المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

زياد حيدر الهارب من السجون والحروب
 

المدى الثقافي

رحل عن عالمنا الفنان التشكيلي زياد حيدر وهو في قمة ابداعه وتألقه يوم الثلاثاء المصادف 3/1/2006 أثر سكتة قلبية لم تمهله طويلا في مرسمه بمدينة امستردام بين فرشاته ولوحاته التي فرشت جدران أتليه الجديد حيث كان مشغولا بترتيبه لأفتتاح معرضه الشخصي بعد سنوات من الكفاح والمعاناة، والابداع المتواصل.
كان الفنان زياد حيدر مهموما بأشياء لا حدود لها، فبعد غربته التي جاوزت الخمسة عشر عاما بين الاردن وسوريا وهولندا، وبعد أن عاش غربته وعذاباته داخل العراق ابان السبعينيات والثمانينيات، استنزفت منه خمس سنوات في أقبية سجن أبو غريب بحكم سياسي جائر من محكمة الثورة سيئة الصيت، ومثلها عسكريا في جبهات القتال مع ايران إلى أن حانت فرصة هروبه من العراق بداية التسعينيات ليستنشق هواء الحرية النقي، ويبدأ رحلته الفنية من جديد.
لم يشهد بلد مثل العراق مثل تلك المآسي التي مرت عليه وعلى أجيال ابنائه المتعاقبة، حيث ضاقت مساحة الحرية والبوح والصراخ، واطبقت جدرانه الثقيلة الصماء على الضمائر والعيون والأنفس.. حرب تجر حرب ومعتقلات وتصفيات وغياهب مجهول في كل بيت لها نصيب وفاجعة.. كان لمبدعي العراق ومفكريه نصيب وافر من هذه المآسي، حيث غاب من غاب، وانزوى آخرون، وترك العراق هائما تحت سماوات غريبة من استطاع النفاذ بجلده من المحرقة الكبيرة ليحافظ على نقاوة فكره وبقايا مقاومة لم يستطع طاغية العراق سحقها.
أتذكر الهجرة الكبيرة لمثقفي ومبدعي العراق أواخر سبعينيات القرن الماضي بعد أن بسط الدكتاتور ظله كاملا على شعب ومقدرات العراق.. هجرة لم يكن ابطالها فقط الشيوعيون.. بل شملت مستقلين وبعض القوميين المختلفين مع اسلوب وادارة النظام، واسلاميين.. اكراداً وعرباً ومن جميع الأديان والطوائف، لكن في مقدمتهم بطبيعة الحال اليساريون الذين خذلتهم الجبهة والتحالفات التي لم تستند إلى أسس وطنية ومشاركة في الوطن.
كان زياد حيدر ضمن من بقي منا داخل العراق بسبب المنع والسجن والمضايقة، أنهى دراسته في اكاديمية الفنون الجميلة عام 1976 ليبدا مشواره الفني منذ ذلك الوقت، مشاركا في معارض مهمة داخل العراق وخارجه، مبدعا يحمل هما وطنيا ورؤية فنية جسدها بأعمال تناصر الإنسان وتحكي محنته.
في لوحته المشهورة (انفجار لعبة 240×120 سم) التي رسمها اواسط الثمانينيات تعبير واضح عن الصرخة المدوية لسنوات العذاب التي واجهها في حياته، حيث ينفجر رأسه فجأة وسط اللوحة وتتشظى منه كرات أشبه بكرات البليارد عليها أرقام تمثل أعوام ميلاده وسجنه ورقمه العسكري وتواريخ مآسٍ أخر مرت بحياته، لوحة ادانة وتعبير صادق وصارخ لكابوس الاضطهاد والخوف الذي عاشه جيل أراد الخروج من الشرنقة وتلافيفها التي التفت على أعناق العراقيين.
توفي الفنان زياد حيدر عن عمر 51 عاما وفي رأسه أحلام ومشاريع فنية وأمل في العودة إلى العراق ليبدا مشواره من جديد، حيث حلمه بفتح مدرسة خاصة لتعليم الرسم للموهوبين من الشباب كما صرح في آخر حديث له لأذاعة العراق الحر، لكنه عاد ليحضن تربة العراق إلى الأبد ويبقى ابداعه في ذاكرة الفن التشكيلي العراقي وفي قلوب اصدقائه من المثقفين والفنانين العراقيين الذين فجعوا برحيله في هولندا وفي العراق وكل المنافي العراقية (حيث تحول تشييعه في امستردام لمهرجان مهيب حضره اصدقاؤه ومحبوه من كل ارجاء هولندا ومن خارجها وسط مشاعر الدموع والأسى لرحيله المفاجئ والمبكر) ولينقل جثمانه إلى العراق على نفقة رئيس جمهورية العراق في التفاتة وطنية وإنسانية، ووفاء لمبدع عاش العراق في ضميره وفنه.


حوار مع الراحل الفنان التشكيلي زياد حيدر: الفنان العراقي المغترب يملك حرفية عالية وخزينا متراكماً (1-2)
 

