المسرح والتداخل الثقافي بين الأمم!

Monday 7th of October 2013 10:01:00 PM ,
العدد : 2912
الصفحة : الأعمدة , سامي عبد الحميد

تهرب عمل (مينوشكين) المتداخل ثقافياً في الثمانينيات والتسعينيات من الغضب النقدي والموجه إلى (بروك) بشكل واسع حيث أن إخراجها اعتمد على ما هو متخيل من الممارسة الشرقية والذي وضع وفقأً للموروث النصي الأوروبي، وما هو أكثر شهرة عن إنتاجاتها بهذا الخصوص، ثلاث مسرحيات لشكسبير (1981-1984) وأربعة نصوص إغريقية قديمة بين     (1990-1993)  مثلها ممثلون من جنسيات مختلفة ومن الذين تدربوا على صيغ المسارح الشرقية وأبدعوا صيغهم الخاصة، اعتقدت (مينوشكين) بان المسارح الكلاسيكية،  التي مازالت قائمة، في الشرق الأقصى يمكن ان تكون منطلقات مناسبة لبناء صيغ جديدة، لتقديم تواريخ أوروبية قديمة أو من القرون الوسطى على اعتبار ان المسرح الأوروبي لا يمتلك مثل ذلك المعادل، كانت الأزياء في تلك النتاجات المسرحية مزيجا مختارا من الموروث الأوروبي والنماذج الشرقية ،وكان الإخراج قد كسر جميع قيود الواقعية.تغذى ذلك النوع من التداخل الثقافي لدى المستشرقين المحدثين في بحثهم الحنيني للوطن من اجل الشكلانية التي ينعشون بها الممارسة المسرحية ويجددونها، يفترض ان المسرح الأوروبي قد تهالك وان الصيغ الكلاسيكية في الثقافات الشرقية يمكن ان تكون مقالع أحجار للمشاريع الغربية، مع تلك النتاجات للكلاسيكيات الأوروبية، عملت (مينوشكين) مع كاتبة مسرحية هي (هيلين سيكسوس) في نتاجات عن التاريخ الآسيوي المعاصر في مسرحية (التاريخ المرعب واللانهائي لنوردوم سيهانوك ملك كمبوديا)-1985 استخدمت فيه (مينوشكين) عامل الأبعاد-التغريب البريختي إلى جانب صور لتخريب الحقول التي قامت بها جيوش (بول بوت) والقرارات الكارثية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في تلك المنطقة، وفي مسرحيتها (الهند في أحلامها) سجلت ايضاً الكفاح من اجل استقلال الهند، كانت النسبية والمألوفية في الوسط التمثيلي لتلك التواريخ والشخوص الحقيقية أثبتت عدم إمكانية تطبيقها، فقد اضطرب الإنتاج بصور الممثل الفرنسي الأبيض وهو يمثل دور (الملك سيهانوك) ودور الزعيم (غاندي) .قدم إنتاج (مينوشكين) لمسرحية سيكسوس (طبول على السد) 1999 نسخة متخيلة لحدث حقيقي ألا وهو الطوفان في احد الوديان في الصين عند بناء خزان للمياه مما أدى إلى إزالة مجتمعات الثقافات بكاملها، كانت تجربة ثم فيها كسر الأسس المألوفة لدى الممثلين الأحياء الذين تمت معالجتهم كأنهم دمى (بونراكو) تحدياً للأفكار الغربية عن الشخصية الدرامية.ربما اقترب (يوجينوباربا) في (فرقة مسرح أودين) الدانيماركية اكثر من غيره من مفهوم (التداخل الثقافي) في معناه المحدد، حيث انشغل هو والممثلون في الفرقة، رغم جولاته عبر العالم، في عملية المقايضة مع الثقافات الأخرى، كمضيفين وضيوف يتبادلون العروض المسرحية، ولكن مثل هذا التبادل لا يكون متعادلاً على الدوام حيث ان للصيغ التقليدية المسرحية التي يواجهها أعضاء (فرقة أودين) تاريخ وأساسيات ضمن ثقافاتها ومجتمعاتها، لا يصدق مع فرقة (باربا)  التي يمكن النظر إليها كحزمة من التجارب الفنية عالمية المستوى تحاول تأسيس إلزاميات معينة للعرض المسرحي من اجل اكتشاف ما هو مشترك بين الثقافات جميعاً.بوضوح تام لا يعمل (التداخل الثقافي) لوحده في محور مستقيم للشرق/ غرب وللآسيوي/أوروبي، فخلال القرن العشرين بحث المطبقون المسرحيون الآسيويون عن استلهامات من التطبيقات الأوروبية وفقاً للدراما الأوروبية الجديدة مستلهمة من مسرحيات (ابن)، في حين استثمرت صيغة المسرح الموسيقي الأنثوي المسماة (تاكارازوكا) وبشكل كبير صيغاً موسيقية مستعارة من الثقافة الغربية، من اوبرات القرن التاسع عشر، ومن أفلام هوليوود الكلاسيكية، واكثر من ذلك، فان صيغة (بوتو) الراقصة لما بعد (شينغيكي) ورغم اقتباساتها من روحانيات ما قبل الحداثة فإنها تدين الى (مسرح القسوة) لآرتو ولتصميم الرقصات لماري ديغمان، حالياً لا يبحث مخرجون أمثال (نيناغوا) و(اونغ كنغ سن) السنغافوري في إنعاش وتجديد مسرحها الوطني بل يرفضان الأصالة ويحتضنان الوقائع المتعددة والهجينة، من الأسباب التي جعلت (التداخل الثقافي ظاهرة كونية في العالم الأول هو اختلاسها مظاهر الثقافات الأخرى من اجل الوصول إلى أسواق أوسع عن طريق إيجاد مؤشرات مشتركة لأيقونات ثقافية ممنهجة (نياغوا) و(اونغ) ليسا إلا جزءاً من (سيرك) يتنقل عبر العالم في دورات المهرجانات الثقافية السامية والتي ليس للمشاركين فيها مواطن اجتماعية أو وطنية حقيقية محاذية غير ذلك المجتمع الكوني لمستهلكي الفن- العافي والعديد منهم ليسوا إلا سياح ثقافة يمرون بالتجربة المسرحية مرور الكرام.
 يتبع