وتبقى (الدراما) هي الأساس!

Monday 16th of September 2013 10:01:00 PM ,
العدد : 2894
الصفحة : الأعمدة , سامي عبد الحميد

 

في القرن العشرين كثرت أجناس فنون الأداء وتنوعت تقنياتها فظهرت التوجهات التجريبية وفرقها قبل (المسرح الحي) و(مسرح الشمس) و(المسرح البيئي) و(المختبر البولوني) وظهرت (الطريقة) و(البايوميكانيكا) و(مسرح القوة) و(المسرح الفقير) و(ما بعد المسرح) و(الكوميديا الموسيقية) و(مسرح ما بعد الحداثة) وأخيراً (الواقعة)، كل ذلك كان القصد منه التجديد وحتمية تغيير الاعراف والتقاليد في الفن المسرحي، وبالطبع من اجل كسب جمهور اكبر عددٍ واكثر تذوقٍ تمهد هذه التقدمة لظهور ظاهرة (الواقعة) وهي تسمية او مصطلح يحل محل (المسرحية) وهو اتجاه من اتجاهات فنون الاداء لا صلة له بالمدرسة الواقعية ولكنه يستفيد مما هو موجود في الواقع، والحياة اليومية، وفنون العرض المختلفة.
(الواقعة) نوع من العروض طوّره (ألان كابراو) في اميركا في نهاية الخمسينات من القرن العشرين وبدأها برسومات تمثل افعال الانسان عموماً وقام بتنفيذ (كولاجات-تلطيخ صوري عشوائي) كما هو موجود في البيئة والحياة اليومية ثم اضاف اليها اضواءً واصواتاً متقطعة واعتبر ان المشاهدين لتلك العروض جزء من الواقعة.
ولابد ان تكون تلك التجمعات متعارضة ومتحركة وهي صور تمثل ما في الحياة من تناقضات.
عام 1959 قدم (كابراو) ثمانية عشر واقعة لكل منها ستة اجزاء في احد المعارض في نيويورك، وبعد ذلك في باريس حدثت تطورات اخرى للواقعة قدمتها مجموعة من الرسامين بقيادة (ببير رستاني) بدأوا عملهم في فينا حيث راح كل منهم يعمل باستغلال عن الاخرين ولا يوحدهم سوى الرغبة بالاكتشاف- اكتشاف بين تعتمد على الزمن وتقديم صور من الحياة اليومية.
انطلقت مبادئ (الواقعة) من رفض الحدود التقليدية المفروضة على الفنون بمختلف انواعها واستبدالها بمبادئ جديدة او لنقل جماليات جديدة تبغي البؤر المتعددة والتزامن والصدفة وعدم الاستمرارية والتداخل في العناصر، وجميع هذه المبادئ مقتبسة عن المدرسة السوريالية ومؤثرة في (مسرح ما بعد الحداثة).
كان (جون كيج) وهو مؤلف موسيقي من المتأثرين بكابراو، وكان مهتماً في تحريك ادراك المتفرج وتنقله من صورة الى اخرى ومن صوت الى اخر، وكانت اعماله تقصد تجاوز موضوع العمل الفني والوقوف عند تعدد الاشكال طالما ان الحياة نفسها لا تستقر على موضوع معين ولا تثبت على شكل معين, ونظم (كيج) اول واقعة أميركية عام 1955 في كلية (الجبل الاسود) شمال كارولاينا، واستغرق البرنامج خمسة واربعين دقيقة متضمناً عرضاً لرسوم الرسام (بوب روشنبرغ) ومقطوعات راقصة للفنان (ميرس كنغهام) وافلاما وشرائح وفوتوغرافا واذاعة والقاء اشعار للشاعرين (جارلس اولسن) و(أم. بي ريشارد) وعزفا على البيانو ومحاضرة القاها (كيج) بنفسه، وكان عامل الارتجال هو المهيمن على جميع الفقرات.
كان (كابراو) من المعجبين بالفنان (كيج) وقد طور عمله ابتداءً من اهتمامه بالبيئة وتأثيراتها على سلوك البشر وهي نفس الافكار التي تبناها الرادائيون وعمل بموجبها السورياليون. وهو يعتقد ان متفرجي الواقعة انما يكونون جزءاً منها.
ولابد لي ان اذكر بانني عندما كنت أدرس في جامعة اوريغون في الولايات المتحدة الامريكية شاهدت واقعة نظمها احد اساتذة قسم الكلام- المسرح في الجامعة وكانت تتألف من عروض مختلفة في منصات مسرحية داخل قاعة كبيرة ويمر المتفرج عليها جميعاً ليشاهد (مصارعة رومانية) و(رقصا شرقيا) و(العابا اكروباتيكية) و(مشهدا دراميا) وغير ذلك، وبوقتها ناقشت ذلك الاستاذ حول عمله وانتقدت افتقاره لجماليات العمل المسرحي واعتماده على سهولة تنفيذ العروض وبساطتها وحتى سذاجتها ايضاً.
وتبقى (الدراما) هي اساس جميع فنون العرض وهي الاكثر عمقاً وتأثيراً في نفوس الجمهور لانها تمس احاسيسهم ومشاعرهم وافكارهم.