إسطنبول في البصرة

Saturday 29th of June 2013 10:01:00 PM ,
العدد : 2831
الصفحة : الأعمدة , طالب عبد العزيز

لأن البصرة تتمتع ومنذ فترة ليست قصيرة بفسحة كبيرة من الأمن، ولأنها سبقت مُدنا ًعراقية أخرى في الوسط والجنوب بالعمل على افتتاح الأسواق الكبيرة (المولات) من خلال الدخول المبكر للشركات الأجنبية والتركية خاصة، فقد صار بإمكان الأسر البصرية اليوم، من النساء والرجال والأطفال التسوق على الطريقة الحديثة بعيدا عن ضيق المحال ومضايقات الشبان في شارع عبد الله بن علي وسوق المغايز، بل ولبس ما يمكن لهن من ثياب جميلة والتجول حاسرات الرؤوس وببنطلونات أنيقة وتي شيرتات غاية في الكمال واللطف بعد أن افتتحت بعض الشركات التركية واللبنانية العديد من مراكز التسوق الكبيرة (المولات) والمطاعم العائمة على شط العرب وغير العائمة بمناطق متعددة من المدينة التي بدأت تستعيد استعادة واعية لزمنها البصري السليب، في استذكار حضاري واضح لمظاهر البهجة والفرح والحياة التي كانت عليها.
وفي الطابق الخامس في مجمع مكسيمول بضاحية الجزائر الراقية بدت الأشياء مختلفة تماما، فهناك حشد من العمال الأتراك والعراقيين في الكافيتريا التي تقدم أشهى المقبلات التركية واللبنانية كذلك وجدنا الأمر في المطعم التركي الذي يقدم أطيب أنواع الأكلات الشرقية والغربية، الكباب بالباذنجان والكباب التركي المتبل بالأسياخ الطويلة فيما كانت الأسر تهرب من حر البصرة نحو المرطبات والبوضا التركية بأنواعها الفاخرة. وعلى الرغم من أن وقتا طويلا لم يمض على افتتاح المول هذا لكن ازدياد عدد المتسوقين وتوافد الزائرين مؤشر واضح على أن الفرصة التي تتيحها الأسواق الكبيرة والحديثة والتي تعمل على وفق أحدث الطرز، تلاقي إقبالا من قبل جمهور المدينة حيث تمنح فرصة التجوال في المول الأسر إحساسا بالطمأنينة التي يبعثها تواجد مفرزة الشرطة عند المدخل فضلا عن شعورهم بالاحترام والتبجيل الذي يضفيه المكان .
قد يقول أحدهم أن لا معنى للطعام والشراب هنا لأنه متوافر في أمكنة أخرى داخل الأسواق لكن الخدمة وطريقة التقديم والأناقة المستخدمة في المول تجعل سلوك الإنسان مختلفا، أكثر تهذيبا. ذلك لأن الحياة تنطوي سر تبدلها نحو الأفضل، وما نشاهده من تحضر في سلوك البعض من شبابنا وإنساننا بشكل عام مؤداه أن الأمكنة بحد ذاتها تحملهم على السلوك الجديد هذا، وهنا هاجمني أحد الزملاء بقوله ماذا لو أن عشرين شخصا من شباب إحدى الضواحي الشعبية دخلوا المكان، وبهيئاتهم التي هم عليها كيف ستتصوره، ألا يقلبون المكان ؟ قلت أعتقد أن لا شيء من هذا سيحدث، وسيضطر هؤلاء الفتية المضطربون اجتماعيا لتعديل سلوكهم بسبب أناقة المكان ذاته وتحضر وجاذبية سلوك العاملين والمتسوقين معا وقد تكون كاميرات المراقبة التي ترصد تحركات الجميع أيضاً رادعا أمنيا وهناك أسباب أخرى تهذب الكثير من سلوكهم وطباعهم، ولا أظن مخلوقا ما، يدخل مكانا كهذا دون أن يحرص على أن يكون منسجما متوازناً.
لم يكن مكسيمول هذا الفسحة الوحيدة المتاحة للأسر في المدينة ففي المطعم اللبناني العائم داخل سفينة السلام على كورنيش شط العرب بدت الأشياء أجمل، فمن لم يزر لبنان ويستطعم المزات اللبنانية الشهيرة هناك، صار بمقدوره مشاهدة ذلك والتلذذ بالطعم والنكهة تلك، وهناك طاقم خدمة مميز، أثبت لنا بأن مطاعمنا الكبيرة والصغيرة لم تتعلم بعد طريقة خدمة الزبائن، فالكلام المنغم مع الابتسامة والانحناءة التقليدية صارت تجذب جمهور البصريين نساء ورجالا، ولو أن الحكومة المحلية سمحت لهم بتقديم المشروبات الروحية مع الطعام لما وجدنا في المطاعم هذه كرسيا شاغراً، ذلك لأن صالة أخرى (كوفي شوب) تم افتتاحها مؤخرا في ضاحية الجزائر صارت تقدم الأركيلة للنساء، بل ويقول صاحبها إن أول أركيلة قدمتها في الصالة هذه كانت لامرأة بصراوية .
تحسن أحوال المواطنين وزيادة دخلهم وشعورهم بالأمان وثقتهم بحكومتهم وقضايا أخرى ستعمل على تغيير نمط الحياة بما فيه آلية التسوق والتجوال داخل المولات التي يزداد عددها يوما إثر آخر، لكن فسحة الحرية الشخصية تبقى هي الأهم والأثمن وما في جعبة الحكومة المحلية الجديدة من برامج وتطلعات رهان على مستقبل حياة سكان المدينة.