مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

رسالة أب أمريكي فقد ابنه في العراق .. حيـــاة ضائعـة
 

بقلم بول آي شرويدر
ترجمة: نعم فؤاد

عن:واشنطن بوست

في وقت مبكر من يوم الثالث من آب سنة 2005 سمعنا أن 41 من جنود المار ينز قد قتلوا في حديثة في العراق. لقد كان ولدنا الذي يعمل في الوحدة الطبية ادوارد شرويدر الثاني يعسكر هناك. وفي الساعة العاشرة وخمس وأربعين دقيقة صباحا وقف اثنان من مشاة البحرية (المار ينز) على عتبة بابنا وبعد أن استجمعا قواهما لما يبدو أنهما في مهمة مؤلمة قال المقدم "إن ابنك بطل أمريكي حقيقي ".
منذ ذلك الحين تضاعفت أحزاننا بسبب ردة فعلي تجاه موت ابني،الناس في مثل هذه الحالات يقولون "لقد مات كبطل " إني اعرف إنهم يعنون وبكل صدق ما يقولون، فنحن نقدر التعازي الكثيرة التي تلقيناها وكيف كانت مواسية لنا ولكن تكرار سماع عبارات "مات بطلا" "مات وطنيا" أو "مات في سبيل وطنه" تنكئ الجراح، يعتقد الناس إن أقوالهم هذه ستجعل موته اعتياديا" في حين تقول ابنتنا اماندا "لقد كان بطلا قبل أن يموت وليس لأنه قد ذهب إلى العراق فقط. لقد كنت فخورة به ، وكونه وطنيا لا يبرر موته ، إني سعيدة بالتقدير والاحترام الذي رافق دفنه ومع ذلك لا يمكن تبرير موته " الكلمات "بطل"و"وطني" تتركز على الأموات وليس على الأحياء، إنهما القناع الذي تمثله الراية التي تغطي النعش ويخفي الحقيقة التي يود القليلون المجاهرة بها وهي أن الموت في ساحة المعركة مأساة بغض النظر عن الدوافع إلى الحرب، إن المأساة هي في فقدان الحياة وليست في طريقة الموت. عوائل الجنود الذين يقتلون على جانبي خط المعركة يعرفون ذلك، أما من ليس لهم شأن في الحرب فلا يقدروا ذلك.
ردة الفعل هذه ستقودنا إلى ردة الفعل الثانية، فمنذ آب ونحن نشهد ازدياد المعارضة للحرب في العراق ولكن على شكل همسة توضع فيها الايدي على الأفواه كما لو أن من الخطورة البوح بها بصوت مسموع، آخرون يتطرقون إلى الحلقة التي لا تنتهي من الموت في أماكن مثل حديثة بأسلوب أكاديمي وتحليلي في بعض الأحيان كالذي ورد في مقال "تزايد وسائل القتل العشوائية المحمية" دعونا ننظر إلى الأشياء التي لا يود معظم الأمريكيين تجربتها ، ففي اليوم الذي عادت فيه الوحدة العسكرية التي كان ابني يعمل بها في العراق إلى معسكر "ليجون" تسلمنا صندوقا يحتوي على دفتر ملاحظاته وجهاز فيديو وملابس أخذت من دولابه في العراق، في اليوم الذي عادت فيه وحدته إلى الوطن وكانت عوائلهم بانتظارهم استلمنا القارورة الثانية من رفاته، هذا الفتى المتطلع ذو الجاذبية العفوية والمستعد دوما لتقديم العون وكان أقصى ما يتمناه إنقاذ أي شخص عن طريق تقديم الإسعافات الأولية له، عاد إلى البيت بنعش وجرتين تحملان رفاته، لقد دفناه في ثلاثة أماكن كان يحبها ، إنها سخرية الأقدار على ما افترض ولكنها مؤلمة في كل واحدة منها، يتنامى عندي الغضب كلما فكرت في سبب موته، فلسنوات ثلاث تقريبا اتبعت إدارة بوش سياسة تحولت فيها قطعاتنا إلى هدف سهل، إذ تقول كونداليزا رايس أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ"ليس: لدينا القوات الكافية لتحديد وبناء المدن العراقية والسيطرة عليها" .في آخر حوار لي معه اشتكى ابني من الخسائر في الأرواح في مواجهة العنف والتي هي اكبر بكثير مما تستحق هذه المواجهات " إذ يتوجب على مشاة البحرية العودة إلى نفس الأماكن التي تمت فيها المواجهات، ويردد قادة المار ينز الشيء نفسه فبدون قوات كافية لا يمكن السيطرة على المدن. لقد قتل ابني أثناء مهمته الخامسة للسيطرة على حديثة. على قبره ركع المقدم أمام زوجتي والدموع في عينيه ليقدم لها العلم مطويا. لقد قال الشيء الوحيد الذي يمكنه قوله بصراحة" لقد كان ابنك بطلا أمريكيا حقا". لربما يكون قوله هذا صحيحا لكنه لم يجعلني اشعر باي فخر واعتزاز. عندما تقوم بتأدية واجبك وأنت لا تدري بأنك ستبقى على قيد الحياة عند نهاية يومك فهذا بالتأكيد بطولة ولكنك ستكون بطلا أكثر من ذلك عندما تحترم والديك والآخرين وفي مساعدة جيرانك ومن لا تعرفهم وفي محبتك لشريك حياتك وأطفالك وكذلك جيرانك وأعدائك، كذلك في استقامتك والتالف مع الآخرين في معرفة من تقاتل ومتى ترفض ذلك ومدى فهمك واحترامك للتباين بين شعوب العالم.
سؤالان يثيران الألم فينا جميعا هل حياة الأمريكيين الذين قتلوا في العراق كانت بلا جدوى؟ هل ماتوا من اجل لاشيء؟ يقول الرئيس بوش إن أولئك الذين ينتظرون مواصلة السير لا يجلون الأموات.
هذا منطق ملتو. هل تمجيد من يسقط في المعركة يتم بقتل إلفين آخرين؟ تكريم من يسقط في المعركة لا يتم إلا بتذكر من هم على قيد الحياة، وليس بالطريقة التي مات فيها ، الصورة التي التقطها ابني في المعركة وهو يبتسم وقد وضع نظارته الشمسية بشكل مقلوب تظهر روحه وجوهره كفتى مبتهج وعلى استعداد لجعل الآخرين يشاركونه فرحته.
إن موته وموت الآخرين كان بلا جدوى رغم ما يسببه هذا الاعتقاد من الم. لقد خسرناهم معتقدين بان الديمقراطية يمكن وبكل بساطة أن تحلق بمجرد إزاحة دكتاتور، انه سوء فهم طائش لما تتطلبه الديمقراطية. لقد خسرنا هؤلاء الجنود لأننا لم نرسل ما فيه الكفاية من القوات التي يتطلبها الاحتلال، انه إهمال واستخفاف بمشورة العسكريين المحترفين، لكن موتهم لن يذهب عبثا إذا ما توقف الأمريكان عن التخفي تحت قناع النعوش التي يلفها العلم الأمريكي والتوقف عن الهمس لمعارضتهم الحرب. وحتى ذلك الحين فان حياة الآخرين من الأبناء والبنات والأزواج والزوجات والأمهات قد تضيع أيضا.


