الميزانية
العامة
رؤية جديدة
لاقتصاد جديد.. في
عام جديد
مكي
محمد ردام
لا شك
إن مناقشة وضع ميزانية عامة للبلاد، واقتراح أبواب الصرف
والإنفاق والإيرادات المتحققة يعد شاهدا حيا على تحقيق احد
شروط التحولات التنموية، وهو الممارسة الديمقراطية ـ
دمقرطة الاقتصاد ـ ربما يكون العراقيون البادئون تاريخيا
في رسم صورة المستقبل على أساس تقديم المعونة من خلال
مؤسسات الدعم الثلاث ذات الوزن الثقيل التي أضحى أي نظام
لا يستطيع الوقوف بوجهها رافضا أو متحديا أو حتى مناقشا
بقصد فرض صيغة تناسب مقاسات خصائصه الاقتصادية أو
الاجتماعية، كما حدث لتركيا في إشكالية انضمامها إلى عضوية
السوق الاوربية المشتركة، أو ما يحدث هذه الأيام في إلغاء
دعم أسعار مشتقات النفط العراقية ومعالجة موضوع الحصة
التموينية من خلف الكواليس.
إن إقامة طاولة حوارية حول الميزانية العامة تشير إلى إن
الديمقراطية الجارية هي ليست ديمقراطية وحرية الكلام
القائمة الآن على طول البلاد وعرضها، من دون أساس متين
لقاعدة البناء المادي الحاضر والمستقبل والاقتصاد على أساس
الديمقراطية وإنما التطبيق العملي في عملية الاختبار الحر
الواعي الهادف إلى تحقيق ألمصلحة العامة في تغيير
الموازنات القلقة الخاطئة الفاسدة ألسابقة،بقصد أبدالها
بموازنة عراقية صميمية قائمة على أساس فني مهني وطني وليس
على شعار مركزي مستمدة من مقولة فردية، أحادية، متسلطة
سادت خلال العقود الماضية.
ألميزانية كما نفهمها.. كشف لتصرفاتنا ألاقتصادية لفترة
معينة (سنة مثلا) تعكس كفاءاتنا ومقدراتنا ونزاهتنا
واستقامتنا ووطنيتنا كدولة بشكل خاص أولا وقبل كل شيء وهي
منبر إعلامي حقيقي مجاني يصل إلى ضمائر مختلف شرائح وطبقات
المجتمع ويسهل فهمه واستيعابه في أجواء عراق اليوم الذي
تتسع حد قات عيونه لترى بوضوح ما يرسم له هؤلاء المنتخبون
من قبله عبر صندوق الديمقراطية قبل إن يصل إليه عبر
فضائيات التجارة والربح.
وتعكس ألميزانية من جانب آخر التوزيع العقلاني المناسب
لإيرادات المجتمع ليشعر المواطن وهو مطمئن انه ينتمي بحق
إلى دولة القانون التي يسمع بها ويلمس على صعيد الواقع هذا
المعنى الذي يعرف المواطن ويزيد من التحامه بالعملية
السياسية التي يثبت أهل السياسة عندنا يوميا فشلهم في
توجيه الحديث الاقتصادي وخلو الخطاب السياسي في تبديد
التوتر والقلق الذي بات يصيب شرائح معينة إضافة لكونه
سلاحاً فعالاً مجانياً ضد الإرهاب وأدواته الذي تم
الاعتراف بأحد جوانبه ألاقتصادية المعبر عنه بالبطالة.
فمن اجل مساهمة واسعة في إعداد وصياغة ميزانية عامة تضع
مقدمات وضروريات المعاملات ألحياتية الفنية الاقتصادية
والتجارية والاجتماعية على طاولة البحث العلمي الوطني على
ضوء فهم وحدة الاقتصاد الوطني العراقي التي أهملت لعقود
طويلة دون إن توضع الأسس والقواعد المادية المستندة إلى
أهم سماته وأبرزها انه اقتصاد وحيد الجانب محكوم باعتماده
المستمر على إيراداته من القطاع النفطي الذي يشكل تصديره
للنفط كمادة خام أولية محوره الوحيد، سببا رئيسيا وجوهريا
في التشوه الهيكلي لهذا القطاع وما يتبعه في إلقاء ظلال
التشوه على تركيبة الاقتصاد الكلي، في مدخلاته ومخرجاته.
تنطلق رؤيتنا من الإقرار بالتغيرات الكبيرة التي شملت،
اضافة إلى تقويض البناء الارتكازي الذي كان يقوم عليه
الاقتصاد من قاعدة صناعية هي أصلا متواضعة للقطاعين العام
والخاص وكذلك المختلط، وتراجع ملموس لإنتاجية القطاع
الزراعي، بسبب عدم تبني وإعلان سياسة وخطة زراعية واضحة
مرتبطة بالسياسة العامة للدولة الجديدة، جاءت مشاريع
الاعمار التي تجري حاليا متسمة بالانتقائية، والتسرع وليس
السرعة، والتبذير وليس التدبير، ضخامة رصد الأموال على
حساب جدوى إقامة المشروع ..... وهكذا.
ولامناص من ذكر إن التحولات الكبيرة في حياة الشعوب حين
تبدأ بتقويض المؤسسات القديمة التي كان يقوم عليها النظام
القديم (سياسية واقتصادية)، على أهمية وأولوية معالجة
وضعها بما تتطلبه - فلسفة العقل الجديد القائم على أسس
جديدة من الديمقراطية والية السوق والعدالة. وما تحتاجه
مرحلة التحولات. إلى مساحة واسعة من حرية التشخيص والتحليل
لغرض عرض التصورات العراقية فان المؤسسة أو السلطة المالية
الجديدة ينبغي أن تنال الأولوية على أساس الفهم المنطلق من
أن جميع الإجراءات السياسية والقانونية هي تعبير مركز
للاقتصاد، ولعل أوضح إطار لهذا الفهم هي التوجهات التي
وردت في قانون إدارت الدولة ومسودة القانون الجديد .
والذي جاء في ألمادة (56) من قيام مجالس المحافظات في
التنسيق، مراجعة الخطط السنوية، وميزانياتها بشان الأنشطة
الجارية في المحافظة، يجري تمويل مجالس المحافظات من
الميزانية ألعامة للدولة، وأعطى القانون صلاحية زيادة
إيراداتها (المحافظة) بشكل مستقل عن طريق فرض الضرائب
والرسوم وتنظيم عمليات إدارة المحافظة والمبادرة بإنشاء
مشروعات محلية وتنفيذها وحدها أو بالمشاركة مع المنظمات
الدولية والمنظمات غير الحكومية والقيام بأنشطة أخرى طالما
كانت تتماشى مع القوانين، وينطبق الأمر على مجالس الاقضية
والنواحي وذلك بمراجعة الخطط والتأكد من أنها تلبي الحاجات
والمصالح المحلية بشكل سليم وتحديد متطلبات الميزانية
المحلية من خلال اجراءات الموازنة العامة وجميع الإيرادات
المحلية المختلفة والحفاظ عليها واقر القانون في المادة
(25 - ج) رسم السياسة المالية وإصدار العملة وتنظيم
الكمارك وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم
والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم
السياسة النقدية وإنشاء بنك مركزي وأدارته . وفي الفقرة
(د) من المادة (25) اقر رسم السياسة العامة للأجور أما في
الفقرة (هـ) فقد وضع صورة واضحة بإقراره أن إدارة الثروات
الطبيعية للعراق بأن توزع الواردات الناتجة عن هذه الثروات
عن طريق الميزانية العامة ، وبشكل منصف يتناسب مع التوزيع
السكاني في جميع أنحاء البلاد ، مع الأخذ بنظر الاعتبار
المناطق التي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق
ومعالجة مشاكلها بشكل ايجابي واهم احتياجاتها ودرجة التطور
في المناطق المختلفة من البلاد سوف نناقشها بشكل مستقل
مستقبلاً .
ويمكن أيضا أن تستند مناقشات الطاولة أضافة إلى ما ذكر
أعلاه إلى:
1.أن تعطي الميزانية العراقية الجديدة الأولوية للمشاريع
ذات النفع العام للسنوات الخمس القادمة لإصلاح ما دمرته
الحرب من البناء التحتاني في القطاع النفطي، الصناعي،
الزراعي والخدمي.
2.أعادة البريق للعاصمة العراقية بغداد لأنها احد الرموز
الاعتبارية الكبيرة في عيون العراقيين جميعا ، وأنها قد
تكون البديل المناسب لرمز الفرد ، المستأثر،أسوة بشعوب
الأرض التي تتجه لقبلة واحدة توحدا وملتقى للتعددية ويعني
الكثير أن يكون إعادة أعمار بناء عاصمتهم خارج المحاصصة
الإقليمية أو الطائفية أو الاثنية ومن التخصيص المالي،
العراقي، الخالص .
3.تجسيد وحدة الاقتصاد العراقي من خلال التشريعات
والتعليمات المالية الجديدة .
4.اعتماد الشفافية والمناقشات العلنية ليستبدل الهاجس
الطائفي والاثني إلى اجتهاد معلن حول طريق التنمية الملائم
لنا. بأشراف النخبة الفنية من كوادر البلد عند اتخاذ
وصياغة القرارات المالية ، كما كان يعلن عن ذلك قبل
التغيير.
أن الجديد والمفيد في الشأن العراقي اليوم هو رسم السياسة
الاقتصادية لحاضر ومستقبل العراق لا يقررها شخص واحد أو
حزب واحد - مهما كان هذا الواحد - بالرغم من ورود إشارات
ضعيفة خلال حقبة ما بعد التغيير في فوضى التعبير السياسي
تنم عن أوجه معينة بالتصرف بالمال العراقي لكن النقاش
السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعوامل المتوقع أن تدخل
هذه الساحة تشير إلى أن الرؤية تتركز على ثلاثة توجهات:
أ-القيادة المطلقة لنشاط القطاع الخاص للاقتصاد العراقي.
ب-معايشة القطاعين العام والخاص باتجاه تسلم القطاع الخاص
المبادرة المستقبلية .
ت-غلبة ثقل معيار العامل الخارجي الدولي وانحيازه المشوب
بالقلق والخوف الزائد عن الحاجة أغفله عن رؤية الخصائص
والسمات التي يتميز بها الاقتصاد العراقي والتي يمكن أن
تضعه على طريق التقدم والازدهار بمجرد تمتعه بهذه الخصائص
من بعد تخلصه من الادارة الدكتاتورية المطلقة.
وهذه النظرة تستند إلى أن:
1- يمتلك العراق قطاعا عاما بناه العراقيون بأموالهم ، هم،
وقوة عملهم مدة ثمانين عاما.
2- يختلف الاقتصاد العراقي - رغم تأخره - عن اقتصاديات
غيره من الأنظمة الأخرى بعدم تبعيته أو اعتماد مسيرة تطوره
على هيمنة الاحتكارات الأجنبية حتى في أحلك الظروف.
3- خصائصه الجغرافية ووفرة مياهه وتوزيعها طبيعيا من شماله
إلى جنوبه.
4- فتوة سكان الشعب العراقي رغم الحروب العديدة المفروضة
عليه على عكس تركيبة سكان معظم الدول النامية أو المتقدمة
الأخرى وسوف تتجسد هذه الميزة عبر التعداد السكاني القادم.
5- لم تتح لأجهزة التخطيط إن تأخذ دورها الحيوي المناسب
خلال الأنظمة السابقة والحالية بالرغم مما تتمتع به من
كفاءة، ما يفتح باب الأمل في إن تضطلع هذه الأجهزة بدورها
الحقيقي في العهد الجديد.
|