صمت
الرجال آفة تنخر الحياة الزوجية
اعداد/بشرى الهلالي
قال كاتب: ( اجمل الكلام
هو الصمت) ..هكذا بادرها عندما سألته عن صمته الذي يطول
ساعات احيانا وهو يجلس مسمرا عينيه على شاشة التلفاز. نظرت
اليه باستغراب كمن تراه لأول مرة ضاحكة: عجبا ؟ لماذا لم
يقل كاتبك هذا الكلام اثناء فترة الخطوبة؟..
لم يجب..وصمت
ثانية..تركته و ذهبت لتجد لنفسها مايشغلها وينقذها من
وحدتها.. ولكن ماحصل استوقفها..فهذه لم تكن المرة الأولى
التي يمر يوم كامل دون ان يتحدث فيه زوجها اليها رغم انهما
في حالة وئام.. ربما يكون هنالك سبب آخر او مشكلة او ربما
امرأة اخرى..وفي لحظة يأس باحت بهمومها الى صديقتها التي
لم تبد استغرابا ..بل انها لم تبد اهتماما وكأن مايحصل امر
طبيعي.. كذلك كان رد فعل كل من اختها وجارتها..اذن لم تكن
هي الوحيدة التي تعاني من حالة الصمت التي تخيم على
علاقتها الزوجية ولكن الغريب انها هي فقط من يقلق ويفكر
بالأمر بينما لاتولي الأخريات اهمية لهذا الأمر..فهل يدعو
هذا الأمر الى القلق حقا ام انها مرحلة طبيعية تمر بها
العلاقة الزوجية بعد ان يكبر الأولاد وينشغل الأب بعمله
والأم بأولادها وعملها؟..سؤال طرحته السيدة ( هناء شاكر)
على نفسها ومن حولها وهي تحاول الخوض في الأسباب ومعرفة من
المسؤول عن هذه الحالة ..هل هي المرأة ام الرجل ام
الظروف..ام هو الزمن الذي ينزل بمطرقته على المشاعر
والنفوس ليحول رقتها الى قسوة وصلابة؟
..وهكذا تسرب قلق هناء الينا والى العديدين من حولنا
واستوقفتنا اسئلتها التي كانت نواقيس تقرع وتعلن عن
خطرالتصدع الذي اصاب ومازال يصيب العديد من العلاقات
الزوجية في مجتمعنا..فكانت البداية مع هناء ..سألناها :
* لم هذا القلق ؟ هل تظنين ان الصمت مؤشر خطر في مسيرة
العلاقة الزوجية؟
- مؤكد.. فأنا مثلا متزوجة منذ خمس سنوات..أي انها ليست
بالمدة الطويلة وعلاقتي بزوجي جيدة ..اعلم انه يحبني وانا
ايضا احبه..تحدث بيننا احيانا الخلافات العادية التي قد
تحدث في اية اسرة ولكن بشكل عام ..كانت تربطنا علاقة
جميلة..كنا نتحدث في الكثير من الأمور عند عودته الى
البيت..خصوصا واني ربة بيت ..أي اني احيانا اقضي اياما
طويلة دون رؤية احد سواه..فهو واطفالي كل عالمي..انه يقضي
النهار كله خارج البيت ويعود ليلا..انتظر عودته بلهفة
لأعرف مايجري في الخارج..فهو نافذتي على الناس والحياة
خارج حدود البيت ..ولكن منذ فترة وهو يعود الى البيت متعبا
..يتناول عشاءه ويجلس مسمرا امام التلفاز..وعندما اتحدث
اليه يجيبني بنعم او لا..واحيانا يسمعني وكأنه لايسمع
مااقول..فاشعر بالخجل احساسا مني انني اتحدث وحدي..
* الم تسأليه عن السبب؟
- سألته وثرت في وجهه قبل ايام..يبدو غير مدرك لخطورة
الموضوع ويعده امرا طبيعيا..بل انه يظن انني ابحث عن
المشاكل..يقول انه ليس لديه مايقوله لي وانه متعب من العمل
والشارع والحياة وان ساعات الليل التي يقضيها في البيت هي
فترة راحته الوحيدة لذا لايشعر برغبة بالكلام لأنه يقضي
النهار كله بالكلام مع الزبائن ..اضافة طبعا الى ازمات
المرور والبنزين والأيجار والسوق وغيرها ..لم اقتنع
بمبرراته ولم يقتنع هو فاخترت الصمت ايضا واخذت انعزل في
غرفتي مع اطفالي وانا اتألم من حالة الوحدة والفراغ التي
اعيشها بدونه..واشعر بان علاقتنا الزوجية قد اصابها الجمود
والخمول..
هل تبالغ السيدة هناء بمخاوفها ام ان ماتشعر به هو احدى
الآفات التي اخذت تزحف الى بدن الأسرة العراقية ..دون ان
يشعر احد بخطرها؟..التقينا السيد ( جمال محسن ) موظف في
التربية ..سألناه عن اهمية الحوار داخل الأسرة بين الزوج
والزوجة..وهل حقا ان الكلام ينفد بعد سنوات من الزواج؟
اجاب:
- من المؤكد ان الحوار ضروري بين الزوج والزوجة.. وهذا
يعتمد على نوع العلاقة الزوجية فاذا كانت سليمة وصحيحة ..يستمر
الحوار بينهما الى آخر يوم في حياتهما حيث يشعر كل منهما
بحاجته الى الآخر ولكن مايحدث في اسرنا ان السنوات الأولى
من الزواج دائما تكون مليئة بالأحداث.. حيث تمضي السنة
الأولى في التعارف والتأقلم ثم الطفل الأول وكل مايرافقه
من احاديث ومتطلبات والطفل الثاني و ربما الثالث..وتدريجيا
نجد ان الحديث اصبح مركزا حول الأطفال ومتطلباتهم ومتطلبات
البيت والحياة فيذوب الود والحميمية التي تجمع
الزوجين..البعض يتعود هذه الحالة ويعيش الزوجان كأنهما
صديقان او اخوان والبعض الآخر يتألم ويشكو ويفتقد الحب
والحنان الذي يرافق سنوات الزواج الأولى..وهذا طبعا يسئ
الى الوضع النفسي للطرفين المرأة والرجل..
* وماذا عن تجربتك؟
يضحك محرجا..
- يؤلمني الجواب..احب زوجتي ..قضيت معها اربع عشرة سنة وهي
رائعة..ولكني افتقدها..اشعر انني اعيش مع اخي..ارتبط بها
واشعر اني جزء من هذا العالم الذي هو بيتنا ولكني افتقد
فيها الحبيبة والزوجة التي احببتها يوما..
* ومن هو السبب برأيك..انت ام هي..من الذي بدأ بالصمت؟
- لااتذكر كيف بدأ ..ولكني كاغلب العراقيين ارهقتني
السنوات الماضية..كنت اقضي معظم الوقت خارج البيت في العمل
واعود منهكا واحيانا انام فورا بعد العشاء وتمضي ايام دون
ان اعرف شيئا عنها او عن البيت ..تركت لها ادارة البيت
ومسؤولية الأطفال.. كان ينتابها الغضب احيانا ويتفجر غضبها
في وجهي وارد عليها بغضب اكبر ونتجاوز المشكلة من اجل
الحفاظ على بيتنا واولادنا الثلاثة.. وتدريجيا تحولت
العلاقة الى علاقة روتينية ..حيث نجلس ساعات معا دون ان
نجد مانتحدث عنه..اظن ان هذا أمر طبيعي في مراحل الحياة
الزوجية.
....لم يكن هذا رأي ( ابو احمد) ..مدرس متقاعد وله من
العمر خمسة وستون عاما..حيث يقول..إنه مازال يجد متعة
كبيرة في الحديث الى زوجته وانها اقرب الناس اليه..ذهبا
معا قبل سنه لأداء فريضة الحج ..يخرجان معا لزيارة المراقد
المقدسة وينهضن مع آذان الفجر لأداء الصلاة والحديث في
امور اولادهما واحفادهما..ويؤكد ابو احمد: احيانا نكرر نفس
الأحاديث.. ولكننا ابدا لم نتوقف عن الحديث منذ
زواجنا..فالرجل اذا احب زوجته ملكت سره وصارت متنفسا له
ومستودعا لهمومه ..لذا يجب ان يظل الحوار مفتوحا بين
الزوجين ..ومع ألأسف لاارى هذا في العلاقات الزوجية الشابة
من حولي ..اتفقد اولادي وزوجاتهم وبناتي وازواجهن..اشعر
وكأن الواجب هو مايجمعهم معا وليس الحب والود..ماحصل
ومايحصل حاليا اصاب قلوب الشباب بالتحجر ..شبابنا قساة و
شاباتنا فقدن الأنوثة والجاذبية بسبب العمل وكثرة
المسؤوليات وصعوبة الحياة وكثرة متطلباتها..صارت المرأة
تحمل هموما مثل هموم الرجل وربما اكثر ولذا مات قلبها
وتحجرت مشاعرها.
|