المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

العـمـارة الذكــورية
 

شاكر لعـيـبـي - شاعر عراقي مقيم في تونس
بداهات نظرية
من الطبيعي أن توجد علاقة خفية تلتمّ فيها فنون العمارة مع الحاجات الاجتماعية الأكثر رهافة.
كانت وظيفة العمارة الأساسية واضحة دائما للجمهور العريض: السكن. لكن بين الوظيفة المعمارية التي هي بداهة وبين منظومة المعايير الخلقية التي تشتغل العمارة بين ظهرانيها ثمة فسحة للتأمل. لسنا هنا في مقام الوظيفة لكن في سلّم معياري، بل أخلاقي، للعمارة.
جماليات العمارة نفسها تتكيف، على ما يبدو، لطريقة استخدام الكائن الآدمي المساحات والفراغات، بعبارة أخرى غياب أو حضور جسد الساكن في فضاء مخصوص للسكن، بكل ما ينطوي عليه هذا الجسد من الحشمة أو التبذّل.
ثمة جسدان شخصيان فاعلان في الفضاء المعماري: جسد شخصي عضوي (فيزيقي) بارز للعيان، وجسد اجتماعي مستتر، جسدان متداخلان من دون شك ومعقدان.
ولكي لا نبدو موغلين في التأمل النظري نشير إلى أن سيناً أو صاداً من القاطنين في أيما فضاء معماري هو ذاتٌ فريدة، وفي الوقت نفسه هو شخص اجتماعي يراعي اعتبارات عامة مثل الجيرة والتفاعل الاجتماعي في هذا الفضاء المشترك.
بين الذاتي والمشترك تنطرح أسئلة من طبيعة سوسيولوجية ذات شأن، خاصة في العالم العربي حيث الذاتي ثم العائلي والقبلي ترتقي كلها أحياناً إلى مصاف القانون العرفي الصارم الذي يحكم مجمل سلوك الأفراد، بينما يعبّر المشترك بينهما عن (الضرورة) في مقاسمة الآخرين الفضاء الإنساني العريض، وهذا احد قوانين الاجتماع البشري المعروف منذ إخوان الصفا ومن بعدهم ابن خلدون. تصير اليوم مشاطرة الفضاء السكني، والمعماري بمعناه الضيق (في بناية حديثة مثلاًً) قاعدة عامة أكثر من أي وقت مضى وذلك بحكم الدخول الجماعي الإجباري في مانسميه عادةً بعالم (الحداثة) بأشكالها واستخداماتها واستعاراتها: العمارة الحديثة وقيادة السيارة واستخدام الإنترنيت وغير ذلك. لنقل عرضاً إنه بقدر ما توحي هذه المشاطرة بتفاعل روحي ومتعة للجماعة فإن الحداثة، تَبْذر في العالم عناصر الانفصال والعزلة المطبقة، ومثال مستخدمي شبكة الإنترنيت مثال صارخ على عزلة المتصلين، وهذا موضوع وجودي وإشكال سوسيولوجي آخر.
الجسد يشتغل إذن في الفضاء لأنه يَشْغَلُ الفضاء. هنا تقع كل إشكاليات سوسيولوجيا العمارة.
إننا نعرف أن التصميمات المعمارية قد طلعتْ، منذ البدء، لكي تجيب على ضرورات مناخية لكنها من دون شك تعبّر، في الوقت نفسه، عن منظومة من العلاقات الاجتماعية المحدّدة.
يبرهن البيت العربي التقليدي المعروف عبر نماذج دمشق والموصل والقاهرة وحلب وبغداد وسامراء والخليج العربي واليمن على استجابات السكّان، في آن، للمناخ ولاشتراطات القيم الاجتماعية والأخلاقية.
هاتان الاستجابتان أساسيتان.
ليس من الصعب أن نرى استجابات المعماري للمناخ القائظ في تصميمه للمساقط والزوايا.
تقدّم (الملاقف أو البراجيل) الخليجية مثالاً بارعاً على التوائم مع المناخات الحارة. إن جمال أشكالها البارزة، العالية، والوظائف التي تؤديها يعكسان قدرة شعوب المنطقة وجيرانهم على التخيُّل والخلق.
عندما يستجيب المعماري لشروط الجغرافيا في إنشاءاته فإنه يستهدي كذلك بإيديولوجيا معينة تبدو وكأنها تقع في صلب عمله.
هذه الأيديولوجيا هي نسقٌ ثقافيٌّ تاريخي مترسِّخٌ يتدخل ليس فحسب بالإنشاءات ولكن بالضرورات نفسها، كما لو كان يُراد، طالما تعلق الأمر بالنساء، سَوْقُ الجغرافيا نفسها إلى الشروط الأيديولوجية.
هناك أمثلة مباشرة على التعارض الاجتماعي ذي الطبيعة الأخلاقية مع المناخ، مثل تفضيل ثقافات البلدان، ذات الطقس الحار في العالم العربي، اللونَ الأسود، وهو اللون الذي يمتص الحرارة ولا يعكسها، ومثل حجابات النساء السميكة المنتشرة طواعية أو كرهاً مُشكِّلةً مُفارَقَة مع مناخ الطبيعة الذي يستوجب ألواناً فاتحةً عاكسةً للحرارة كما يستوجب خفة معقولة في نسيج الثوب. وهناك أمثلة أخرى أكثر التواء تتجلى في العمارات والبيوت وغيرها.
الفرضية الأولى
إشكالية العمارة التقليدية الأولى هي حجب المرأة
قلنا إن العمارة التقليدية مُشادَةٌ في جزء كبير منها وهي تضع في اعتبارها وضعية النساء في شرط لا يحبّذ حضورهن الفيزيقي، ويعلن في أماكن نظرية صريحة ضرورة حجبهن عن العيون بصفتهن عورة، بالضبط مثلما يسعى ويجاهر الوعي الثقافي التقليدي بهذه المهمة عبر ألف تخريج وتخريج.
العُقدة (أو العقيدة) النسائية في الضمير الثقافي تمتد وتتدخل في تكوين أشكال وجماليات العمارة بأنماطها التقليدية، وحتى ببعض أنماطها الحديثة الراهنة في مناطقَ سَكَنٍ أساسيةٍ من أحياء العالم العربي والإسلامي، بل إنها تمضي بعيداً في عملية الحجب. لهذا الحجب مصادر وتقاليد عريقة. ينقل لنا د. خالد عزب ما يلي: "في منازل مدينة رشيد، في مصر، خُصّص الطابق الأول علوي لاستقبال الضيوف، وعند بداية الطابق الثاني علوي ينتهي السلّم الصاعد إلى المنزل من الطابق الأرضي ليبدأ سلّم آخر من داخل الطابق الثاني والطوابق الأخرى، وهو ما يعكس فكرة عزل طوابق المنزل التي تختص بصاحب المنزل وعائلته عن طابق الاستقبال، وفي حالة نقل الطعام للضيوف من الطوابق العلوية إلى الاستقبال يتم ذلك عن طريق (سلّم سري) في إحدى الحجرات كما في (منزل رمضان)، حيث تضع النساء الطعام وتعود إلى مكانها، وبعد تجهيزه في حجرة الطعام ينتقل الضيوف إليها ليرى الطعام جاهزاً بها وهو لا يدري من أين أتى هذا الطعام". ويضيف بأننا "نرى في مدينة رشيد ابتكاراً آخر يتسم بالطرافة وهو (دولاب المناولة)، وهو دولاب حائطي عبارة عن رفّين من الخشب يدوران على محور خشبي يوضع الطعام عليهما ثم يدار الدولاب من الخارج إلى داخل الاستقبال ليقدّم صاحب المنزل الطعام لضيوفه. وهذه الفكرة قد طُبقتْ في منزلين برشيد هما (منزل البقراولي) و(منزل جبري). ولم ينس المهندس أنه قد تستدعي الضرورة وجود المرأة في طابق الاستقبال بشأن يتعلق بها، يناقشه الرجال، مثل الخطوبة والزواج أو الميراث، لذا فقد صُممتْ ممرات أعلى قاعة الاستقبال ووضعت عليها أحجبة من الخشب الخرط كي ترى وتسمع من خلالها ولا يُشاهد شخصها. وقد انتشر استعمال مثل هذه الممرات في المنازل المملوكية بالقاهرة، ووجدت قاعات لتستقبل النساء فيها ضيوفهنَّ كما في (منزل الرزاز) في القاهرة" .
توجد العديد من البيوتات الأخرى في مدينة رشيد التي تقدّم البراهين على عزل صارم بين الجنسين لا يسمح للجنس المؤنث حتى بتقديم الطعام عياناً: (منزل الأماصيلي) الذي تم بناؤه عام 1808م والذي يحتفظ بدواليب حائطية مطعمة بالعاج والصدف، و(منزل الميزوني)، بُنيَ عام 1740م ويتكون من أربعة أدوار، الدور الأرضي به شادر وحجرة الصهريج. الدور الأول للرجال أما الدور الثاني فهو مخصص للحريم وبه مشربيات بارزة من الخرط الميموني، والدور الثالث به حجرات لها شبابيك من الخرط وحجرة الأغاني وبها دواليب خشبية ومنور مربع وبه كذلك الحمّام، و(منزل عصفور) الذي بنيَ عام 1754م، و(منزل القناديلي) الذي بنى في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي المتكون من ثلاثة أدوار، وهناك (منزل عرب كلي)، أما (منزل ثابت) فقد بني في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري أيضا ويتكون من ثلاثة أدوار، الدور الأول للرجال وبه حجرات من المصبَّعات الحديدية، والثاني مخصص للنساء وبه مشربيات خشبية .

1- جزء من كتاب بالعنوان نفسه يصدر بداية السنة الجديدة.
2- الخشب الخرط: تعبير تقني مصري بمعنى الخشب المخروط. وهناك مسميات مختلفة له وفق أحجامه: الكبير يسمى خرط "صهريجي" والمتوسط "ميموني" والصغير "دقيق".
3- د. خالد عزب: عمارة المنازل في الحضارة الإسلامية، مجلة (تراث) الإماراتية، العدد 46 سبتمير 2002 ص38.
4- سعيد عبد الحميد: مدينة رشيد تتنفس التاريخ، تضم 37 أثرا إسلامياً، (البيان الثقافي)، الأحد 17 ربيع الآخر 1422هـ 8 يوليو 2001
العدد 78. انظر كذلك: "رشيد، النشأة الازدهار الانحسار، أشراف: د. جليلة جمال القاضي، د. محمد طاهر الصادق، د. محمد حسام إسماعيل، دار الآفاق العربية، القاهرة ط1 سنة 1999".


الفـــــــــن الدينــــــــــي
 

أ. د. عقيل مهدي يوسف
هل حقا ان الفن المسيحي في عصر النهضة قد ابتعد عن الحضارية، كما يحاول (فازاري) ان يلحق به همجية ما، او مايرده (موليير) من جيوش وقحة في الكاتدرائيات (القوطية gotic ) باقية من عصر جاهل في حين قيم (شوبنهار) في الكاتدرائيات نفسها تطبيقاً لنظرية الحامل والمحمول (الانسان والله) وكان (هيجل) قد اعتبر الفن البيزنطي، فن مومياء محنطة وخالية من اية روح، وذات مستوى تقني منخفض جدا، وكانها تعبر عن الحالة التي كان عليها الاب (نيكولودي بيليغاتي) الذي جاء على ذكر جرائمه (بركهارت) في كتابه (حضارة النهضة في ايطاليا) وهو يتحول من سلك الرهبنة الى اقتراف جرائم واغتصاب وابتزاز. وانتقل (ادوارد مانية) (1832- 1883) الى الحياة اليومية لا سيما لوحته الشهيرة (غذاء على العشب) (1862) بطابعها الواقعي واوضاعها، وازيائها المالوفة وسلال طعامها، واستخدام الالوان الفاتحة والغامضة لابراز التناقض المطلوب، لكي يتصدر معمارية اللوحة على حساب (الموضوعات). وكذلك ما تميز به كلود مونيه (1840- 1926) من الوان ثرية، متغيرة الوانها، تبعا لكمية الضوء ومصدره ولتقنيتها وشاعريتها هذا الضرب من الفنون الجديدة ليتناقض مع المواضيع الحديثة المختلفة بحوادث صلب المسيح (ع) وانزاله عن الصلب، وكذلك تتناقض مع المواضيع( .. البرجوازية مثل الدرس- و القفل- و الموسيقار- وغيرها من المواضيع المستوحاة من الادب والتراث) فانها كلها قد اختفت في الانطباعية وماتلاها في النصف الاول من القرن العشرين.
الانقلاب على الانطباعية
وتبرز لوحة (بول سيزان 1839-1906) (جيل السانت فيكتورا) بداية الابتعاد عن الانطباعية (فلم يعد عنده المهم، الموضوع) او (تلاعب الالوان وتغيرها بتغير الضوء) بل، مجموعة الاحجام الصغيرة التي يتألف منها الموضوع وهو الجبل والمنازل والاشجار وكأنه (فتح الباب امام التكعيب) وتأثر جورج براك (1882- 1963) بسيزان في لوحته (البرتغالي)، بجانبها التشكيلي الذي لا علاقة له بعرق برتغالي او سواه قدر تعلق الصياغة الفنية بإعادة تركيب مجموعة احجام صغيرة في لوحة متوازنة. وبمثل ما عبر عنه (مارينتي) المستقبلي من تزامن عناصر الفرجة، لتثبيت الحركة المتدفقة في ومضة ولمحة خاطفة كالسينما التي لا يسمح تدفق الشريط فيها بالتوقف (لحظة) والا فقدت خاصيتها النوعية، وظهرت لوحات مثل (نزول من السلم) وحركة (كلب) في لوحة مستقبلية متحركة، تملك اهمية لدى اتباعها اكثر من اهمية (المتاحف) و (الاكاديميات) و (دور العبادة) كالكنائس لدى اتباعها استثمرت الحوافز الجديدة التي لا ترى في الحياة الاجتماعية سوى تحديد مقفل لامال الافراد، وهزيمة احلامهم، واخفاق في اقتراح بدائل عن الاقصاء الذي يمارسه المجتمع ضد حرية الافراد فكان الفنان الانطباعي، يدور بين هيكل الاضواء التي تخلق جمالا شكليا، خاليا من الدعوة الارشادية او الايديولوجية، فاخترعت مواضيع جديدة مثل ما فعله كازيمير ماليفينيش (1878- 1935) الذي رسم صليبا اسود، مجردا لا يمت الى مرجعية واقعية خارجه، بل جرأة في طرح اللون الذي يسر الوعي، واستمرار البحث عن المربعات البيض والسود التي تتعالى عن الرسالة الاجتماعية التي اعتاد البعض على حضورها في كثير من اللوحات التقليدية.


من المكتبة الاجنبية
 

لعنة إدغـــــــار
تأليف :مارك دوغان
الناشر: غاليمار ـ باريس 2005


الكاتب والروائي الفرنسي الشاب مارك دوغان. ولد في السنغال عام 1957 ثم دخل إلى بلاده الأصلية فرنسا لإكمال دراساته وتعليمه الجامعي، وبعدئذ أصبح كاتباً ونشر روايته الأولى عام 1998 تحت عنوان : (غرفة الضباط) وقد نال عليها ثماني عشرة جائزة أدبية. وهو الآن ينشر رواية جديدة عن السياسة الأميركية، أو بالأحرى الاستخبارات الداخلية الأميركية المشهورة باسم (اف. بي. آي) ولكن هل هي رواية من صنع الخيال فعلاً أم أنها تعتمد على وثائق تاريخية وأرشيف سري؟ الاحتمال الثاني هو الأرجح بدون شك، بل انه مؤكد، وما الصياغة الروائية للكتاب إلا تمويه، ثم من أجل المزيد من الإغراء والمتعة في قراءته. الرواية من أولها الى آخرها مسرودة على لسان شخص يدعى (كلايد تولسون) مساعد (جون إدغار هوفر) على رأس الـ (اف. بي. آي) ومعلوم ان هوفر هذا كان الحاكم الفعلي لأميركا طيلة ما يقارب النصف قرن، فقد كان على رأس الجهاز من عام 1924 إلى عام 1972!

فرانشيسكو غويا
تأليف :ايفاناس. كونيل
الناشر: كونتربوينت بريس نيويورك 2005
صورة شاملة عن حياة واحد من أكبر الفنانين في العالم. انه الاسباني فرانشيسكو غويا.قدم هذه الصورة المؤرخ والناقد الفني ايفان سي.كونيل، فرسوم غويا الرائعة ولوحاته التي تتجاوز قيمتها ملايين الدولارات لا تزال محط اعجاب العالم وليس فقط الاسبان أو الأوروبيين. والواقع ان انتاجه الفني كان ضخماً جد
اً.
 

تاريخ اسكتلندا
تأليف :جماعي بإشراف الباحثة - جيني
الناشر: مطبوعات جامعة أوكسفورد 2005

ساهم في تأليف هذا الكتاب العديد من الباحثين المتخصصين في مختلف الفروع، وذلك تحت إشراف المؤرخة جيني ورمولد. ومنذ البداية يقول لنا مؤلفو الكتاب ما معناه: إن اسكتلندا هي جزء من بريطانيا العظمى، بل ولولاها لما كان لهذه التسمية من معنى.ولكن لا ينبغي الاعتقاد بأن شعبها إنجليزي بالخاص، وإنما هو يمتلك مقومات قومية وخصوصية. في الواقع ان اسكتلندا كانت أمة مستقلة بذاتها حتى بداية القرن الثامن عشر. بعدئذ وتحت ضغط ظروف عديدة راحت تنضم إلى إنجلترا، لكي تشكل ما ندعوه: ببريطانيا العظمى.

 

الحياة بعد البترول
تأليف :جاك لوك وانجيرت
الناشر: اوترمان ـ باريس 2005

قام بتأليف هذا الكتاب الباحث الفرنسي (جان لوك وانجيرت) المهندس والمختص في الشؤون البترولية، وقد قدم له الباحث الكبير جان لاهيرير، وهو عالم جيولوجيا (أي طبقات الأرض) وعالم فيزياء في الوقت نفسه، وله شهرة عالمية فيما يخص البترول والغاز الطبيعي وكيفية استكشافهما. ومنذ البداية يقول هذا الباحث في مقدمته العامة للكتاب مايلي: أول شيء يبحث عنه الإنسان هو ان يشبع حاجياته الأساسية كتروية عطشه، وإشباع جوعه، وستر جسمه من البرد. وبعد ان يشبع هذه الحاجيات الأساسية تبرز حاجيات أخرى كمالية سواء أكانت مادية أم معنوية. وفي المجتمعات الاستهلاكية المتقدمة لم تعد المشكلة هي الجوع وإنما التخمة التي تؤدي إلى السمنة الزائدة عن الحد. هل نفهم بأنه يوجد ثلاثمئة مليون سمين وسمينة في العالم وبخاصة في الغرب الأميركي على وجه التحديد؟ ثم يردف البروفيسور جان لاهيرير قائلاً: ان نمط الحياة الأميركية هو المسؤول عن هذا الاستهلاك المسعور الزائد عن الحد، فالاميركان يعتقدون بأن المصادر الطبيعية لا تنفد، وهذا غير صحيح بالطبع. انهم لا يشبعون من الاستهلاك وزيادة الاستهلاك إلى ما لانهاية، يحصل ذلك كما لو أن الاستهلاك يعني السعادة!


عن أجيال الخطر والخوف من المستقبل
 

قاسم محمد عباس

ربما لم يتوفر لبعض النقاد قراءة الكلمات التي كتبها القاص محمد خضير في جريدة ملتقى السياب التأسيسي، بعنوان : " أجيال الخطر " هذه الكلمات وضعتني في مناخ قراءة سريعة للتغير ( الانهيار ) الذي حصل في نيسان 2003 .

محمد خضير يقرأ التغيير ( الانهيار) قراءة اختزلته بوصفه اقفالاً للنهايات المفتوحة لتاريخ الطلائع الأدبية، كاشفاً عن رؤية اغفلت الشروط التاريخية لظهور الحركات الأدبية، وكأن التراكم نتيجة خارج سياقه التاريخي والسياسي،وحتى لا ابدو انني أضع اليد على مواطن تحتمل أكثر من قراءة أو تقع في زاوية المواربة أرى ان قراءة محمد خضير كانت بحاجة لشجاعة وجرأة ووضوح أكثر كي يقول ما يريده ، فلم تنفع فكرة الوقوف وراء قيمة التهويل التي تبناها الكاتب ، كان يتوجب الخروج من مواربة دفنت فكرة عظيمة في تربة الخوف .هذه الظروف ومعرفتي بالكاتب دفعتني لقراءة عمود أجيال الخطر بعيدا عن الحيرة التي وقع فيها محمد خضير ، أو الازدواجية التي تخلفها قراءة العمود، فالقارئ لن يفهم ان كانت تلك الكلمات تأبينا للماضي ، أم انتقادا للحاضر ، وهذه في حد ذاتها رؤية مشوشة لمصير تاريخ أدبي يمتد الى ما يقارب القرن من الزمان.
ثمة أنفاس ندم على ماض مات بقوة المتغيرات التاريخية، ماض لم يزل الخوف منه يملأ القلوب رعبا، وهو الخوف ذاته الذي أسكت الكاتب وأجيالاً بأكملها عن جرائم أدبية وفكرية، اجيالاً صمتت وفي صمتها أشارت الى حقيقة أيضا، أما تداعيات التغيير النيساني فلا يمكن ان يختزل في فوضى تدمير المتحف وحسب، والسكوت عن تفشي ثقافة الموت التي تتكرس بوصفها بديلا عن الماضي الرهيب.
فسواء وصفت تداعيات التغيير وفوضاه بنيسانية الميل او تموزية الهوى ، فإن ثمة ذاكرة كانت تصرخ للخروج من صمتها، للخروج من سرّيتها التي لم تكن مقدسة ابدا، ذاكرة اسكتت بقوة الفكر العنيف والسلاح. وبقدر تعلق الامر بالسياب فقد بقيت أسراره تصرخ على مدى عمر جيل دار المعلمين وجيل الطلائع والجيل الضائع والستيني وما تلته من الاجيال. ثمة ذاكرة ورقية قبعت في صناديقها ، لم تسمح للحرية العظيمة بأن تنشر مطارداتها وظروفها الوحشية التي عاشها بدر شاكر السياب.
لا استطيع ان اصدق حقيقة هذا الخوف المضمخ بقدسية مزعومة لتاريخ سري طالما ارتبط بالخطأ ، كل سر منها يشي بوثنية ولدت من رحم خطأ قاتل . كيف يمكن ان يكون كشف السر كفراً أو هرطقة أو مؤامرة أو حتى أغلاقاً لنهايات مفتوحة لأجيال ارتبطت بالسر كثيرا؟
ان مقاربة التغيير ( الانهيار ) بمناخ هولاكوي لايختزل ما حدث بهجمة نهب وسلب وحرق وهتك للأسرار قام بها حقيقة جنود المستعصم ذاته،ورجالات صالوناته انفسهم ، ولا تشوش هذه المقاربة صورة الآمال الكبيرة لمستقبل يحاول النهوض من بحر دماء يتسع كل يوم في بغداد.
لم أفهم على نحو واضح لماذا يتم اللجوء دائما إلى ندب وبكاء طويلين على المتحف العراقي عندما نستقدم تصوراتنا عن التغيير. لقد حاول بقايا التموزيين تدمير المتحف انطلاقا من فكرة المحو ذاتها، ونسوا او تجاهلوا ان المحو فكرة في طبقتين ، أساسها الكتابة، فكلما انطلق المحو تركزت الكتابة في جهة الأخرى، ولكن لماذا يختزل التغيير بالبكاء على المتحف الذي دمره مؤسسو المحو أنفسهم ؟ لا افهم لماذا لا ينفك الستينيون الناجون من الانهيار الا الوقوف عند جرح المتحف ومن ثم ترميز هذا المتحف واختصاره بالماضي ، فالمتحف ماض وحاضر ومستقبل، فحميد سعيد يبكي على المتحف وهو يعلم ان المتحف جرح وقتل وسرق مرارا على مدى أكثر من أربعين عاما على مرأى ومسمع منه .
هل هي الوسيلة الأروع للاقتصاص من الحاضر، أم انها نوستالجيا رؤيوية لطور مات ، وكشف عن رغبة مكبوتة بما ينسجم مع المرض ـ السجن في الماضي.
أما التهكم المضمر من أجيال المنافي على النحو الذي قدمه محمد خضير بوصفه جيلا يعبر عن شيزوفرينيا معاشة بين اللغة والثقافة وتقديم هؤلاء بوصفهم يخوضون حربا بين الجذور وسايكولوجيا الانسلاخ، انما هو سؤال دامٍ عن جسد ممزق لأمة انتهكت ، لكنه أيضاً نظرة مبسطة لأجيال المنافي الذين هربوا بأجسادهم وذاكرتهم والهمونا عقودا، وتصبرنا بنجاتهم زمنا أمر لا يمكن تصديقه على النحو الذي قدم فيه، ان كانت هذه هي الحقيقة .
على مدى السنوات الثلاث التي سالت فيها دماء العراقيين لم يقف شاعر او كاتب من كل تلك الأجيال أو ما تبقى منها أمام أوردتهم القتيلة، وقطع المتحف المسروقة تستعاد تباعا، واشلاء أطفال بغداد تتناثر تباعا دون استحضار لأية ذاكرة أو جيل .
اذن عن أي جيل يجب أن نتحدث ؟ عن أي خطر أو وثيقة يجب ان نتحدث ؟ وعن أي خوف يجب أن نتحدث ؟ عن خوفنا من الماضي أم خوفنا مما يجري أو خوفنا من المستقبل .فسواء كان التغيير انهيارا أم لا، فثمة تاريخ جديد يكتب وسط الحرائق والاسرار المفضوحة،وهو بداية جيل ينهض من وسط الاضابير والسراديب والنوافذ المشتعلة ، أو يخرج من أضابير الموتى
الذين لم يعلم عن قتلهم شيء عبر أجيال الماضي برمتها. واذا ما تركز الكلام حول السياب او صار السياب موضوعا لمقالة أو عمود، فها هو مرة أخرى يقرأ بوصفه وثيقة لم تكتمل ، فلماذا الخوف من كشف الأسرار، وكيف يمكن الجزم بأن الأسرار تسبح في نهر مقدس ؟ لقد كان بدر شاكر السياب من أوائل ضحايا التموزيين ، من أوائل شعراء الحيرة بين الموت والحقيقة. لست مندفعا كثيرا للخوض في الكلام عن سرقة ذاكرة العراق الحية بمتحفه ومخطوطاته وأسرار أجياله، لأنني منذ لحظات الانهيار الاولى كنت وأصدقاء آخرين نركض هنا وهناك نتوسل اللصوص والتموزيين ان يتركوا المتحف وان يتركوا دار المخطوطات، وان يتركوا المكتبة الوطنية، لانها تخص الجميع دون ان نتباكى او نبكي. لقد خطونا نحو الخطر دون بكاء، توسلنا القتلة والتموزيين ان يبقوا على الصناديق مقفلة ولكن دون جدوى.
اشعر بالأسى لأنني سمحت بنشر اضبارة السياب على صفحات المدى ان كان ذلك هرطقة وكفرا، اشعر بالأسى لانني استحضرت صورة بدر الجديدة من عمق غرف الأمن ، اشعر بالأسى للانهيار الذي أغلق ما كان مفتوحا من التأويلات، اشعر بالأسى من كلمة ( الانهيار ) ذاتها، أشعر بالأسى لاننا سمحنا بخروج صرخات الضحايا من توابيتها ما دمنا من حفر القبور. اشعر بالأسى من اللعنة التي ستطارد الماضي بأسراره والشغف بكل تلك السرية . اشعر بالأسى لوصف ما حدث في نيسان 2003 بالانطفاء، أشعر بالأسى لغروب نهارات مطابع العصر الدموي ، أشعر بالأسى ( لجمود حداثة الجامعة العراقية) !! اشعر بالأسى لأننا اعدنا فتح ملف الجريمة من جديد ، أشعر بالأسى ونحن نسرد اعترافات الضحايا بوصفها فتحا للقبور، أشعر بالأسى اننا نختزل هوياتنا كلها بهوية واحدة، أشعر بالأسى لأن البعض يصر على البكاء على ماض نخاف منه ،أشعر بالأسى لأننا نخاف كل هذا الخوف من المستقبل.


نزهـــــــــة.. بعيدا عن يونسكو وقريبا منه

د- فاتن الجراح

شهد المسرح الوطني يومي 25و26/12/2005 عرضا لمسرحية يونسكو "نزهة" من اخراج الفنان احمد حسن موسى، وهو نص معالج من قبل هارولد بنتر والمعالجة التي عرضت على المسرح الوطني للدكتور فاضل خليل، وهو عرض يستحق هنا طرح ملاحظات عنه واليه.
ان المعالجة الدرامية امر منوط بقراءة مستقلة للنص يقوم بها الدراماتورج تستوجب منه الاستكشاف وتبيح له حق الاستبدال ايضا، غير ان القراءة لا تكون معزولة عن الواقع الذي يتحرك عليه النص الاصلي كما وليست بمعزل عن واقع الدراما تورج المعيش، فإذا كان الاحتلال واقعاً نعيشه ولا يمكننا التغاضي عنه، فإن العدوان امر مر عانينا منه كشعب ولاكثر من مرة وبشكل مزدوج عدوان خارجي وآخر داخلي، واذا حمل النص تلك الاشارات الفكرية، فان الاخراج وضحها بأسلاك شائكة وازيز آلة الحرب، فتجاوز ازدواجية المفهوم واكتفى بالاشارة الى العدوان الخارجي دون المساس بمسببات الاحتلال والخراب.
هنا لا نطالب النص بأن يختزل مشكلات العراق كلها ليكون موضوعيا في تناول الواقع الحزين الذي نتحرك عليه، ولكن الاخراج لديه المساحة الكافية لتجسيد الدلالات ولا سيما هذا العرض الذي حمل معه توظيفاً للفضاء غير تقليدي، فالبحث في دلالات الديكور والفضاء المكاني سمة دعا اليها بريخت وسبقه فيها مايرخولد وتزامن معها في الدعوة آرتو ايضا.. وبالرغم من وجود مسافات بين تلك المدارس غير انها مسافات، وليست حدوداً ثابتة غير متحركة، وبالرغم من عداء يونسكو وآرتو لبريخت غير ان موسى بدا هنا متأثرا بهم جميعا في معالجته للفضاء المكاني، فحركة الجمهور على الخشبة الدوارة للحاق بفضاء التمثيل ليست بدعة اخراج عراقي بل هي متضمنة في المسرح وقرينة حيث حلم آرتو بمقاعد متحركة فترجمها موسى الى مقاعد فوق خشبة المسرح الدوارة.. وهذا ليس عيبا في الاخراج بل بادرة ذكاء وانفتاح على مناهج الاخراج المختلفة، وان يجمع النقاد على ان المثيل الاخراجي لمسرح العبث هو مسرح القسوة، اذ يكاد يكون آرتوتوأما ليونسكو غير ان معلمي الاخراج الحديث بروك وغردوتوفسكي يؤكدان على تركيب المناهج شرط اتقان توظيفها.
لقد وجدت الفنان احمد موسى ناجحا في توظيف المناهج بقدر ما تماشت وطموحه الفكرية في تصوير الواقع الذي تحركت عليه شخوص د.فاضل خليل. غير ان الحل البصري الذي اغرق في الرومانسية التي بدت جميلة ومؤثرة كاستخدام قاعة النظارة لتبدو أفقا متصلا بواقع حركة الممثلين لتبدو السلالم والمصابيح خلفية تنم عن البعد التاريخي لمدينة الحدث فكانت بغداد التراث بأغنية (جيمالي والي).. وكان الازدهار ممثلاً باغنية نجمة لحسين نعمة واغنية اخرى لانوار عبد الوهاب وهي رموز لثقافة ازدهرت في السبعينيات لم ينتجها النظام البائد بل انتجناها نحن جموع العراقيين مثقفين وسياسيين. ثم توالت الحرب ليمر عازف الجلو على كرسي معوقين كنتيجة حربنا ضد ايران.. هذه الرموز بقدر واقعيتها وجماليتها وتعبيرها عن فكر المخرج، غير ان الواقع التاريخي يحمل آثاما أكبر وأكثر فظاعة وبشاعة.
وبالرغم من كل الاشارات للخراب ظلت خلفية المنظر (قاعة النظارة) منارة وجميلة فلم تسقط المصابيح ولم تشوه بغداد التي هي اليوم ليست بأفضل من قرية عراقية من ثلاثينيات القرن العشرين.
بدا المخرج والنص منتميين وهنا يبتعدان تماما عن يونسكو التجريدي الباحث في اللاجدوى المسقط كل النظريات.
وظل القريب من روح يونسكو متألقا بفنه.. الممثل باسم الحجار الذي لعب دور الشخصية اللامبالية.. المتقبلة والرافضة في الوقت نفسه.. وجّه حواراته دون معايشة الكلمة بل اوجد معادلات بصرية لافكار توحي بها تلك الجمل التي تلعب الخواء وما حوله.. هذه حقا شخصيات يونسكوية وبحاجة الى ممثل طقوسي يستوعب فلسفة الكاتب ورؤيا المخرج واذا كان لقاء موسى بالحجار ليس الاول كما علمت فشكلا ثنائيا جيدا.. وكان قريبين كمخرج وممثل من الشخصية العبثية.. غير ان الشريك التمثيلي كان بعيدا جدا فيبدو ان الفنانة الشابة فرح في لقائها الاول مع موسى والعبث ظلت تعادل الكلمات العبثية بمشاعر مبالغ بها سحبتها خارج اطار الفضاء كله.. وهذا لا تتحمل مسؤوليته وحدها فهي والحق تمتلك مرونة صوتية وجسدية كان يمكن ان توظف لتعطي دلالات اكبر وتجعلها مرغمة على التقرب من الشخصية.
لم تخل نزهة من متعة ولكنها بحاجة الى تصحيحات فكرية فأما تكون مجردة فعلا او رمزية شرط ان تحقق فسحة لفكر انساني نحن بأشد الحاجة اليه الان.


ألوانها من القرية الإندونيسية الخلابة .. نوراني جوناوان .. فنانة شعبية بمرجعية إنطباعية
 

وارد بدر السالم / ابو ظبي
لا شك في أن الفنانة الإندونيسية "نوراني جونان" هي وريثة الفن الكلاسيكي الإندونيسي ، فتجربتها غير القصيرة في الفن التشكيلي ، وما حملته من بصمات واقعية ، تشكل مشهداً واضحاً على كلاسيكية رؤيتها الى الواقع والبيئة الإندونيسية ، لكن برؤيا فيها من الخصوصية الشيء الكثير ومن الفرادة الفنية ما يجعل لوحتها لا تنتمي إلا إليها ، مستفيدة من بيئة شعبية وقروية لها خصال الإبهار والجمال الطبيعي ،

وقد جاء معرضها الأخير الذي أقامته في أبو ظبي كرسالة فنية لا تنعزل عن المشهد الفني الإندونيسي أو الآسيوي بشكل عام .
الفنانة جوناوان رسامة تحترف الإنطباعية بامتياز وتنوّع على الطبيعة بشكل جذاب ، تساعدها في ذلك وفرة الألوان الباهرة التي تجيد استخدامها بمهارة وذوق رفيع ، وهي أمام الطبيعة تستعير كل الألوان بلا تحفظ ؛ تلك الألوان الصارخة التي تشف عن بيئة شخصية وتقاليد وأساطير محلية شعبية ، تمكنت من توظيفها بريشة متمكنة وهي تعكس الجو الإندونيسي من خلال قرويته وفضاءاته الشاسعة من الحقول والمراعي والجبال والقرى ، وتفيض في التفصيلات الواقعية وتختار نماذجها من الأطفال والقرويين والبسطاء من الناس الذين ينظرون الى الحياة بذلك الشكل الجميل الذي يتجسد في كل لوحاتها .
زيتيات جوناوان حافلة بالحياة ، ومع تكرارها للوحاتها ولكن بتنويعات فنية ، يمكن تلمس الأثر (الآخر) في نشاطها المكثف حول القرية ، ومن السهولة إحالة لوحاتها الى ذلك الأثر الخارجي والتأثر الذي لم تستطع التخلص منه وهو أثر الفنان العالمي " بول غوغان" الذي ترك بصماته الإنطباعية جليّة على هذه الفنانة المجيدة ، ويمكن تأمل لوحاته الكثيرة ومطابقتها مع لوحات جوناوان ، لاسيما لوحاته عن النساء "التاهيتيات" وبقية لوحاته الإستوائية التي رسمها في القرن الثامن عشر وهو يتخرج من أحضان الإنطباعية ليكون قريباً من منابع الإبداع في الطبيعة ، وهي المنابع الأولى للمدارس الواقعية والإنطباعية ، وهو القائل "أن الفن تجريد استخلصُه من الطبيعة بالتأمل فيها وأمعن التفكير جيداً بالخلق الناجم عن ذلك" وهكذا حط الرحال في "تاهيتي" ليكتشف سر الإبداع الأول وسر الطبيعة البكر ويرى الناس كما هم ، لاسيما النساء ، وهو ما ستتبعه الفنانة جوناوان بتركيزها على النساء بشكل لافت للنظر، النساء اللواتي خرجن من الطبيعة البكر بقاماتهنّ المشدودة وزينتهن القروية بملابس القرية المزركشة ، كالنساء البولونيزيات وهن يتصدرن المشهد الإجتماعي اليومي ويحتفلن بالطبيعة بطقوس أسطورية شعبية .
نساء جوناوان يشبهن النساء التاهيتيات ولكن بطبيعة إندونيسية محلية صارمة ، ذات نكهة آسيوية فريدة في تكوينها الشعبي والبري الذي عادة ما تحتفل به الألوان الساخنة والباردة ، بمقدرة ريشة صانعة لجماليات المكان وفرادته وتثوير مكامنه السرية ، بطريقة انطباعية متأثرة ومؤثرة أيضاً ، لاسيما أن الفنانة جوناوان تستدرج الحس الشعبي بأقصى مدياته بزهو الألوان وانعكاساتها النفسية على الوجوه وهي تصنع حضورها بشفافية عالية . فتصح عليها تسمية : الفنانة القروية التي تمسك باللحظة القروية الطازجة وتصنع منها أسطورتها الشخصية وبالتالي أسطورة القرية المكتظة بكل ألوان الطبيعة لاسيما الحارة منها ، وهي لا تتحفظ على أن تستخدم أي لون مهما كان صارخاً ، فالأحمر الفاقع لديها رديف الأخضر الزراعي ، والأصفر اللمّاع رديف الأزرق الصارخ وهكذا تخلط ألوانها بريشة عارفة ولافتة للنظر .
تريد الفنانة جوناوان أن تضع بصمتها الشخصية على لوحتها ، لذلك تعمد في كل اللوحات تقريباً بأن تجعل من أصابع النساء طويلة وممتدة ، بحركة زيتية طيّعة ، وتبني أجساد نسائها بمنحنيات وتكويرات وخطوط متقنة ، لتعويض الإسقاطات النفسية الناجمة عن تأثراتها بالانطباعيين الأوائل ، لكنها تتطلع دائماً الى أن تكون لوحتها مميزة رغم اغترافها من المعين الإنطباعي وهو معين ذو تراث كبير بلا شك

بطاقة نوراني جوناوان

ولدت الفنانة جوناوان في إندونيسيا وتعلمت مهارة الرسم منذ عام 1967 من المايسترو هندرا جانوان الذي كان زوجها ، كما إنها تكتب القصة القصيرة وترسم الصور القلمية في أعمالها على صفحات مجلة مانجل..
أقامت معارض فردية منذ عام 1989 في جاكارتا والمركز الثقافي الفرنسي في باندونج وفي سانجار سيلار بومي وفي بلادي بودايا وفي صالة "دي" وفي مركز ردهة التجارة العالمي في جاكارتا ، كما أسهمت في عدد من المعارض الجماعية منذ عام 1970 مع الرسامين الشباب في باندونج ومعارض التنمية في استوديوهات الرسامات الإندونيسيات وفندق هيلتون وفي ستوديو سنت باندونج ومعرض سيلالوراهمي الجماعي مع مينياتجوني في جاكارتا ..

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة