مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 
 

النفط ، الغاز والإمبريالية الأزمة الروسية- الأوكرانية رسالة مفادها أن السياسة ،وليس السوق ،تقود السياسات النفطية العالمية
 

ربما تظن ان عهد الإمبراطوريات قد ولى، حيث ان العلاقات العالمية الحالية بين الدول العظمى يتحكم بها الإقتصاد، وقوى السوق والتجارة الحرة وليس معارك من اجل التأثير السياسي.أما عندما يتعلق الأمر بالسعي ، و السيطرة على مجهزات الطاقة ..فنحن مازلنا نعيش ولو جزئيا في القرن التاسع عشر.
وبمقارنة الموقف الروسي -في بداية هذا الإسبوع، فان سعي روسيا لرفع سعر الغاز الى اربعة اضعاف و فرضه على اوكرانيا لم يعد له نفس التأثير السابق على البلدان. ومع ذلك ، تسعى روسيا لحجب الغاز عن اوكرانيا في محاولة لتضييق الخناق على البلد الذي يبدو انه يتاثر بالأقتصاد بنفس درجة تأثره بالسياسة.
قلقة من ميل اوكرانيا الحالي نحو الغرب ، بمن فيه حلف الناتو والاتحاد الاوربي ،فان روسيا تتمنى اعادة الدولة التابعة الى مجال تأثيرها .وطالما بادرت روسيا الى تقديم مساعدات جانبية في مجال الطاقة لمثل هذه البلدان من اجل ان تبقيهم تحت جناحها.وبالتهديد بزيادة اسعار الغاز الأوكراني الى مستويات السوق الحرة فان سلوك روسيا في هذا المجال يمثل اطلاقة التحذير التي تطلقها بارجة الإمبريالية الروسية.
لكن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تتعامل مع
ورقة- الطاقة كوسيلة او دافع لمساعٍ امبريالية الطراز . فالسعي للتأثير على احتياطيات النفط والغاز يقود الى التدخل الغربي في الشرق الأوسط وكذلك الى تطورات سياسية بارزة في امريكا اللاتينية ، واسيا الوسطى وغيرها .واظن ان علينا الأعتراف بامبريالية الطاقة هذه كحقيقة في العالم الحديث . لأنه من خلال الأعتراف بها فقط نستطيع ايجاد الطرق لتهدئة منابع الشر الكامنة فيها.
هنالك نوعان من امبريالية الطاقة الحديثة. الاولى،متمثلة بروسيا التي تتضمن المنتجين الذين يستعملون قوتهم الفاعلة على نظام تجهيز او نقل النفط للتأثير على المعطيات السياسية .ومن الجدير بالذكر ان اوبك الشرق الأوسط سيطرت على كارتل انتاج النفط في السبعينيات من خلال تحديد تجهيز النفط ،هادفة بذلك الى تغيير السياسة الغربية نحو بلدان المنطقة .
والآن ..تستعمل بعض دول امريكا اللاتينية المنتجة للنفط الطاقة كأداة للوقوف بوجه الامبريالية الغربية .فقد هدد هوغو شافيز بقطع شحنات النفط عن الولايات المتحدة وبالاستفادة من ايرادات الدولة النفطية المزدهرة ، لنيل الدعم السياسي .وفي بوليفيا ، وصل ايفو موراليس ، الى السلطة قاطعا الوعود باعادة السيطرة على احتياطي الغاز من الشركات متعددة الجنسيات.