كريم النجار -امستردام
عالم متغير وإحساس جديد، فيه صخب واستفزاز.. وذروة الهدوء في آن معا، لكن ليس من السهولة تلمس الخطوات في دخول هذا العالم النابض بقوة التغيير، ولأجل تلمس انتقالات زياد حيدر برؤية عبر المفردة والاسلوب والتشكيل ومعالجات ليست نمطية، فعليك أن تتسلح بخبرة معرفية وذوقية لما تمخض عنه التشكيل العراقي المعاصر من ظواهر وأعلام بصمت تأثيراتها الواضحة في تطور هذا الفن وبروزها على المستوى العربي والعالمي.
في توليفاته جمع غريب لمتناقضات تنبض إرهاصا وحياة قلقة، تسكن روح الإنسان المتمرد.. الباحث عن وجوده وسط دوامة صراع قاهر وغير متكافئ يكون في النهاية ضحيته، من أعماله القديمة وتخطيطاته التي تظهر الجسد الإنساني مضغوطا تحت ثقل كتلته التي تحمل هاجس الخوف والدمار والحروب، والتي كانت تطغى عليها ثنائية الأسود والأبيض، وبحركات مجتزأة كفعل المشرط في الجسد الإنساني، وبمهارة تقنية في استعماله للكولاج والقطع لأضفاء الترميز المكثف، وكأنها تعبير كما خرجت به حياته الصاخبة التي توزعته، وكأنه شخصية خرجت للتو من عالم سلفادور دالي أو استرياس أو ماركيز لتصب لعنتها على الواقع وتتمرد عليه.
لقد عاش ولفترة طويلة في العزلة والسجن والتمرد، وهي احتجاجه المعلن لما وصل اليه الاسفاف وصعود أنصاف المواهب وتبوؤهم سلطة الفن والثقافة في العراق لفترة جاوزت العقدين، وهنا نتلمس ثمار حرية الفنان وانعكاسها على اعماله، وقد استطاع الفنان زياد حيدر وبفترة قصيرة نسبيا أن يحقق أعمالا تظهر موهبته الفنية وحرفته العالية، فنراه الآن وقد تحرر وبشكل سريع من كوابيسه الثقيلة السود.. إلى تجسيدها عبر اللون والتناغم الموسيقي مع أختلاف الحدث، وهي رؤية جمالية وبصرية لدراما الحياة وسؤال الإنسان الدائم بعيدا عن المباشرة والشعارات الزائفة.
والفنان زياد حيدر تخرج عام 1976 من اكاديمية الفنون الجميلة- بغداد وشارك في العديد من المعارض داخل العراق وفي عدة بلدان عربية واوروبية. وفي لقائنا هذا، يتحدث برؤية الفنان الجاد والمتجدد الذي يريد أن يتعايش بتنافس وحوار مفيد مع عدة ثقافات وبطابع إنساني وفني بحت.
للوحة لغتها الخاصة
*منذ اقامتك القصيرة في هولندا أستطعت خلالها اقامة معرض مشترك مع أحد الفنانين الهولنديين المشهورين، ومجموعة معارض مشتركة مع فنانين عراقيين وعرب واوروبيين في هولندا وخارجها، يأتي ذلك بعد انقطاعك ولفترة طويلة عن اقامة آخر معارضك الشخصية في العراق، ترى هل هي نابعة من أسباب تتعلق بالرؤية، أم بمساحة الحرية المتاحة للفنان بالتعبير والطرح، والمشاهدة المستمرة.. ومدى تأثيرها على تطور اداء الفنان؟
- خلال فترة اقامتي القصيرة نسبيا.. هنا في هولندا، والتي تبدو لي المحطة الأخيرة.. بعد سلسلة من المحطات، أحسست أن فرصا عديدة متاحة للعرض والانتاج، بعد توفر الشرط الإنساني اللائق.. في هذا البلد الصغير في جغرافيته، والكبير في تاريخه الفني، فهو بلد رمبرانت وفان كوخ وموندريان. لقد لمست هنا اهتماما خاصا من قبل المعنيين في الفن.. اهتماما نفتقده منذ زمن أو منذ دهور، اهتماماً نابعاً، ليس لأننا من بلاد ما بين النهرين وممثلون لحضارة ذلك البلد فقط، بل لأن الفن هنا يحتل مكانا لائقا بين النتاجات الإنسانية المتسامية، وثروة يفتخر بها المعنيون والجمهور على حد سواء، إضافة إلى رغبة الهولنديين في التحاور مع الثقافات الاخرى وخاصة ثقافات وفنون الشرق.
استطعت خلال هذه الفترة أن اؤسس وضعا فنيا مختلفا عما كان عليه في بغداد، من خلال التواصل والاطلاع على المنجز الفني الهولندي الكلاسيكي والمعاصر.. ومن التواصل مع بعض الفنانين الهولنديين والعراقيين بسبب توفر المناخات والشروط الإنسانية بحرية العمل الفني. وتلقيت العديد من الدعوات للمشاركة في معارض ومهرجانات، واقمت معرضا ثنائيا مع الفنان الهولندي (فان دايك) بدعوة من كاليري (سيركل) في هولندا.. وكانت ثيمة المعرض عن موضوعة الحرب وتشظيها في ذاكرة الفنان، حيث عاصر الفنان دايك الحرب العالمية الثانية وخاض تجربة الاعتقال كما عشتها أنا في العراق.. أفتتح المعرض وكيل وزارة الثقافة الهولندية، كما شاركت في مهرجان (موسكرون) الدولي في بلجيكا ومع منظمة
U MAN في فنلندا، إضافة إلى العديد من المعارض المشتركة مع فنانين عراقيين في عدة مدن هولندية ومساهماتي مع جمعية (ميسوبوتاميا) أصدقاء بلاد ما بين النهرين الفنية.
لقد سقت هذه المقدمة الصغيرة كي ابين من خلالها حجم ما نفتقده من احتفاء بالفن العراقي، والتعامل مع المنجز الفني باعتباره نشاطا إنسانيا ساميا، ومن خلال ذلك استطيع أن اؤكد أن عملية الانقطاع التي حصلت لي والابتعاد عن خارطة الفن التشكيلي العراقي في الداخل بشكل مؤقت في السنوات الاخيرة هي لأسباب تتعلق بالرؤية الفنية، ولها أسباب تتعلق بحرية التعبير، والمساحة المتاحة للفنان بالتعبير وطرح رؤاه الخاصة. ولو افترضنا ذلك فاننا نعني بالمقابل.. أن يكون (الآخر) الذي يمتلك (سلطة) على الثقافة مثقفا، ويعي تماما ما تعنيه موضوعة الحرية في الثقافة وما تشكله من خطر على (سلطته) تلك. أعتقد أن هذا الافتراض غير موجود، بمعنى انك تواجه سلطة على الثقافة غير مثقفة.. وبالتالي فهي تخشى الثقافة ذاتها، وليس الحرية المتاحة في التعبير داخل -الثقافة- لذا فهي حريصة دائما على ايجاد ظرف استثنائي مزمن ومبرمج يضع الفنان والمثقف بين حربين، إما العمل في ترسانة الاعلام تحت يافطة الحرب باعتبارها انجازا، وإما القتال في الجبهات دفاعا عن الجلادين الذين جلدوا الثقافة والفن.. وازاء ذلك يبقى مجال للحديث عن مساحة الحرية المتاحة للفن في التعبير والطرح.. أو في تطور اداء الفنان.
*كيف برأيك يتفاعل الفنان المغترب حديثا مع ما يراه من تطور فني كبير، على صعيد الاساليب والخامة والموضوعة والعرض، واثر التشكيل الاوروبي المعاصر عليه؟
- في البدء اعتقد أن الفنان العراقي بشكل عام يمتلك حرفية عالية وسيطرة على خاماته، وهي في أغلب الاحيان خامات تقليدية متعارف عليها، بسبب من عزلة الفنان لعقود عن مجرى تطور الحركة الفنية في العالم، وانقطاعه عن التواصل مع العالم الخارجي، إضافة إلى وجود خزين من الخبرة لدى الفنان العراقي في التحاور والمواكبة لتيارات الفن الحديث التقليدية.. رغم تلك العزلة، فالتحاور هذا يتم غالبا بجهود فردية وعبر قنوات محدودة.هذا الانقطاع وتلك المحاولات في التواصل، موضوعة مهمة وخطيرة في تناول قضية تفاعل الفنان العراقي المغترب حديثا مع ما يراه من تطور كبير على صعيد الاساليب والخامات وتطور طرق العرض، إضافة إلى التفاعل مع التشكيل الاوروبي المعاصر. لذا أجد أن الفنان العراقي هنا يعاني في البداية من فارق كبير وتأخر واضح في الزمن والمادة وطريقة التعامل مع الموجودات البصرية، وكيفية تحسسها والتعامل معها، عبر رؤية معاصرة تنسجم مع التطور التكنولوجي الهائل الذي حصل في غفلة عنا.. آخذين بنظر الاعتبار التغاير الحاصل بين رؤية الفنان الاوروبي والفنان الشرقي، بسبب من طبيعة المقتربات والمرجعيات الحضارية لكل منهما، كحصيلة منطقية لاختلاف الحضارتين الاوروبية والشرقية.
إلا أن السمتين الاساسيتين اللتين ذكرتهما، وهما امتلاك الفنان العراقي المغترب حديثا (حرفية عالية.. وخبرة في الخزين المتراكم) في التحاور والمواكبة والرؤية المتقدمة التي يمتلكها، إضافة إلى هذا وهو الاهم، وجود الفضاءات الواسعة في حرية العمل والتفكير، والاحساس في التعامل مع اوساط فنية مثقفة وحضارية، تحترم الفعل الثقافي والفني وتتعامل مع الفن باعتباره انجازا إنسانيا متساميا، وليس اداة لخدمة الترسانات الاعلامية. كل ذلك يجعل الفنان العراقي قادرا على إيجاد لغة معاصرة للتحاور والتعايش مع المنجز الاوروبي.. ونستطيع أن نستقرئ ذلك من خلال خارطة الفن العراقي المغترب حديثا.


التشكيلي العراقي زياد حيدر في تظاهرة ثقافية مهمة في أمستردام
 

امستردام/ علي شايع
بصفاء ثابت للفكرة وحساسية لونية عالية ينجز الفنان التشكيلي العراقي زياد حيدر أعماله لما يزيد عن ربع قرن من عمر تجربته الفنية الزاخرة. وفي طواعية هائلة للون وإمكانيات فنية متميزة يشهد له بها كل من اطلع على أعماله، يتجاوز زياد حيدر حدود ما يرسمه الى مدرك ذاتي كبير في تجربة يفتح مساحتها مع الرائي، مستشرفا القيمة العظمى للفن التي هي أعلى قيمة لديه يعيش تجريدها بخصوصية فريدة وبتجربة حياتية صعبة كان للسجن السياسي فيها نصيبه الوافر.
تنوعت أعمال الفنان زياد حيدر في اللوحة الفنية المعاصرة التي تتخذ من موضوعها روح الحدث والمعاناة الإنسانية الكبرى، و الأحداث الهائلة التي طغت في العراق والتي طبعت بعض أعماله ونتاجه للسنوات الأخيرة فكان العراق حاضرا بقوة،وكان لزيارة الفنان لبغداد مؤخرا أثرها الواضح في إنتاجه الفني،تاركة ايضا أبعادها في انطباعات الجمهور الكثير الذي حضر الى هذه التظاهرة الفنية الكبيرة.
يجدر الذكر ان الفنان زياد حيدر من الفنانين العراقيين الأكثر مواظبة على مشروعه الفني وكان قد اشترك في معارض عدة في هولندا حيث يقيم منذ أكثر من 9 سنوات، هي امتداد لتواصله الفني منذ عقد السبعينيات وخلال عقد الثمانينيات حيث عرض أعماله ضمن معارض الفن العراقي المعاصر ومعارض جمعية الفنانين التشكيليين، ومعرض الكرافيك العراقي المعاصر، ومهرجانات الواسطي.
وكان للفنان زياد حيدر حضوره الفني خارج العراق قبل خروجه منه هاربا بعد ان حكم عليه بالسجن عشر سنوات قضى أربعاً منها في زنازين سجن ابو غريب سيئ الصيت.وعرضت نتاجاته ضمن معارض الفن العراقي في العاصمة اليابانية طوكيو وقبرص وعمان. كما عرضت اعماله في هولندا، بولندا، سويسرا، بلجيكا، امريكا، فنلندا والمانيا ومتحف مدينة ماجدانيك البولندية الذي يضم في مجموعته الدائمة احدى لوحاته، وحصل على جوائز كثيرة. كما ان لديه اعمالا في المجموعة الدائمة للمتحف الوطني للفن الحديث ببغداد ضاعت ضمن ما ضاع في إحداث السلب والنهب.


لغة التضاد

أحمد السوداني
يمثل الجسد وتفصيلاته الأفق الذي يتحرك عبره الفنان زياد حيدر،معتمدا لغة التضاد كوسيلة خطاب،اذ هو يعول على آلية الرؤية عند الإنسان كمعطى فيزيولوجي،عندما يضع اللون الأسود بتدرجاته المتفاوتة على خلفية بيضاء واسعة،فأنه بذلك ينشئ فارقا حسيا بين سطحين متموضعين بجانب البعض،فالأبيض يسند التفاصيل ويعمل على دفعها الى الإمام، ولكي يسيطر زياد على تلك الآلية،يلجأ الى استخدام ألوان حارة ودافئة؛ الأحمر والبرتقالي وبمساحات صغيرة تشغل المركز عادة وتعمل كقوة جاذبة لبقية التفاصيل، وهو بذلك يحكم قبضته على توزيع التوازن والامتداد والفراغ ويحقق قدرا عاليا من التناغم، فهو يخاطب في ألوانه القاتمة عتمة اللاوعي بعتمة مماثلة،تتماهى معها وتستدرجها بغية الإفصاح عن مكنوناتها المكبوتة، هذا التضاد في اللون يقابله تضاد على صعيد الشكل، فزياد يختار التكوينات البشرية المتسمة بالحركة،الأطراف، ليشير الى حياتنا المعطلة وسكونية الموت والعجز عن اللحاق بتلك اللحظات الهاربة.
جهود زياد تستحق اكثر من التنويه والثناء.


ثنائية الضوء والعتمة
 

عدنان حسين أحمد
تتميز تجربة الفنان زياد حيدر بالبحث في المناطق اللا مرئية من أعماق الأنسان، ففضلآ عن همه الوجودي نراه يغوص الى أعماق الذاكرة، ويفتش في حجراتها عن نثار الذهب المتبقي، وما خلفته الحضارات العراقية المتعاقبة من درر الأفكار، وشظايا الأحاسيس الموخزة التي تستفيق في دواخلنا لتستحضر آلافآ من السنوات دفعة واحدة، فيغدو الماضي البعيد راهنآ نتلمسه، ونراه، ونتذوق نكهته وطراوته، وتستشرف المستقبل البعيد وكأنه الحاضر الذي يتمرأى أمام أعيننا كيقين دامغ. وللفنان زياد حيدر رؤية كولاجية عميقة، فهو ينظر الى هذا العالم المضطرب وكأنه قائم على فكرة التقطيع والتلصيق، فعبر المزاوجة والتوليف يقدم لنا الفنان انجازاته التشكيلية التي عادة ما تلفت أنظار النقاد والمتلقين على حد سواء، حيث استطاع الفنان زياد حيدر من خلال تجربته الفنية الطويلة نسبيآ أن يختط له مساراً مهماً في المشهد التشكيلي العراقي. وقد عرف الفنان بدأبه وعفوية انتقاله من مرحلة الى أخرى، وهو لا يستسيغ فكرة اختزال المراحل الفنية لكنه لا يخفي جرأ ته في التعامل مع ملمس اللوحة وفضائها اللا محدود.
لقد تأثر الفنان اسوة بمجايليه، بالحركات الفنية المتعاقبة، سواء المحلية منها أو الوافدة، ولكنه ظل حريصآ على تفرده و استقلاليته وحاول منذ البدء حسب تعبيره، أن يخلق متحفآ شخصياً له، فهو يرى أن المنجز الفني تعبير عن خصوصية الفنان، الأمر الذي حفزه على ان يبحث جديآ في جوهر العملية الأبداعية التي لا ترخي الطبع الا للمنقطعين اليها و المختلفين لأجوائها الاشكالية. فالطريق الذي اختاره شائك وملتو لكنه مليء بالمفاجآت المدهشة لأولئك الذين يتجشمون عناء البحث والتجريب والاستقصاء وزياد حيدر هو واحد من هؤلاء يبحث دائمآ عن المغايرة والاختلاف. وهنا أريد أن أتوقف عند المحاور الرئيسة التي ينطلق منها لترصين تجربته الفنية. فالفنان يرى أنه بامكانه أن يتخلى عن كل شيء أثناء احتفالية الرسم باستثناء الذاكرة باعتبارها لا تمثل الا السائد والمكرور من التجارب والرؤى والأفكار، غير أن المخيلة تبقى ذلك المنجم المغري الذي لا يستطيع أن يطأه الا المبدعون الحقيقيون المسكونون بهاجس المغايرة والتفرد والاستثناء. فالابداع هو محاولة لافتضاض الجزء اللا مرئي من المخيلة المدهشة، لكنه ينتشل نفسه من هذه -- الهنة غير المقصودة -- حينما يقول -- انني أحاول أن أشحن هذه الذاكرة باستمرار، وهنا يلتقط الفنان الخيط الضائع، ويمسك بعصب التجربة النابض، فشحن الذاكرة لا يتأتى الا عن طريق المخيلة.
فالفنان مدعو لمراجعة طروحاته النظرية بما ينسجم مع رؤيته الجمالية التي يصبو لتحقيقها. أما المحور الثاني، فهو ثنائية الضوء والعتمة، والذي أعده أهم المحاور في تجربة زياد حيدر الفنية، لأن فلسفته الحياتية ووجوده الفني قائمان على هذه الثنائية التي نستطيع من خلالها أن نتوقف عند نتاجاته التي عرضها في عمان - دمشق -بلجيكا - فنلندا - بولندا - وفي بعض المدن الهولندية وفي أمستردام حيث يقيم. فالفنان مأخوذ بجدلية الضوء والعتمة، فثمة عالم مبهرج تتقاطع فيه أقواس من الألوان البراقة، يقابلها عالم شديد في عتمته، وما بينهما فضاء رمادي قد لا يعبر بالضرورة عن خصائص النقيضين..
غير أن الفنان المقبل من أطلال أم ايشين يحمل بين طيات روحه تلالاً من الحنين الى ذلك الحزن الشفيف الذي لا يدركه الا الواقعون في أعلى درجات الوجد الصوفي. أما المحور الثالث الذي يؤرق ذاكرة الفنان فهو احساسه بأنه -- مهمش خارج الذاكرة أو ملقى خارج المتحف -- الأمر الذي يحفزنا على مراجعة مقولة بيرجر التي استند اليها الفنان زياد حيدر فبيرجر يقول ( لن يثيرنا وجود تمثال في متحف ما بقدر ما يثيرنا أو يستفزنا وجوده في حفرة على قارعة الطريق، ففي الحالة الأولى هو شكل قائم بذاته،وفي الحالة الثانية استحال الى موضوع يثير الدهشة والتساؤل ) هذا الأمر ينطبق على المنجز الابداعي ومكانته التي ينبغي أن تكون أثيرة لدى المتلقي المتخصص، أو حتى عامة الناس بدرجة أقل.
أما وجود الفنان العراقي في المنفى وكأنه خارج من متحفه، وساقط في حفرة منسية على قارعة الطريق فهو محض افتراض سلبي ليس الا، فالفنان قد يتحول الى انسان ضائع أو هامشي عندما لا يستطيع أن يخلف بصماته على هوية عصره، وبخلاف ذلك فهو مجرد شعور بالغربة المكانية عن الوطن والأهل والأصحاب. وعودآ على المنجز الأبداعي الذي يقدمه الفنان زياد حيدر، نقول أن الفنان قد تمكن من تعزيز طروحاته الفنية عبر اشتغاله على تقنياته الأساسية المعروفة في القص والكولاج والتصميم مخضعآ -- فيغراته -- الجديدة لتجارب لونية صارت مألوفة لدينا، فالفنان يميل بطبعه الى الألوان المعتقة المشتقة من الفحم أو الحبر أو سواهما الى الحد الذي يستطيع أن يوحي لنا بالعتمة المقصودة، ثم يبدأ أضاءاته الحقيقية التي تنبجس من أمكنة مختلفة غاية في الدقة والأهمية، الأمر الذي يقودنا الى الانبهار بقدرته الفذة في بث الومضات الاشراقية في متن اللوحة التي أخضعها لتجربة تصميمية متقنة.
وينبغي أن لا ننسى امكانية الفنان في اختزال النكوينات والأشكال والموضوعات والخطوط عبر ثلاثية القص والكولاج والتصميم ليصل بلوحاته الى أقصى مداها التجريدي. فالفنان الذي ينجح في استثمار هذه الثلاثية يستطيع أن يخلق نماذج فنية مهمة مستقاة من تكوينات وأشكال مألوفة تصادفنا كل يوم دون أن تثير انتباهنا. غير أن الفنان المبدع يستطيع أن يضفي عليها بعداً فنياً عبر ثنائية الحذف والاضافة، أو من خلال المعالجة الموضعية لهذا الجزء أو ذاك من التكوين العام. وفي الختام نذكر الفنان زياد حيدر بأنه ليس كائناً مهمشاً، وانما هو فنان متميز يعيش في قلب الحدث الفني، ويتسامى كل يوم في فضاء العملية الابداعية.


نافذة على المدى .. روائي حداثي وروائي ما بعد حداثي

علي بدر
في بيروت، الصيف الماضي، اتصلت بي صحفية شابة لتجري معي لقاء لإحدى الصحف الشهيرة هناك واتفقنا على اللقاء في لوبي الفندق...بعد أن تناولنا القهوة ..وضعت مسجلتها على الطاولة، وأخذت تسجل بقلم وورقة بعض الملاحظات، ثم رفعت رأسها وقالت لي "أنت روائي حداثي أليس كذلك؟" فلم أتمالك نفسي وأطلقت ضحكة عالية في وجهها...ولكي أستمر في المزاح قلت لها "أرجوك ..أنا أرفض تسميتي بالروائي الحداثي..فهذا المفهوم قديم ..وأعدائي هم الذين يطلقونه علي..بل أنا روائي ما بعد حداثي.." فارتبكت قليلا ..وكنت واثقا بأنها ستسألني عن الفرق بين الحداثي وما بعد الحداثي في الرواية..وسنصل مثل كل مرة ..وفي كل عصر ووقت تقريبا إلى اضطراب المفاهيم والتلكؤ والعجز والتعلق بالصفات والألقاب والمصطلحات دون فهم كبير...وسنعيش مثلما عشنا مثل كل مرة من المرات السابقة متصارعين حول لقب الوجودي والإشتراكي والديمقراطي والقومي والحداثي وما بعد الحداثي والماركسي والسريالي والانطباعي...والخ دون فهم حقيقي أو تبيئة حقيقية للمفاهيم...هل أنا ضد المصطلحات ..أبدا..فالمصطلح أمر مهم ولا تنازل عنه في الثقافة...وهل أنا ضد الأفكار الجديدة والوافدة ..مطلقا..أنا نفسي نتاجها...ولكن أية أفكار وكيف؟
قبل أشهر وردتني رسالة من أحد الروائيين المصريين الأصدقاء عاتبا علي سخريتي من الثقافة المصرية في مقالة وردت لي في صحيفة الرياض الغراء، وبأني أبّنت الثقافة المصرية إلى الأبد على حد تعبيره وتنصلت من تأثيرها الحداثي على الثقافة العربية والرواية العربية!! وها نحن وصلنا إلى بيت القصيد..التأثير الحداثي على الثقافة العربية...والرواية العربية!! طبعا لا أريد الخوض هنا في المفاهيم، ولا في السجالات العقيمة ولا في الكتابة على طريقة الآخرين لأرد مدافعا عن نفسي : " كلا ..كلا أنا كاتب ما بعد حداثي ولست كاتبا حداثيا.." ولكني سأجعل من نقاش الرواية الحداثية وما بعد الحداثية أمراً جادا..بل تقنيا وعمليا هذه المرة...وفي إطار تجربتي أنا دون أن أكون مصدقا حقيقة أي لقب من الألقاب...فلو تسألني عن رأيي في الرواية العربية سأقول صراحة أن الروائيين العرب أجهزوا على الرواية العربية، وقاموا بتدمير كل ما سبق حتى وصلت الرواية إلى طريق مسدود، بل تحولت الرواية إلى "بقعة باهتة من اللغو المتواصل" وإلى "تفاهات"، فن ادعاء ثقافي وليس ثقافة، فن إسهال لغوي وليس لغة، نصوص نرجسية وغير مكترثة حقيقة للفن...هل البديل هو روايات نجيب محفوظ ..لا أبدا على الرواية أن تتغير طالما أن مجتمع التوفير، ومجتمع العفة، والضمير المهني، وروح التضحية، والجهد، والدقة، والسلطة، والنزعة الثورية، والعدالة الاجتماعية قد تغير...أنا شخصيا أميل إلى فن المتعة، إلى الفنتازيا، والسخرية، إلى عبادة العفوية، وثقافة التحليل النفسي، والاقتراب من الذات، والكشف عن بؤر الخداع والزيف..ألا يكفي... لقد خدعونا طويلا بنضالاتهم الكاذبة وأدوارهم الزائفة وثقافتهم المهلهلة وغرورهم وتجارتهم الفاشلة وبناء مجتمعات كاريكاتورية وبطريقة عارية عن الصحة وفاقدة للضمير.
بعث لي أحد الأصدقاء رواية لكاتب عربي مرموق تجاوزت صفحاتها الثلاثمائة صفحة، قرأت منها خمسين صفحة ولم أجد فيها شيئا يستحق أن يقرأ، وليس هنالك من شيء يجعلني أستمر بقراءتها حتى النهاية سوى إنها لروائي عربي مرموق، فاتصلت بصديقي وقلت له إني غير قادر على الاستمرار بقراءتها، قال لي ببرودة أعصاب ربما بعد المئة صفحة سأجد بعض الأشياء المهمة، قلت يا إلهي علي أن أقرأ مئة صفحة من التفاهات لأجد شيئا مهما يقرأ، ألم يسأل كاتبنا العظيم نفسه عن سبب كتابته المئة صفحة الأولى؟
طبعا الحجج واضحة وهذه قائمتها:
تدمير السرد...تشظية الشخصية...كسر التوقع...اللعب على اللغة...تهشيم التراث السردي...العبور بالنص نحو المناطق المعتمة والغامضة...إثارة الضجر والملل في نفس القارئ وتنفيره لأن التشويق أسلوب كلاسيكي..والمتعة لا يبحث عنها إلا الكتاب الثانويون..الرواية متعالية ولقارئ متعال؟
هل يمكننا أن نقول أن كل الحجج التي أوردتها قبل قليل هي حجج الرواية الحداثية، والتي سخرت منها رواية ما بعد الحداثة؟ نعم هذا صحيح، كتب ليبتوفسكي إن الحداثة أرادت تنفير القارئ وإضجاره بتيار الوعي والرواية الجديدة بابتداعها كتابة جديدة تستند إلى تهديم القيم والتنكر لها، لكن الإنسان ما بعد الحداثي لا يعبأ بالقيم ولذلك لا يهمه من يقوم بتهديمها، وبهذا ظهرت رواية ما بعد الحداثة لتعيد الاعتبار للسرد، وللحبكة، وللتشويق والمتعة، وهذه هي روايات ميلان كونديرا وإشنوز وميشيل روا وهولبيك وغيرهم...الرواية ما بعد الحداثية رواية هادئة غير متشنجة، مرنة مسترخية، ساخرة متراخية، الثقافة الما بعد حداثية تتمحور حول تحقيق الأنا، والتلقائية، والمتعة، وهكذا تحولت المتعوية إلى مبدأ محوري للثقافة الحديثة، إن حامل الفردنة الحقيقي هو الفن، أما الطليعة فقد فقدت طبيعتها الاستفزازية، ولم تعد قادرة على خلق أي توتر بينها وبين الجمهور أو بينها وبين النقاد، ببساطة ذلك لأنه لم يعد بين الجمهور أو بين النقاد مدافع عن النظام والتقاليد، أما المتعة فقد أصبحت هي القيمة العليا المحمولة من قبل الاستهلاك الجماهيري، لقد أصبحت هي القيمة المركزية للثقافة، وهكذا على الفن أن يعيد الاعتبار إلى المتعة.
في كل العالم هنالك عشرات الأنواع من الروايات: الرواية الاجتماعية، روايات التسلية، رواية الألغاز والرواية البوليسية وروايات الرعب، الرواية الشعبية التي تقع بين الميلودراما والبورلسك، والرواية السحرية، والرواية الساخرة التي تفيد من الأوبرا الكوميدية، إلا في ثقافتنا هنالك نوع واحد من الرواية
هي الرواية المضــجرة والتي نحتاج إلى صبر أيوب لإنهائها.


تعقيب على ما جاء في مقالة (في ذكرى رحيل الشيخ عبد الكريم الماشطة)

د. حسام رشيد
نشرت صحيفة المدى الغراء في عددها المرقم 479 الصادر في 3- 9- 2005 مقالة بقلم السيد (احمد الناجي) في ذكرى رحيل الشيخ عبد الكريم الماشطة تضمنت تسجيل احداث مهمة من تاريخ حركة انصار السلام في العراق وخاصة ما يتعلق بالمؤتمر التأسيسي للحركة الذي انعقد في تموز 1954. وحيث ان تسجيل تاريخ الحركة الوطنية العراقية بامانة، وحركة انصار السلام في العراق احد اركانها مهمة نبيلة لكل من تختزن ذاكرته شيئا من تاريخها المجيد بهدف تسجيل الحقيقة دون الانتقاص من دور أي من شارك فيها، اود تصويب بعض المعلومات الواردة في هذه المقالة، وخاصة فيما يتعلق بمشاركة مدينة الموصل في هذا المؤتمر.
شاركت مدينة الموصل بوفد ضم (اسماعيل رشيد) الذي ورد اسمه في المقالة مرتين الاولى بهذا الاسم والثاني باسم (اسماعيل نجار) وشاركه صلاح الدين اسماعيل رشيد ممثلا للحركة الطلابية في المدينة التي كان مسؤولها المحامي والشخصية التقدمية المعروفة (سعد يحيى قاف) الذي كان طالبا آنذاك. والقى (صلاح الدين) كلمة وفد الموصل في المؤتمر وشارك اعضاؤه في لجانه المختلفة واستمر المؤتمر يومين، وقد انتشرت اخبار المؤتمر من خلال البيان الختامي الذي نشرته بعد انتهائه بايام صحيفة (الاهالي) حيث وقعه مندوبو المدن العراقية المشاركة فيه، ووقع البيان الختامي عن وفد الموصل (اسماعيل رشيد) بعنوان (نقابي)، وبعد عودة الوفد الى الموصل جرت ملاحقته كما لوحق الاخرون في بغداد، وقد اعتمدت محكمة الموصل قرار محكمة بغداد (التي اعتقد انها كانت محكمة تمييز العراق) في رد الدعوى التي اقيمت ضده، حيث سبق لهذه المحكمة رد الدعوى التي اقيمت على مجموعة كبيرة من الموقعين على البيان الختامي بأسمائهم المرفوعة، وكانت لجنة (الدفاع عن العدالة) التابعة لنقابة المحامين العراقية قد لعبت دورا كبيرا في الدفاع عن اعضاء المؤتمر التأسيسي كما كانت تقوم بالدفاع عن المعتقلين السياسيين في العهد الملكي مما يدعو محامينا ونقابتهم الى تسجيل تاريخ هذه اللجنة ونشاطها المشرف بالدفاع عن العدالة وحقوق الانسان العراقي، واذكر بهذه المناسبة المحامي البارز في هذه اللجنة المرحوم الدكتور ضياء الشيخ طه الشخصية الوطنية البارزة واحد الناشطين في حركة انصار السلام في العراق، والمحامي (مظهر العزاوي) الوجه الوطني المعروف في الحزب الوطني الديمقراطي، اذكرهم من خلال حضورهم الفاعل في الدفاع عن المعتقلين السياسيين في الموصل بالتنسيق مع الشخصية الوطنية ورئيس الحزب الوطني الديمقراطي
فرع الموصل- المرحوم المحامي يوسف الحاج الياس. واستمرت حركة انصار السلام في الموصل نشاطها الواسع بمشاركة العديد من الوجوه الوطنية المعروفة الى جانب اطباء ومحامين ومدرسين قدموا الدعم بما يتناسب مع ظروفهم وما يسمح لهم به الوضع السياسي انذاك، واتسعت الحركة بعد انتصار ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة وانعقاد المؤتمر الثاني لحركة انصار السلام في العراق في قاعة الشعب واحتفالها الختامي على حدائقها بمشاركة واسعة من وجوه الحركة الوطنية ورجال العلم والثقافة في العراق وفي الموصل ضم مجلس حركة السلام اسماعيل رشيد (رئيسا للمجلس) وشخصيات وطنية معروفة منهم على ما اذكر احمد الحاج ايوب والتربوي المعروف يحيى قاف (احد رواد حركة مكافحة الامية في العراق والوطن العربي وواضع اولى كتبها) والمحامي اسحاق بيثون والعالم الديني صالح الامتيوتي والقس افرام عبود والشاعر يوسف الصائغ والعديد من الوجوه الوطنية والنقابية والاجتماعية والثقافية التي لا تسعفني ذاكرتي حاليا من ذكرهم، حيث امل ان اتمكن في المستقبل من اكمال بعض الجوانب الناقصة من خلال بعض روادها الذين مازالوا على قيد الحياة.
املي في ان اكون قد وفقت في تقديم شيء لتسجيل الحقيقة.


المخرج .. قا ئد لفريق المسرح

د.فاضل خليل

أن من فكر بوجود مخرج ، شخص ينفرد عن الفريق المسرحي ، لا بد من ان يكون في غاية الالهام والدقة . ففكرة ( المخرج ) كانت وليدة التطور الحتمي الذي نشأ في القرن العشرين . وكان نتيجة حتمية للحاجه الناشئة اليه ، بسبب سلبيات النظام القديم الذي كان يتطلب من الممثل أن يتأكد من اكتمال حفظ دوره في غضون عشرة أيام ولأصعب العروض المسرحية فالعملية لم تكن تعدو اكثر من مهنة لا حياة فيها والرغبة للابداع فيها كانت نادرة وحكراً على القلة من الفنانين المبدعين . ولأجل أن يسود الحرص على الابداع غالبية الفريق ، كان لابد من وجود المخرج “مفكرا ، وقائدا ، ومنظما” بين الفريق المسرحي . أما الشغل الحركي قبل ظهور المخرج - فكان في معظمه تقليديا متوارثا ، القديم عن الأقدم ..وهكذا . ويورد “هوا يتنج” النظام المعمول به قبل ظهور المخرج والذي كان بمثابة القاعدة في التقديم في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في المسرح الأمريكي بالآتي :
1-كانت فترة التدريبات , قصيرة تصل إلى بضع ساعات في الأعمال الدورية ونادرا ما تتعدى الأسبوع للأعمال الجديدة .
2- الأزياء والماكياج كانا يتركان في الأغلب للممثل واجتهاده وكان هذا سببا في غياب الوحدة الاسلوبيه للعرض بل والى فوضى الأساليب في العرض الواحد .
3- الديكور كان من النوع التقليدي عدا بعض التعديلات الطفيفة التي قد تدخل عليه , لملاءمة احتياجات العرض .
4-الأدوار الصغيرة ومشاهد المجاميع غالبا ما كانت تهمل , أو , يعهد بها إلى أشخاص غير ممثلين تفرضهم الصدفة .
هذه الفوضى دعت إلى البحث عمن يعمل على توحيد تلك الأجزاء ، وعلى تنظيمها ويكون قادرا على قيادة المجموعة . فكان:فن الإخراج وكان : المخرج، صيغتين استقلتا وارتا بالصيغة التي نعرفها اليوم ، والتي تكونت بشكلها النهائي في نهائيات القرن الثامن عشر في ألمانيا في الفترة الواقعة بين الأعوام 1826-1914،( دوقية ساكس مايننغتن ) على يد الدوق جورج الثاني الذي احب المسرح وقاد فرقته الناشئة بنجاح منذ العام 1874 ، وقام معها بجولات في عموم ألمانيا , ليعرض معها أول مسرحية ضمن ما عرف بمسرح المخرج في الأول من أيار (مايو) كما أسلفنا . تميز مسرح مايننغتن بما يلي:
1- الشدة بالتزام النظام , لذلك كانت فترة التمرينات فيه طويلة ودقيقه . .
2- امتازت الفرقة بعدم احتوائها على النجوم ، لذلك كانت فيها كل الأدوار تعامل بالاهمية نفسها وكذلك الفنانون .
3- كانت المجاميع بأهمية أدوار البطولة .
4-الإضاءة ، الملابس ، الديكور ، الماكياج ، تخضع للتخطيط الدقيق .
ويقال أن (جوته) هو أول من استخدم مصطلح (المخرج) ، والبعض يذهب إلى أن ( ليون دي سوميه) , الذي عمل مرشدا في (قصر ألما نتوان) كان أول من مهد لظهور المخرج . ومن أفكاره قوله " إن من الضروري أن نحصل على ممثلين جيدين ، بدلا من الحصول على عرض مسرحي جيد " ، وهذا دليل على مناداته بالاهتمام بالممثل في العرض للحصول على عروض مسرحيه جيده . كما طالب بالدقة التاريخية في الأزياء ، وأكد على الاعتناء بالأجواء النفسية بواسطة الضوء . وهو الذي طالب الممثلين باتباع قواعد المحاكاة الارسطية .
وفي ألمانيا كان هناك نوعان من المخرجين :
1)الذين توجهوا تماما إلى عقل الممثل ، وطالبوه بالتحليل التفصيلي والدقيق للدور .
2)الذين وقفوا على قمة الوجدان الإبداعي للممثل ، ورأوا بأن مهمة المخرج الأساسية تنحصر في إيقاظ الحس الإبداعي عند الممثل.
ومنذ ذلك الوقت تركز عمل المخرج على أنه : المفكر ، القائد ، المنظم ، للمجموعة المسرحية والمؤلف الأول للعرض المسرحي، الذي بدونه تصعب الحياة على المسرح . في ضوء هذا التعريف برزت أسماء مهمة وكبيرة في الإخراج المسرحي أثرت في المسرح وكان لها دورها البارز في حركة المسرح العالمي . مثل : أدولف آبيا -
ADOLPHE APPIA 1/9/1862-29/2/1928 : الذي في محاولاته ، انتهت مرحلة الخبرة في مهنة الإخراج المسرحي ، ولم تعد المهنة التي تتطلب الذوق أو المزاج فقط ، بل دخلت في طور التعريف والتحديد . هو من اصل سويسري ،مخرج ، ومنظر ، ودراماتورج / ومرب ، اهتم بالمنظر المسرحي والموسيقى ، منظر . عمل مع فاجنر ، وجاك كوبو . اعتبر مهنة الإخراج مهنة البحث الدائم في الحياة من اجل بث الروح في حروف النص الساكنة، وفي بث النبض في زمان تلك الحياة ومكانها ، كي يخلق لها مبررات انطلاقا من كون المخرج هو نبض هذه الحياة الذي يحرك أجزاءها بواسطة الممثل وبقية مكونات معادلة العرض المسرحي عند ابيا ، حين دعا إلى التزاوج بين الفنون كافة في خدمة العرض ، وقد حددها في امتزاج المناظر ، والاضاءة ، والتمثيل ، والموسيقى ، وبقية العناصر في وحدة عضوية متكاملة .
كذلك إدوارد جور دون كريج
EDWARD GORDON GRAIG 16/1/1872- 29/9/1966 : مخرج ومهندس ديكور وممثل إنجليزي . ابن الممثلة الانجليزيه ايلين أليس تيري (27/2/1847-21/7/1928 . أبوه كان ممثلا أيضا ، مثل وهو في الثانية عشرة من عمره , واستمر يمثل حتى تخصص في تمثيل أدوار المسرحيات الشكسبيرية . أهم الأدوار التي مثلها كانت : هاملت , ما كبث , مالكولم , روميو , عطيل وغيرها . في عمله الإخراجي اعتمد كريج على التخطيط المسبق لعروضه المسرحية أملا في الوصول إلى بناء الشكل الفني المتفرد . هو مؤسس المسرح الرمزي النسبي-. وابتدع في الإخراج مفهوم الفن الشامل . ومن وجهة نظره المخرج هو الشاعر الذي ينظم المشاعر على المسرح بصيغة الأشكال التي يقترحها . أما الممثل فهو أداة المخرج التي من خلالها ينفذ أفكاره ألابداعية , لها حق تنفيذ ألاوامر وليس لها حق المبادرة . لقد حرك الممثل على المسرح كما تحرك الدمية ( السوبر ماريوت ) وهي كانت فكرته التي تقوم على شخصية خيالية تجمع بين الدمية المتطورة والإنسان . الدمية التي تؤدي مختلف الأفعال والانفعالات والمشاعر دون أن تعكس ذاتها وهمومها كما يفعل الممثل الحي . لقد طبق نظرية المخرج الديكتاتور- بسبب عدم إيمانه بنوع التمثيل آنذاك و لم تكن ترق له أساليب التمثيل التي كانت تمارس في المسرح الإنجليزي وحتى نفسه في التمثيل لم تكن ترق له هي الأخرى الأمر الذي دفعه إلى ترك التمثيل رغم تدخلات أمه و ضغوطاتها وحتى وساطات برناردشو-الذي كان من أهم أصدقاء أمه وعائلته- لم تجد نفعا وهوما دفعه إلى أن يهجر إنجلترا أيضا , ليستقر في ألمانيا ليعمل مخرجا في مسرح ( أوتو براهم ) . ومن ثم في موسكو التي ذهب أليها بدعوة من ستانسلافسكي ليقدم على ( مسرح موسكو الفني ) مسرحية (هاملت) رافقه فيها (فاختانكوف) و( مايير خولد) مساعدين للإخراج . ومن ثم في الدانمارك كوبنهاجن في العام 1926 ليقدم واحداً من أواخر اعماله إحدى درامات (أبسن) . إن بيان كريج (الممثل والدمى العليا) عام 1907 أحدث هزة في الأوساط الفنية حتى إن ( الكسندر تاييروف) اتهمه بتفضيل الدمية على الممثل وكان في هذا الرأي شئ من الصحة . إلا انه استمر في عمله مخرجا ومؤلفا حيث بدأهما منذ العام 1896. إن نظرية المخرج الديكتاتور ابتدعها كريج واول من طبقها في المسرح انطلاقا من أيمانه بأن المخرج هو الخالق الوحيد- والمبدع الأهم في العرض المسرحي مما جعل بقية العناصر تشعر بالحيف وفقدان حقوقها في العمل معه، ومنهم الممثلون الذين كانوا غير سعداء بطريقته هذه وغير راغبين بالعمل معه , فتعاملوا معه كما تعامل هو معهم فكانوا غير مطيعين له وغير منفذين لأوامره فاستعاض عنهم بالدمى ( العرايس ) . ولعل تجربته في إخراج (هاملت) على الورق الدليل الأكيد على ما ذهبنا إليه( يمكن الرجوع إلى الموضوع " هاملت بين كريج وبيكاسو "- تجربة الإخراج بالرسوم على الورق لكل من بيكاسو وكريج- ترجمة الباحث ) كما أنه " كتب العديد من الدراسات في مجلته التي أصدرها (القناع)، وله العديد من المؤلفات في المسرح منها (فن المسرح- 1905) و (في فن المسرح) و (نحو مسرح جديد-1912) .
أندريه أنطوان :
ANDRE ANTOINE 31/1/1858-19/10/1943
ممثل ومخرج ومدير مسرح ، وواحد من أهم المبدعين في فرنسا، ينتمي إلى أسرة من طبقة العمال . بدأ العمل في فرق الهواة . اعتبره المعنيون مصلحا للأساليب المسرحية القديمة في فرنسا نهاية القرن التاسع عشر . أسس ( المسرح الحر Theatre libber ) في الثلاثين من مارس عام 1887 على غرار المسارح التي أنشئت في كل من ألمانيا وإنجلترا التي استمر عملها حتى عام 1896 . كمالم يتقيد بأساليب المسرح البائدة و السائدة آنذاك وانما ارتبط بتعاليم المذهب الطبيعي عند ( أميل زولا Emil Zola ) . لقد تعرف انطوان على أساليب مسرح الإصلاح وخاصة تقنية تشكيل مشاهد المجاميع , واعتبره المؤرخون : واضع أسس مدرسة جديده في المسرح ,تبحث عن الصدق وتؤمن بأن العمق يكمن في بساطة العمل الفني لا في تعقيده ، هذه المدرسة كانت تتجنب كل ما يدعو إلى التصنع والمبالغة . قدم المسرحية الواقعية ، وأخرج للمؤلفين : هاوبتمان ، سترندبرج ، تولستوي . حاول أن يقرب المسرح من الحياة كحقيقة معاشة ، ولم يمنعه ذلك من استخدام الرمزية والشمولية في المنظر المسرحي ، والاهتمام بالطرازية والمشاهد الجماعية في المسرح .

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة