اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

اضحك مع (البوري والهمبولة والعلاس) .. فردات غزت اللهجة العراقية مؤخرا

  • شكو-ماكو ؟..سؤال عراقي محض صنعته المحن والفقر والعوز المستديم
  • لماذا تميل المفردات الساخرة الى فضح المشهد وابرازه؟


بغداد/عبد الكريم العبيدي

في كل يوم اسمع مفردة غريبة شديدة المحلية، ابتسم ثم ادونها، بعد شهور وجدت نفسي وقد ابتسمت كثيرا ودونت العديد من المفردات الغريبة، وبات لدي خزين طارئ على نفسي وعلى الشارع العراقي واللهجة العراقية عموما.
ولكن كيف تسللت هذه المفردات الى الحياة العراقية مختزلة لقطة او مشهدا ما، لتعكسه بمدلولات جديدة؟ ولماذا تميل كل هذه المفردات الساخرة الى فضح المشهد وابرازه؟ حقا يقود اللسان الشعبي شارعنا ويطلق ما يشاء من التسميات على كل مرافق الحياة وتنوعها.. وما على غيره من كل الطبقات الاجتماعية سوى ان يردد هذه التسمية المقرة سلفا بعد (مداراتها) وتزويقها بـ (شيصيحولهه)؟!

