المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الصدقيّة

المخرج عبد الهادي الراوي
تساءل الاستاذ سامي عبد الحميد مؤخرا في صحيفة عراقية : أتساءل، وانا أقع على مشاهد من المسلسلات الدرامية التلفزيونية العراقية منها والعربية والاجنبية، لماذا هذه الفوارق في اداء الممثلين بين هذه وتلك.
لست هنا ـ طبعا ـ بصدد الرد على الأستاذ سامي، ذلك أنه أستاذ درَّس في أكاديمية الفنون الجميلة طيلة سنوات عمره ـ مد الله به ـ ولست له ندا، فلست سوى مخرج سينمائي. ويعرف الجميع أن السينما لا تربي الممثلين، بل تستهلك من يدربهم المسرح منهم. ولوكنت أنوي الرد على رأي للاستاذ سامي لنشرته في الصحيفة ذاتها التي كتب فيها "صدقيته" كما تقتضي آداب الصحافة.
لكني ـ هنا ـ سأنطلق من كلمات الأستاذ سامي لأفكر بصوت مقروء.
الكلام عن التمثيل في بلد معين يعني في ما يعنيه الكلام عن الثقافة في ذلك البلد بكل جوانبها، إذ يستحيل تدريب ممثلين محترفين حقا، في بلد تكون الثقافة فيه متدنية المستوى. ويعرف المثقفون ـ يا للمفارقة ـ أن الثقافة في العراق في أدنى درجات انحطاطها. أنا لا أقول بانقراض المثقفين في العراق، لكن الثقافة لا تقاس بالآحاد.
هذا مقترب بصورة عامة، فلنقترب من الموضوع باستقامة ونتكلم في الصميم منه.
التمثيل حرفة، صنعة، يحتاج لمن يعلمه لمن يتعلمه، فلن يستطيع أحد "تعلم التمثيل بدون معلم". فهل يعرف الأستاذ سامي مدرسا في أكاديمية الفنون أو في معهد الفنون يعرف هذه الصنعة حقا، ويستطيع تعليمها لطلابه؟
قرأت مؤخراً في صحيفة عراقية فقرة يتحدث فيها كاتبها عن موضوع يخص ما نحن فيه، إذ يقول أن طلاب الدراسات العليا في الفنون يكتبون بحوثا في التمثيل والاخراج من غير أن يجرب أحدهم أن يقف على خشبة مسرح. أظن أن أكثر المدرسين في الأكاديمية والمسرح هم من هذا النوع من حملة الشهادات العليا، التي ليس فيها من العلو سوى اسمه.
نعم، لقد حول ستانسلافسكي التمثيل الى علم يمكن أن تقرأه في كتبه العديدة. لكن فهم هذا العلم وتطبيقه يبقى حالة خاصة تعتمد على موهبة الشخص المتصدي لهذه المهمة. فـ "المنهاج" أو "الطريقة" ليست معادلات يمكن تطبيقها في كل زمان ومكان، كما أنها لا يمكن اجتزاء بعضها، لأنها كل لا يتجزأ، فلا يكفي أن تقرأ ما كتبه ستانسلافسكي في بداياته لتستطيع العمل على حسب "طريقته"، ذلك أن ما توصل اليه في سني عمله الأخيرة قد نسخ ما كتبه في بداياته. واذا كان التعليم عندنا عارياً من معلمي التمثيل، فقد يكون بيننا مخرجون من أولئك الذين عناهم نيميروفيتش دانتشينكو في كتابه "من الماضي" حين سمى المخرج الـ "مخلوق ذا الرؤوس الثلاثة":
1-المخرج المفسر والمعلم الذي يساعد الممثل في خلق الدور.
2- المخرج ـ المرآة ، التي تعكس المزايا الخاصة للممثل.
3-المخرج المنظم للعرض كله.
من نافلة القول ادعاء وجود هذا المخلوق في العراق، في هذا الوقت في الأقل. اذن، قد يكون لدينا كتاب دراما محترفون، تغطي جودة ما يكتبونه على نقص الممثل والمخرج؟ انها والله لثالثة الأثافي. فنحن لا ينقصنا كتاب الدراما فقط، بل ثقافة الدراما بأكملها.
لا أظنني بحاجة لاثبات ما زعمت لأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار، وما على من يخالفني الا الذهاب الى أية اذاعة مرئية عراقية، ليقتنع بأن ما يقدمه الممثلون ومقدمو البرامج والمذيعون لدليل ثابت على غياب الحد الأدنى من ثقافة التواصل. لهذا أجد الكلام عن التمثيل بطرا. أما حين يأتي من أستاذ في الفنون الجميلة ومخرج وممثل مثل سامي عبد الحميد، فذاك العبث بعينه.
ان ما دفعني للكتابة أن أطلب من الأستاذ سامي عبد الحميد ومن غيره من المثقفين في العراق أن ينوروا عقول أهل السياسة الحالكة، فمن غير ثقافة حقيقية لا يمكن بناء وطن متحضر. أما أن تبقى حثالة مسطحة من الثقافة تسود العراق، فذلك هو الموت الأكيد لهذا البلد الذي كان يوما عريقا في المعرفة.


جلجامش أقدم ملحمة شعرية في التاريخ .. ظهرت قبل حوالي 4000سنة ومازالت موضع اهتمام عالمي  (1-2)
 

خالد الحلِّي - ملبورن
ملحمة "جلجامش” ليست أطول وأجمل نص أدبي وصلنا من حضارات الشرق القديمة فحسب، بل يرجح أن تكون أقدم ملحمة شعرية في العالم، إذ أنها سبقت بثمانية قرون ملحمتي "الإلياذة و"الأوديسة" لليوناني هوميروس اللتين نظمتا في القرن العاشر قبل الميلاد كما تؤكد معظم المصادر. وقد شاعت ملحمة "جلجامش” عقب تأليفها حوالي عام 1800 قبل الميلاد في جميع أرجاء المنطقة، وترجمت إلى عدد من اللغات المتداولة في ذلك الوقت، وظل الاهتمام بها مستمراً منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم رغم مرور ما يقارب الأربعة آلاف سنة على ظهورها. وهي اليوم موضع اهتمام وتقدير على صعيد عالمي، و قد صدرت تراجم عديدة لها بمعظم اللغات الحية. وتلخص الملحمة حياة وأعمال جلجامش ملك مدينة أور السومرية وسعيه إلى الخلود، وتنبض تفاصيلها بتأملات في الإنسان ومسألة الحياة والموت ومعنى الوجود.
هذه الملحمة كانت محور كتاب أصدره الباحث والمفكر السوري فراس السواح تحت عنوان "جلجامش ملحمة الرافدين الخالدة"، وقد جاء هذا الكتاب تطويراً لمؤلفه "كنوز الأعماق-قراءة في ملحمة جلجامش"، و عمل فيه على إغناء المقدمة التاريخية التي تضع النص في إطاره الزمني والثقافي، وتوَسَع في الدراسة الفنية والجمالية، وفي مسائل النقد النصي التي تلقي ضوءاً على تطور النص والتغيرات التي طرأت عليه عبر حياته الطويلة. كما زود هذا الكتاب بملحق يحتوي على إعداد درامي للملحمة، وضعه تحت تصرف المسرحيين العرب وقدمه لجمهور القراء، كي يستمتعوا بقراءة حرة للنص تعفيهم من القفز فوق الفراغات والتشوهات الموجودة في الألواح الفخارية الأصلية، والتي تنعكس في أية ترجمة أمينة للملحمة.
لقد أطل علينا هذا الكتاب بـ 3 6 6 صفحة من القطع الكبير، متضمناً بالإضافة إلى الإعداد الدرامي للملحمة ثمانية فصول تضمن اثنان منها الملحمة الأكدية، والنص البابلي القديم، والنص البابلي الوسيط، والنص المتأخر/الأساسي، والنص الكامل للملحمة البابلية.
إن ملحمة "جلجامش” نص شعري طويل مكتوب بالأكدية البابلية، وموزع على اثني عشر لوحاً فخاريا. وقد وُجدت الألواح في مكتبة آشور بانيبال تحت أنقاض القصر الملكي بالعاصمة نينوى. ويذكر المؤلف أن نص نينوى هذا يدعى بالنص الأساسي أو المعياري، لأنه "الشكل الأدبي الأخير الذي اتخذته الملحمة بعد فترة طويلة من التطور والتغير دامت قرابة ألف عام. ويتميز هذا النص الأساسي عن بقية النصوص السابقة عليه، بأن ألواحه الفخارية خرجت سليمة نسبياً، وفي حالة تسمح بقراءة متسلسلة رغم الكسور الحاصلة في بعضها والتشوهات التي اعتورت الكثير من سطورها. ونص نينوى هو سليل نص أقدم منه بكثير دوّن خلال العصر البابلي القديم، واستلهم كاتبه عدداً من النصوص الأدبية والأسطورية السومرية التي تدور حول ملحمة جلجامش، وبعض الأخبار المتفرقة المتداولة عنه، وحاك من ذلك كله، وبطريقة مبدعة خلاقة، نصه الذي ندعوه اليوم بالنص البابلي القديم".
يؤكد السواح وهو يتحدث عن خلود ملحمة جلجامش كعمل فني يتخطى حواجز الزمان و المكان أنها رغم مرور أربعة آلاف عام على تدوين نصها الأكدي، مازالت مقروءة من قبل "البشر من شتى الثقافات في جهات العالم الأربع اليوم، وكأنها كتبت خاتمة الأمس. نمشي مع بطلها في تجواله كأنه كلّ منا، يحدثنا ونحدثه كأن واحدنا يمشي وظله، أو كأنما يناجي نفسه. فجلجامش لم يعد ذلك الملك القديم الذي عاش في مدينة أوروك السومرية في زمن ما من تلك الأزمان القديمة السابقة للميلاد، وقصته لم تعد قصة فرد معين عاش دورة حياة خاصة به، بمحدوديتها ومشاغلها الذاتية، بل لقد صار رمزاً من رموز المشكل الإنساني، وصارت قصته حواراً مفتوحاً حول الشرط الإنساني".
لدى حديثه عن معنى الملحمة ورسالتها الأخلاقية والفلسفية يذهب السواح إلى أن جلجامش الفرد لم يؤسس لفردية فوضوية خارجة عن الكل، ساعية وراء أهدافها وغاياتها المستقلة والمتضاربة مع غايات الجماعة والبحث الإنساني المشترك، بل لقد جعل من نفسه النموذج الذي يمكن لأية شخصية في الجماعة أن تتشكل وفقه وتنسج على منواله، ليغدو المجتمع فريقاً من الأحرار لا حيواناً بآلاف العيون. وهو بتطوره الشخصي من الفردية الفوضوية إلى الفردية الجماعية المنظمة، ومن الاهتمام بالمصير الخاص إلى العناية بالمصير الإنساني، إنما يحدد المسار الذي يحرر الأفراد ويربطهم في آن معاً، في مسيرة الإنسانية الكبرى نحو معرفة الذات ومعرفة الكون.
وفي هذا الإطار يرى أن الأسطر الأولى من الملحمة، التي تتحدث عن مآثر جلجامش وأعماله، لا تتطرق إلى بحثه عن الخلود، بل تركز على الحكمة التي اكتسبها بكدحه الطويل المرير. وهي بذلك تستبق النهاية التي توصل إليها، وعودته سالماً غانماً راضياً، يحمل كنزاً من المعرفة والحكمة التي هي هدف الإنسان في هذه الحياة ومصدر سعادته. لقد فشل جلجامش في الحصول على عشبة الخلود، ولكنه توصل إلى معرفة معنى الحياة وغايتها. ذلك المعنى الذي يكمن في : الحرية مع الآخرين ومن أجل الجميع. في الفعل الحر الخلاق، لا من أجل خلود الذكر الفردي، بل من أجل أهداف إنسانية شاملة. في استنفاذ حدود الممكن وإبقاء الأبواب مفتوحة على غير الممكن، لأن الممكن وغير الممكن نسبيان في كل زمان وأوان. وأخيراً في الحكمة والمعرفة اللتين نطرق بهما باب المستحيلات.
ويتطرق المؤلف إلى جانب مهم هو أثر الملحمة في ثقافات العالم القديم، فيتحدث عن تأثير الملحمة على كثير من الكتب والأساطير هنا وهناك، مؤكداً أن جلجامش تعلم من جملة ما تعلم، وعلمنا، أن معنى الحياة قائم في المعرفة والحكمة التي نكتسبها ونسلمها لمن يرث الأرض بعدنا، وفي الفعل الحضاري الخلاق. وهاهي حياة الملحمة من بعده تثبت أنه كان على حق. فإضافة إلى ذيوع الملحمة بنصها في جميع أرجاء الشرق القديم، فإن أفكارها قد ساهمت بنصيب، يليق بها، في الحياة الفكرية والروحية لحضارة المنطقة والحضارات المجاورة، وأخذت مكانها في حضارة الكون القائمة. ألسنا جلوساً الآن، في أوائل القرن الواحد والعشرين الميلادي نقرأ جلجامش ونحاوره، كأن ألوف السنين الماضيات قد ذابت ؟
لقد احتل الإعداد الدرامي للملحمة الذي وضعه المؤلف خمساً وثمانين صفحة من صفحات الكتاب، وهو لا يقدم أية رؤية خاصة به
كما يؤكد ذلك-، و لا يحتوي على أية إسقاطات فكرية أو فلسفية معاصرة، إنه النص القديم نفسه بجميع أفكاره وشخصياته وتسلسل أحداثه. ورغم أنه لجأ إلى إضافة عدد قليل من المشاهد القصيرة غير الموجودة في النص الأصلي، لضرورات فنية من جهة ولتوسيع الفضاء المحيط بالحدث من جهة أخرى، إلا أنه بقي أميناً لخطاب الملحمة وحوارها ودقائق أحداثها. لقد أراد لها أن تخرج في صورة بصرية درامية تعكس أجواءها الأصيلة دون تدخل أو توجيه أو تفسير مقحم. ولتحقيق هذه الغاية على الوجه المرجو، اعتمد لغة ذات جرس شعري يستحضر الجو الملحمي للنص الأصلي، يبعد القارئ أو المشاهد عن واقع اليوم ليضعه فيما يشبه عالم الماضي. كما استخدم جملاً قصيرة وتعابير تؤدي المعنى بإيجاز وقوة ومباشرة، وتجنب في صياغتها وانتقائها أسلوب الخطاب العربي الحديث وأسلوب الخطاب العربي الكلاسيكي في الوقت نفسه، في محاولة لخلق لغة حيادية يمكن لها أن تحمل مفاهيم النص وصوره وطريقته في التعبير عن حكمته وأفكاره.


موطنُ الأســـرارْ

قراءة: محمد الأحمد
رواية: شاكر الانباري
تُقيم الرواية حدّاً كالسكين بينها وبين الموطن الدائم الذي لم يسقط من الذاكرة أبدا، ذلك الوعاء الأول موطن الأسرار.. حيثُ (القبرةُ في جزرة الحلفاء، المعزى على كتف الساقية، الديكُ فوق سارية الزريبة- الرواية ص5)، لتكشط ما تراكم بفعل السنين الطويلة للغربة الثقيلة، بعيدا عن تاريخ التكوين الأول، مهما تبدلت تحت قدميه الأمكنة.. ُمزيحة حزناً قاحلاً كرمل الصحراء المقيت.. حكاية خلفها فينا ذهن المبدع، وخطها إلينا بقلم مقتدر، وبقيت تتناوشه المخاوف، لان الماضي كان أثقل من حاضر، ربما لن يصل إلى مستقبله، ذلك المستقبل النسبي الذي كلما يصله الإنسان يجده بعيدا كخط الأفق. فثمة سراب مغر بالوصول إلى معنى الحكاية التي تغربت عن موطنها.. مبتعدة عما كان يقاسيه مواطنوه الذين بقوا في بلدهم يعانون ويلات النزعات العدوانية من ساسته، ووحشية أصحاب القرار المصيري.. تلك رواية (موطن الأسرار) الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر1999م.. للكاتب العراقي (شاكر الانباري).. رواية محورها رجل تعلق قلبه ما بين امرأتين من ثقافتين مختلفتين في النشأة، والاتجاه.. وصفهم بصفات التناقض، والتعارض، تجعلنا نسأل أنفسنا كلما توغلنا في بواطن المتن الروائي من بعد أن استطاعت أن تثير فينا الكثير من شجون الماضي الذي خطته المدن الطرية بألوانها القزحية، وروائحها الندية، ورغباتها الفتية، إذ خلفت شيبا وقارا يعلمُ فودين ببياض الفضة. تكشف عن عمر مزقه السفر الدائم.. (أولئك المغتربون انقطعوا طويلاً عن بيئتنا، وهم يشتاقون إلى امرأة من جنسهم ولغتهم، المرأة الأجنبية لا توفر أشياء مثل تلك، لا تقيم وزنا للرجل. كل يوم في بار، تخون زوجها، وصديقها في أي وقت تشاء-الرواية ص84).. كأننا نكتب الرواية لأجل أن نجرب كتابة الحلم، مما يدهش في العالم التقني المتحضر.. لتعود بالتاريخ كليا وتكشف أسراره، وتنثر أيامه كصفحات كتاب مفتوح. نفكر مرات ومرات قبل الخطو، وما أن تشتعل الرغبة للبوح.. نعيدُ بناء أزمنتنا بمثل ما نريد، كما يجيد إنسان الأزمنة الحديثة.. بناء نفسه ضمن ما يختار، وضمن ما يريد تأكيده.. نستدرج ذلك الكم الهائل من الذكريات.. لأجل أن يكون تدويننا، ما نحققه خيالا بديلا عما فاتنا أن نحققه على الواقع، أما كتابة حلم يرى لكل قارئ، فينهض إلى القراءة الأخرى، ثم يكتب رواية فيها ما كان يستفزه، ويقضّ مضجعه، يرمد بياضه، ومسودا بهجته... كتابة الرواية التي تحوي أسرارا لم تحوها الحياة، لتدهش قارئ بقي يقلب بشغف صفحات الأطالس القديمة استقصاء عن عواصم الحلم، والطموح، فلم يعرف عنها سوى خرائط مهترئة، لا تمده بالذي يرويه.. يكتشفها تفوح بالمهارات اللغوية، و المفاخرة بالفحولة الشرقية، إضافة إلى فوارق المدن قياسا بغيرها، وتبيان مفاتنها... (ثمة حاجة ماسة إلى امرأة تبادله اللغة والإشارات نفسها، وخزين الرموز التي عاشها منذ كان طفلاً. في داخله آلاف العبارات البذيئة التي يرغب بإسماعها لها.. عشرات القصص الجنسية المحتبسة في صدره، وليدة الروح الرجالية الرواية ص60).. رواية ألصقت التاريخ الشخصي بالتاريخ العام.. بكل خطوطها، وبصماتها.. قيدت الروائي في محنة الرواية.. من بعد أن أنهكته المسافات الكتابية.. لأجل أن تمتلئ بالسفر البديع ورائحة النساء المثيرة، فثمة تكرار شاحب، ومقاصد باهتة، ثمة أمل وراء التشويق يدفعنا إلى صيحات لذة تلك المرأة التي حفظت غناء سريرها، وراحت تعلن بأنها لم تعرف رجلاً مثله... (من يستطيع الفصل بين الصداقة والحب؟ هل يمكن عقد صداقة بين رجل وامرأة دون أن يمارسا الجنس، أو يحب أحدهما الآخر؟ الصداقة تشترك مع الحبّ بالميل، ميل الفرد إلى رفيقة. لكن في لحظة خاطفة تعبرُ تلك العلاقة الحد الفاصل بين الميل والحب.. عنده يصعب التفريق بين الاثنين. لقد وصلت معك إلى هذه الحالة في المدة القصيرة التي بقينا فيها سوية. كنتُ اعدّ علاقتنا صداقة مؤقتة بين رجل فارق الشرق عقدا من السنين، وعاد إلى الجذور ليقترب من امرأة لم يعرفها سابقاً- الرواية 85). فهناك الزوجة (تاتا) التي افلت من رقابتها في (كوبنهاغن- الدنمارك)، و (هيام) السورية المتحررة من أقواسها... الأولى بادلته الأماني، ورزق منها البنتين (سهير، ومي) في استقرار عائلي، والثانية ذات الشعر السبل الأسود.. حفرت تاريخها بأزميل المدن التي فارقها، ووجدها عوضا عن فتاة أحلامه العراقية.. (يودُّ لو يلتهم الخيار والباذنجان و الباميا، والخشب، والحديد، والزجاج يستمد منها القوة على التوحد في هذه الأرض التي يحبها.. يصير جزءا منه دورة الموت والحياة فيها.. رغبة ملحة نمت معه منذ الطفولة، وكان التراب مادة لإشباع حواسه، أما الحجارة الصغيرة فكانت تشعره بأنه جزء من صخرة هذا الكوكب الدائر منذ الأزل- الرواية ص 14)... فلكل مدينة امرأة كما لكل مدينة نهر.. النهر موجد المدن، والنسوة موجدات الحب.. بقيت المرأة حريصة على بيتها وحرمته.. بينما الثانية بقيت تبادل ما تشتهي من الرجال كل ما تحلم به.. فاحتار البطل (ماجد) ما بين المدينتين (بردى)، و(بحر البلطيق).. من بعد أن غابت الرواية المتتابعة بالأحداث، وحضر راويها.. تثاقلت بها التنقلات السردية، وحوت في كل تفصيل منها خصائص رواية اكتملت، بوصف عذب يطال الأمكنة، خارج بلده الرحم الأول موطن أسراره، وأعطت القارئ العبير المغترب في متون العواصم التي لم تسقط من الذاكرة.. كوننا نقرا الجغرافية، ونستذكر بأي الأماكن مررنا، وأي الطرق خسرنا.. رواية فوارق شرق وغرب.. تذكر قارئها بمعطيات كشفها (الطيب صالح) في رائعته الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشمال).. تلك أخذت عالماً متكاملا بكل علامته الثقافية، و رواية (شاكر الانباري) تتناقض بين فوارق الشهوات التي ما عاد الإنسان خجلا منها كونها حاجات فسلجية لن يستطع إنكارها إنسان ما، وحتماً سيكون نكرانها تشكيكاً في إنسانية الإنسان المدعي النكران.. لكنها لم تمس الشغاف، وتعود ولو قليلا إلى عراقية العراق.. كما يتوقع القارئ.. لأنها ابتعدت في المنافي السيكلوجية التي أنهكت الرواية، ولم يكُ لها أي عمق أيدلوجي.. كأنها تنكر حقائق الهجرة وأسبابها.. يوم كان النظام القائم على العراق يطارد في كل إنسان مدنيته، نافيا إياه بين أقسى أقواس الوضاعة.. لأنه كان يكره إنسانية الإنسان.. لم تدخل الرواية بتفاصيل أسباب الغربة لتكون لها القاعدة الراكزة.. بقيت تطوف بين اللذائذ، والسرد الإنشائي.. بقيت تذكر القط (بيليه)، والعنكبوت (يونس).. ولم تكن هناك أحداث محورية.. يتابعها الشغوف.. لتشده بالرواية.. (أعادت الأزمنة الحديثة صوغ معنى الإنسان مرتين: فهو المفرد المتمرد على المعطى، يعيد اكتشاف ذاته و يكاثر الاكتشاف، مجدداً الأزمنة ومتجدداً فيها، محوّلاً الحاضر إلى لحظة عابرة تخلع أبداً جلدها بلا تردد أو إبطاء. وهو المفرد الذي وضع ضمانه في ذاته، ارتكن إلى الإبداع ومقاطعة اليقين، يذهب مغامراً إلى ما لا يعرف ويقصد مستقبلاً مجهولاً لا يروّضه أحد. وما الأزمنة الحديثة، في نهاية المطاف، إلا تكامل المغامرة والذهاب إلى المجهول والإبداع الطليق، وذلك الرهان الجامح على هدف ملتحف بغموضه، عبّر عنه، ذات مرة، بحار (موبي ديك) بجلاء شاسع محتشد الرؤى. وإذا كانت الأزمنة الحديثة تعرّف ذاتها بالتبدل الذي لا يصده احد، فقد التقطت الرواية، بمعنى لا تبسيط فيه، جوهر الحداثة وكثّفته في (إنسان الطريق المستقيم)، الذي يسير إلى ما لا يعرف ولا يلتفت وراءه أبداً- فيصل دراج).. جاءت الرواية معمقة الضياع والحيرة.. معمقة التشرد في المنافي البعيدة عن الوطن.. تجربة تستحق التأشير، تستحق القراءة..


