حرامية الشهادات في الدولة العراقية

Monday 25th of November 2013 09:01:00 PM ,
العدد : 2946
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

نضحك على أنفسنا، يضحكون علينا، نشاهد أحداثا عشناها من قبل، شاركنا في تفاصيلها، انفعلنا بها، سكبنا أنهارا من الحبر حولها، وفجأة تعرض علينا من جديد، فنتعامل معها كأننا نراها للمرة الأولى، ثم نعيد ما فعلناه وندخل في معارك جديدة، وكأن هناك اتفاقا غير معلن بيننا جميعا على أن نشارك في مسرحية نحن جمهورها وممثلوها. ولم تنته بعد المشاهد المثيرة التي قام بإعدادها صاحب "صخرة بغداد" حتى أعدت لنا جهات سياسية وحكومية مشاهد مسرحية جديدة،  ففي إحصائية مثيرة أجراها أحد الزملاء اكتشف أن أكثر من ثلثي المسؤولين والنواب حصلوا على شهادات عليا أثناء فترة الجلوس على كرسي المنصب او عضوية البرلمان، وأضاف الصديق الذي أثق بدقة معلوماته، أن دورتين للبرلمان والحكومة أنتجت المئات من أصحاب الشهادات العليا.. بل ذهب الغرام بالبعض منهم ان حصلوا على شهادات عليا باختصاصات لاعلاقة لها بما درسوه في الجامعة، فنجد أحد الوزراء يتحول من طبيب إلى ماجستير في العلوم السياسية، وآخر من روزخون إلى دكتوراه في علوم الاتصالات، وثالث يسجل رقماً قياسياً في شهادات التخرج، فيحصل على بكالوريوس في الهندسة، وماجستير في علم النفس ودكتوراه في العلاقات الدولية.. أما عن "صاحب الصخرة" فقد اكتشفنا أنه حاصل على شهادة عليا في معالجة النفايات، في الوقت الذي تغرق فيه بغداد بـ" المزابل"!
لا أجد تفسيراً واحداً إلا أن ما يجري هو عبث من نوع خاص، عبث لا يختلف كثيرا عن تصريحات النائب عن دولة القانون محمد الصيهود التي أعلن فيها ان العراق يقف وراء توقيع إيران على الاتفاق النووي مع الغرب، وأن الحكومة العراقية استطاعت ان تغير صورة إيران لدى الولايات المتحدة الأمريكية!
لكن العبث يصبح أكثر مرارة حين نقرأ في بعض الصحف إعلانات مدفوعة الثمن من أموال الدولة لمقالات تكتب عن عبقرية الوزير الذي ناطح هنتغون صاحب "صراع الحضارات".. وان هذا المناطح لم يكتف بذلك بل نشر إعلاناً وبالألوان عن مؤلَّف ضخم يكشف فيه سقوط واضمحلال الولايات المتحدة الأمريكية.
أتذكّر أن العديد من رجال نظام صدام سعوا إلى الحصول على شهادات عليا ليضيفوها إلى سلسلة الامتيازات التي أباحوها لأنفسهم، فوجدنا سبعاوي الذي لم يكمل الإعدادية يصبح "دكتورا" في العلوم السياسية، والمعجزة حسين كامل يتحول من نائب عريف إلى فريق ركن ويتولى مهام ثلاث وزارات في آن واحد،، ويحصل النائب الضابط علي حسن المجيد على شهادة عليا من كلية الأركان لمساهمته الفاعلة في استخدام السلاح الكيمياوي ضد أبناء شعبنا الكردي. ولعل أطرف الحكايات هي حكاية الرجل الظل في النظام "عبد حمود" الذي حصل على شهادة الدكتوراه عن رسالته الموسومة بـ"ستراتيجية النصر في أم المعارك" وطبعا الرسالة لم تذكر نوع النصر، هل هي الهزيمة التي ألحقت بالقوات العراقية أم الشروط المهينة التي وافق عليها صدام لإيقاف الحرب!
اليوم يحاول البعض أن يعيد سيرة عبد حمود وصحبه "الميامين"، فأخذوا يقلدونهم لا في القصور والامتيازات ونهب المال العام والرشوة وحسب، بل أصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤول كبير في إحدى المحافظات يسعى للحصول على درجة الدكتوراه وهو لم يكمل الإعدادية، فيما يتحول مضمد "برمشة عين" إلى مسؤول بارز في إحدى الوزارات، وإمام جامع وزيرا، وأصبح حرف الـ "د" مفتاحاً سحرياً أشبه بمصباح علاء الدين، الكل يسعى للحصول عليه من أجل أن تفتح في وجهه مغارة علي بابا.
والأخطر من هذا أن يرفع البعض شعار" دعهم يمرون " لترسيخ قواعد زواج الفساد بالمنصب الحكومي، ولينال المزورون التكريم والحماية، وليستعد الناس المساكين لظهور سياسي آخر يطالب بتأمين تشريعات تحمي الفاسدين في المرحلة المقبلة، وإقرار قانون يكفل البقاء للأفسد، والوقوف بصلابة ضد المغرضين من الذين يرفعون شعار المواطنة والكفاءة والنزاهة، لأنها شعارات أثبتت زيفها،فهي تريد الالتفاف على صوت الجماهير التي لا تزال تنتظر طلّة وزير آخر يحمل دكتوراه في الضحك على الشعوب..!