في ساحة
الطيران ..
شاي في
الساعة الثالثة صباحاً بانتظار العمل!
- ارتفاع اسعار
المواد الانشائية واعلانات الدولة السكنية والوضع
الامني والشتاء وراء كساد اعمال البناء
بغداد/ عبد الزهرة المنشداوي
منذ زمن بعيد وساحة
الطيران في الباب الشرقي تعد مكاناً لتجمع عمال البناء، او
ما يسمى بـ"المسطر" انهم هناك يتجمعون قبل طلوع الشمس
بانتظار من ياتيهم ويوكل لهم عمل بناء بيت او ترميم ما
تهدم. الساحة لا تقتصر على عمال البناء واسطواتهم بل تجد
بينهم "اللباخ" الذي يطلي واجهات المباني بالاسمنت واسطوات
وعمال التبييض وحفاري اساس البناء الذين بالامكان
الاستدلال عليهم من خلال "الكرك والمسحاة" المصاحبة لهم.
تعد ساحة الطيران المكان
الامثل لمن اعد العدة لبناء سكن في هذه الظروف التي تشهد
حالة من حالات اشتداد ازمة السكن واستفحالها في مجمل نواحي
العراق. النشاط يبدأ في هذه الساحة بحدود الساعة الثالثة
صباحا حين يبدا باعة الشاي باشعال نيرانهم وسط الظلمة
ليتحلق حولها العمال يعبون الشاي ويتدفؤون.
كساد العمل
وانا اقترب من احدهم اثارت الورقة والقلم اللذان كنت
احملهما حفيظة البعض من عمال المسطر المحتشدين فاعتقدوا
باني في سبيل انتقاء عمال فهرع نحوي الكثير ليعرضوا
خدماتهم وليسالوني ان كنت بحاجة اليهم لكني اخبرتهم بانني
في سبيل اعداد تقرير عن عمال المساطر لاحدى الصحف بعضهم
شعر بخيبة وآخرون طلبوا المشاركة في الحديث.
العامل حازم خلف 45 سنة من سكنة منطقة المدائن قال:
كل يوم اكون هنا بانتظار الحصول على عمل في مجال البناء،
ولكني غالبا ما اعود لعائلتي خالي الوفاض. هذه الايام تشهد
كسادا منذ شهر لم احصل على فرصة عمل. اعمال البناء متوقفة
لاسباب اجهلها هناك من يطلبنا في بناء دوائر ومشيدات تعود
للدولة ولكننا نخشى العمل في هذه الاماكن الكثير من العمال
ذهبوا ضحايا الارهاب بحجة عملهم مع المحتل. لكنني لا امانع
بالعمل في ابنية المستشفيات او الجوامع وغير ذلك.
ارتفاع الاسعار
وحركة العمل
الحركة قليلة منذ اسابيع ولم يتيسر لي العمل في مجال
البناء. اعمل "خلفة" باجر يتراوح ما بين 35 الى 50 الف
دينار يوميا.
وعن اسباب تراجع حركة البناء يضيف حسين سالم 45 عاما من
اهالي مدينة الناصرية.
قليلون هم من يبنون منزلا. لقد ارتفعت اسعار المواد "الى
السماء" على حد قوله.
سعر "لوري" الطابوق يتجاوز النصف مليون دينار، وطن الاسمنت
يباع بسعر 260 الف دينار، وطن الحديد الواحد بسعر المليون
تضاف اليه كلفة العمل فاجر العامل بحدود 15 الف دينار
و"الخلفة" 50 الف دينار ولك ان تقدر الكلفة بعيداً عن سعر
الارض.
لا يقدم على بناء بيت الا من يمتلك الملايين. لهذا ترانا
نقف كل يوم من "طلعة الفجر" ولا نجد من يدعونا.
لا عمل ولا امل
صاحب "جلاية" يعرض خدماته دونما طائل في ساحة الطيران على
ما يبدو. وكان ينتظر بفارغ الصبر اشار الى انه منذ
الانتخابات الاخيرة والعمل في كساد. فانا مثلا صاحب عائلة
كبيرة ولا ازال في عمر يساعدني على العمل (40) سنة، لكنني
لا اعمل في الشهر الواحد غير يومين او ثلاثة. لدي ماكنة
"جلاية" لصقل الكاشي، كنت اعمل قبل ذلك في الاردن فانتقلت
للعمل في ساحة الطيران لكنني وجدت الامور مؤسفة، فلا عمل
ولا امل في التحسن. مع انني اتحرك في كل مكان ولا اقتصر
بالوقوف هنا مثل البقية. فلا ادع بناية في طور التشييد دون
ان اذهب الى صاحبها مباشرة لاسأله ان كان بحاجة لخدماتي.
رأي مختلف
ابو زينب صاحب محل لبيع المواد الانشائية في الساحة،
توجهنا اليه لنستأنس برأيه حول مسألة كساد عمل البناء هذه
الايام فاجابنا: لا اعتقد بان عمل البناء في كساد، كما
يدعي البعض منهم بل العكس ارى هناك حركة تشييد قائمة في
جميع انحاء العراق، ولكن يمكن القول ان فصل الشتاء ليس هو
الوقت الملائم للعمل، لان ساعات العمل اقل من ساعات عمل
الصيف لذلك لا يفضل الناس تشييد او اعمار بيوتهم في فصل
الشتاء، واما القول بارتفاع اسعار مواد البناء، فارى ان
هناك ممن لا يأبهون بالاسعار ويشرعون في اقامة مشاريع
البناء، وهناك قضية الفت النظر اليها هي ان العديد من
العمال العاملين في
مجال البناء صاروا يخشون
العمل في مشاريع البناء الحكومية خوفا من مهاجمة
الارهابيين لهم ولقد وقعت حوادث عديدة راح ضحيتها عمال
البناء بدعوى عملهم مع "المحتل"، لذلك صاروا لا يتوجهون
الى مثل هذه المشاريع وهي عديدة ومنتشرة في جميع انحاء
العراق ويمكنها ان تستوعب الكثير من العمال.
ايام زمان
ابو رعد (65)عاما، "اسطة" قديم ومعروف في ساحة الطيران،
اشار الينا وكان يحتسي الشاي من صاحب بسطة فتهلل لملاقاتنا
وامر لنا بقدح شاي لنسأله بعدها عن عمل اليوم وعمل الامس
والفرق بينهما فاجاب بالقول:
بين الحاضر والماضي فرق كبير، فقد كان "الخلفة" في الماضي
يتقاضى اجرا يوميا لا يزيد على الدينار والنصف دينار وان
كان الدينار في ذلك الوقت "يتكلم" ولكن الاجر اليومي اصبح
(50) الف دينار هذه الايام، وهو مبلغ لا باس به ان كان
العمل مستمراً لكننا الان لا نعمل الا في اوقات متفرقة
خلال الشهر الواحد بسبب كساد العمل الذي اخذ بالازدياد منذ
الانتخابات الاخيرة واعتقد ان الكثيرين توقفوا عن مشاريع
بناء البيوت بسبب الاخبار التي تقول ان الدولة تقوم بانشاء
شقق سكنية توزعها على من لا يملكون سكناً.. ومع ذلك
فالامور "ماشية" على حد قوله.
واضاف: منذ ان كنت صغيرا عملت في البناء الى ان تدرجت
"وصرت خلفة"، ومن الذكريات التي ترسخت في بالي ذكرى عملي
مع احد الاسطوات في الكرخ وقد خرجت اعمل معه لاول مرة وبعد
يوم عمل شاق في تحميل الطابوق قارب على نهايته اصابت
الاسطة نوبة جنونية فانهال علي وعلى بقية العمال بالضرب
بقطع الطابوق التي أدمت بعضنا، والبعض الاخر فر هاربا من
امامه. احد العمال المقربين منه قال لنا: انجوا بانفسكم
فالرجل تاتيه حالة جنونية لا يتورع فيها عن قتل العامل
بفأسه عندها قلت لنفسي بان هروبي معناه التخلي عن اجري
اليومي فامسكت بالاسطة من تلابيبه واشبعته ضربا مطالبا
اياه باجري "يوميتي" فاقسم لي بانه سيعطيني اياه ان انا
افلته من بين يدي وهكذا ابرمت معه الصفقة. وقد تبين لي
فيما بعد انه كان يختلق هذه الحالة من اجل ان يهرب العمال
فيستولي على اجرهم
|