ما الذي
يدعو السفراء الاوروبيين الى مغادرة طهران؟
بقلم
- تيريز ديلبيش
ترجمة -عدوية الهلالي
عن -
لوفيغارو
أحيانا، يتوجب على الخطاب الدبلوماسي ان يخلي المكان
لافعال يشوبها الغموض والالتباس، هذا بالضبط ما يحدث حاليا
فيما يخص العلاقات بين القادة الاوروبيين وايران منذ
الثامن من كانون الاول، فالرئيس الايراني تجاوز حقيقة كل
الحدود المعقولة باعلانه في القمة الاستثنائية لاعضاء
منظمة المؤتمر الاسلامي التي عقدت في مكة مؤخرا بأن "بعض
الدول الاوروبية تصر على ترديد قولها بأن هتلر قتل ملايين
اليهود في محارقه" وبأن "الاوروبيون قد يكون عليهم تقديم
جزء من اراضيهم مثل المانيا والنمسا ودول اخرى ليقيم عليها
اليهود دولتهم"
ولم يذهب أي رئيس دولة بعيدا في تناول موضوع اليهود عدا
الماليزي مهاتير الذي كان قد اثار صخبا في 16 تشرين الثاني
2003 حين اكد على ان اليهود يقودون العالم بالوكالة"!! اما
الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد فقد ذهب ابعد من ذلك في
26 تشرين الثاني الاخير عندما وصف اسرائيل "بالبقعة
المخجلة المعيبة" وبأن من الواجب محوها من الخارطة" وهذا
التصريح الخطير الذي يمزج بين الرفض التاريخي للاوساط
النازية الجديدة مع موضوع ابادة اسرائيل لم يرافق مؤتمر
طهران فقط بل جرت خارج الحدود الايرانية وامام ممثلي 57
دولة اربكهم كثيرا ذلك العنف غير المتوقع من الجانب
الايراني، ففي 14 كانون الاول، كان محمود احمدي نجاد قد
اثار من جديد موضوع ابادة اسرائيل وواصل التأكيد عليه في
كل مناسبة اخرى..
والان، حان الوقت لمعرفة من هو الرئيس الايراني الجديد على
نحو صريح واستنتاج الاسباب الكامنة وراء تصريحاته قبل ان
يفوت الاوان طالما ان تصريحاته تلك لم تعقبها ردود فعل
واضحة برغم تكرارها ولم يتبعها أي اجراء هام واذن فتأثيرها
ليس له قيمة حقيقية.
ويتصرف الرئيس الايراني بناء على قناعته بانه قادر على
مهاجمة الاوروبيين ايضا وهو الامر الاكثر اهمية من تحريضه
على التعصب العنصري والعرقي الممنوع تداوله باسم القانون
في الكثير من الدول الاوروبية، ففي فرنسا مثلا، حيث يتحرك
الرئيس الايراني ضمن حصانة يمنحها به منصبه، لن يمكنه
التعامل معها ما لم يعلن على الملأ تراجعه عن غاياته
واهدافه، كما ان هناك ثلاث عواصم اوروبية لديها منذ عام
2003 تفاوضات نووية مع طهران توقفت بعد ان قطعها من جانب
ايران في آب مع احتمال استئنافها في اصفهان.
سيقول البعض مثلا ان من الضروري الفصل بين الامور وان من
السهل نسيان تعبير نجاد عن قناعته العميقة باختفاء اسرائيل
من الخارطة ما دام يسعى جادا الى الاحتفاظ بالسلاح النووي
وتصنيعه في ايران، فالصاروخ شهاب (3) على سبيل المثال تم
تحويره حديثا ليتمكن من حمل رأس نووي، وهناك وثائق منشورة
في عام 2005 تشير الى وجود علاقات بين ايران وباكستان بشأن
الوسائل التقنية لطحن معدن اليورانيوم واستخدامه برغم
محاولات ايران لاخفاء تفاصيل هذا الموضوع.. لكن ايران لم
تخالف فقط الالتزامات المفروضة عليها من مجلس الامن بل
واصلت المخالفات، مما ادى الى تحويل ملفها الى نيويورك
ووقوعه تحت مسؤولية مجلس الامن المباشرة.
الاوروبيون من جهتم، يعتقدون بأن ايران تطلق تهديدات تدل
على عدم اهليتها وعجز رئيسها عن تنفيذ تلك التهديدات وترى
ان الطريقة الافضل في هذه الحالة هي تقويم واصلاح النيات
الايرانية، واذا ما حدث ذلك فسيكون العالم كله ممتنا للامر
بما في ذلك الدول المسلمة التي اجتمعت في مكة مؤخرا بعد ان
اثارت تصريحات نجاد اضطرابات بين الحاضرين بتجاوزه كل
الاعراف والممارسات.
بقي ان نعرف ان محمود احمدي نجاد الذي اوصله الايرانيون
المحرومون من نعمة ادارة الاقتصاد بشكل جيد الى السلطة لا
يمتلك اية وسيلة لتنفيذ وعوده التي اطلقها خلال حملته
الانتخابية وهو ما يعرضه لخطر الهزيمة في الاشهر والسنوات
المقبلة. من جهة اخرى فقد دلت شهادات وادلة متطابقة عديدة
على ان الرئيس الايراني الحالي كان يقود مفرزة المغاوير
الثانية المسؤولة عن اقصاء ثلاث شخصيات كردية، والتي اخذت
على عاتقها ايضا مسؤولية التدريب الفني العسكري اللوجستي
لمفرزة المغاوير الاولى التي نفذت الاغتيالات في النهاية.
ولان النمسا كانت واحدة من الدول التي تناولها نجاد في
تهديداته خلال خطابه في مكة فقد جاءت الفرصة المناسبة
لابداء شجاعتها ولتعلن العدالة النمساوية للعالم حقيقة
تورط محمود احمدي نجاد في قتل عبد الرحمن غاسيملو،
السكرتير العام للحزب الديمقراطي في كردستان الايرانية،
الذي قتل مع اثنين من المنشقين الاكراد في 13 تموز 1989 في
فيينا. وكان يبتر بليز، النائب النمساوي، والرئيس الايراني
السابق بني صدر، قد تمكنا من جمع ادلة ووضعها بين يدي
العدالة النمساوية التي سعت الى افشائها اخيرا، فالرئيس
النمساوي كانت لديه علاقات صداقة مع الزعيم الكردي انذاك
وقد يمكنه الان اماطة اللثام وتسليط الضوء على هذا المشهد
المأساوي وتخفيف حدة سطوع صورة نجاد امام العالم.
مع ذلك، فعلى اوروبا تجنب نجاد ما لم يفعل ذلك بنفسه ولا
سيما انها تمتلك تدابير جيدة تدفعها حاليا الى اتخاذ
المعيار الدبلوماسي الوحيد الذي له جدوى حقيقية باستدعاء
سفراء 25 بلداً اوروبياً من ايران لغرض التداول والاستشارة
وهكذا صار على اوروبا ايضا ان تشارك في دفع الضريبة. |