اما النوع الثاني من هذه الامبرياليات فيتضمن دولاً مستهلكة تستخدم المناورا ت السياسية او العسكرية لضمان التجهيز.وحتى لو كان اقتحام امريكا وبريطانيا العراق نابعا من اعتقاد صادق باسلحة الدمار الشامل ، يبقى هنالك شك بان القلق حول ضمان احتياطي النفط لعب دوراً في الحسابات الستراتيجية.
و بعد الحادي عشر من ايلول-على وجه التحديد- اهتزت ثقة الغرب بالعربية السعودية كثيرا والآن مع ارتفاع اسعار النفط ، واضمحلال عدة حقول نفطية غربية، تعمل القوى والحكومات الغربية جاهدة معا (بسلام احيانا) لإيجاد مناطق جديدة في محاولة لتقليل الإعتماد على الشرق الأوسط...ومرة ثانية تتصارع المصالح الغربية مع روسيا حول نفط بحر قزوين : فعلى سبيل المثال ، كان طريق تشغيل انبوب النفط-
BP الجديد من اذربيجان الى تركيا ، ، موضع خلاف جيوبوليتيكي اساسي بين الغرب والشرق .وبدورها تناقش اليابان مع الصين اقامة خط لأنابيب النفط من احتياطات الشرق الأقصى الروسية،كما تنشغل شركات النفط الصينية باقامة تحالفات مع الشرق الأوسط و الحكومات الأفريقية.
في حال اختارت بريطانيا بناء المزيد من محطات الطاقة النووية فان هذا ،جزئيا ،يعود الى قلقها من الإعتماد على الطاقة الروسية. و على ايةحال، بوجود انظمة النقل لدينا التي لا تزال تعتمد على النفط ، ، فان تنشيط الطاقة النووية لن يستطيع التغلب على هذه المشكلة بسهولة ..
ويرجع السبب في كون الطاقة تساعد في احياء الدافع الأمبريالي للدول المستهلكة، والمفارقة.. انه من المهم جدا أن ترتبط أدارة احتياطي النفط باقتصادات الدول الرأسمالية من ان تترك كاملة لقوى السوق...يشمل نظامنا الأقتصادي استثمارات ضخمة في البنية التحتية تتضمن : (السيارات ، الطرق ، البنايات وكذلك محطات الطاقة) معتمدة جميعها على الطاقة الخام.. ويعود الأغراء الأمبريالي للمنتجين الى : انها تخلق أدوات سياسية من الصعب مقاومتها..القضية هنا لاتقتصر على التركيزالجغرافي لأحتياطي الطاقة االخام ولكن الطبيعة الأحتكارية والعنيدة للبناء التحتي للطاقة: فخطوط الطاقةالتي تجهز معظم الأمم قد تهتز على وقع أية نزوة سياسية.
من الضروري الإعتراف بحتمية امبريالية الطاقة الحديثة . لأنه بالنسبة للدول المستهلكة فأن ضمان تجهيز الطاقة يجب ان يتم بطريقة ما بحيث يخدم المصالح الطويلة الأمد للبلدان ، وعوضا عن الحصول على الدعم الغربي تولد الأنظمة الفاسدة او الغزوات النفطية المحتملة عنفاً اكثر .
اما الدول المنتجة فيجب ان يتم تشجيعها على ادراك ان مصالحها الطويلة الأمد يخدمها العمل مع الدول المستهلكة ،وليس توجيه انذارات نهائية اليهم ..ان تكتيك الكرة القاسية الروسي تجاه اوكرانيا شوه سمعتها كمجهز موثوق به مع زبائنها الاوربيين .
في النهاية سيكون بالإمكان استبدال الغاز والنفط بشيء جديد ، ولكن في الوقت الحااضر، امبريالية الطاقة وجدت هنا لتبقى ، ويجب ان تبذل الجهود لجعلها قوة حميدة .
عن: الغارديان
 


