العراق من دولة البعثنة إلى دولة المكوّنة

Monday 29th of July 2013 10:01:00 PM ,
العدد : 2856
الصفحة : آراء وأفكار ,

تميز العراق بتركيبة سكانية متعددة القوميات والأديان والطوائف والمذاهب والعشائر فضلاً عن هويات اجتماعية وثقافية أخرى . وهذا التنوع من شأنه ان يكون منسجماً وعامل نعمة لقاعدة صلبة في عراق موحد إذا توافر نظام سياسي يقوم على مبادئ ومعايير عاقلة وتشريعات و

تميز العراق بتركيبة سكانية متعددة القوميات والأديان والطوائف والمذاهب والعشائر فضلاً عن هويات اجتماعية وثقافية أخرى . وهذا التنوع من شأنه ان يكون منسجماً وعامل نعمة لقاعدة صلبة في عراق موحد إذا توافر نظام سياسي يقوم على مبادئ ومعايير عاقلة وتشريعات وسياسات ضامنة لحق التنوع والاعتراف بالآخر ، والمشاركة بإدارة الشأن العام على أساس المواطنة دون تمييز ، والمساواة التامة أمام القانون . وان غياب هذه الضرورات كلاًأو جزءاً سيكون هذا التنوع غير منسجم وسبباً من أسباب تقسيم  العراق وعاملاً من عوامل إضعافه باستمرار .

ومنذ احتلال العراق عام 2003 تم وضع الوطن بين سندان الماضي الرديء (عراق البعثنة الدكتاتوري) ومطرقة الآتي الصعب التحقيق ( عراق الديمقراطية المدنية) .وما بين هذا السندان وتلك المطرقة غرق العراق في خيارين ،الأول خيار نظام المحاصصة المكوناتي (الطائفي الإثني) والثاني خيار الإرهاب السلفي الأسود . وقد نسيأو تناسى هذا اللاوطني (المحتل والمحاصصيوالإرهابي) أنّ هناك خياراً ثالثاً وطنياً يتمثل بإقامة دولة مدنية ديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية يرفض المشاريع اللاوطنية (مشاريع المحتل والمحاصصيوالإرهابي) .
دسترة المحاصصة في دولة المكونة
بيد أن العراق الذي غادر دولة البعثنة وتخلص من محتل ويسعى إلىدحرالإرهابي ظل مبتلى ببلوى المحاصصة المغلفة دستورياًببرقع ، يتوهم البعض أنه برقع بريء هو برقع (المكونات) .. وهذه المفردة غير البريئة وردت أربع مرات في الدستور العراقي لعام 2005 وهي :-
المرة الأولى : تكرس مفردة (المكونات) مكونة الجيش العراقي أي تكريس المحاصصة في جيش المكونات في العراق وليس جيش أبناء شعب العراق (المادة 9 –أولاً– أ :- تتكون في العراق القوات المسلحة العراقية والأجهزةالأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أوإقصاء ... الخ) .
المرة الثانية :تكرس مفردة (المكونات) شعار وعلم ونشيد عراق المكونات أي تكريس المحاصصة في شعار وعلم ونشيد العراق (المادة 12 –أولاً:- ينظم بقانون ، علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي ) .
المرة الثالثة : تكرس مفردة (المكونات) مكونة الحقوق السياسية للقوميات أي تكريس المحاصصة في الحقوق السياسية بدلاً مواطنية الحقوق السياسية للأفراد ضمن التنوعات بمختلف أشكالها وضروبها (المادة 125 يضمن هذا الدستور الحقوق الإدارية (والسياسية) والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة ،كالتركمان والكلدان والآشوريين وسائر المكونات الأخرى وينظم ذلك بقانون).
المرة الرابعة :- تكرس مفردة (المكونات) مكونة تعديل الدستور أي المحاصصة في تعديل الدستور (المادة 142 –أولا :- يشكل مجلس النواب ، بداية عمله، لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي ، مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر يتضمن توصيه بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور وتحل اللجنة بعد البتفي مقترحاتها ) .
إن دسترة المحاصصة هذه نقلت العراق من (دولة البعثنة)إلى (دولة المكونة) على غرار (مودة) شاعت كالعدوى في المنطقة العربية ألا وهي مودة (أخونة الدولة) .
شرعنة المحاصصة في دولة المكونة 
وبقدر ما حرص العراق على مغادرة بعثنة الدولة والابتعاد عن أخونة الدولة فإنه اقترب من مكونة الدولة . فبدلاً من أن يقدم مجلس النواب المنتخب جرعات تشريعية تعزز الوطنية العراقية نراه ، عمليا ، قد اهمل هذه الجرعات وانشغل بتقديم مقترحات قوانين تكرس هبوط المناعة الوطنية العراقية وآخرإبداعاته في هذا المضمار تقديمه ( مقترح قانون تنظيم حقوق مكونات الشعب العراقي) ب 57 مادة تكرس (مكونة الدولة) بمشتقاتها المقيتة (طوائفة الدولة – مذهبة الدولة –قومنة الدولة –عشرنة الدولة ... الخ ) . وإن مجمل هذه المواد في هذا المقترح جهلت أو تجاهلت عن قصد أو بدون قصد المعايير التي اعتمدتها قوانين البلدان المتعافية التي تحترم حقوق الإنسان وتحمي كرامته بوصفه فردا مواطنا. فكل هذه البلدان تحتضن أفراد مواطني أولاً وجماعات أقليات تعيش وسط أكثريات ثانيا .وبقدر تعلق الأمربالأقليات (وليس المكونات) هناك معايير أقرتها الشرعية الدولية واستساغتها قواعد المنطق والعقل الإنساني تؤكد اليوم حقيقة مفادها أن قوة الأكثريات تتأتى من تقوية هذه الأكثرياتللأقليات التي تعيش وسطها من خلال:-
أولاً:- اعتماد الأكثريات مبدأ المساوة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز مع التمييز الإيجابي لصالح الأقليات .
ثانياً :- اعتماد الدولة سياسة تمكين الأقليات التي تعيش وسطها من ممارسة وحماية حقوقهم الثقافية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية مع الإقرار بحقوقهم السياسية كمواطنين وليس كأقليات .
لكن مقترح قانون تنظيم حقوق مكونات الشعب العراقي الذي يصر مجلس النواب على أن يقدمه يراد منه تجذير وزرع ريح المحاصصة ليحصد العراق في حاضره ومستقبله زوابع هذه الريح العفنة . وعليه ينبغي لفت الانتباه والتحذير مما يأتي :-
أولاً : من باب التمييز الإيجابي لحقوق الأقليات وتمكينها من حماية وممارسة حقوقها كان على مجلس النواب ان يقترح قانوناً لتنظيم حقوق الأقليات (وليس المكونات) لا (مقترح قانون تنظيم حقوق مكونات الشعب العراقي) ،وهذا ما درجت عليه كل البلدان التي تحتضن أقليات وسط أكثرياتها . أو أن يكون المقترح باسم ( مقترح قانون تنظيم حقوق الجماعات التي لاتشكل أكثرية وسط الأغلبيات في المحافظات أوالأقضيةأو النواحي .
ثانياً :إذا تم التبديل آنف الذكر يفترض أن يتم ما يأتي :-
1. رفع كلمة أو مكونات أينما وردت في المقترح.
2. تعريف (الأقلية) أو (الجماعات التي لا تشكل أكثرية) بدلاً من تعريف (المكون أوالمكونات) (م2) .
3. لا علاقة للجماعات التي تشكل الأكثرية بهذا المقترح ... وهذا يعني ضرورة رفع الباب الذي يحمل عنوان (الحقوق الفردية للمنتمين إلى المكونات) .
4. الإبقاء على الأبواب المتصلة بحقوق مكونات الأقلياتأو الجماعات التي لا تشكل أكثرية بما فيها بحقوق (الهوية – الثقافة – اللغة – استخدام اللغات الرسمية في الوحداتالإدارية المحلية ومؤسساتها – استخدام اللغات الرسمية في التعليم – التعليم –الإعلام– الدين –الأمن– الفرص الاقتصادية والاجتماعية ) فقط .
5. إلغاء مواد الباب الذي يحمل عنوان (المشاركة في الحياة السياسية) لأن ذلك يمثل حقاً وطنياًبامتياز لكل مواطن عراقي دون تميز أو استثناء لأي مواطن سواء كان من الأكثرياتأو من الأقلياتأو الجماعات التي لا تشكل أكثرية .
6. إلغاء مواد الباب الذي يحمل عنوان (المجالس الاستشارية المجتمعية) ومواد الباب الذي يحمل عنوان (مجلس مكونات الشعب العراقي) لأن العراق وفق الدستور والقوانين يحتضن مجالس تمثيلية منتخبة على مستوى اتحادي (مجلس النواب) وعلى مستوى الأقاليم وعلى مستوى المحافظات والأقضية والنواحي (مجالس أقاليم– مجالس محافظات – مجالس أقضية– مجالس نواحٍ )فلا حكمة ولاضرورة من مجالس مكونات تجنبا للتخمة في المؤسسات وتلافيا لهدر المال العام وتحصنا من الفساد والإفساد .
ثالثا :إن الأسباب الموجبة لهذا القانون المذكور في المقترح تشير أكثر من مرة إلى مفردة (مكونات) بشكل عام ولا تشير إلى تنظيم حقوق أقلياتأو جماعات لا تشكل أكثرية . والمفهوم من المكونات وحدها وفق القراءة لهذه الأسباب الموجبة تفسر على أنها تخلط بين الأقليةوالأكثريةلأنها تشمل الاثنين معا (الشيعة – السنة – العرب – الكرد – التركمان – المسيحيين –الإيزيديين– الصابئة ... الخ من المواطنين العراقيين) الأمر الذي يتطلب تبديل صيغة الأسباب الموجبة هذه لإزاحة الصبغة التحررية (الإنسانية) التي أراد واضعو هذا المقترح أن يكون القانون بها . وأن التبديل هنا لابد أن يتضمن أسباباً موجبة تنسجم والهدف من القانون ودواعيه أيبهدف حماية وتنظيم حقوق الأقلياتأو الجماعات التي لا تشكل أكثرية في العراق .
رابعا: إن ركاكه صياغة مقترح القانون لا تخص أخطاءً لغوية أو مطبعية بل تخص الجوهر والمضمون وهي مخجلة جدا ولا مجال لتسطيرها هنا. وإليكم بعضها على سبيل المثال لا الحصر :
1. يعد جمهورية العراق بتنوعه القومي ... (م 4 –أولا ) !
2. تحظر جمهورية العراق (م5 –أولا ) والصحيح يحظر هذا القانون .
3. يحق للمواطن الذي ينتمي لأقلية عرقية أو قومية ان يثبت ذلك في التعداد العام ... (م7) والصحيح في سياق حماية وتنظيم الحقوق والحريات العامة لكل مواطن انتكتب وتقرأ هذه المادة بالشكل الآتي ( يحق لأي مواطن بمن في ذلك المواطن الذي ينتمي لأقلية عرقية أو قومية ان لايثبت ذلك في التعداد العام ... .
4. تقوم جمهورية العراق بتهيئة الظروف المناسبة (م 11 – ثانيا ) والصحيح (تقوم الدولة بتهيئة الظروف المناسبة ...) .
5. تولى جمهورية العراق حماية الأفراد .. (م12) والصحيح (تتولى الدولة حماية الأفراد...) .
6. تقوم حكومة العراق ... (م 13 –أولا ) والصحيح (تقوم الدولة) .
7. تضمن جمهورية العراق (م 13 – ثانيا) والصحيح (يضمن القانون أو تضمن الدولة).
8. تقوم جمهورية العراق بحماية التراث الثقافي ..(م15) والصحيح (تقوم الدولة بحماية التراث الثقافي ...) .
9. وسمات المكونات التقليدية (م31) والصحيح (والسمات التقليدية للأقلياتأو الجماعات التي لا تشكل أكثرية ) .
باختصار شديد فإن مقترح قانون تنظيم حقوق مكونات الشعب العراقي هذا يبدأ ثم ينتهي باغتيال مبدأ المواطنة وفرض دولة المكونة !