الروائي الباكستاني محسن حميد.. كيف تصبح غنياً قذراً في آسيا الصاعدة

Tuesday 7th of May 2013 08:01:00 PM ,
العدد : 2791
الصفحة : عام ,

يهوى محسن حميد تأدية الأصوات السردية. من الرواة المتعددين في روايته الأولى "دخان العثة" إلى المنولوج الذي يستمر على طول الكتاب في رواية "الأصولي المتردد" فإن المهارة أكسبت الروائي الشهرة. لكن العثور على صوته الخاص لم يكن بالأمر السهل. كان حميد في

يهوى محسن حميد تأدية الأصوات السردية. من الرواة المتعددين في روايته الأولى "دخان العثة" إلى المنولوج الذي يستمر على طول الكتاب في رواية "الأصولي المتردد" فإن المهارة أكسبت الروائي الشهرة. لكن العثور على صوته الخاص لم يكن بالأمر السهل.

كان حميد في الثالثة من عمره " ومتحدثاً طليقاً بلغة الأوردو حين انتقل أبواه من باكستان إلى كاليفورنيا. وفي أحد الأيام عثرت أمه عليه وهو يبكي محاطاً بالأطفال على عتبة باب جاره. وبدأوا يسألون أمه بكلمات معادية في ذلك النهار إن كان "معاقاً"- وإن كان ذلك هو السبب أنه لم يستطع التكلم. وفي الشهر القادم رفض أن يتلفظ كلمة واحدة- حين تكلم أخيراً تكلم بالإنكليزية وبجمل كاملة". 
وبعد ست سنوات وجدت التجربة صداها حين رجعت عائلته إلى باكستان. لقد نسي حميد اللغة الأوردية وأجبره ذلك على "إعادة تعلم لغتي الأولى كونها اللغة الثالثة". وبينما لم يكن يتذكر هذه الفترة من الصمت إلا أنها صاغت شخصيته. إني أشعر، بأي سياق، بأني أحتاج إلى توصيل نفسي لذا فأنا لم أحط بالناس الذين يسألون "ماذا حصل له؟ هل هو معاق؟ لذا تعلمت.. وهو الصفة التي تشبه الحرباء التي تسمح لك أن تتكيف معها". 
في فندق أنيق بلندن التقيناه ، كان حميد يبدو مرتاحاً بالتأكيد. فلهجته مزيج طليق من التلفظ البريطاني والأمريكي، مع تصريفات باكستانية بينما كانت ملابسه معتمة أنيقة وحيادية. وهو طالب حقوق سابق في هارفرد واستشاري إداري في نيويورك ومدير مصنف في لندن ويبدو مسار صنعته ناجحاً. ومع ذلك وخلال مغامراته المشتركة كان يكتب مستلهماً حالته كغريب. ويوضح قائلاً:" إذا كان حسك بالذات قلقاً فإن تصورك أنك آخر يصبح سهلاً جداً". 
حصلت رواية "دخان العثة" على مراجعات مؤثرة ومتابعة كبيرة في باكستان لتركيزها المصدر بالتابو على المخدرات والجريمة والجنس المحظور لكن رواية "الأصولي المتردد" الرواية المرشحة لجائزة البوكر هي التي رسخت اسمه. وأعدت الرواية فيلماً أخرجته "ميرا ناير". 
يعيش حميد الآن في "لاهور" مع زوجته وطفليه وفي هذا الشهر تنشر الرواية الثالثة له بعنوان " كيف تصبح غنياً قذراً في آسيا الصاعدة". يشبه بناؤها كتاب كبير بمساعدة ذاتية،وهي مكتوبة بصيغة الشخص الثاني وتخاطب القارئ بشكل وقح بـ"أنت". وكما في بطل القصة فإن صعودك الخاطف مرسوم في الرواية من الفقر الريفي إلى النجاح الحضري. الإطار غامض على نحو متعمد وبينما تنكشف الحبكة في باكستان على الأرجح إلا أن تضمين الرواية يدل على أن الشخصيات غير المسماة يمكن أن تعيش في الهند أو أي مكان في آسيا. 
إن إزالة ما يسميه "وصمة" البلد كان يعني إنه يمكن أن يستخدم "لاهور" مثلاً كقالب للكونية.. كل مدينة تصارع مع الأمور نفسها- الهجرة الجماعية من الريف، كيف تتعامل مع نظام النقل كيفية التعامل مع المقاولين الجدد في اقتصاد السوق العالمي والعنف الحضري أو المجاري". 
منحته على نحو هام حرية التكلم عن شيء يختلف عن السرد الذي جرت مناقشته كثيراً حول التطرف والعنف السياسي في باكستان." وصف الهند وباكستان أو آسيا (نصف سكان الأرض) كبلدان صاعدة هو شيء لامعقول طبعاً. ومن جهة أخرى فإن الكثير من الناس يأكلون أطعمة فيها سعرات حرارية عالية ويعيشون وقتاً أطول ويحصلون على مال أكثر مما يحصلون عليه قبل خمس سنين أو أكثر. 
يقول حميد : أن من بين هذه الملايين أولئك، الذين يشبهون بطله، يقودون حيوات لا يمكن إدراكها إلى والديهم- على الرغم من العقبات الكبيرة. يقول:" صادفت شاباً منذ وقت قريب كان الأول في عائلته الذي يدخل مدرسة ثانوية. نشأ يتكلم البنجابية ثم دخل مدرسة ثانوية إذ علم أن اللغة الأوردية التي تعلمها كانت هجينة من الأوردو والبنجابية. ثم دخل الكلية إذ اكتشف أن إنكليزيته لم تكن الإنكليزية وعليه أن يتعلمها بصورة صحيحة. إنه مهتم بالأدب الفرنسي وانتهى به الأمر إلى أن يدرس الدكتوراه في السوربون. والآن أفكر:" ياه". 
غير أن قراره في الابتعاد عن الخصوصيات لم يجر استحسانه عالمياً. في أحد المراجعات تعرض الكاتب للهجوم بسبب مساواته باكستان مع الهند و "وإهماله الذي يدل على الجبن" في عدم جعله الدين، وبالأخص الإسلام، أمراً مركزياً. إن حميد غير تبريري. يقول:" باكستان والهند متشابهان بشكل لا يصدق. إذا لم يكن لديك ماء نظيفاً وتعيش في بيوت من صفيح في لاهور أو دلهي.. فإن الحياة التي تعيشها هي نفسها. تستطيع أن تقول أن الهند ديمقراطية علمانية لكن هذا لا معنى له". 
لكن من الواضح أنه ملدوغ بسبب الإيحاء بأن هذا التعتيم كان نتيجة الخوف مشيراً:"أنا أعيش في باكستان وأحاضر في الجامعات وأكتب كتبي. إني شخص علماني جداً.. ولا أشعر أني أسحب لكماتي. رغبتي أن أقنع أكثر مما أغضب. أنا غير مهتم في صنع إشارة رمزية والهرب للعيش في الخارج أو إثارة رد فعل يسمح لي أن أقول:" أوه أنظر، هؤلاء الناس برابرة". وقد تعاملت سابقاً مع الدين كشكل من أشكال سياسات الهوية في رواية "الأصولي المتردد"، يقول: إنه مهتم أكثر في الهدف الروحي من الدين."بالنسبة لي إن شكل لحيتك ليس من الأهمية بمكان". 
يقول:" في الحقيقة بينما رواية "كيف تصبح غنياً قذراً في آسيا الصاعدة"توضح الهوس بالثروة فإنها في الواقع "قصة حب صوفي دنيوي". ويوضح قائلاً:" الحب يضع شخصاً آخر في مركز وجودك وحياتك الخاصة مضببة. ذلك في مركز الفلسفة الصوفية وقريبة لما أنا أبحث عنه". 
هذا يجعل من كتابه الأخير الأشبه بالسيرة الذاتية أشد شخصية. ويقول :أنه الوحيد الذي كتبه بعد أن أصبح أباً وعاد إلى باكستان ليعيش مع والديه. "إن رؤية العالم من وجهة نظر طفل أو شخص كبير السن أصبح شيئاً أميل إليه. وبعد ذلك لم يكن الأمر قفزة كبيرة.. أن ترى أصداء نفسك في كل فرد". 
وخلال جولته في ترويج كتابه الحالي وجهت سهام النقد إلى حميد بسبب التصرف غير الصوفي المتطرف للإطراء المتكرر في التويتر لروايته الأخيرة. لكنه يصرّ على أنه حذر من أن يؤثر عليه الرأي النقدي". قال الكاتب الأمريكي رسل بانكس لي أنك لا تستطيع أن تعرف لمدة عشر سنوات بعد ظهور كتابك السبب في قراءته". 
ويعترف بأن بعض القراء لرواياته الأولى ربما لم تكن يهتزوا طرباً بمثل رواياته المتأخرة. " كنت في مهرجان كراتشي قبل شهر وأعطاني شاب رسالة تقول:" هناك ثلاثة منا في مدينة صغيرة ونحن حقاً نعرف رواية "دخان العثة". لهذا وضعنا نقودنا معاً ليشتري واحد منا بطاقة حافلة للرحيل 600 ميل ويعطيك هذه الرسالة". يضحك حميد ويضيف:" تقول الرسالة:" نحن عملياً نحب المخدرات ومشاهد الجنس". اعتقد أن التضمين هو المقالة النقدية التي لم تحملها رواية "الأصولي المتردد" لكنهم أنهوا القول:" نأمل في المستقبل أنك تستطيع الاستمرار كي تبقي معجبيك سعداء". 
عن/ صحيفة الغارديان