رياحٌ صفراء

Tuesday 16th of October 2012 08:43:00 PM ,
العدد : 2624
الصفحة : الأعمدة , سعدون محسن ضمد

بقي موقف الجيش المصري خلال ثورة 25 يناير، يثير شكوكي، فلم أقتنع أن ينزل جيش عربي إلى الشارع، فقط لتأدية مهمتين بريئتين، الأولى حماية شعبه الثائر من بطش النظام، والثانية حماية مؤسسات الدولة من تهور هذا الشعب، راقبت جنود هذا الجيش من على الشاشات، ولم أفهم هدوءهم وهم يراقبون هيجاناً جماهيرياً وحكومياً قل نظيره. حقيقة لم أفهم هذا الحدث، فقد تعودت على الجيوش العربية الباسلة، وفي مقدمتها الجيش العراقي الذي تحول، في عهد صدام وما بعده، إلى خاتم سحري في اصبع حاكم يلعب به في أوقات فراغه ويستدعي مارده متى أراد ليحيل أرض بلاده إلى خرائب نائمة على قبور جماعية.
اعتقدت أول وهلة أن الموضوع كله مدبر، بهدف توفير ممر آمن للدكتاتور يعود من خلاله إلى كرسي الرئاسة ولو بوجه آخر، لكن تتابع الأحداث اثبت خطأي واوصل الجيش انضباطه وأعاد الأمانة للشعب منسحباً لثكناته، فقلت في سري، هذه مؤسسة تحترم نفسها، لم نعرف لها في العراق مثيلاً.
ثم حدث موقف مؤسسة القضاء المصرية، على هامش محاولات الرئيس مرسي اقصاء النائب العام، فقد وقفت هذه المؤسسة بقوة وأفشلت سعي الإخوان لتفريغ استقلال القضاء من محتواه كما يحدث عندنا في العراق.
والسؤال الذي لم استطع الجواب عليه حتى الآن هو: كيف بقي الجيش وبقي القضاء بهذه القوة وبهذا الاستقلال خلال وبعد عهد مبارك؟ هل لأن مؤسسات الدولة في مصر أكثر استقلالا ورصانة من جميع محاولات المستبد الهيمنة عليهما، أم لأن الهيمنة على تلك المؤسسات لم يكن وارداً في مخططات الدكتاتور المصري؟
قد يقول قائل بأن الأمر ليس بهذه المثالية فالجيش المصري لم يكن بريئاً لهذه الدرجة، كما أن القضاء المصري اشترك مع مبارك بالكثير من جرائمه، لكن وحتى مع ورود هذا الاحتمال يبقى أمر هاتين المؤسستين لافتاً بالنسبة لنا في العراق، ذلك أنهما نجحتا بالإبقاء على مسافةِ كرامةٍ بينهما وبين السقوط التام في خندق الحكومة. أقصد؛ حتى لو كان قادة الجيش والقضاة لصوصاً، فهم على الأقل لصوص محترمين، فلماذا حتى اللصوص عندنا أرخص من بقية الصوص؟
لماذا تستمر هزيمة مؤسساتنا أمام هيمنة الأحزاب ومن ثم الحكومة على كل شيء؟
يفترض أن تكون لدينا مؤسسة إعلام دولة، لا مكتب إعلانات حزبية وحكومية، ويفترض أن تكون لدينا مؤسسات رقابية عادلة ومحايدة، لا مؤسسات ابتزاز، ويفترض أن تكون لدينا سلطة تشريعية، لا بورصة تبادل منافع وحلبة صراع ومزايدات طائفية وأثنية، ويفترض أن تكون لدينا سلطة قضائية عادلة، لا مؤسسة لتصفية حسابات الحكومة مع خصومها السياسيين.
ما يدعوني للمقارنة بين استقلال السلطات في مصر وبين استقلالها في العراق هو خبر إصدار مذكرة اعتقال بحق سنان الشبيبي، وسواء أكان الخبر صحيحاً أم لا، وسواء أكان السيد محافظ البنك المركزي متهماً أم لا، فإن صدور المذكرة بهذا الشكل وهذا الوقت ينتقص من هيبة واستقلال المؤسسات المعنية بالموضوع، إذ ليس من المعقول أن تهب رياح هذه المؤسسات بنفس اتجاه وسرعة رياح الحكومة بشكل دائم ومستمر، ليس من المعقول أن جميع ملفات الفساد انتهت ولم تبق إلا تلك المتعلقة بالهيئات المستقلة فتتحرك تلك المتعلقة بالرئيسين السابقين لمفوضية الانتخابات، وهيئة النزاهة، وبمحافظ البنك المركزي؟