اختبار الديمقراطية
 

 

يبدو انه من الانصاف الحكم على انجازات شخص ما استنادا الى مصطلحاته ذاتها. لذلك من المفيد هنا العودة الى عام 2005 للرئيس جورج بوش باستخدام المعايير التي خطها لنفسه: نجاح الحرية. فكما بين في كلمته الافتتاحية في كانون الثاني، فان مرحلته الرئاسية الثانية- و ارثه- يعتمد على نشر الديمقراطية و حكم القانون على امتداد العالم. " تقودنا الاحداث و الاحساس العام، الى استنتاج واحد" كما صرح بوش على مدرجات الكابيتول." ان ديمومة الحرية في بلادنا تعتمد على نجاح الحرية في بلدان اخرى. ان افضل أمل للسلام في عالمنا هو في توسيع الحرية في جميع انحاء العالم". لم يشكل ذلك مصدرا للقلق للاجيال اللاحقة فحسب. فقبل الطيران الى كامب ديفيد ، و من ثم الى مزرعته في تكساس لتمضية العطلة، قام الرئيس بتلخيص عامه امام اجهزة التصوير في ساوث لون بالبيت الابيض." كان هذا العام عام تقدم قوياً باتجاه عالم اكثر حرية و سلاما، و امريكا المزدهرة" كما قال قبل الاستشهاد بالانتخابات في العراق." انها لحظة مدهشة في تاريخ الحرية". اذا طرحنا جانبا، للحظة، موضوع الحريات المدنية في الداخل- رغم ان الحوار بالكاد كان قد بدأ حول سبب تجاوز الادارة للمحاكم بصدد التجسس على المواطنين الامريكان. فكيف كان العام مدهشا في مجال الحرية في انحاء العالم؟ ان واحدا من المزاعم القوية للادارة حول نشر الحرية عام 2005 قد كان الانتخابات المصرية. فبإجراء اول انتخابات رئاسية تعددية، بدت مصر تشكل دعما لفرضية بوش من ان الاحداث في العراق كانت تدفع البلدان الاخرى في المنطقة الى التوجه صوب مستقبل اكثر ديمقراطية. و لكن الانتخابات المصرية المحدودة جدا( بوجود حفنة محدودة من الاحزاب المعارضة) فشلت في الوصول الى المستوى المقبول. فقد زعم بان قوات الامن قامت بإطلاق ذخيرة حية و اطلاقات مطاطية على الناخبين في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وخلال نهاية العام ادخل ما يمكن ان يعد متحديا للرئيس حسني مبارك الى السجن بتهم تتعلق بالتزوير. فقد حكم على ايمن نور بالسجن لمدة خمس سنوات مع الاشغال الشاقة بعد يومين فقط من اعلان بوش عام 2005 باعتباره عام الحرية المدهش. و في تصريح، قال السكرتير الصحفي للبيت الابيض سكوت مكليلان بان الولايات المتحدة"تشعر بقلق عميق" بسبب اعتقال نور، وقال بان ذلك يلقي ظلاً من الشك على" التزام مصر بالديمقراطية، الحرية و حكم القانون". و في كلمته الافتتاحية، قال بوش بان نشر الديمقراطية يمثل"حاجة ملحة لأمن بلادنا". ان اولى اختباراته في عام 2006 ستكون كيفية شعوره بالثقة في استخدام نفوذ امريكا( كي تلائم 2 مليار دولار في العام كمساعدات) لنشر الحرية في مصر. و في الاراضي الفلسطينية، بدأ عام 2005 كأنه عام تاريخي للديمقراطية. كان ذلك نتيجة رحيل ياسر عرفات اكثر من نتيجة التأثر بالاحداث في العراق، و لكن العام مع ذلك قد بدأ بمشهد استثنائي: انتخابات رئاسية حرة للفلسطينيين. و انتهى بمشهد استثنائي آخر: انتصارات انتخابية لمجموعة ارهابية. فقد فازت حماس في سلسلة من الانتخابات في المدن الرئيسية، مما شكل تحديا خطراً لحزب ياسر عرفات، حركة فتح، قبيل الانتخابات البرلمانية في مطلع العام المقبل. تتمتع حماس بمساندة واسعة بسبب انشطتها التعليمية و لتقديمها المعلونات. كما انها تحظى بالدعم الشعبي بسبب عملياتها الانتحارية و لهدفها المعلن في تدمير اسرائيل. و بهذا، فان حماس تمثل احد الاختبارات الحرجة لأطروحة بوش حول الديمقراطية. فهل ان الديمقراطية تساعد حقا في مكافحة الارهاب؟ كما بينت بلدان اخرى في المنطقة مثل هذه الحركة الباردة صوب الديمقراطية في عام 2005 حتى ان الاطار الزمني للحرية الذي رسمه بوش قد يحتاج الى فترة تمديد امدها الفية اخرى. و طبقا للمجموعة المستقلة "بيت الحرية" ، حسنت العربية السعودية قليلا من حالة الحريات المدنية لديها. و الان فهي افضل قليلا من بلدان مثل سوريا، وكوريا الشمالية و كوبا. وان مثيلاتها، بمنظور الحريات السياسية، هي الدكتاتوريات في بلوروسيا و زمبابوي. و بالطبع فان التطورات الكبرى في الديمقراطية قد حدثت في العراق، و ان الانتخابات البرلمانية الاخيرة تمثل سببا وجيها بالنسبة لبوش و مساعديه للاحتفال بعام 2005. ان نسبة المشاركة الكبيرة، ولاسيما بين العرب السنة، كانت مهمة على وجه الخصوص بالنسبة للديمقراطية كي تتجذر في العراق. وان الاختبار الان هو قبول السنة النتيجة النهائية لتلك الانتخابات، التي ينبغي ان تعلن هذا الاسبوع. لقد خرج عدة آلاف من المحتجين السنة الى الشوارع في الايام الماضية للتعبير عن سخطهم حول مزاعم حدوث تزوير من قبل منافسيهم الشيعة و الاكراد. سيكون العام الجديد اختبارا حرجا للديمقراطية العراقية الوليدة، و لقدرتها على المحافظة على البلد المتشظي متحدا. و لكن حتى لو قامت الاغلبية الشيعية بإدخال السنية في الحكومة، فان العراق الجديد سيختبر فرضية بوش بطريقة حيوية اخرى. فالمهمة الكاملة في العراق-ونشر الديمقراطية- هي ان الحكومة الديمقراطية ستساعد في تعزيز الامن الوطني الامريكي. وكما قال الرئيس في خطابه التلفزيوني الاخير، فانه يعتقد بان الانتخابات العراقية تعني ان لدى امريكا حليفاً متنامي القوة في الحرب ضد الارهاب. قد يكون ذلك صحيحا عندما يتعلق الامر بمكافحة المتمردين في العراق. و لكن ليس من الواضح اين ستقف الحكومة العراقية، التي تقودها الاحزاب الدينية الشيعية، في الحرب الاوسع على الارهاب- خصوصا عندما يتعلق الامر بالمجموعات الجهادية المدعومة من قبل جارتها؟ ان النظام الجديد في طهران هو بالتأكيد ليس حليفا لأمريكا في الحرب ضد الارهاب، ومع ذلك فان الحزبين الشيعيين الرئيسيين في العراق كانا يتمتعان بدعم من جانب ايران منذ عقود. ويبدو من غير المحتمل ان يصبح العراق ثيوقراطية على النمط الايراني، او دولة تابعة لإيران. و لكنه يبدو من غير المحتمل ان يقوم بالانضمام في "الحرب ضد الارهاب" الى ايران او المجموعات المدعومة من ايران. ان اختبار بوش في عام 2006 لا يتمثل فقط حول التزامه بالهدف النبيل الذي ورد في كلمته الافتتاحية. وان تحديه الاكبر هو في اظهار ان الديمقراطية-سواء بشكل تدريجي او فجائي- يمكن حقا ان تكون الاطلاقة الفضية في الحرب على الارهاب.
عن: نيوزويك
 


السبب الحقيقي وراء قطع بوتين الغاز عن جيرانه
 

بقلم: نورمان ستون
ترجمة: مروة وضاء

 

افتتح الرئيس بوتين السنة الجديدة بضجة كبيرة بمطالبته جيرانه الاوكرانيين البدء بدفع الاسعار العالمية مقابل النفط والغاز الروسي الذي يحصلون عليه مما يعني ان هذه الدولة الحديثة ذات ال50 مليون نسمة والتي تقع على الساحل الشمالي للبحر الاسود ممتدة من بولندا حتى القوقاز يتوجب عليها فجأة ان تبدأ بدفع اربعة اضعاف ما كانت تدفعة لشراء السلع الاولية للعيش وخاصة في ظل هذا الشتاء القارس. بالرغم من ان الروس قالوا انهم سيوفرون ما يكفي لسد الاستعمالات المنزلية الخاصة مما يعني انه سوف لن تكون مصانع او وظائف مفتوحة للسكان ليذهبوا اليها يسبب انهيار الاقتصاد.
انها قضية غريبة.وهناك صيحات احتجاج في بعض الاحياء وتنديدات ب"روسيا الامبريالية". فهل تحاول روسيا استعادة امبراطوريتها القديمة؟ لكن هذه المرة باستعمال مواردها للطاقة كسوط تجلد به مستعمراتها السابقة.
اذا كان هذا ما يحاول السيد بوتين فعله وهو متأكد من دعم بلده له.فلم تشهد روسيا استقلال الدول التي كانت تتبعها في السابق فحسب بل انجرافها نحو اوربا الغربية وحتى نحو الولايات المتحدة.
توجد اليوم في دول البلطيق اقلية روسية (وفي حالة لاتفيا يشكلون الاقلية الوحيدة) لكن يتوجب على هؤلاء الساكنين في هذه الدول تعلم اللغة البلطيقية، ومع كل النوايا الحسنة في العالم لايمكن ان يعتبر البلطيقيون اللغة الروسية لغة تعبير حضارية عصرية. تعتبر دول البلطيق كحدبة في ظهر روسيا ومنفذها الى اوربا وهذا افضل لها ولروسيا من ان تكون تكوينات مستقلة اسميا فقط.
لكن على روسيا ان تبت في القضية الاهم الا وهي المسألة الاوكرانية اذا ما ارادت استرداد مجدها قبل ان ينتبه لها العالم.
لقد اعتدنا ان نسمي اوكرانيا "الاوكرانيا" وتعني في اللغة الروسية "على الحافات" لكنها حذفت هذه "ال" عندما نالت استقلالها وهي تقع على حافة روسيا وبنفس الوقت على حافة بولونيا الكاثوليكية ذات التوجه الغربي والتي كانت محور نزاعات الحروب التاريخية القديمة، واليوم لن تقف روسيا مكتوفة اليدين اذا ما رغبت اوكرانيا بالتعامل مع الغرب.
اثار زولتنشتاين في احد تصريحاته القومية سؤالا جيدا: ماهو افظع خطأ قام به القياصرة الروس في سياستهم الخارجية؟ كان جواب السؤال يستدعي الانتباه. إذ قامت روسيا القيصرية الحليفة المتذبذبة لنابليون بونابارت في عام 1809 بالاستيلاء على الجنوب الشرقي البولندي من النمسا و في عام 1814 بأرجاعه حيث يعتبر زولتنشتاين هذا التصرف حماقة كبيرة لان هذه المنطقة اصبحت لاحقا قلب القومية الاوكرانية، فهناك تطورت اللغة والثقافة والاحساس العالي بالقومية المستقلة حتى نالت استقلالها في 1991.
لكن هذا لم يعجب السيد زولتنشتاين المخضرم فلماذا يجب ان تكون هناك اوكرانيا مستقلة عن روسيا اصلا؟ فثلثا الاوكرانيين يقيمون في روسيا ويعتبرون مندمجين مع المجتمع الروسي بشكل جيد ومعظمهم من الاورثوذوكس ويتحدث مثقفوهم الروسية وهناك ايضا اعداد كبيرة من الزيجات والهجرات المتبادلة فيما بينهم.
ساهم الكتاب الاوكرانيين ومن ابرزهم غوغول و بلغاكوف بشكل كبير في الادب الروسي لكن اليوم يمتعض الروس عندما يجدون ان هذين الشاعرين الاوكرانيين يدرسان في المدارس الاوكرانية بلغتهم الام التي كانوا هم انفسهم يعتبرونها لغة الطبقة الفلاحية.
بالطبع فان المشكلة الحقيقية بالنسبة لثلثي اوكرانيا التي سميت فيما مضى ب"روسيا الصغيرة" لا علاقة لها بذكريات زولتستاين الرومانسية لسنة 1809. ان اوكرانيا مستقلة اليوم بسبب تجربة العيش الماساوية في ظل الاتحاد السوفيتي سابقا فلقد فقدت في الاقل 8 ملايين من مزارعيها في المجاعة الكبيرة في بداية الثلاثينيات التي افتعلها ستالين متعمدا، إذ قام ببيع الحبوب باسعار بخسة لغرض الحصول على المكننة الالمانية ثم تبعها الاضطهاد السياسي للاوكرانيين الذين ارادوا قسطا من التحرر الديني والثقافي، ونهاية لهذا كله كان التوجه نحو القومية هو المهرب الوحيد للخلاص من الشيوعية للروس كما للاوكرانين.
انشأ كل من الروس والاوكرانيين دولتيهما بدون نشوب اي معارك حتى على المناطق الحدودية. ليس كما حدث في المعارك سيئة الصيت التي انفجرت بين الصرب والكروات حين تفككت يوغسلافيا.وما جاء مفاجئا لأغلبنا انه لم يحدث هذا النوع من النزاع على الاراضي بين الروس والاوكرانيين (فيما عدا غرب اوكرانيا/النمسا سابقا) وكان سبب ذلك هو الشراكة الاقتصادية التي كانت ومازالت قائمة بينهما، فروسيا تزود اوكرانيا بالطاقة الرخيصة مقابل الاستمرار باستخدام معامل ومصانع الاتحاد السوفيتي السابق فيها.
وبعد اجراءات الخصخصة التي حصلت في السنوات القليلة الماضية بقيت اغلب الامور تحت السيطرة الروسية.
كانت كييف في 1991 بلدا فقيرا نسبيا، لكن بحلول2004 بدأت بالتحسن بسبب المعونات الروسية، كما اصبحت روسيا نفسها تتمتع بازدهار نسبي حيث اختلفت هيئتها عما كانت عليه قبل 10 سنوات مضت، فموسكو اليوم اشبه بمدينة معارض.
بالمشاركة في هذه التمثيلية الصامتة "الثورة البرتقالية" قام الاوكرانيون ولاسيما الغربيين منهم الذين لم تعجبهم الصفقات التي عقدت مع موسكو بأطلاق حملة لضم اوكرانيا الى دول الاتحاد الاوربي كما فعلت كل من بولندا ولتوانيا، لكن لسوء الحظ جاءت نتائج الانتخابات بعيدة جدا عن اهدافهم وكانت بمثابة انقلاب ضدهم واصبح معسكر (الاصلاحيين )الذي اعتاد ان يكتب عنه بيتر سمبل عبارة عن تنظيمات غير حكومية ونسوية وبيئية واعلامية حرة مكملا لاعضاء البرلمان الاوربي القاطنين في خيام وسط ساحة كييف الرئيسية يستمعون الى موسيقى الروك الصاخبة متظاهرين بعدم اهتمامهم باسعار المحروقات.
كانت المؤ سسة الاوكرانية معتادة على الانصياع للجانب الاقوى في الصراع سواء كانوا من انصار روسيا القدامى او من انصار اوربا الجدد. لكن التصرف الروسي الاخير احرج الحكومة الاوكرانية التي كانت تـأمل الحصول على الفوائد المرجوة من انضمامها الى الاتحاد الاوربي.
بيد ان الجزء الغربي من اوكرانيا متعاطف مع روسيا التي يصعب عليها التفريط به اضافة الى الوسط الاوكراني المنقسم وبضمنه كييف الذي لم يكن مرتاحا لمجريات الامورتماما. وقد كان من نتائج الثورة البرتقالية تعميق الانقسام السياسي والتعثر الاقتصادي بالاضافة الى زيادة القلق الروسي مما يجري في اوكرانيا. ان روسيا مع اوكرانيا تشبه (بشكل من الاشكال) الولايات المتحدة ومن غير اوكرانيا فأنها تشبه كندا لكن مع فارق وحيد هو ان كندا لا تمتلك النفط والغاز.
اذا ما حاولت اوكرانيا الانضمام الى الغرب البولندي الالماني الذي استغل شعبها بقسوة الى القرن السابع عشر عندها ستحاول حركة الموسكوييل(الاوكرانيون المشجعون لروسيا) ان تبين للعالم من هوالمتنفذ هناك، وربما كان هذا من مصلحة الجميع. فأوربا تحتاج الى روسيا فعالة اكثر مما تحتاج الى اوكرانيا شبه فعالة.

عن: الديللي تلغراف



 

 
 
 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة