ثقافة شعبية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

غناء التجليبة

عبد الجبار عباس
 


التجليبة لون من الوان الغناء الشعبي العراقي وهو بحر من بحور الشعر "الهزج" وقاعدته ان ينظم "المستهل" اولا، وهو شطر من روي واحد:
لجلبنك يليلي الف تجليبة
تنام اهل الهوى وتكول مدري به
ثم تنظم اربعة اشطر اخرى، ثلاثة منها في قافية واحدة، والشطر الرابع يختم بقافية المستهل مثل:
لجلبنك يليلي ولو وياي او ياي
على الوادي كعدت او مرّميت الماي
وهذا اللون من الغناء نشأ اول ما نشأ في سامراء والموصل وتكريت والمناطق المتاخمة لها.
ثم شاع وانتقل الى الوسط والجنوب من قطرنا العزيز (العراق)، وارخّ بعضهم لهذا الانتقال بعد الحرب العالمية الاولى (1914 ـ 1918) أي بعد الاحتلال البريطاني للعراق، حيث المعاناة والمكابدة والآلام التي احدقت بالعراقيين، فكانوا ينفسون عن كربهم بالغناء الحزين، ومنه طور "التجليبة".
وقيل ان اسبق من نظم هذا اللون هو الشاعر الشعبي حسن العلكاوي، الذي عاش "في منتصف القرن التاسع عشر" في منطقة محافظة صلاح الدين، وكان العراق آنذاك خاضعاً للامبراطورية العثمانية ومن نظمه في التجليبة قوله:
لجلبنك يليلي الف تجليبة
تنام اهل الهوى وتكول مدربي به
ويروى : "تنام المسعدة..."
لجلبنك يليلي واصيح الله واكبر
وون ما ونت الخنسة لصخر واكثر
لون هم الدهاني ابسدة اسكندر
عفت واضحى لربع ياجوج مسرى به
لجلبنك يليلي ولايج بها الروح
من وني بجن كلهن بنات الروح
يلوما المزعجات من الليالي تلوح
ما جان الكطا عاف الكرى وطيبه
وتقع الاغنية في سبعة وثلاثين بيتا، نظمها العلكاوي بعد اصابته بمرض شديد، كعادة الشعراء في اللجوء الى التشبث بالملاذ الاخير "الشعر الشعبي".
ومن اراد التوسع والاطلاع على اغاني التجليبة فليراجع السلسلة الرائعة : "فنون الادب الشعبي للشيخ الراحل علي الخاقاني".
وتغنى التجليبة في العديد من مناطق العراق على طريقة "الهجع" المصحوبة بالدنبك والطبلة والطبل. مثل:
اجلبنك يليلي اثنعش تجليبة "هجع"
تنام المسعدة وتكول مدري به "هجع"
والمعروف ان الغجريات يغنين "الهجع" الراقص. ويسمى غناء التجليبة ايضا باسم "الهجع".

 


طــواف فــي بـغــــــداد الرصافات ـ الاسوار القديمة والابواب ـ الباب الشرقي والكرادتين البـــــوليسـخــانـة والـجـــنـــدرمــــة

اعداد/ زياد مسعود
 

الرصافة (بضم الراء) اسم لاكثر من موقع ومدينة في العالم، ومن بين الرصافات المشهورة ثلاث هي رصافة الكوفة / ورصافة الشام / ورصافة بغداد/ وهناك رصافة الاندلس.
وكان المنصور العباسي قد حكم من سنة 136هـ الى سنة 158هـ وقبل ان يبني بغداد عام 145 للهجرة كانت عاصمته الاولى هي الكوفة ثم الهاشمية ثم بنى مدينة خارج الكوفة سماها الرصافة ، وسكن فيها مع جنده وكانت رصافة الكوفة مركزا للجند ومستقرا بعد بغداد، عندما كان الخلفاء ينطلقون منها للحج، لكن رصافة الكوفة فقدت مركزها الاداري عند بناء بغداد.
وكانت رصافة الشام مقرا لهشام بن عبد الملك، وقد شهدت هذه المدينة بداية الصراع بين الامام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام وبين هشام ، اذ كان الامام زيد مقيما في الرصافة ، فنفاه هشام الى الكوفة حيث تحرك منها بثورته.
وعرفت رصافة بغداد بعد عودة المهدي بن المنصور ، من خراسان ونزوله في معسكر خارج بغداد برصافة المهدي وموقعه هو محلة الشماسية الحالية، وقد امر المنصور سنة 151 للهجرة ببناء الرصافة، وعمل لها سورا وخندقا وبستانا كبيراً وفي رأي اخر قال د. مصطفى جواد ان موقع رصافة المهدي القديم هو موقع محلة السفينة في الاعظمية الحالي وان النشاط الاجتماعي، والعمراني قد زاد فيها، حتى ظهرت بعد ذلك بسنوات ابنية جانب الرصافة الحالية المقابل لجانب الكرخ.
وكان المنصور قد انشأ سورا حول المدينة المدورة ثم ترك المعتصم بغداد الى سامراء عام 221هـ هاجراً المدينة المدورة التي بنى الناس حولها المحال والاسواق، وعاد المستعين بالله العباس الى بغداد بعد سبعة وعشرين عاما أي عام 248 للهجرة فاتجه الى تحصين نفسه، ومقر خلافته وبنى سورين حولها ، الاول: في الجانب الغربي ضم بداخله الزوراء ، والثاني: في الجانب الشرقي ضم فيه الرصافة، والشماسية في الشمال، والمخرم في الجنوب، وكان السوران على هيئة دائرة، يخترقها دجلة من الشمال الى الجنوب ولكن بمضي السنين وحوادث التاريخ زالت معظم ابنية هذا السور ولم يبق منه سوى باب الطلسم الذي نسفه الاتراك سنة 1917م والباب الشرقي الذي هدم سنة 1937م.
اشتهر من ابواب الرصافة باب الشماسية، الذي يقع في المحلة المعروفة بهذا الاسم وباب الطاق الذي يقع كجزء من محلة الطاق العباسية التي تقع مكانها اليوم ساحة عنتر الحالية وما يجاورها. وكانت كل محلة في بغداد القديمة تسور بيوتها بسور المدينة، وله اربعة ابواب هي باب السلطان، وباب الظفرية، وباب الحلبة، وباب كلواذي وقد سمي باب السلطان نسبة للسلطان السلجوقي ارطغرل بيك الذي احتل بغداد سنة 447 للهجرة زمن الخليفة القائم، اما باب الظفرية فقد نسب الى مكانه في قرية لاحد مماليك الخلفاء، واسمه ظفر ثم سمي باب خراسان لانه يؤدي الى الطريق الذي يذهب باتجاه خراسان ثم سمي الباب الوسطاني، ولعل سبب هذه التسمية لانه يقع في منتصف السور الممتد من باب المعظم حتى الباب الشرقي وهي تسمية متاخرة وكان اسم الباب الوسطاني زمن العثمانيين آق قابواي وتعني الباب الابيض واصل تسمية باب الحلبة لانه يطل على ميدان السباق الذي يقع خلف السور، والمخصص لالعاب الكرة والصولجان واستعراضات الجيش، ثم سمي باب الطلسم بسبب وجود تمثال في اعلى الباب على هيئة رجل جالس وقد سحر ثعبانين كبيرين يساره ويمينه ثم سمي باب الشيخ عبد القادر الكيلاني لقربه من مرقده ثم اختصر الى باب الشيخ ولم يبق منه اليوم سوى الاسم لان الجيش التركي الذي غادر بغداد عام 1917م نسف هذا الباب بسبب ما فيه من ذخيرة حربية لم يستطيعوا اخراجها معهم اثناء الانسحاب ودخول الانكليز.
وكان هواة الفروسية من شباب تلك الايام يمارسون فروسيتهم عند باب الحلبة، او باب الطلسم في ساحة السباق المواجهة له ويسمونها "المنطرد" حيث يتنافسون في الجري بخيولهم بين الباب الوسطاني وباب المعظم وكانت لهذا السباق في مواسم الاعياد مراسيم خاصة حيث ينتظر الناس الفائز عند الباب المعظم، حيث يمنح اعظم الجالسين جائزة نقدية للفارس الفائز وسط تهليل الناس وفرحهم.
اما باب كلواذي فهو الباب المؤدي الى الكرادة الشرقية اليوم، وكان يسمى باب البصلية نسبة الى المحلة التي كان فيها وقد سماه السائح الفرنسي سنة 1676 الباب الاسود، وذكره فيلكس جونز سنة 1854 باسم الباب الشرقي، وسماه رشيد الخواجه سنة 1908 (شرجي قابي) أي الباب الشرقي وسمي ايضا باب الخليج ولكن احدا لم يسم باب البصلية او الباب الشرقي حسب موقعه، وهو الباب الجنوبي بالنسبة للابواب الثلاثة الاخرى.
موقع الباب الشرقي حسب استدلالات مؤرخ الكرادة الشرقية السيد (شاكر جابر البغدادي) هو ساحة التحرير الحالية التي كانت تسمى ساحة الملكة عالية، وكانت امانة بغداد قد لجأت الى ايصال شارع السعدون الذي كان يسمى شارع البتاويين بشارع الرشيد وشارع غازي فرفعت الامانة الباب الشرقي من مكانه ولتمهد الطريق سنة 1937 وبذلك ضاع اثر تاريخي آخر من اثار بغداد. كانت الكرادة الشرقية عام 1917 عند دخول الانكليز قرية صغيرة فيها بضعة قصور لاثرياء بغداد والباقي دور للفلاحين مبني معظمها من الطين وكان اهل الكرادة يسقون بساتينهم بالكرود ، فسميت قريتهم بالكرادة، ويفسر البعض سبب التسمية ان اهل منطقة الكرادة قديما كانوا يحملون الخضر التي يزرعونها الى بغداد على ظهور الدواب فقيل لهم الكرّادة من كرد الدابة اذا سيقت والنسبة لهم كرّادي.
