جذور
الحرب العالمية لعام 2007 ! ..
رؤية تخيلية عن حرب خليج
عظمى جديدة
*بقلم
نيل فرغسون
ترجمة المدى
عن:
الديلي تلغراف
*نيل فيرغسون: استاذ التاريخ في جامعة هارفارد
هل
نعيش الان على اعتاب حرب عالمية قادمة؟ نعم، بالتاكيد، فمن
السهل التخيل كيف سيتعامل المؤرخ المستقبلي مع المرحلة
القادمة من الاحداث في الشرق الاوسط:
مع كل سنة تمر في هذا القرن، فان حالة عدم الاستقرار في
منطقة الخليج في نمو مطرد، وبحلول عام 2006 فان جميع مواد
اشعال الصراع تقريباً صراع اكبر في الدرجة والمدى من حربي
عامي 1991 و 2003 قائمة الان.
السبب الاساسي الاول للحرب كان الزيادة النسبية في اهمية
المنطقة كمصدر للبترول. فمن جهة، فان موارد العالم النفطية
الاخرى تذهب بسرعة ومن جهة اخرى فان النمو الخطر
لاقتصاديات آسيا قد سبب اندفاعاً هائلاً على طلب مصادر
الطاقة. من الصعب الاعتقاد اليوم، بانه في اغلب اعوام
تسعينيات القرن المنصرم لم يتعد سعر برميل النفط العشرين
دولاراً.
الشرط المسبق الثاني للحرب كان الديموغرافيا. بينما ينخفض
مستوى الخصوبة في اوربا دون معدل الاحلال الطبيعي في
سبعينيات القرن الماضي، فان الانخفاض في خصوبة دولة العالم
الاسلامي كان بطيئاً الى حد كبير. بحلول التسعينيات كان
معدل الخصوبة في ثماني دول اسلامية جنوب وشرق دول الاتحاد
الاوربي اعلى مرتين ونصف عن مثيله الاوربي.
هذا المنحى يعلن عن نفسه بوضوح في ايران، حيث الثورة
الاجتماعية المحافظة بعد عام 1979 قد خفضت من عمر سن
الزواج وحرمت استعمال موانع الحمل ـ بالاضافة الى ان زيادة
نسبة الوفيات في الحرب العراقية الايرانية وما رافقها من
تزايد سريع في الولادات، قد سبب زيادة غير طبيعية في عدد
الشباب في العقد الاول من القرن الجديد. في عام 1995 كان
خمسا سكان ايران دون الرابعة عشرة من العمر. وهذا الجيل
سيكون في سن القتال في عام 2007.
ان هذا لا يمنح المجتمعات الاسلامية الطاقة الشبابية التي
تختلف على نحو ملحوظ عن كسل الشيخوخة الاوربية فحسب، بل
يدل ايضا على تحول عميق في توازن سكان العالم. في عام 1950
كان عدد سكان بريطانيا ثلاثة اضعاف سكان ايران . بحلول عام
1995، تجاوز عدد سكان ايران مثيله البريطاني ويتوقع ان
يتجاوزه بنسبة 50% عام 2050.
مع ان الناس في الغرب يناضلون من اجل ادراك تعقيدات هذا
التحول ، الا انهم دون وعي لا يزالون يعتقدون في الشرق
الاوسط بأنه المنطقة التي يستطيعون السيطرة عليها وحكمها،
كما فعلوا في منتصف القرن العشرين.
الشرط المسبق الثالث، ولعله الشرط الاكثر اهمية، في الحرب
كان الثقافة، منذ عام 1979، اكتسحت موجة الحمى الدينية
اجزاء كبيرة من العالم الاسلامي، وليس ايران فقط، وهي
العملية المعاكسة تماما لحمى العلمانية التي افرغت كنائس
اوربا من روادها.
بالرغم من ان القليل من الدول اتبعت خطى ايران في الطريق
الى ثيوقراطية كاملة، الا ان تحولا في السياسة قد حدث في
كل مكان. من المغرب حتى باكستان، وقعت السلالات الاقطاعية
ورجال الجيش الاقوياء الذين هيمنوا على الواقع السياسي منذ
خمسينيات القرن الماضي، تحت وطأة ضغط الراديكاليين
الاسلاميين.
ان الخيط الايديولوجي الذي افرز "الاسلاموية" كان بقدر قوة
وفاعلية الايديولوجيات المتطرفة التي انتجت في الغرب:
الشيوعية والفاشية . الاسلاموية معادية للغرب، معادية
للرأسمالية ومعادية للسامية. اللحظة المشتملة على بذور
التطور في المستقبل كانت في هجوم الرئيس الايراني المفرط
على اسرائيل في كانون الاول الماضي عندما صرح بان
الهولوكست "خرافة" وبان دولة اسرائيل هي "وصمة شائنة" وكان
قد سبق له ان دعا الى محو اسرائيل من الخارطة.
قبل عام 2007، لم يكن للاسلامويين من بديل سوى شن حرب ضد
اعدائهم متبعين اساليب الارهاب. من غزة حتى مانهاتن، كان
المفجر الانتحاري هو بطل عام 2001 لكن احمدي نجاد وهو ذلك
المحارب القديم في الحرب العراقية ـ الايرانية ـ قد التمس
له سلاما اكثر خطورة من الحزام الناسف. وقراره في استئناف
برنامج ايران النووي كان يهدف الى منح ايران تلك القوة
التي تمتلكها كوريا الشمالية.
في ظروف مختلفة، قد لا يكون من الصعب احباط طموحات احمدي
نجاد. لقد اظهر الاسرائيليون قدرتهم على شن ضربات جوية
استباقية ضد المنشآت النووية العراقية عام 1981. وكان
المحافظون الجدد يلحون على الرئيس بوش على القيام بضربات
مماثلة ويجادلون بان الولايات المتحدة في وضع يؤهلها
للقيام بمثل هذه الضربات. فهي تمتلك القواعد في العراق
وافغانستان ولديها معلومات استخباراتية تثبت خرق ايران
معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية.
لكن وزيرة الخارجية، كونداليزا رايس قد نصحت الرئيس على
ايثار الدبلوماسية. والرأي العام الاميركي، وليس فقط الرأي
العام الاوربي، يعارض بشدة الهجوم على ايران. ان غزو
العراق عام 2003 كان فاقداً الصدقية بسبب الاخفاق في
العثور على اسلحة الدمار الشامل التي من المفترض ان صدام
حسين كان يملكها. وباخفاق التحالف الذي تقوده الولايات
المتحدة في دحر حركة التمرد الدموية.
ان الاميركيين لا يرغبون في زيادة التزاماتهم العسكرية في
ما وراء البحار بل يريدون تقليصها. الاوربيون لا يرغبون في
سماع ما يقال بان ايران على وشك بناء اسلحة الدمار الشامل
الخاصة بها. وحتى ان بث احمدي نجاد تجربة نووية حية على
شبكة CNN
الاخبارية فان
الليبراليين سوف يقولون انها مؤامرة حاكتها المخابرات
المركزية مع المحافظين الجدد.
لذا فان التاريخ يعيد نفسه، وكما حدث في الثلاثينيات، فان
ديماغوجية معادية للسامية خرقت التزاماتها وسلحت نفسها
استعدادا للحرب.
بعد ان حاول الغرب استرضاء ايران اولا عارضاً حوافز
اقتصادية لتكف عن برامجها، لجأ الغرب الى الوكالات الدولية
ـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الامن، وبفضل
الفيتو الصيني، فان الامم المتحدة لم تخرج سوى بقرارات
خرقاء وعقوبات غير فعالة، مثل استبعاد ايران عن نهائيات
كأس العالم!
قد يكون هنالك رجل واحد قد صلب من تصميم الرئيس بوش في
الازمة: ليس توني بلير، الذي دمر مصداقيته المحلية بسب
الحرب على العراق، وهو على اية حال على وشك التقاعد ـ
الرجل هو ارييل شارون، وبينما كانت الجلطة الدماغية تطيح
به ظهرت الازمة الايرانية، واسرائيل دونما قيادة فان احمدي
نجاد صار مطلق اليدين.
كما في ثلاثينيات القرن الماضي ايضا، تراجع الغرب نتيجة
التفكير الرغائبي. البعض يقول، ربما كان احمدي نجاد مجرد
حامل سيف يقعقع به لان وضعه الداخلي ضعيف جدا. لعل خصومه
السياسيين في القيادة الدينية على وشك التخلص منه. في هذه
الحالة فان الشيء الاخير الذي على الغرب اتخاذه هو الشدة:
وذلك سيعمل فقط على اخماد ضجة احمدي نجاد باشعال مشاعر
الايرانيين، لذلك فان الناس في واشنطن ولندن سياملون
بتغيير النظام في طهران من الداخل. وهذا سيمنح الايرانيين
الوقت الذي يحتاجونه لانتاج سلاحهم ـ يورانيوم مخصب في
مفاعل ناتانز، ان حلم عدم انتشار الاسلحة النووية الذي
انتهكته من قبل كلاً من اسرائيل وباكستان والهند، قد تشظى
على نحو نهائي. الان تمتلك طهران صاروخا براس نووي موجه
نحو تل ابيب. والحكومة الاسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو
تمتلك صاروخا موجها نحو طهران.
يجادل المتفائلون بان ازمة الصواريخ الكوبية ستعيد نفسها
في الشرق الاوسط. كلا الجانبين يهددان بالحرب ـ وبالتالي
فان كلا الجانبين سوف يغضان طرفهما، ان هذا ما تامله
الوزيرة رايس ـ بالفعل ـ في صلواتها وهي تتنقل في رحلاتها
المكوكية بين العواصم. لكن ذلك لن يكون.
ان القصف النووي المدمر المتبادل في آب عام 2007 لا يمثل
فقط فشل الدبلوماسية، بل هو مؤشر على نهاية عصر النفط.
البعض يقول انه مؤشر على غروب الغرب، بالتاكيد، ان ذلك كان
السبيل الوحيد لتفسير الانتشار المتتالي للصراع عندما
تستولي الاغلبية الشيعية على ما تبقى من القواعد الاميركية
في بلادها والصين تهدد بالتدخل لصالح طهران.
مع ذلك فان المؤرخ يميل الى طرح سؤال حول ما اذا كانت
الاهمية الحقيقية لحرب 2007 - 2011 هي الدفاع عن مبدأ
ادارة بوش في الحرب الوقائية. لانه، اذا تم الالتزام بهذا
المبدأ في عام 2006، فان المشروع النووي الايراني يكون قد
احبط باقل الخسائر، وحرب الخليج الكبرى لم تكن لتندلع.
|