مع النهاية المتوقعة لحرب الغاز الروسية على أوكرانيا ان تتحالف مع روسيا..
 

عن لوفيغارو

بقلم: جاك سابير ماكسيم بتروفسكي
ترجمة: عدوية الهلالي

تحولت مشكلة الغاز بين روسيا واوكرانيا الى حرب واضحة المعالم بعد توقيع اتفاقية تسوية من قبل الطرفين في الرابع من كانون الثاني الجاري.
هذه التسوية شكلت مخرجاً متوقعاً بعد سنوات من ضخ الغاز غير القانوني في انبوب الغاز الذي يغذي اوروبا، حيث كانت الحكومة الاوكرانية قد حصلت على اذن من روسيا وفق معاهدة عادت عليها بالفائدة.
وفي النهاية، جمدت اوكرانيا ديونها البالغة (1.25) مليار من الدولارات وواصلت دفع الغاز بغزارة بسعر ضئيل جداً يصل الى 50 دولاراً لكل (1000) م3 مقابل خدمات النقل البالغة (1.09) دولار لكل (1000م3 وفي 100 كلم).. هذه الاتفاقية القائمة على المقايضة بين شركات الغاز (غاز بروم) و (نفطوغاز) ستظل سارية حتى عام 2009 وسيكون البدء بتنفيذها مرهوناً بالتوقيع السنوي للبروتوكول الداخلي المتعلق بالحكومات نفسها وحسب الفقرة الثانية من هذه الاتفاقية، يطالب الاوكرانيون قبل كل شيء باحترام المعاهدة من خلال تجاهل البروتوكول الداخلي، بحيث ينظر اليها كمعاهدة تجارية لاسياسية، مما جعل موقف اوكرانيا ضعيفاً، ذلك ان العرض الاولي لشركة غاز بروم يتجاوز سعر السوق ويبلغ 230 دولارا لكل 1000م3 اي (4.5) مرة اكثر من السعر الحالي بينما يستقر سعر النقل في حده الاقصى على 2.5 دولار ويرتفع بذلك 2.5 مرة أكثر من السعر الحالي.. وتنص التسوية الاخيرة على ان تبيع شركة غاز بروم غازها الى اوكرانيا بـ(230) دولاراً لكن الاخيرة ستواصل الاستفادة خلال عام 2006 فقط ببيع الغاز لتركمانستان وكازاغستان واوزبكستان بسعر ادنى.. بعدها ستعمل الشركة الروسية-الاوكرانية (روس اوكرانيرجو) على الخلط بين موارد المقاولين المختلفة وتوحد السعر الذي سيقتصر على 95 دولاراً لكل 1000م3...بينما ترتفع حقوق النقل الى 1.60 دولار.. واذن فقد اعطت الاتفاقية سبباً لشركة غاز بروم لتسيطر على الحدود الاقتصادية الخاصة بأوكرانيا طالما ان الصناعة الاوكرانية لايمكنها في الحقيقة تحمل دفع الثمن العالمي للغاز الذي يتراوح بين 95 دولاراً و 110 دولارات لكل 1000 م3 بالنسبة لمجالي الكيمياء والتعدين اللذين يشكلان فرعين اساسيين اليوم بالنسبة للصادرات الاوكرانية والحالة هذه، فلن تكون اوكرانيا قادرة على تصدير منتجاتها من الغاز الا بموافقة شركة غاز بروم طالما ان مدخراتها النقدية تغطي اقل من ثلاثة اشهر من الاستيراد فقط وقرضها الخارجي ارتفع من 23.8 مليار دولار في الاول من كانون الثاني 2004 وحتى 36.9 مليار دولار في الاول من تشرين الثاني 2005، وبهذا يكون الوضع بالنسبة لها جيداً عندما ندرك بأن اسعار اوكرانيا بالقياس الى روسيا تمر بطريق ضيقة وان روسيا تحصل على فائدة ممتازة بينما تتلاشى تلك الفائدة بالنسبة لاوكرانيا يضاف الى ذلك اختلاف المستوى الحياتي للسكان وتداخل اوكرانيا اقتصادياً مع روسيا اكثر من اي بلد اخر وهو ما يطرح سؤالاً حول سلوك السلطات السياسية في كييف بالنسبة الى الاتفاقية الحديثة، ذلك ان سياسة المواجهة الديبلوماسية مع موسكو لابد لها من الاصطدام بالحقائق الاقتصادية ويؤكد بعض المحللين بان روسيا ومن خلال شركة غاز بروم عملت على معاقبة اوكرانيا بشأن (الثورة البرتقالية) في شتاء 2004-2005، وردت على سياستها الامريكية (المحتملة) بعد ان ادركت موسكو هذه السياسة المناقضة لمصالحها الروسية بشكل واضح..
مع ذلك، هنالك سؤال يطرح نفسه لماذا يتوجب على روسيا مساعدة اوكرانيا في الوقت الذي تنافس فيه بعض المشاريع الاوكرانية الكبرى المنتجات الروسية؟
في الحقيقة، ان حرب الغاز صارت رهينة بين السياسة الداخلية الاوكرانية ولاسيما لدى تشتت انصار (الثورة البرتقالية) بعد انتصارها، فقد أعاد الرئيس ايوشتشينكووزيرته، مدام ايوليا تميو شينكو واصفاً حكومتها بالكارثية بحيث ان الانتخابات التشريعية المهمة التي يجري الاستعداد لها لخوضها في آذار من العام الجاري ستشهد ضعف الاحزاب المناصرة للثورة البرتقالية، وبالمقابل، سيحقق حزب يانوكوفيتش، حليف ايوشتشينكو صعوداً ملحوظأً وقد يكون على قادة كييف الجدد ان يهتموا بتحسين برنامج منوع لتحقيق مصالحة وطنية جديرة بالاهتمام تتناول بنظر الاعتبار الحقائق الاقتصادية والاجتماعية للبلد لكنهم فضلوا التقاتل لاقتسام الغنائم مسببين للشعب خيبة امل واسعة ومؤكدين على استمرار الانفصال والانقسام بين البلدين، مما جعل من ملف الغاز قضية سياسية دفعت السلطات الاوكرانية الى تخصيص مفاوض قومي متطرف معبرة عن عدم اقتناعها بالبحث عن تسوية معقولة حتى الخريف المقبل، لدرجة ان الحكومة الاوكرانية اثارت الورقة القومية ضد انصار موسكو في الليلة السابقة للانتخابات.
ومن المؤسف ان نعرف ايضاً بأن بولونيا وهنغاريا تفضلان صب الزيت على النار من خلال دفع قادة كييف الى مناصبة روسيا العداء ولاسيما ان كييف لن تكون قادرة حتماً على كسب هذه المجابهة..
ضخ الغاز غير القانوني اذن وضع اوكرانيا في موقف المخالف مع روسيا وكانت شركة غابروم قد كونت مدخرات تسمح لها بزيادة زبائنها من الاوربيين خلال عدة اشهر حتى في حالة قطع انبوب الغاز الذي يمر عبر اوكرانيا.. علاوة على ذلك فان تدفئة السكان في فترة الشتاء الحالية، تقتضي النظر الى الاضرار الخطيرة التي سيسببها قطع الانبوب لفترة طويلة خاصة فيما يتعلق بفرعي الصناعة الاوكرانية المهمين.. الكيمياء والتعدين..
لايمكن اذن تجنب التسوية الحالية وليس امام الطرفين الا اعادة دفع الاستحقاقات بعد ان اعلن احد مقاولي الغاز في اسيا الوسطى وتركمانستان بان الاتفاقية قد لا يتم تجديدها حتى نهاية عام 2006 وقد يمكن خلال ذلك ان تحصل اوزبكستان ايضا على ماتحتاجه من غاز اوكرانية مع سابقاتها اما التكامل الاقتصادي بين اوكرانيا وروسيا فهو محض اوهام، كما ان على قادة كييف ان يدركوا بان من الخطورة اللعب مع اوروبا ضد روسيا بل يتوجب عليهم بالمقابل ايجاد سبل لاقامة اسس تعاون اقتصادي مع روسيا وقد يمكن لدول مثل المانيا وفرنسا وايطاليا دعم هذا التعاون فيما لو حدث مع التركيز على نحو واسع على السياسة المتعلقة بالطاقة والتي تحتاجها اوكرانيا اكثر من روسيا..وهي تجربة سياسية ضرورية اذا لم تنزلق نحو العداء من جديد حتى نهاية عام 2006.


المساعدات الدولية تعرقل قيام الدولة الفلسطينية!

*بقلم: غادة الكرمي
ترجمة: مروة وضاء

عن:الغارديان
*غادة الكرمي كَانتَ مستشارة معلومات للسلطة الفلسطينية مقرها في رام الله

شهد هذا الشهر موجة حامية من البحث عن كيفية تمويل الفلسطينيين تحت الاحتلال، إذ عقد اجتماع لمستثمري القطاع الخاص في لندن لمناقشة طرق انعاش الاقتصاد الفلسطيني، تلاه اجتماع لوزراء مالية الدول السبع في بداية كانون الأول الذي تعهدوا فيه باستمراردعمهم متفقين على" ان التطور الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة هو عامل لاغنى عنه لاستتباب السلام في المنطقة" وفي الصيف كانت قمة مجموعة الدول الثماني الكبرى وعدت الحكومة الفلسطينية بتزويدها سنويا بـ3 بلايين دولار ولمدة ثلاث سنوات كما و ستقرر الدول المانحة في آذار القادم حجم تخصيصاتها للسلطة الفلسطينية.
كل هذا يبدو جيدا. لكن هل فكرت الدول المانحة بان الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين سوف يستمر طالما بقوا مستعدين للتأمين عليه من خلال هذه المساعدات؟ ان حاجة الفلسطينيين الملحة هي شيء لايحتاج الى نقاش، فالحكومة الفلسطينية عمليا مفلسة وقد طلبت مساعدات فورية ب200 مليون دولار لسد الحاجات الاساسية فقط، ومن هذه اللحظة حتى شباط القادم فالمساعدات الانسانية وحدها لن تحل المشكلة.
وقد جاء اختطاف موظفة الاغاثة كايت بيرتن وأبويها في غزة هذا الإسبوعِ كرسالة تذكير حادة بالوضع السياسي المتأزم وحاجته للمساعدة السريعة وان عملي سابقا في رام الله جعلني ادرك هذه الحقيقة الساطعة.
عادة تصل المساعدات الدولية للفلسطينيين مباشرة بواسطة عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية التي لا تعد ولا تحصى التي لها ثقلها الواضح في الاراضي الفلسطينية، وقدرت هذه المنظمات في 2003 ب38 منظمة في رام الله وحدها، و60 منظمة في عموم المنطقة بالاضافة الى 80 منظمة فلسطينية غير حكومية تمول من قبلهم. ان العلاقة بين الممولين وهذه المنظمات الفلسطينية معقدة جدا و تميل الى الاكراه حيث تجعل القادرين و المثقفين الفلسطينيين الذين يعملون فيها يبتعدون عن اقرانهم الاقل حظا في مجتمعهم لان هذه المشاريع لاتعكس بالضرورة اولويات الحاجات المحلية للمجتمع الفلسطيني. لكن الحاجة لتجديد التمويل تجبرهذه المنظمات في اغلب الاحيان على اعادة جدولة اعمالها لتتلاءم مع رغبات المانحين، واحيانا على حساب معتقداتها ومبادئها. فعلى سبيل المثال في 2004 اصرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليةَ على المنظمات الفلسطينية بان تتعهد لها بعدم دعم اي شخص له "صلات ارهابية" كشرط لاستمرار تمويلها، وهدد الاتحاد الاوروبي الاسبوع الماضي بصراحة اكبر بوقف كل المساعدات اذا ما سمح للمجموعات المسلحة بالمشاركة في الإنتخابات الفلسطينية القادمة عدا عن اشكال اخرى من الضغوط غير المباشرة التي تؤثر حتما على عملية صنع القرار السياسي.
لقد وجدت رام الله تغص بفاعلي الخير من كل الجنسيات, فان تكون رحيما بالفلسطينيين في هذه الايام يعتبرمهمة خيرية كبيرة وكان هذا نتاجا اساسيا لاتفاقية اوسلو سنة 1993، فقد اعتقد المجتمع الدولي في ذلك الوقت ان ذلك سيؤدي الى ظهور دولة فلسطينية مستقلة. صبت المساعدات الدولية على دعم الحكومة الفلسطينية الوليدة لبناء البنية التحتية المتضررة نتيجة عقود من الاحتلال الاسرائيلي وقد تم صرف 7 بلايين دولار منذ 1995 الى اليوم على هذا المشروع كما وعد بالمزيد بعد اخلاء مستوطنة غزة في اب الماضي.
كان الهدف من هذه المساعدات هو تحقيق الغاية المرتجاة بانشاء دولتين متجاورتين ومساعدة الفلسطينيين للاستعداد للدولة، لذا فقد استمرت المساعدات حتى سنة 2000 بدعم مشاريع بناء دولة وتهيئة "المناخ الايجابي" لمفاوضات السلام, لكن الإنتفاضة التي انطلقت عام 2000 أوقفت هذه العملية واجبر المانحون على تحويل تمويلهم من بناء الدولة الى دعم واسعاف حالات الاغاثة الطارئة التي تستنفذ 1 بليون دولار سنويا.
تتحمل دول الاتحاد الاوروبى وأعضاء الدول المانحة الوطأة الاكبر لهذا العبء المالي، كما وتسهم الولايات المتحدة لكن بنسبة اقل بكثير مما تسهم به لمساعدة اسرائيل. فمنذ 2002 كانت الدول العربية هي التي انقذت السلطة الفلسطينية من الانهيار حين كانت كل المساعدات الدولية تنصب على اعمال الاغاثة الانسانية واعادة اعمار البنية التحتية الاساسية التي دمرتها الهجمات العسكرية الاسرائيلية.
طبقا لتقرير البنك الدولي لعام 2004 فان الفلسطينيين اليوم يمثلون اكبر قائمة مستلمين مساعدات خارجية في العالم فهم يعانون "اسوأ كساد اقتصادي في التاريخ الحديث" إذ يعاني 75% منهم من الفقر و تتراوح نسب البطالة من 60-70% في غزة و 30-40% في الضفة الغربية، ولم تكن البنية التحتية والخدمات الاساسية لتصمد بدون المساعدات الخارجية.
لقد جرد النظام الاسرائيلي المتعنت الفلسطينيين من اراضيهم الزراعية وصناعتهم ودمر تجارتهم. كما وخططت اسرائيل للتوقف عن توظيف المزيد من الايدي العاملة الفلسطينية ابتداء من 2008 . فلم تترك للفلسطينيين اي مورد للعيش المستقل. ان الدول المانحة تعرف بصورة جيدة اسباب هذه الاحوال اليائسة ففي مؤتمر عقد في رام الله في تموز الماضي اعترف ممثل البنك الدولي نايجل روبرتس بشكل صريح بأن الاحتلال الاسرائيلي هو المشكلة، وبالرغم من ذلك يستمر التمويل كما لو كان الفلسطينيون ضحايا كارثة طبيعية و لَيس للسياسة الإسرائيلية المتعمدة . ففي سياق هذا الاحتلال الذي يبقي الفلسطينيين مسجونين من قبل الاقلية اليهودية التي تسيطر على كل نواحي حياتهم. فمن الذي يكون أحق بالمساعدات؟ فبدون شك ستكون اغاثة الطوارئ اساسية لصمود الفلسطينيين ولا يمكن الاستغناء عنها ولو قليلا.
ولكن الا يجب و ضع اللوم على الاحتلال الاسرائيلي؟ المسبب الرئيسي لبقاء هذه المساعدات, حيث تشكل هذه المساعدات عاملا مساعدا لاستمرارالاحتلال؟
فمع الاستمرار بالتبرع بدون التحذير و المساءلة عن مسببات نفاذ هذه الموارد فأن هذه الحالة تساعد اسرائيل على التحرر من التزاماتها نحو القانون.فهي كقوة محتلة يتوجب عليها توفير المساعدات والخدمات الاساسية للعيش للشعب الفلسطيني.
فوفقا لاحكام اتفاقية جنيف على الدول المانحة ضمان التزام اسرائيل بهذا القانون.لكن شيئا من هذا لم يحدث بل على العكس فقد حررت المساعدات الدولية اسرائيل من هذه الالتزامات وعززت الاقتصاد الاسرائيلي فكل دولار يصرف على الاراضي المحتلة يرجع 45 سنتاً منه الى اسرائيل.
وماعدا الانتقاد الأوروبي الأخير لسياسات إسرائيل في القدس العربية والذي قلل من قيمته بسرعة لم يقم المانحون بمحاولة جدية واحدة لمنع تصرفات اسرائيل ولم يقوموا حتى بمطالبتها بالتعويض عن الدمار الذي تسببت به للمشاريع الفلسطينية التي مولتها الدول المانحة.بل على العكس تم تعجيل عملية تهيئة الفلسطينيين لدولة على الطراز الغربي وتضاعفت مشاريع التمويل الاجنبية لـ"احلال الديموقراطية" و"الاصلاح" و"الاعمار" والمزيد من هذه الكلمات المستوردة الطنانة.
ففي غياب دولة فلسطينية او اي امل بوجودها في المستقبل اصبحت مثل هذه الاعمال توحي بالاستخفاف والتهكم. فباستمرارجهود الدول المانحة لضمان تطويرأجهزةِ الأمن الفلسطينية التي يمكن لها أَن تكافحَ"الإرهاب" (وبمعنى آخر: مقاومة الإحتلالِ)، يغتال الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين ويقصفهم ويهدم بيوتَهم.
وبتركيزالدول المانحة على ترسيخ تأثيرات الإحتلالِ بدلا مِن إنهائه وضعت تلك الدول نفسها في تناقض بين ان تدافع عن صمود الاقتصاد الاجتماعي للفلسطينيين مما يبعدهم عن كفاحهم الوطنيِ ويمكن إسرائيل من فرض شروطها النهائيةَ عليهم. وان لم يكن ذلك صحيحا فعلى المانحين حل معضلتهم المتمثلة اما بترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم لوحدهم او ان يقفوا بوجه اسرائيل وهما خياران من الصعب الجمع بينهما. حيث ان المواجهه الشرسة هي الحل الاخلاقي والطريق العملي الوحيد المتوفر.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة