المخرج .. قا ئد لفريق المسرح
د.فاضل خليل
أن من
فكر بوجود مخرج ، شخص ينفرد عن الفريق المسرحي ، لا بد من
ان يكون في غاية الالهام والدقة . ففكرة ( المخرج ) كانت
وليدة التطور الحتمي الذي نشأ في القرن العشرين . وكان
نتيجة حتمية للحاجه الناشئة اليه ، بسبب سلبيات النظام
القديم الذي كان يتطلب من الممثل أن يتأكد من اكتمال حفظ
دوره في غضون عشرة أيام ولأصعب العروض المسرحية فالعملية
لم تكن تعدو اكثر من مهنة لا حياة فيها والرغبة للابداع
فيها كانت نادرة وحكراً على القلة من الفنانين المبدعين .
ولأجل أن يسود الحرص على الابداع غالبية الفريق ، كان لابد
من وجود المخرج “مفكرا ، وقائدا ، ومنظما” بين الفريق
المسرحي . أما الشغل الحركي
–
قبل ظهور المخرج - فكان
في معظمه تقليديا متوارثا ، القديم عن الأقدم ..وهكذا .
ويورد “هوا يتنج” النظام المعمول به قبل ظهور المخرج والذي
كان بمثابة القاعدة في التقديم في القرن التاسع عشر وبداية
القرن العشرين في المسرح الأمريكي بالآتي :
1-كانت فترة التدريبات , قصيرة تصل إلى بضع ساعات في
الأعمال الدورية ونادرا ما تتعدى الأسبوع للأعمال الجديدة
.
2- الأزياء والماكياج كانا يتركان في الأغلب للممثل
واجتهاده وكان هذا سببا في غياب الوحدة الاسلوبيه للعرض بل
والى فوضى الأساليب في العرض الواحد .
3- الديكور كان من النوع التقليدي عدا بعض التعديلات
الطفيفة التي قد تدخل عليه , لملاءمة احتياجات العرض .
4-الأدوار الصغيرة ومشاهد المجاميع غالبا ما كانت تهمل ,
أو , يعهد بها إلى أشخاص غير ممثلين تفرضهم الصدفة .
هذه الفوضى دعت إلى البحث عمن يعمل على توحيد تلك الأجزاء
، وعلى تنظيمها ويكون قادرا على قيادة المجموعة . فكان:فن
الإخراج وكان : المخرج، صيغتين استقلتا وارتا بالصيغة التي
نعرفها اليوم ، والتي تكونت بشكلها النهائي في نهائيات
القرن الثامن عشر في ألمانيا في الفترة الواقعة بين
الأعوام 1826-1914،( دوقية ساكس مايننغتن ) على يد الدوق
جورج الثاني الذي احب المسرح وقاد فرقته الناشئة بنجاح منذ
العام 1874 ، وقام معها بجولات في عموم ألمانيا , ليعرض
معها أول مسرحية ضمن ما عرف بمسرح المخرج في الأول من أيار
(مايو) كما أسلفنا . تميز مسرح مايننغتن بما يلي:
1- الشدة بالتزام النظام , لذلك كانت فترة التمرينات فيه
طويلة ودقيقه . .
2- امتازت الفرقة بعدم احتوائها على النجوم ، لذلك كانت
فيها كل الأدوار تعامل بالاهمية نفسها وكذلك الفنانون .
3- كانت المجاميع بأهمية أدوار البطولة .
4-الإضاءة ، الملابس ، الديكور ، الماكياج ، تخضع للتخطيط
الدقيق .
ويقال أن (جوته) هو أول من استخدم مصطلح (المخرج) ، والبعض
يذهب إلى أن ( ليون دي سوميه) , الذي عمل مرشدا في (قصر
ألما نتوان) كان أول من مهد لظهور المخرج . ومن أفكاره
قوله " إن من الضروري أن نحصل على ممثلين جيدين ، بدلا من
الحصول على عرض مسرحي جيد " ، وهذا دليل على مناداته
بالاهتمام بالممثل في العرض للحصول على عروض مسرحيه جيده .
كما طالب بالدقة التاريخية في الأزياء ، وأكد على الاعتناء
بالأجواء النفسية بواسطة الضوء . وهو الذي طالب الممثلين
باتباع قواعد المحاكاة الارسطية .
وفي ألمانيا كان هناك نوعان من المخرجين :
1)الذين توجهوا تماما إلى عقل الممثل ، وطالبوه بالتحليل
التفصيلي والدقيق للدور .
2)الذين وقفوا على قمة الوجدان الإبداعي للممثل ، ورأوا
بأن مهمة المخرج الأساسية تنحصر في إيقاظ الحس الإبداعي
عند الممثل.
ومنذ ذلك الوقت تركز عمل المخرج على أنه : المفكر ، القائد
، المنظم ، للمجموعة المسرحية والمؤلف الأول للعرض
المسرحي، الذي بدونه تصعب الحياة على المسرح . في ضوء هذا
التعريف برزت أسماء مهمة وكبيرة في الإخراج المسرحي أثرت
في المسرح وكان لها دورها البارز في حركة المسرح العالمي .
مثل : أدولف آبيا -
ADOLPHE APPIA
1/9/1862-29/2/1928 :
الذي في محاولاته ، انتهت
مرحلة الخبرة في مهنة الإخراج المسرحي ، ولم تعد المهنة
التي تتطلب الذوق أو المزاج فقط ، بل دخلت في طور التعريف
والتحديد . هو من اصل سويسري ،مخرج ، ومنظر ، ودراماتورج /
ومرب ، اهتم بالمنظر المسرحي والموسيقى ، منظر . عمل مع
فاجنر ، وجاك كوبو . اعتبر مهنة الإخراج مهنة البحث الدائم
في الحياة من اجل بث الروح في حروف النص الساكنة، وفي بث
النبض في زمان تلك الحياة ومكانها ، كي يخلق لها مبررات
انطلاقا من كون المخرج هو نبض هذه الحياة الذي يحرك
أجزاءها بواسطة الممثل وبقية مكونات معادلة العرض المسرحي
عند ابيا ، حين دعا إلى التزاوج بين الفنون كافة في خدمة
العرض ، وقد حددها في امتزاج المناظر ، والاضاءة ،
والتمثيل ، والموسيقى ، وبقية العناصر في وحدة عضوية
متكاملة .
كذلك إدوارد جور دون كريج
EDWARD GORDON GRAIG
16/1/1872- 29/9/1966 :
مخرج ومهندس ديكور وممثل
إنجليزي . ابن الممثلة الانجليزيه ايلين أليس تيري
(27/2/1847-21/7/1928 . أبوه كان ممثلا أيضا ، مثل وهو في
الثانية عشرة من عمره , واستمر يمثل حتى تخصص في تمثيل
أدوار المسرحيات الشكسبيرية . أهم الأدوار التي مثلها كانت
: هاملت , ما كبث , مالكولم , روميو , عطيل
…
وغيرها . في عمله
الإخراجي اعتمد كريج على التخطيط المسبق لعروضه المسرحية
أملا في الوصول إلى بناء الشكل الفني المتفرد . هو مؤسس
–المسرح
الرمزي النسبي-. وابتدع في الإخراج مفهوم الفن الشامل .
ومن وجهة نظره المخرج هو الشاعر الذي ينظم المشاعر على
المسرح بصيغة الأشكال التي يقترحها . أما الممثل فهو أداة
المخرج التي من خلالها ينفذ أفكاره ألابداعية , لها حق
تنفيذ ألاوامر وليس لها حق المبادرة . لقد حرك الممثل على
المسرح كما تحرك الدمية ( السوبر ماريوت ) وهي كانت فكرته
التي تقوم على شخصية خيالية تجمع بين الدمية المتطورة
والإنسان . الدمية التي تؤدي مختلف الأفعال والانفعالات
والمشاعر دون أن تعكس ذاتها وهمومها كما يفعل الممثل الحي
. لقد طبق نظرية –المخرج
الديكتاتور- بسبب عدم إيمانه بنوع التمثيل آنذاك و لم تكن
ترق له أساليب التمثيل التي كانت تمارس في المسرح
الإنجليزي وحتى نفسه في التمثيل لم تكن ترق له هي الأخرى
الأمر الذي دفعه إلى ترك التمثيل رغم تدخلات أمه و
ضغوطاتها وحتى وساطات برناردشو-الذي كان من أهم أصدقاء أمه
وعائلته- لم تجد نفعا وهوما دفعه إلى أن يهجر إنجلترا أيضا
, ليستقر في ألمانيا ليعمل مخرجا في مسرح ( أوتو براهم ) .
ومن ثم في موسكو التي ذهب أليها بدعوة من ستانسلافسكي
ليقدم على ( مسرح موسكو الفني ) مسرحية (هاملت) رافقه فيها
(فاختانكوف) و( مايير خولد) مساعدين للإخراج . ومن ثم في
الدانمارك –
كوبنهاجن في العام
1926 ليقدم واحداً من أواخر اعماله إحدى درامات (أبسن) .
إن بيان كريج (الممثل والدمى العليا) عام 1907 أحدث هزة في
الأوساط الفنية حتى إن ( الكسندر تاييروف) اتهمه بتفضيل
الدمية على الممثل وكان في هذا الرأي شئ من الصحة . إلا
انه استمر في عمله مخرجا ومؤلفا حيث بدأهما منذ العام
1896. إن نظرية –
المخرج الديكتاتور
–
ابتدعها كريج واول من
طبقها في المسرح انطلاقا من أيمانه بأن المخرج هو الخالق
الوحيد- والمبدع الأهم في العرض المسرحي مما جعل بقية
العناصر تشعر بالحيف وفقدان حقوقها في العمل معه، ومنهم
الممثلون الذين كانوا غير سعداء بطريقته هذه وغير راغبين
بالعمل معه , فتعاملوا معه كما تعامل هو معهم فكانوا غير
مطيعين له وغير منفذين لأوامره فاستعاض عنهم بالدمى (
العرايس ) . ولعل تجربته في إخراج (هاملت) على الورق
الدليل الأكيد على ما ذهبنا إليه( يمكن الرجوع إلى الموضوع
" هاملت بين كريج وبيكاسو "- تجربة الإخراج بالرسوم على
الورق لكل من بيكاسو وكريج- ترجمة الباحث ) كما أنه " كتب
العديد من الدراسات في مجلته التي أصدرها (القناع)، وله
العديد من المؤلفات في المسرح منها (فن المسرح- 1905) و
(في فن المسرح) و (نحو مسرح جديد-1912) .
أندريه أنطوان :
ANDRE ANTOINE 31/1/1858-19/10/1943
ممثل ومخرج ومدير
مسرح ، وواحد من أهم المبدعين في فرنسا، ينتمي إلى أسرة من
طبقة العمال . بدأ العمل في فرق الهواة . اعتبره المعنيون
مصلحا للأساليب المسرحية القديمة في فرنسا نهاية القرن
التاسع عشر . أسس ( المسرح الحر
Theatre libber )
في الثلاثين من مارس عام
1887 على غرار المسارح التي أنشئت في كل من ألمانيا
وإنجلترا التي استمر عملها حتى عام 1896 . كمالم يتقيد
بأساليب المسرح البائدة و السائدة آنذاك وانما ارتبط
بتعاليم المذهب الطبيعي عند ( أميل زولا
Emil Zola ) .
لقد تعرف انطوان على
أساليب مسرح الإصلاح وخاصة تقنية تشكيل مشاهد المجاميع ,
واعتبره المؤرخون : واضع أسس مدرسة جديده في المسرح ,تبحث
عن الصدق وتؤمن بأن العمق يكمن في بساطة العمل الفني لا في
تعقيده ، هذه المدرسة كانت تتجنب كل ما يدعو إلى التصنع
والمبالغة . قدم المسرحية الواقعية ، وأخرج للمؤلفين :
هاوبتمان ، سترندبرج ، تولستوي . حاول أن يقرب المسرح من
الحياة كحقيقة معاشة ، ولم يمنعه ذلك من استخدام الرمزية
والشمولية في المنظر المسرحي ، والاهتمام بالطرازية
والمشاهد الجماعية في المسرح . |