اما الشارع معروف الرصافي فيقول في كتابه، الآلة والاداة، ان تسمية الكرادة مأخوذة من الكرد وهو السوق بالفارسية ولعل منطقة كرادة مريم المقابلة للكرادة الشرقية وكذلك منطقة الدورة وما سمي بعد ذلك بالسيدية وانتهاء بالمنطقة التي تقابل الزعفرانية كلها مع الكرادة الشرقية شهدت هجرة العوائل الاولى التي استوطنت هذه المناطق واشتغلت بالزراعة وغرست النخيل واشجار الفاكهة وسقت مزارعها بالكرود في الاماكن المرتفعة عن ماء النهر.
وحين نلقي نظرة على مواقع وجود العشائر العراقية حول بغداد في القرن التاسع عشر نجد الصلة وثيقة بينها فالعشائر التي كانت مواقعها في شرق وشمال شرق وجنوب شرق بغداد كانت شمر والعكيدات والحميدات والجبور والنجادات والدفافعة والبريجات والدايينية والضوايع والسعيدات والبوعيثة والمجمع اما غرب وشمال غرب وجنوب غرب بغداد فأهم العشائر تميم والبو حمدان والجبور، اما شمال بغداد فعشائر بني سعد والسكوك والدليم والبو عامر والمشاهدة والنداوات والكرطان وزوبع اما جنوب بغداد فقد سكنت عشائر الجنابيين والجبور والدليم والعبيد والبو مفرج والغرير والعكابات والمعامرة والكرطان والجحيشات اضافة الى عشائر اخرى.
اما عشائر الكرادة الشرقية فمنهم من ربيعة عوائل من المياح والسّراي حيث سكن المياح محلة البو جمعة وسكن السرّاي وسط الزوية، اما البكريون من البو سلطان فقد سكنوا اقصى الزوية ومعهم بيت مطر وهم لاميون.
اما البو خضير فسكنوا محلة البو شجاع قريبا من السبع قصور وهم من الدواغنة، اما فروع خفاجة فسكن قسم منهم منطقة البتاويين ومنهم من سكن محلة البو شجاع او محلة الزوية، اما شمّر ومنهم آل مباركة فسكنوا بين البو جمعة والبو شجاع في المنطقة التي توجد فيها حسينية ال مباركة، وسكن الجبور وسط الزوية بين السراي والحديثيين وقد سكن الحديثيون في الزوية وسكن العكابات منطقة الكاورية في الجانب الثاني من النهر أي في كرادة مريم فيما يقابل محلة البو جمعة ثم انتقل قسم منهم الى الزوية، اما الخزاعل فسكنوا في المنطقة التي تسمى الان ال اسود، وكانت المنطقة المسكونة قبل عام 1917 هي شاطئ النهر الملتوي على شكل حدوة الحصان امتداداً من الباب الشرقي وانتهاء بمنطقة الزعفرانية وكانت الكرود تمتد بامتداد الشاطئ لتسقي المزارع المجاورة.
ان الاقسام الرئيسية لشبه جزيرة الكرادة الشرقية هي الزوية والبو شجاع والبو جمعة وتعد الزوية اكبر الاقسام وتنتهي حدودها بالشارع المحاذي لضريح السيد ادريس، اما الجادرية فتسميتها نسبة للبستان الذي اشتراه آل الجادر مطلع القرن العشرين وال الجادر عائلة بغدادية معروفة وهناك تسمية لاسرة اخرى موصلية بنفس الاسم.
وكان النهر هو طريق المواصلات الرئيسي لجميع عوائل الكرادة ومنهم سكان الزوية اما الطريق البري فكان السدة المحاذية للنهر والذي صار قسم من جزئها الشمالي يسمى بشارع ابي نواس وقد سمي في الاربعينيات من القرن العشرين باسم شارع الشيخ جواد الشبيبي وهو والد العلامة محمد رضا الشبيبي واخوته وبعد ان جرى شق شارع الكرادة داخل في اوائل عام 1930 كان الشارع ينتهي عند موقع يسمى دربونة العريرة وموقعها حاليا الساحة التي تتفرع منها الشوارع امام فندق بابل الحالي ويقال عن تسمية منطقة البو شجاع انها صفة لرجل شجاع يتميز بقوة خارقة من الدواغنة وهذا راي من الاراء وهناك آراء اخرى في نسبة محلة البو شجاع الى شجاع بن ابي وهب الاسدي والى احمد بن ابي شجاع بويه، ومن محال البو شجاع بيت الخطيب والمهداويين والعكابات والبو خضير والسملاويين وبستان عطا والتوراة ودرابين الحاج جاسم الطويل واحمد خلف وشمسي والنهر والدربونة الطويلة.
اما محلة البو جمعة فتنسب الى جمعة وهو جد عائلة كبيرة من المياح ابرز رجالها المحامي عباس حسن جمعة والدكتور عبد المجيد وحسن محمود اول مدير مدرسة في الكرادة الشرقية والشيخ احمد الجمعة وسواه ومن ازقتها ودربونة سيد حسن او دربونة بيت مباركة دربونة العميان ومن اقسامها البو ليسخانة وهو مقر شرطة الجندرمة في العهد العثماني والهندية وتسميتها نسبة الى شخص هندي توفي ولا عقب له فاصبحت املاكه وقفاً للدولة، اما منطقة المسبح فتمثل حداً من حدود الكرادة الشرقية وسبب اطلاق تسمية المسبح عليها ان امانة العاصمة انشأت مسبحا على ضفة دجلة هناك في الاربعينيات من القرن العشرين ثم ازداد العمران في المنطقة وارتفعت القصور والنوادي والمحال التجارية فيها.
وتظل منطقة الكرادة الشرقية مجالا لاحاديث بلدانية وعمرانية وتراثية كثيرة لارتباطها بتاريخ بغداد الاجتماعي والاقتصادي القديم والحديث وسنخصص الحلقة القادمة من برنامجنا هذا للحديث عن صور اخرى من الكرادة الشرقية فالى اللقاء في موعدنا هذا من الاسبوع القادم. طابت اوقاتكم.


 عيد الميلاد الثاني

 

باسم عبد الحميد حمودي

 

في العدد (32) من (المدى) وفي يوم الاربعاء 7 كانون الثاني 2004 ظهرت صفحة "ثقافة شعبية" كاول صفحة لبحوث ودراسات الفولكلور العراقي في الصحافة العراقية الجديدة وقد تصدرت الصفحة كلمة بعنوان "لماذا .. ثقافة شعبية.؟" وجاء فيها:
هذه الصفحة مخصصة للمأثور الشعبي باعتباره ثقافة جديدة تنطلق من النظر الى ثقافة الاسلاف الاقربين بوصفها كينونة متجذرة تعيش معنا، ناخذ منها ما هو خير ونتجاوز ما هو سلبي عبر تحليلها والتعايش معها بوصفها ثقافة شعبية متأصلة عبر المثل والاغنية والمعمار الشعبي والزي والاسم والعادة والتقليد والسيرة الشعبية وكل ما يتصل بالفكر الجمعي للشعوب.
انها خدمة ثقافية اخرى تقدمها (المدى) عبر هذه الصفحة الاسبوعية التي نريدها منسجمة مع طروحات (المدى) الفكرية كمطبوع عام له رسالة تعنى بوعي الانسان العراقي وتصب جهدها في خدمته وإذكاء معاني الخير فيه.
ان (ثقافة شعبية) رسالة ثقافية هدفها التعريف بنشاطات التراث الشعبي العراقي المنجزة وهي ناقدة القارئ على ثقافة العالم الشعبية، هكذا نريدها، ولن يتحقق هذا الا بجهد الكتاب واهتمام القارئ الكريم وملاحظاته.
هكذا كانت افتتاحية الصفحة الاولى ونعتقد ان ما تحقق عبر عامين من العمل المأثوري الجاد قد حقق بعض الامنيات ما حفز مجموعة من الزميلات على تبني موضوع الثقافة الشعبية وتخصيص صفحات اسبوعية "بنفس الاسم!" لتغطي جوانب من التراث الشعبي العراقي باستذكار الماضي القريب وصوره الاجتماعية وهو امر يدفع للاعتزاز والتقدير مع تأشير ان مهمة "ثقافة شعبية" في المدى لا تزال منفتحة على التجديد في الدرس والعمل الجاد من اجل خدمة الفولكلور العراقي وتعزيز امثولاته الفكرية والالتفات الى منجز الرواد الاوائل المهم في هذا الحقل.
عام جديد اذن يعني مهمات جديدة ونشاطاً من اجل تحقيق الافضل والاكثر اهمية وكل عام وانتم بخير.
 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة