نحن نثق بالعلم

Saturday 14th of September 2013 10:01:00 PM ,
العدد : 2892
الصفحة : عالم الغد ,

كيف يمكن لنا أن نثق بالعلم وهو في تطور وتغير مستمرين؟ كثيراً ما يتردد هذا التساؤل على ألسنة الأشخاص  غير المتخصصين بالعلم، فاليوم توجد نظرية تفسر ظاهرة معينة وغداً تأتي نظرية أخرى أفضل منها، والمثال الأشهر على هذه المسألة هو نظرية الجاذبية لنيوت

كيف يمكن لنا أن نثق بالعلم وهو في تطور وتغير مستمرين؟ كثيراً ما يتردد هذا التساؤل على ألسنة الأشخاص  غير المتخصصين بالعلم، فاليوم توجد نظرية تفسر ظاهرة معينة وغداً تأتي نظرية أخرى أفضل منها، والمثال الأشهر على هذه المسألة هو نظرية الجاذبية لنيوتن والنظرية النسبية لأينشتاين، فهؤلاء المعترضون يذكرون بان نظرية الجاذبية لنيوتن كانت هي السائدة لفترة طويلة من الزمن إلى ان جاء أينشتاين وقدم نظريته النسبية التي فسرت الكون بشكل افضل وبصورة اكثر عمقاً من نظرية نيوتن. هذا يعني ان جل اعتراضهم ينصب على نقطة واحدة فقط، وهي التغير المستمر في الفروض والنظريات العلمية. ردنا على الحجة السابقة سيكون عبارة عن ذكر مثال اكثر وضوحاً من نظرية نيوتن ونظرية أينشتاين إضافة إلى تأصيل وترسيخ فكرة ان التجديد والتطور في العلم هو امر جيد ومطلوب وبدونه يتحول العلم إلى مجرد أفكار دوغمائية بعيدة عن الواقع. بالنسبة للمثال الذي سنستخدمه فهو ما تم طرحه على انه"اندماج نووي بارد"ففي يوم 23 مارس 1989 تم الإعلان عن مؤتمر صحفي من قبل عالمي كيمياء هما مارتن فليشمان وستانلي بونس، وقد حضر إلى هذا المؤتمر اكثر من مئتي صحفي. ما خرج به هذان العالمان إلى المجتمع العلمي هو التوصل إلى إنتاج تفاعلات للاندماج النووي في درجة حرارة الغرفة العادية! الأمر الغريب في كل هذا ان الاندماج النووي المعروف لا يتم إلا في درجات حرارة عالية جداً، وهو يحدث داخل الشمس والنجوم بصورة طبيعية  إضافة إلى حدوثه داخل المفاعلات العملاقة التي نملكها حالياً، ومفاعلاتنا هذه تمول بثروات هائلة حتى ان عدة دول عظمى تجتمع معاً لتساهم في مثل هذا التمويل. وعليه لابد ان إنتاج تفاعلات نووية في ظروف اعتيادية وبكلفة منخفضة جداً يعد نصراً عظيماً ووصولاً مؤكداً إلى جائزة نوبل  إضافة إلى الشهرة والأموال الطائلة التي ستنهال على رؤوس المكتشفين. لكن لنتريث قليلاً ونرى موقف باقي العلماء في المجتمع العلمي من هذا الموضوع.
في الليلة التالية للمؤتمر الذي عقده العالمان حاول عدد من طلبة جامعة"أم أي تي"إعادة التجربة بالاعتماد على تسجيل فيديوي، بعد ذلك توالت التجارب لتصل إلى أربعمئة تجربة خلال بضعة اشهر فقط. صحيح ان هذا العدد الكبير من التجارب سببه حساسية الموضوع وأهميته بالنسبة لسياسات الدول كافة ـ كان الرئيس بوش يطالع نتائج هذه المسألة أولاً بأول ـ إلا ان جميع الفروض والنظريات العلمية تتعرض لنفس الموقف داخل المجتمع العلمي.
مهما يكن من أمر، لقد تبين بعد إعادة التجربة عدة مرات ان هذا التفاعل غير صحيح وان كل ما قدمه هذان العالمان خاطئ بكل بساطة، ففي مايو 1989 قدم احد الفيزيائيين كل الاحتمالات أمام الاتحاد الأمريكي للفيزياء، وأثبت ان كل التبريرات النظرية غير معقولة. وهذا يعني ان تكرار التجارب وكشف زيف المضللين داخل المجتمع العلمي من اهم الركائز التي يقوم عليها العلم،  حتى إن لم تكن هنالك نية سيئة لدى الباحثين، فان تكرار التجارب التي قاموا بها واختبارها من جديد ينفعنا في تلافي الأخطاء التي قد يقعون بها دون ان يشعروا بذلك.
وفي الختام نقول ان اكتشاف نظريات جديدة اكثر دقة من النظريات القديمة يساهم في إثراء نظرتنا إلى انفسنا والى العالم من حولنا بكل ما فيه، فكلما تقدمت التكنولوجيا التي نستخدمها وكلما عثرنا على طرق افضل في البحث والرصد تمكنا من الوصول إلى فهم أكثر صحة عن الواقع.
المحرر