.. وبرغم قتامة الصورة فان هناك خيط أمل ينسجه عدد من الساسة الذين اكتشفوا ان أحزابهم قدمت مصالحها على مصالح الناس..ففي تطور مدهش ومثير لوح حمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس، بالاستقالة إن فشلت جهوده في تشكيل حكومة تكنوقراط تضم كفاءات غير حزبية.
وقال الجبالي إن الوزراء الإسلاميين الذين يتولون حاليا الوزارات السيادية سيتم تغييرهم في سياق مبادرته بتشكيل حكومة محايدة مكونة من كفاءات، موضحاً أن المقترحات المتعلقة بتشكيلة الحكومة «تخضع لأربعة مقاييس، وهي ألا يكون المرشح شارك في الجريمة ضد الشعب التونسي، أو أن يكون منتميا سياسيا انتماء واضحا، وألا يترشح للانتخابات القادمة، وبطبيعة الحال أن يكون كفاءة في مجاله».
هذا رجل على رأس حزب ديني، يعلن للعالم فشل حزبه في إدارة البلاد ويطالب بأن تدار البلاد من خلال كفاءات، ولاؤها الاول للوطن وليس للحزب، ترى ماذا سيقول سياسيونا عن الجبالي هل سيتهمونه بانه ينتمي الى  حزب علماني كافر وانه ينفذ أجندة أجنبية تريد نشر الفسوق والكفر.. ماذا سيقول العراقيون وهم يعيشون في ظل رئيس حزب ديني يتولى وزارة العلوم والتكنولوجيا، وآخر يتولى التعليم.. فيما امور الدفاع والداخلية سلمت الى مقربين واحباب، وكذا الامر في معظم الوزارات.
 يكشف لنا الجبالي ولو متأخرا أن أحزابه لا تجيد سوى نشر الإحباط وقتل الأمل في النفوس، وتحويل البلدان التي انتظرت السعادة الى بلدان يرضى أهلها بما مقسوم لهم في ظل ساسة ومسؤولين مهمتهم الاولى تعبيد طرق الأخرة أمام الناس وطرق السعادة والرفاهية أمام عوائلهم واحبابهم ومنتفعيهم.