بقلم/
يوجين رمر
ترجمة/
سوسن نادر
عن
الواشنطن بوست
ان
الطريقة التي تصرفت بها روسيا فيما يتعلق بالمشكلة التي
حدثت في اوكرانيا زادت من الحديث حول ظهور امبريالية جديدة
في روسيا.
وان تأثير
موسكو المبطن في احداث الانقسام في شرق اوكرانيا يعكس
مخاوف المحللين على كلا الجانبين من الاطلسي ويرجع الحديث
حول موضوع نشوب حرب باردة جديدة. وبغض النظر عن ماذا يحدث
في اوكرانيا فسنسمع قريباً اصواتاً تنادي بإتباع سياسة
بإتجاه روسيا مستمدة من الحرب الباردة (وهي سياسة الاحتواء
الجديد).
وهذا
الوصف أو التشخيص غير دقيق فيما لو اخذنا بنظر الاعتبار
الشواهد التي تؤكد نشوء امبريالية جديدة في روسيا.
ان التدخل
الروسي القوي في السياسة الداخلية لأوكرانيا بدأ ظاهراً
هذه المرة حتى قبل حدوث الازمة في كييف.
وقد تجلت
بوضوح النبرة الامبريالية الجديدة خلال الحملة الانتخابية
الروسية عام 2003 عندما اعتنق الليبراليون الروس فكرة
احياء الليبرالية الجديدة.
ولا يوجد
ادنى شك بوجود مثل تلك النبرة والدليل على ذلك هو التدخل
الروسي في اوكرانيا كما تدخلت روسيا في السياسة الداخلية
لملدوفيا، التي تتمثل بالخطة التي حملها مبعوث الكرملن
والتي تتضمن اعادة بناء ملدوفيا بالاسلوب الذي يتماشى مع
الطموحات الروسية.
اما
جورجيا فقد حاولت اعادة تقوية لحمة الوحدة الوطنية وغلق
القواعد الروسية كما وضعت حداً للانظمة الموالية لروسيا في
جنوب اوسيتا ابخازيا والذين اجتمعوا في موسكو بجو من
الازدراء الذي يواجه به المعتدي بدون تحفظ.
ما هي نتائج التوجه الجديد لروسيا؟
هنا تصبح
الصورة أكثر غموضاً. ان التدخل الروسي في اوكرانيا لصالح
الرئيس الاوكراني فيكتور يانيكوفيتش كانت نتائجه عكسية.
ان
ادعاءات اشتراك روسيا في جريمة تسمم فكيتور يوشينكو لا تحد
من تدخل روسيا في اوكرانيا ولكن تضعف هذا التدخل.
اما في
مالدوفيا فقد تم رفض خطة الكرملن بصورة مؤدبة وصارمة في
نفس الوقت.
وقد
استطاعت الثورة الوردية في جورجيا قبل أكثر من سنة من دفع
الذين يميلون إلى الاستقال عن روسيا والاتجاه نحو القرب
إلى سدة الحكم بعد اعتراض موسكو وتدخلها لصالح الرئيس
شيفرنازدة.
عندما
انفصلت مقاطعة ابخازيا عن جورجياً فقد اعتبرت محمية روسية
وقد هددت روسيا بإستخدام الحصار الاقتصادي ضد احد الانظمة
الموالية لها من اجل منع الانتخابات، ولكن جهودها باءت
بالفشل.
وبالرغم
من كل الاقاويل التي تتناول ظهور الامبريالية الجديدة في
روسيا فإنها قد حققت نجاحات محدودة مقارنة بما تطمح اليه
في توجهاتها الجديدة.
وتعكس
تصرفات روسيا ولحد الآن صورة غير واضحة لبلد لايزال يصارع
من اجل ان يصل إلى توافق مع الميراث الروسي الصعب.
ولا تزال
روسيا غير قادرة على مواجهة التحديات القوية لإعادة بناء
الامبراطورية القديمة ودعم النمو الاقتصادي.
وبالرغم
من تنامي الانفاق العسكري الروسي الا ان وضعها العسكري غير
قادر على المنافسة كما كانت عليه أيام الاتحاد السوفيتي.
وان لدى
روسيا قدرات محدودة على ابراز قوتها العسكرية فهي لم تتمكن
من استعادة السلام في الشيشان ولا تزال روسيا تملك خططاً
نووية مرعبة وينبغي عليها المحافظة على تلك القوة النووية
من الهجمات الارهابية.
اما في
الشأن الداخلي لروسيا فإن الديمقراطية الجاهزة لم تنجح في
تحقيق الاستقرار أو الامان للكرملن الذي يواجه عدداً غير
محدود من التحديات وكذلك هجمات المتمردين في المناطق
الاقليمية المحاذية لها.
وقد اعترف
احد الخبراء البارزين في العلاقات العامة الروسية في
مقابلة مع احدى الصحف بأن المسوؤلين الماليين في الكرملين
يخشون من انتشار صدى الثورة البرتقالية الاوكرانية في
موسكو. وهناك سؤال يطرح نفسه وهو كيف يمكن احتواء نظام هو
في الاصل ضعيف داخلياً وخارجياً ويمكن ان يتدهور إلى نظام
اسوأ؟
هل نحن
مستعدون للتخلي عن التعاون من اجل الحد من هذا الخطر
والتخلي عن مجلس الناتو/ الروسي والتخلي عن مجموعة الستة
في مباحثات كوريا الشمالية وشركاء الناتو للسلام.. الخ؟
هل نحن
مستعدون لخيارات اخرى: مثل القيام بسلسلة من برامج
المساعدات العسكرية لبعض اعضاء حلف الناتو الجدد
والطموحين. وهناك مجموعة من الافكار حول كيفية التعامل مع
روسيا. فعلى سبيل المثال اتباع سياسية مدروسة تعمل على عزل
روسيا دولياً وتضعف من سمعة النظام في الداخل. ولو ان
روسيا تعد ضعيفة الا انها قادرة على احداث الضرر إذا شعر
قادتها بأنهم وضعوا في زاوية ضيقة.
وان الضغط
الذي تتعرض له روسيا من قبل الغرب سيزيد من ضعفها عن طرق
اثارة قضية جديدة وهي كيفية المحافظة على امن وسلامة اسلحة
الدمار الشامل الروسية.
ولكن
الضعط الغربي قد يعيد الحركة الشوفينية مرة اخرى إلى
موسكو.
ان
سياساتنا المتبعة مع روسيا قد استمرت على الوتيرة نفسها
منذ عام 1991 وهي سياسة ابقاء الباب مفتوحاً امام اتباع
ستراتيجية للتعاون المشترك مع روسيا وبناء علاقات مع
جيرانها.
ولكن
علينا ان نتجنب ردود الافعال الثورية بإتجاه أي عمل تقوم
به روسيا كما يجب علينا ان ننظر إلى مسألة توسيع حلف
الناتو. يعتقد بعض المتشائمين ان روسيا لن تسمح بتعاون
الولايات المتحدة في مجال الامن مع الدول الموجودة في جنوب
القوقاز ووسط آسيا وفي اوكرانيا حيث بدأت الديمقراطية
بالظهور فيها. ويصح ان نقول ان روسيا قطعت شوطاً في عملية
الاحتواء الذاتي ولا نستطيع ان نمنع القادة الروس من وضع
انفسهم في تلك الزاوية الضيقة، ولكننا في الوقت نفسه لسنا
مرغمون على اتباع خطواتهم.
كما يجب
ان نسأل أنفسنا هل يمكن استخدام الاساليب السياسية
والعسكرية والاقتصادية بصورة أفضل في مكان آخر وبسبب مشاكل
ملحة اخرى.
الكاتب:
زميل عالي المستوى في معهد الدراسات الستراتيجية القومية
التابع لجامعة الدفاع الوطني - واشنطن
|