المساعدات الدولية تعرقل قيام
الدولة الفلسطينية!
*بقلم:
غادة الكرمي
ترجمة: مروة وضاء
عن:الغارديان
*غادة
الكرمي كَانتَ مستشارة معلومات للسلطة الفلسطينية مقرها في
رام الله
شهد
هذا الشهر موجة حامية من البحث عن كيفية تمويل الفلسطينيين
تحت الاحتلال، إذ عقد اجتماع لمستثمري القطاع الخاص في
لندن لمناقشة طرق انعاش الاقتصاد الفلسطيني، تلاه اجتماع
لوزراء مالية الدول السبع في بداية كانون الأول الذي
تعهدوا فيه باستمراردعمهم متفقين على" ان التطور الاقتصادي
في الضفة الغربية وقطاع غزة هو عامل لاغنى عنه لاستتباب
السلام في المنطقة" وفي الصيف كانت قمة مجموعة الدول
الثماني الكبرى وعدت الحكومة الفلسطينية بتزويدها سنويا
بـ3 بلايين دولار ولمدة ثلاث سنوات كما و ستقرر الدول
المانحة في آذار القادم حجم تخصيصاتها للسلطة الفلسطينية.
كل هذا يبدو جيدا. لكن هل فكرت الدول المانحة بان الاحتلال
الاسرائيلي لفلسطين سوف يستمر طالما بقوا مستعدين للتأمين
عليه من خلال هذه المساعدات؟ ان حاجة الفلسطينيين الملحة
هي شيء لايحتاج الى نقاش، فالحكومة الفلسطينية عمليا مفلسة
وقد طلبت مساعدات فورية ب200 مليون دولار لسد الحاجات
الاساسية فقط، ومن هذه اللحظة حتى شباط القادم فالمساعدات
الانسانية وحدها لن تحل المشكلة.
وقد جاء اختطاف موظفة الاغاثة كايت بيرتن وأبويها في غزة
هذا الإسبوعِ كرسالة تذكير حادة بالوضع السياسي المتأزم
وحاجته للمساعدة السريعة وان عملي سابقا في رام الله جعلني
ادرك هذه الحقيقة الساطعة.
عادة تصل المساعدات الدولية للفلسطينيين مباشرة بواسطة عدد
من المنظمات غير الحكومية الدولية التي لا تعد ولا تحصى
التي لها ثقلها الواضح في الاراضي الفلسطينية، وقدرت هذه
المنظمات في 2003 ب38 منظمة في رام الله وحدها، و60 منظمة
في عموم المنطقة بالاضافة الى 80 منظمة فلسطينية غير
حكومية تمول من قبلهم. ان العلاقة بين الممولين وهذه
المنظمات الفلسطينية معقدة جدا و تميل الى الاكراه حيث
تجعل القادرين و المثقفين الفلسطينيين الذين يعملون فيها
يبتعدون عن اقرانهم الاقل حظا في مجتمعهم لان هذه المشاريع
لاتعكس بالضرورة اولويات الحاجات المحلية للمجتمع
الفلسطيني. لكن الحاجة لتجديد التمويل تجبرهذه المنظمات في
اغلب الاحيان على اعادة جدولة اعمالها لتتلاءم مع رغبات
المانحين، واحيانا على حساب معتقداتها ومبادئها. فعلى سبيل
المثال في 2004 اصرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليةَ
على المنظمات الفلسطينية بان تتعهد لها بعدم دعم اي شخص له
"صلات ارهابية" كشرط لاستمرار تمويلها، وهدد الاتحاد
الاوروبي الاسبوع الماضي بصراحة اكبر بوقف كل المساعدات
اذا ما سمح للمجموعات المسلحة بالمشاركة في الإنتخابات
الفلسطينية القادمة عدا عن اشكال اخرى من الضغوط غير
المباشرة التي تؤثر حتما على عملية صنع القرار السياسي.
لقد وجدت رام الله تغص بفاعلي الخير من كل الجنسيات, فان
تكون رحيما بالفلسطينيين في هذه الايام يعتبرمهمة خيرية
كبيرة وكان هذا نتاجا اساسيا لاتفاقية اوسلو سنة 1993، فقد
اعتقد المجتمع الدولي في ذلك الوقت ان ذلك سيؤدي الى ظهور
دولة فلسطينية مستقلة. صبت المساعدات الدولية على دعم
الحكومة الفلسطينية الوليدة لبناء البنية التحتية المتضررة
نتيجة عقود من الاحتلال الاسرائيلي وقد تم صرف 7 بلايين
دولار منذ 1995 الى اليوم على هذا المشروع كما وعد بالمزيد
بعد اخلاء مستوطنة غزة في اب الماضي.
كان الهدف من هذه المساعدات هو تحقيق الغاية المرتجاة
بانشاء دولتين متجاورتين ومساعدة الفلسطينيين للاستعداد
للدولة، لذا فقد استمرت المساعدات حتى سنة 2000 بدعم
مشاريع بناء دولة وتهيئة "المناخ الايجابي" لمفاوضات
السلام, لكن الإنتفاضة التي انطلقت عام 2000 أوقفت هذه
العملية واجبر المانحون على تحويل تمويلهم من بناء الدولة
الى دعم واسعاف حالات الاغاثة الطارئة التي تستنفذ 1 بليون
دولار سنويا.
تتحمل دول الاتحاد الاوروبى وأعضاء الدول المانحة الوطأة
الاكبر لهذا العبء المالي، كما وتسهم الولايات المتحدة لكن
بنسبة اقل بكثير مما تسهم به لمساعدة اسرائيل. فمنذ 2002
كانت الدول العربية هي التي انقذت السلطة الفلسطينية من
الانهيار حين كانت كل المساعدات الدولية تنصب على اعمال
الاغاثة الانسانية واعادة اعمار البنية التحتية الاساسية
التي دمرتها الهجمات العسكرية الاسرائيلية.
طبقا لتقرير البنك الدولي لعام 2004 فان الفلسطينيين اليوم
يمثلون اكبر قائمة مستلمين مساعدات خارجية في العالم فهم
يعانون "اسوأ كساد اقتصادي في التاريخ الحديث" إذ يعاني
75% منهم من الفقر و تتراوح نسب البطالة من 60-70% في غزة
و 30-40% في الضفة الغربية، ولم تكن البنية التحتية
والخدمات الاساسية لتصمد بدون المساعدات الخارجية.
لقد جرد النظام الاسرائيلي المتعنت الفلسطينيين من اراضيهم
الزراعية وصناعتهم ودمر تجارتهم. كما وخططت اسرائيل للتوقف
عن توظيف المزيد من الايدي العاملة الفلسطينية ابتداء من
2008 . فلم تترك للفلسطينيين اي مورد للعيش المستقل. ان
الدول المانحة تعرف بصورة جيدة اسباب هذه الاحوال اليائسة
ففي مؤتمر عقد في رام الله في تموز الماضي اعترف ممثل
البنك الدولي نايجل روبرتس بشكل صريح بأن الاحتلال
الاسرائيلي هو المشكلة، وبالرغم من ذلك يستمر التمويل كما
لو كان الفلسطينيون ضحايا كارثة طبيعية و لَيس للسياسة
الإسرائيلية المتعمدة . ففي سياق هذا الاحتلال الذي يبقي
الفلسطينيين مسجونين من قبل الاقلية اليهودية التي تسيطر
على كل نواحي حياتهم. فمن الذي يكون أحق بالمساعدات؟ فبدون
شك ستكون اغاثة الطوارئ اساسية لصمود الفلسطينيين ولا يمكن
الاستغناء عنها ولو قليلا.
ولكن الا يجب و ضع اللوم على الاحتلال الاسرائيلي؟ المسبب
الرئيسي لبقاء هذه المساعدات, حيث تشكل هذه المساعدات
عاملا مساعدا لاستمرارالاحتلال؟
فمع الاستمرار بالتبرع بدون التحذير و المساءلة عن مسببات
نفاذ هذه الموارد فأن هذه الحالة تساعد اسرائيل على التحرر
من التزاماتها نحو القانون.فهي كقوة محتلة يتوجب عليها
توفير المساعدات والخدمات الاساسية للعيش للشعب الفلسطيني.
فوفقا لاحكام اتفاقية جنيف على الدول المانحة ضمان التزام
اسرائيل بهذا القانون.لكن شيئا من هذا لم يحدث بل على
العكس فقد حررت المساعدات الدولية اسرائيل من هذه
الالتزامات وعززت الاقتصاد الاسرائيلي فكل دولار يصرف على
الاراضي المحتلة يرجع 45 سنتاً منه الى اسرائيل.
وماعدا الانتقاد الأوروبي الأخير لسياسات إسرائيل في القدس
العربية والذي قلل من قيمته بسرعة لم يقم المانحون بمحاولة
جدية واحدة لمنع تصرفات اسرائيل ولم يقوموا حتى بمطالبتها
بالتعويض عن الدمار الذي تسببت به للمشاريع الفلسطينية
التي مولتها الدول المانحة.بل على العكس تم تعجيل عملية
تهيئة الفلسطينيين لدولة على الطراز الغربي وتضاعفت مشاريع
التمويل الاجنبية لـ"احلال الديموقراطية" و"الاصلاح"
و"الاعمار" والمزيد من هذه الكلمات المستوردة الطنانة.
ففي غياب دولة فلسطينية او اي امل بوجودها في المستقبل
اصبحت مثل هذه الاعمال توحي بالاستخفاف والتهكم.
فباستمرارجهود الدول المانحة لضمان تطويرأجهزةِ الأمن
الفلسطينية التي يمكن لها أَن تكافحَ"الإرهاب" (وبمعنى آخر:
مقاومة الإحتلالِ)، يغتال الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين
ويقصفهم ويهدم بيوتَهم.
وبتركيزالدول المانحة على ترسيخ تأثيرات الإحتلالِ بدلا
مِن إنهائه وضعت تلك الدول نفسها في تناقض بين ان تدافع عن
صمود الاقتصاد الاجتماعي للفلسطينيين مما يبعدهم عن كفاحهم
الوطنيِ ويمكن إسرائيل من فرض شروطها النهائيةَ عليهم. وان
لم يكن ذلك صحيحا فعلى المانحين حل معضلتهم المتمثلة اما
بترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم لوحدهم او ان يقفوا بوجه
اسرائيل وهما خياران من الصعب الجمع بينهما. حيث ان
المواجهه الشرسة هي الحل الاخلاقي والطريق العملي الوحيد
المتوفر. |