شكو ماكو؟!
ما ان يتبادل اثنان التحية حتى تنهال بينهما اسئلة قلقة وسريعة عن احوال البلد الامنية والمعيشية وغيرها. وغالبا ما يبادر احدهما بسؤال قصير ربما يختزل اسئلة العراقيين كافة (شكو .. ماكو؟) سؤال عراقي محض صنعته المحن والفقر والعوز المستديم، ونحته هاجس البقاء والتواصل ومكابدة الواقع فبات من رموز واقعنا الصاخب، الذي مازال يبحث عن حل، حتى قال احدهم متندرا عن هذا السؤال بالذات، ان شركة اجنبية صنعت ارقى انواع الحواسيب في العالم للاجابة عن أي سؤال، وحين سأله احد العراقيين بذلك السؤال (شكو ماكو) انفجر الحاسوب فجأة لفشله في ايجاد جواب ما عن الـ (شكو ماكو)!.
تقول المحامية نبراس موسى جعفر التي ترافعت للدفاع عن واقعية سؤالنا (مجانا): في اية مقابلة بين عراقيين ثمة المئات من الاسئلة الباحثة عن جواب واحد. الى متى؟!... أي كيف ومتى نتوصل الى حل؟ .. كيف نجتاز احباطاتنا؟ فالعراقي يريد ان يعرف ان صاحبه سليم ومعافى ونجا من مسلسل التفجيرات ويعيش في بحبوحة من العيش واسرته بخير ونال بعض التكريم من السماء او الارض و و و... انه في ظمأ دائمي منذ عقود ولذلك لم يجد غير (شكو ماكو) التي تعني كل شيء وتسأل عن كل شيء.. وتضيف نبراس: انه الخطر اليومي وصعوبة الحياة والبؤس ولذا ترى ان شكو ماكو هو استفسار يومي عن الكهرباء والماء وزيادة الراتب الشهري والسلامة والامن.
بوري
هل غدت حياتنا (بوري امعدل)؟ ... ربما ولكنها بوري امعدل جدا لكل عراقي عاد الى وطنه مؤخرا بعد سنوات وربما عقود من التغرب والهجرة القسرية، فغالبا ما يصاب بصدمة هذه المفردات الغريبة التي يتداولها الشارع العراقي حاليا.
ويبدو ان ليونة اللهجة العراقية وحيويتها اكسبتها قدرة التفاعل مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية وفق صور وتشبيهات شديدة المحلية تلائم وعي الشارع في احيان كثيرة.
فمنذ ما يقرب من عقد، وكمثال على ذلك شاعت مفردة (البوري) وهو الاسم الذي يطلقه العراقيون على انابيب المياه. ولكنه اخذ دلالة جديدة تقضي بحدوث نكبة، خصوصا خلال انهيار اسعار السوق وتقلباته العديدة.
بعض العراقيين تحدث عن البوري الذي تعرض له، فاكتشفت ان الحياة في العراق هي حزمة من البواري، بعدما انهالت على مسامعي قصص منها. يقول ابو عقيل- سائق: كثيرة هي البواري التي تعرضت لها انا وعائلتي. ولكن (اثخن بوري) حصل لي في زمن الحصار وتقلبات السوق العجيبة. فقد اشتريت سيارة تاكسي بثلاثة ملايين دينار، وفجاة حصل
النزول- (من السوق خرط)! وبات سعر سيارتي لا يتجاوز الـ (50 الف دينار).
جاسم سلفة- مواطن مولع بالاشتراك في اللف، سواء داخل الدائرة او بين الاقارب والاصدقاء او في الحي الذي يسكنه.. يقول: اشهر بوري تعرضت له- فالبواري اهواي ما شاء الله- حصل حين اشتركت بسلفة ام الـخمسة ملايين قبل اعوام.. وكنت ابذل المستحيل من اجل تسديد الاقساط وبعد اكثر من عام تبين لي ان منظم السلفة محتال ويعيش ببذخ هو وعائلته على دمائنا.. كان بوري من صدك، ومازالت اثاره واضحة على مستوى اسرتي المعيشي.
بائع لفات الفلافل في مدخل الكرادة داخل
من اهالي مندلي- روى جانبا من البواري الذي هوى على يافوخه.. قال: (والله انا تعرضت (لبوري صدام) انا وعائلتي نقلونه حفاي من مدينة مندلي وشمرونه بالرمادي.. فقدت بيتي والاثاث والممتلكات وكل ما املك في لحظة واحدة، يضيف: كان بوري معدل وحيل معدل!!)
(سوالف حروب)
حقا، هي (سوالف الحروب) واطوارها السود.. فمنذ متى يتداول الشارع العراقي بمفردات مثل العبوة الناسفة والمفخخات؟
وكيف قضى واقعنا ان لا يتهجى الطفل العراقي
ابن العام والعامين الا (حزام ناسف، وامير،ـ وانتحاري؟!)
مفردات الحروب كثيرة، ومفردات اعمال العنف باتت شائعة ومألوفة في احاديث الكبار والصغار ايضا.. فمع انتشار لقطات الاعدام على شاشات الفضائيات وفي الاقراص الليزرية المتوفرة في جميع الاسواق اتيح لنا بيسر ان نتغذى يوميا على طقوس الموت والهلاك. وراحت السنتنا تلهث بالمفخخات والسياف والذبح.
يقول الكاتب طارق احمد السلطاني: في نفق الحروب واعمال العنف الذي دخلنا فيه، بات كل واحد منا يألف مثل هذه المفردات.. ذبح، عنف، قتل، سيارة مفخخة، عبوة ناسفة، حزام ناسف، رتل امريكي، همر. وراح الاطفال يمارسون العاب العنف ويقلدون كل ما يشاهدونه في الشارع وعلى شاشات الفضائيات حتى ان بعضهم بات يمارس كيفية انقاذ زميله بعد احتراقه (!) .. انها محنة الحروب- يضيف السلطاني- ومفردات البلاء الذي استشرى في واقعنا.
فردي.. زوجي
فن النقائض في الشعر العربي الذي اشتهر به جرير والفرزدق تجسد في هذه الاعوام في فضاءات حياتية جديدة. وقد نجح على ما يبدو كثيرا ففي بيوتنا تتكرر من حين لاخر مفردات مثل (وطنية- مولدة) ويقال ان الشعب العراقي بات من اكثر الشعوب العربية والاسلامية التي تصلي على محمد وال بيت محمد بسبب كثرة انقطاع التيار الكهربائي وعودته (الميمونة) لمدة نصف ساعة فقط(!)
حامد بدالة - موظف قال: " والله ادمرنه من وطنية- مولدة، وفي الشارع زوجي- فردي.. متى نتخلص من هذا الوضع؟"
"بدالة" روى طرفة عن امرأة سمعت طقطقه في حديقة البيت فأيقظت زوجها في الحال وطلبت منه أن يتحرى عن الموقف.. الزوج استيقظ فزعاً ووبخها على آلية استيقاظه المرعبة، فاجابته زوجته متسائلة: "غير إنت زوجي؟"، فرد عليها زوجها: أنا.. أنا فردي!!
البرتقالة
انتهى عصر الرومانسية.. عصر الجمال والحب والحياة المترعة بالأحاسيس والمشاعر.. أغاني السبعينيات وما قبلها كانت مليئة بالعواطف سواء في كلماتها أو في الحانها.. موجة أصيلة وراقية ما زالت مؤثرة وفاعلة في نفوسنا جميعاً.
اليوم وبعد أناشيد حروب صدام وما تلاها، تسيدت "أغاني الردح" ساحة الغناء في العراق. ودخلت أسماء عدد من الفواكه والخضر إلى عالم الغناء، فأسست ما يعرف "بأغاني العلوة" لتعكس صورة الوضع الاجتماعي الجديد بكل التباساته..
والآن يردح جيلنا الصاعد بأغاني البرتقالة والشلغماية والبيذنجانة والمشمشة والرمانة والتفاحة.. ألف مبارك!
(طكَوكَ خالي طكَوكَ)
ذهبت إلى منطقة الباب الشرقي. وطلبت من صبي يلقب "باسامة زيطة" أن يفسر لي عدداً من المفردات الغريبة التي استعصت علي.. قلت له: ماذا تعني طكَوكَ؟.. ابتسم قليلاً، قال: كل من كان حافياً "ق.ط"
قبل الطكة أي قبل موجة السلب والنهب التي حدثت بعيد الإطاحة بصدام، ثم اشترك بسرقة البنوك والدوائر الحكومية وغيرها وبات غنياً جداً يسمونه طك، طكوك. أي طكَله بنك وصار أحوال (!). صار طكَوك. أي بات من الأثرياء جداً..
سألته مرة أخرى وما العلاس؟.. قال: "هو الشخص الذي هو منك وفيك
أي قريباً لك جداً ويبلغ عليك العصابات مقابل ثمن يعلسك علس من حيث لا تدري.
والقفاص؟.. أجاب زيطة: الذي ايقفص عليك. أي يخدعك ويحثك على بيع حاجتك قبل ان يصطادها بائع آخر غيره. فتبيعها بربع سعرها الحقيقي. والقفاصة
يضيف زيطة مالين السوق.
ولكن ما هي الهمبوله؟.. زيطة قال: إنها الكذبة الكبيرة من العيار الثقيل. فبعضهم يهمبل من الصباح إلى آخر الليل، وحقيقته أمره "فاشوشي"
همبوله بس همبوله..
فيكات
اسامة زيطة، انغمر بسيل من المفردات العجيبة والغريبة
يقول: "العربانه: أي الشخص الذي يندفع سريعاً بمجرد أن يسمع كلاماً من أحد الأشخاص المغرضين الذي يريد أن "يلبسهه ابراسه".. أي هو الأقرب إلى السفيه.
الزنبور: هو الانضباطي في عهد النظام السابق. كان رمزاً من رموز البطش وكان يخشاه الجنود كثيراً.. واشتهر بزيه الذي يشبه الزنبور.
الفيكه: هي التمظهر بأشياء لا داعي لها. وبعضهم يجيد مثل هذه الأمور
ايتفيك.
حدايق: صفة بذيئة تطلق على "أصحاب الشوارع" والعوائل الشعبية التي لم تواصل تعليمها وتعيش تحت خط الفقر
افكور حيل.
قفلت
وعلى الطريقة العراقية يتداول العديد من السائقين وأصحاب السيارات الحديثة عدداً من المفردات الشوارعية الجديدة والمتعلقة بزحام الشوارع وأسماء السيارات.
يقول السائق "علاوي كيا": كثيراً ما تختنق الشوارع بزحام السيارات. وأحياناً يحدث اشتباك عنقودي بحيث يتطلب الأمر الانتظار لعدة ساعات كي يتم فك ذلك الاشتباك وعودة الإنسيابية لمرور المركبات. ذلك الاشتباك نسميه "قفلت".. أي لم يعد بالإمكان حل الموقف قبل أكثر من ساعة.
علاوي، ذكر عدداً من أسماء السيارات بالقابها العراقية وليس باسمائها التقليدية.. يقول هناك "ليلى علوي" وسميت بذلك لأن مصابيحها الأمامة كبيرة وواسعة.
وهناك أسماء لسيارات أخرى مثل المنفوخ
الكارون والأقجم سيارة لوري قديمة والدولفين سيارة شوفرليت امريكية الصنع وغيرها.
دفتري
جهاز الموبايل الذي غزا الحياة العراقية مؤخراً حصد الكثير من هذه المفردات الملغزة وشيد لنفسه عالماً غريباً بات بحاجة إلى من يعرفنا على بعض أسمائه. سألت صاحب محال حافظ للموبايل عن هذه المفردات المتداولة فقال: هناك أجهزة عديدة اقترنت بمسميات شعبية مثل الدفتري. أي الذي يطوى مثل الكتاب. وابو دمعة ودمعتين. أي الذي تقطر منه الدموع عند تشغيله. والسيميه الذي كثيراً ما تهواه النساء لأناقته وجماليته.
ولكن يبقى "الطابوكة" هو الأكثر متانة
يقصد نوكيا القديم فهذا الجهاز يحمل من القوة والمتانة بحيث لو "ركعته بالحايط" ميصير بيه شي!
صيرفة - صاعد نازل
الدولار هابط في هذه الأيام.. الدولار صاعد.. جملتان يرددها الناس كثيراً، خصوصاً أيام الحصار الأسود.. اليوم أطلقت تسميات جديدة على مجاميع الأوراق النقدية
الدولارات حصراً فتحولت فئة المائة دولار إلى ورقة. المئة ألف إلى دفتر أو شدة أو بلوكة!
والبعض يطلق عليها أرنب وهكذا.
ومع الحركة المتسارعة للواقع العراقي بكل ما يحمله من ازمات وانفراجات تبدو ملاحقة هذه المفردات الغريبة وشديدة المحلية أمراً عسيراً لأن كل يوم جديد يحمل معه إلى الشارع مفردة لم نسمع بها من قبل.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة