فيما
يحتاج اليها التلميذ .. الدروس المنهجية تهمل في مدارسنا
الابتدائية!
ابراهيم الجوراني/ باحث تربوي
من
الخطأ الجسيم ان يرى المعلم تلاميذه على ان كلاً منهم
انسان صغير ويعاملهم بموجب ذلك، لان في هذه النظرة قصوراً
وظلماً لانه سيحشر التلاميذ في قالب لا يلائم مقاساتهم
العقلية والسايكولوجية ما يخلق لديهم حالة من الصراع بين
المرغوب والمطلوب والدوافع والموانع تنعكس سلباً على
ادائهم الدراسي في أن يتصرفوا كالمحكومين بالاشغال الشاقة.
ان حواس التلميذ غير
مكتملة وافكاره مشوشة وقاعدة معلوماته بحاجة الى تبويب
وعنونة وعلى المعلم ان ينتبه الى ذلك وينمي حواس تلاميذه
بعدم اهمال عنصر التشويق فيما يعلمهم لان الدروس التي تتصف
بالفائدة المعرفية او السلوكية عليها كذلك ان تتصف
بالتشويق والأثارة، لان الطفل بطبيعته (لايريد ان يكون
بينه وبين الطبيعة حاجز) كما يقول (بستا لوتزي).
ان الدروس غير المنهجية (الرياضة-الفنون) قد أهملت اهمالاً
واضحاً في مدارسنا وبالاخص الابتدائية منها، وقد ساهمت في
ذلك الاهمال جملة من الاسباب لعل من أهمها زحف الدروس
المنهجية على حصصها وعدم توفر ساحات اللعب وقاعات الرسم
والموسيقى وضعف اعداد المعلمين المختصين واتخاذ درسي
الرياضة والفنية محطات استراحة لبعض معلمي الدروس المنهجية
كالرياضيات والانكليزية وغيرهما، اما النشيد فانه من حصة
مدير المدرسة او معاونه والجميع كلفوا بهذه الدروس اسقاطاً
لفرض حتمه جدول توزيع الحصص في المدرسة والتلميذ المسكين
خارج اللعبة لا يعرف كيف حيكت خيوطها ويدفع ثمناً باهضاً
لانه بقي تعيساً حين أجبر على ترك غاياته الشخصية
(اللعب-المرح-المتعة) وتبني غايات معلميه
(الجد-القراءة-الهدوء).
ان الجسم في السنة الاولى تتم تغذيته بجرع متدرجة بينها
فواصل زمنية، وكذلك عقله ينبغي ان يغذى بمعارف متناسبة مع
ضعفه ومداركه مع مراعاة الفواصل التي هي الدروس غير
المنهجية لان المرح واللهو والتفنن ضرورية للاطفال ضرورة
الطعام والشراب، فكم من طفلٍ انساه اللعب طعامه وشرابه؟!.
لقد قسم العالم التربوي (جاردنر) ذكاء الانسان-اي انسان-
الى ثمانية فروع وجعل (البصري/المكاني) و (الجسمي/الحركي)
و (الموسيقي) ثلاثة فروع من الثمانية.. فأنظر كيف ان اهمال
تلك الفروع هو إهمال بجزء كبير من ذكاء الانسان!
ان من المعيب-ونحن في القرن الواحد والعشرين-ان يكون
الاقدمون قد سبقونا الى اكتشاف فائدة الربط بين الجسم
والعقل والنفس، فخففوا عن العقل بترويح النفس وترويض الجسد
وحذروا من ارهاق الجسم في سبيل العلم ومن مواصلة الدرس
والجد دون ان يتخلل ذلك راحة ورياضة، فهذا الغزالي ينصح
بأن يسمح للطفل بأن يلعب لعباً جميلاً بعد انقضاء ساعات
الدرس ليجدد نشاطه بشرط الا يجهد نفسه (فان منع الصبي عن
اللعب وإرهاقه الى التعلم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاءه
وينغص عليه العيش).
اما إبن خلدون فقد أشار بألا يطول على المتعلم في الفن
الواحد وذلك بتفريق المجالس وتقطيع مابينها.
ان واقع المدارس يقول ان اللذة كلها وضعت في الفرصة، ووضع
الضجر والملل كله في الدروس.. فساعد الله تلاميذنا على
تحمل هذه الحالة.. وكيف تكفيهم فرصة من خمس دقائق في تحقيق
احلام الطفولة في اللعب والمرح وتنمية الحواس؟
وماذا سيكون حالهم لو تمت اضافة درسي اللغة الكردية وحقوق
الانسان الى الدروس القائمة حالياً واللذين سيكون تدريسهما
على حساب درسي الرياضة والفنية؟
لقد شخصنا في مقال سابق ان من اسباب السلوك العدواني لدى
تلاميذ المدارس هو اهمال الدروس غير المنهجية
(الرياضة-الرسم-النشيد) ومايترتب على ذلك من اهمال النمو
الجسمي والذائقة الفنية البصرية والحس الموسيقي لدى
التلاميذ مايؤدي الى الضيق من المدرسة وما حوت من مناهج
ومعلمين والتفتيش عن متنفس يريح النفس ويبعدها عن ضغط
الدروس المنهجية فيجدوا في السلوك العدواني ضالتهم.
ان النفوس تمرض كما تمرض الابدان ولكن علاج النفوس اصعب
بكثير من علاج الابدان، لان الامراض النفسية متجذرة في
اغلبها عند مرحلة الطفولة.. وماعلينا كمربين الا ان نجعل
من دروس الترفيه اداة لتحصين الاطفال ضد الامراض النفسية
وبذلك نحصل على درجة مقبولة من التوافق بين المدرسة وحياة
الطفل.
ان الحرص على مستقبل اطفالنا يجبرنا على جعل الطرائق
التدريسية والمناهج تدور حول الطفل.. وعلينا ان نتخذ حاجات
الطفولة هادياً ومرشداً في عمليتي التعليم والتعلم...
وعلينا كذلك ان نعيد النظر في وضع الدروس غير المنهجية من
حيث واقعها المدرسي من خلال:
1-الاهتمام الجدي باعداد معلمي الرياضة والفنية والنشيد
وتدريبهم المستمر اثناء الخدمة.
2-اعداد مناهج واضحة الاهداف لتدريسها لتكون دليل عمل يومي
للمعلمين.
3-عدم تكليف غير معلمي الاختصاص بالتدريس فيها ومنع
الاستحواذ على حصصها من قبل معلمي المواد الآخرى بحجة
اكمال المنهج.
4-توزيع الدروس غير المنهجية بين مواد الجدول الاسبوعي
وعدم وضعها في الدرس الاخير لان في ذلك هدفين اولهما عدم
اهمالها والثاني تكون اداة استمتاع للتلاميذ بين كل درسين
منهجيين.
5-الاهتمام بساحات المدارس وتهيئتها لممارسة الالعاب
المختلفة فيها.
6-ضرورة وجود مرسم في كل مدرسة يزاول فيه التلاميذ انشطتهم
الفنية.
7-التشجيع على إقامة المعارض الفنية والمسابقات الرياضية
وفرق التمثيل.
8-عدم جعل النجاح في الرياضة والرسم والنشيد تابعاً للنجاح
في المواد الاخرى.
ان الاهتمام بمرحلتي الطفولة والشباب لابد من ان يتضمن
عناية خاصة بميول واتجاهات الطلبة والتلاميذ في هاتين
المرحلتين.. لان التربية اختارت هاتين المرحلتين لتحقيق
غاياتها واهدافها وترويح النفس وتنمية الذوق وبناء الجسم
تعد من أسمى تلك الغايات.
|