انطلاق فعاليات مهرجان الفجر السينمائي بطهران
 

محمد أمين
برعاية مؤسسة فارابي السينمائية تنطلق في القاعة الوطنية بالعاصمة الايرانية طهران فعاليات الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان الفجر السينمائي الدولي بمشاركة 260 فيلما من انتاج 42 دولة من العالم .وسيتم في برنامج الافتتاح تكريم كل من مجيد انتظامي وخسرو سينائي وكولاب آدينة تقديرا لجهودهم ومشوارهم الطويل في المجال السينمائي.
وستتوزع الأفلام المشاركة على 16 محوراً وموضوعاً من ضمنها مهرجان المهرجانات ,سينما اميركا اللاتينية سينما الحياة اليومية ،مئوية السينما الصينية ،نظرة غير سريعة على افلام سيدني لومت ويوجي بامادا ،مهرجان سينما القارة الآسيوية مهرجان السينما الايرانية للافلام الروائية،مهرجان الافلام الايرانية الوثائقية.سينما المضمون.
وقد أعلن القائمون على المهرجان عن تعيين جائزة اضافية لأفضل سيناريو مقتبس وعن أن ثلاثة أفلام ايرانية وتسعة عشر فيلما خارجيا ستتنافس على العنقاء البلورية.ويلحظ على هذه الدورة غياب كبار المخرجين الايرانيين،مما وفر الفرصة لمنافسة شديدة بين الجيل الثاني والجيل الشاب من المخرجين الايرانيين على الجوائز الرئيسة.
ومن الأفلام المشاركة في مهرجان المهرجانات يمكن الأشارة الى:
اليورتييست للمخرج الشهير رومان بولانسكي، مكان في البعد .اخراج خسرو معصومي من ايران.العمال مشغولون بالعمل.للمخرج ماني حقيقي.ببطء. مازيار ميري.ايران.السقوط لاليور هاشبيغل .اخراج الماني ايطالي نمساوي مشترك.عائلة واحدة من اخراج جيانغ جيول لي من كوريا الجنوبية.ليلة سعيدة وحظ سعيد.لكلوني من الولايات المتحدة.المخفي.لمايكل هانكه.انتاج مشترك:فرنسا المانيا ايطالياوالنمساالساعات تمر.دي اليورا سيزار من الارجنتين.
مفاتيح البيت من اخراج جياني اميليو انتاج فرنسي الماني ايطالي،
ماتشوكا للمخرج آندرسن وود تشيلي اسبانيا انكلترا فرنسا،
رجل مقابل رجل لرجيس واغينر فرنسا افريقيا الجنوبية وانكلترا,
أساليب الموت من اخراج جريمي بيتر آلان من كندا
اعياد السنة الميلادية لكريستن كاربون اخراج الماني بلجيكي وروماني،أمي للمخرج كلاوس هارو انتاج فنلندي سويدي العرض فقط لبيتر كابيرس انتاج هولندي بلجيكي احلام شانغهاي من اخراج جيانو شواي وانغ من الصين الطفل النائم اخراج ياسمين كاساري انتاج بلجيكي مغربي مشترك موسيقانا للمخرج جان لوك كيدار انتاج فرنسي سويسري ، الشفرة السرية للياباني يوجي بامادا، الفأس غوستاف غاوراس بلجيكيا فرنسا اسبانيا ألمهموم للياباني ماساهيرو كوباياشي مسألة شخصية للمخرج الايطالي سافريو كوستانزو، ويوفر المهرجان امكانية حضور أكثر من خمسين ألف طالب ايراني لمشاهدة العروض السينمائية.كما سيتم أصدار 15 كتابا في الأسس الفنية والتطبيقية للفن السابع.
ويضيف المهرجان أكثر من مائة ممثل ومندوب عن المهرجانات العالمية بالاضافة الى عشرات الضيوف وشخصيات فنية عالمية .


مشوار مع حنجرتي لطيفة التونسية وصديقة الملاية

نعيم عبد مهلهل

الفقراء في هذا العالم يقولون لكل هاجس ( برشه )

* أمي تقول : الذي يأتي أهلا به حتى لو كانت سكين بروتس

 

فالقناعة عند أمي نعناعة تشبه صينياً يموت على أكل المسموطة* ومذياع من زمن المخترع ماركوني يطلق فوق رأسه أغنية لطيفة (إنشا الله ..إنشا الله) هو لا يفهمها لكن السمك المطبوخ أمامه يفهمها ، رغبة منه بعودة إلى النهر، لكن لا عودة لمن ُيطبخ في النار ..كذلك الأشرار الكفار..
يذكرني وجه لطيفة الأجمل من برتقالة لبست للتو خاتم الخطوبة بالرقة والإحساس الناعم كخد طفلة على جبين أبيها المقتول بحرب القرم، يذكرني برؤى المحرومين بقرى الغابات الأفريقية وبنايات الصمت المعزوفة بعيون شهداء حروب وطني. من حرب سلالات سومر حتى قتلى الأمس بسوق خضار في الحلة. يذكرني صوتها يوم بلغتُ السن القانونية وتمنيت النوم مع دمية، بالشعر، بعارضات الأزياء، بالخبز وبالأفلام الهندية.. بكل إشارات الود وشامات الخد وقصائد عمنا وجدنا السياب..
يا ناس.. صوتها قيثار معلق برقبة السفينة تايتانك. كلما أتعلق بها يناديني الغرق تعال يا أبن (................) كن طعاما للسلاحف وتخلص من فوضى الزرقاوي..
لهذا.. أنقاد لصوتها مثل بعير بألوان مخططة وأنزع صلاتي مثلما تنزع الفراشة ثوبها في حوض سباحة وتغازل الموجة بفم العسل فيولد للدنيا زنجي من أهل زنجبار يكبر فيبيع الفستق في الشورجة*.
هي (أي لطيفة) ليست (برشة تونس) والإرث الأحلى للراحل بورقيبة إنما هي سلة تمر أكدية.. نستها قافلة نوح الناجية من طوفان الأزل وبحثت عن أهلها في الغناء فسمعها طوارق مالي وبهرة* حضرموت وصابئة الحلفاية وبوذي النيبال وسكان نيوزلندة الأصليون وسكان المحروسة دبي وفقراء الصين الشعبية..
متعتهم.. أن جوازات سفرهم صارت أحلاماً بها نسوا حروب العالم والويلات..
لهذا يدرك قلبي معنى الحنجرة الجميلة
وينام على وسادة الجوع
أسعد دمعة في العالم
واسعد جيب فارغ ...
2 ـــ للعراق المشبع بالمنافي حد النخاع ، أغنيات تطلقها أسطوانات جقمقجي فتذوب روح الله في أراوحنا ونموت من الغيرة..
لقد غنت صديقة قبل أن تشتغل متسولة قرب مبنى الإذاعة. فذاب ثلج القطب وأرسل الرب لبغداد شمسا ليحميها من الأنجماد
لكنهم تجاوزوا صوت صديقة وأرسلوا حافلة مليئة بالعتاد
3 ـــ بين صديقة الملاية وعيون لطيفة وردة تلبس ثوباً أزرق وشجونا اكبر من صحراء الربع الخالي..
اجمعها بآنية عيون الراديو
فتهتف طفلتي
لا نملك تلفزيونا ولا صحنا لاقطا ولا سيارة وحقيبة ومرقاً فيه لحم ولا علبة لبن
ضحك التمر
وصفعها برقة
ودعاها لحفل الأوسكار بمدينة كاركاس
حيث الناس والنعاس ومواسم زوار العباس
يا أبتي قلبي ليس دولارا
إنه قصيدة تبحث عن سقف يقيها المطر
عندها سيذكرنا الله بكوب لبن
يجعلك تحفظين الدرس جيدا
كل ذكرياتي مع الغناء
انه يملأ جيوبنا بآمال وخزائن يجلبها علي بابا
ومنها أسوارة ذهب بغدادية تلبسها لطيفة
ثم تهدي ثمنها بعد نهاية حفل اليونسكو
لتغطية نفقات جنازة صديقة الملاية
هكذا هي الحياة
حنجرة تقطر ذهبا
وأخرى تقطر جوعا ونواحا صوفياً
4 ـــ الاشتياق هاجس يصنعه تخيل العناق
المتصوفة رأوا هذا في عينيك وكتبوه
دمعتي حفظت ذلك ورددته على بيوت الزقاق كله
وحين سمع عبد الوهاب ذلك غنى لأجلك حكيم عيون
5 ــ عندما اسمع صوت صديقة الملاية بأغنيتها الماركسية
( الله يخلي صبري ..صندوق أمين البصرة )
انشق لنصفين
نصف لمنطقة الكاظمية
وآخر لمنطقة الأعظمية
من ذا يريد أن يقسم البلد؟
6 ــ كتب أبن العربي بفرنسية أقاح
مر ديغول من هنا وصنع من قبعته جامعا
لطيفة غنت
فرقصت تونس وحدها
ولأنانيتها هذه
صفعها أهل بعقوبة
لقد كان أفلاطون يقول:
في جمهوريتي الغناء لغة كل البشر
7 ـــ من هكذا شجن.
صنعت قصيدتي
وحين مللتها
ركبتها وترا لقيثار قلبي الذي حطمته القنابل
بين وجه لطيفة وصديقة الملاية
غابة ورد وسرب أيائل
اشارات:-
* برشه: اعتقد إنها مفردة مغاربية تعني طيب وجميل وأحسن.
* المسموطة: أكلة عراقية تعمل من السمك المجفف .
* البهرة: طائفة من طوائف المسلمين الشيعة يعيشون في الهند وباكستان واليمن ويتركز إيمانهم على طاعة وتقديس أكثر للأئمة الذين ماتوا مقتولين دفاعا عن المذهب.
أور السومرية في الأول من تشرين الأول 2005


نادي الشعر يحتفي بالشاعر محمد درويش علي

جلال حسن
تصوير :سمير هادي
ضيف نادي الشعر في الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، الشاعر محمد درويش علي يوم السبت 7 / 1 / 2006 في اصبوحة شعرية، لقراءة اخر قصائده، والحديث عن تجربته الشعرية، وشارك في الاصبوحة التي قدمها القاص والناقد عباس لطيف، الاستاذ فاضل ثامر رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب، والشاعر الفريد سمعان امين عام الاتحاد.
واستهل الناقد عباس لطيف الاصبوحة، بحديث مطول تناول فيه تجربة الشاعر بالنقد والتحليل، مؤكداً على اهمية هذه التجربة التي لم تنبثق من فراغ او ترف فكري، وانما من خلال مساهمات الشاعر في معترك الحياة، ووجوده في ساحات المعارك في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتطرق إلى مجموعته الاولى "قلق الراحة" باعتبارها فتحت الطريق امام الشاعر، للدخول إلى عالم الشعر، وقال: لقد كانت هذه المجموعة هي المنطلق الحقيقي للشاعر، بعد ان جمع قصائده التي اختارها بدقة ووضعها فيها، فكانت محملة بهموم الانسان العراقي في تلك المدة وطموحه للسير نحو فضاءات جديدة، تحمل هواء اكثر نقاء مما كان عليه. وتحدث عن "حياد المرايا" و"رثاء الاقاصي" واصفاً اياهما بالاشتغال على منطقة البحث عن الغائب، لاسيما في رثاء الاقاصي، هذا الغائب الذي عده الشاعر فقداناً له، ونجح في سحب قارئه إلى هذا العالم. ولم يكن في حياد المرايا غير محايد يحمل كل انواع التعبير للولوج إلى عالمه، من خلال حياده الذي فرضه على نفسه، وجعله سلاحه في هذه المجموعة التي كنا نشم فيها رائحة الحرب ايضاً، مثلما في مجموعتيه الاخريين، ثم تحدث الناقد فاضل ثامر عن تجربة الشاعر في مجموعة "حياد المرايا" فقال: انها مجموعتيه تحمل رؤى فنية متقدمة، ويحمل شاعرها محمد درويش علي صوته الخاص الذي يميزه عن اقرانه من الشعراء، وما القصائد التي جاءت فيها، الا تعبير، يستلهم روح الشعر الحقيقي، في موازنة جادة بين موسيقاها الداخلية التي تحملها والمفردات التي يستعملها الشاعر، كون هذه القصائد تنتمي إلى قصائد النثر.
ثم تحدث عن العلاقة بين عناوين القصائد ومضامينها اذ قال: معظم القصائد في هذه المجموعة، تجد علاقة وثيقة بينها وبين عناوينها، فلو حذفت العنوان، لتغيرت القصيدة، وباتت شيئاً آخر لا علاقة له بما اراده الشاعر، وهي نقطة تسجل لصالح الشاعر في اختياراته الدقيقة هذه للعناوين، كما في قصيدة (مرافئ) أو (كل شيء) او (حلم ازلي). وركز الناقد فاضل ثامر في حديثه على قصيدة (قانون الاضلاع) التي استلهم الشاعر مغزاها وشكلها من البنية الشعرية التي اعتمدها الشاعر العراقي عبد الرحمن ظهمازي" في قصائده.
اما الشاعر الفريد سمعان، فقد تحدث عن الشاعر من زاوية كونه انساناً قبل ان يكون شاعراً، مشدداً على روح التسامح والطيبة لديه، وتمتعه بميزات شخصية تجعله محط تقدير واعتزاز اصدقائه، وقال: اجد ان كل هذا قد انعكس في شعره، وجعلنا ازاء شاعر يمتلك مقوماته الفنية المتعالية، بحس شعري يسحب القارئ إلى منطقته الخاصة التي تبعد عنه تأثيرات الآخرين، او لا يضطرك للبحث عن مرجعية لشعره عند الآخرين، والشاعر الذي لا يمتلك بمصة خاصةً في شعره، فهو ليس بشاعر، واجد في شعر محمد درويش علي بصمته الخاصة به، وهذا احد اسباب تميزه!
ثم دعا مقدم الجلسة الناقد عباس لطيف الشاعر لقراءة قصائده، فقرأ عدداً من القصائد التي كتبها خلال السنوات الثلاث الماضية منها "سرفات" والتي نالت اعجاب الحاضرين. و"النافذة" و"بيت المطر" وهي مهداة للشاعر الراحل رعد عبد القادر، فضلاً عن قراءته قصائد المجموعة الاخيرة "حياد المرايا" وكانت قصيدة "حلم ازلي" التي يقول فيها:
سألت عصفوراً في قفص
ماذا تتمنى؟
قال: ان اغني على انقاض هذا القفص.
والتي عدت حلماً ازلياً للانسان المطارد بكل انواع الاقفاص، مثلما جاء في حديث الاساتذة النقاد، فضلاً عن قصائد اخرى اثارت انتباه الحاضرين في القاعة، لدقة التعبير فيها من خلال الايجاز والدلالة واختيار المفردة المموسقة بدقة متناهية.
وفي نهاية الجلسة التي حضرها عدد من المثقفين والشعراء والقنوات الفضائية، قدم الشاعر الفريد سمعان، هدية للشاعر محمد درويش علي تقديراً واعتزازاً به.


جدليات أبن خلدون..الدولة..العمل,,التجارة
 

مهدي النجار
افترق ابن خلدون بفارق نوعي في انتهاج درس التاريخ عن أسلافه ومعاصريه وقبض على مفتاح فهم التاريخ قبضاً معرفياً،وذلك بكشفه عن المجال العمراني الذي انتظم حوله الفكر الخلدوني،وقد لاحظنا أن هذا المجال يتأسس في بنيتين،هما البدوية والحضرية، وان المحور الرئيس الذي ُيحرك هاتين البنيتين سواء في تكونهما أو صيرورتهما الانتقالية،هو محور "العصبية" وعند تحديد هذا المحور الاجتماعي المهم ينبغي تثبيت حقيقتين اشتغل وفقهما التنظير الخلدوني: أولاً، عدم إهمال الفضاء الجغرافي الذي نظر له.وثانياً،عدم إهمال الزمن الذي نظر فيه. فمن حيث الفضاء الجغرافي فهو بالضبط فضاء أفريقيا الشمالية،خاصة مناطق المغرب،إما زمن تاريخه فيرجع إلى فترة القرون الوسطى وبالتحديد القرن الرابع عشر الميلادي.
حددت الخلدونية مفهوم العصبية باعتباره واقعاً اجتماعياً وسياسياً معقداً جداً، يبرز بشكل واضح أثناء الانتقال من البنية البدوية إلى البنية الحضرية،ولا ينتفي بعد ذلك بصورة نهائية إنما يبدا بالتخفي أو يأخذ أشكالاً تتناسب مع الوضع الحضري.ولا تعتمد العصبية صلة الرحم فقط، بل كذلك الولاء والحلف، وهي تأخذ شكلين أحدهما ينتقل إلى الآخر كلما اقتضت الحاجات وضرورات التعايش ،الشكل الأول،عصابة واحدة تعتمد النسب العام،أما الشكل الثاني، فهو عصابة واحدة تضم عصبيات متعددة لانساب خاصة هي اشد التحاماً من النسب العام للعصابة الكبرى. يعتمد التكون البدوي كما هو معروف على قاعدة التنظيم القبلي فان شكله لابد من أن يكون هرمياً سواء داخل العصبة الواحدة أم داخل مجموع العصائب الملتحمة.إن قمة هذا التشكيل الهرمي هي "الرئاسة" ولا يتم هذا التشكيل وقمته "الرئاسة" إلا بآلية الغلب، إذن "الغلب" هو الشرط الأساس للتكون العصائبي،ولكن لماذا هذا الشرط؟ يجيب ابن خلدون: "لان الاجتماع والعصبية بمثابة المزاج للمتكون والمزاج في المتكون لا يصلح إذا تكافات العناصر فلابد من غلب أحدها و إلا لم يتم التكون" (المقدمة) إن تصدع هذا العامل الداخلي يعيق "القبيل" من نموها واكمال سلطتها القبلية وبالتالي لا تستطيع حيازتها الملك، واهم العوامل المصدعة لهذا العامل الداخلي (الغلب) هي: حصول الترف وانغماس القبيل في النعيم، المُذلة للقبيل والانقياد إلى سواهم. هنا تصاغ افضل جدليات الماضي كالآتي:
أولاً:لا يكف العامل الداخلي (أي المحور العصباني) عن كونه العامل الأساس في تكون البنية البدوية ويسعى كذلك ليكون عاملاً إنمائياً وتطورياً.
ثانياً: يظل هذا العامل الداخلي (المحور العصباني) على أهمية كبيرة في تحريك البنية البدوية ونقلها إلى البنية الحضرية وتنظيماتها السياسية. وبقدر ما يكون عاملاً إنمائياً وتطورياً،إلا انه يتحول إلى عامل هدم، يُدمر البنية التي أسسها هو نفسه،أي يهدم البنية البدوية ليؤسس البنية الحضرية ومؤسستها التنظيمية "الدولة".
ثالثاً:تتصاعد جدلية العامل الداخلي (المحور العصباني) عندما يتصدع هو نفسه وينهار، حين تبدا "العصبية" بالانحطاط والتفتت ،تبدا معها انهيارات البنية الحضرية، وهنا يظهر فساد مؤسساتها وتفكك دولتها.
اكثر ما يدهشنا في تفسيرات ابن خلدون هو هذا التفسير العقلاني لظاهرة الاجتماع الإنساني، فيضع "تحصيل الحاجة" كلبنة أساسية في تركيب الاجتماع الإنساني وتطوره، وهل يعني "تحصيل الحاجة" أي شيء دون مدلولها الأساس وهو العمل (بحسب مفاهيمنا المعاصرة)؟ أبداً لا. وماذا يعني العمل دون العمران (أي الاجتماع)؟ إنها مفاهيم فائقة التجريد، رفضت الخلدونية العمل بها مجردة،فعملت على صياغتها في علاقات شديدة التماسك،فالعمل لا يتم إلا داخل الاجتماع ولاجله: "لان البشر الواحد غير مستقل بتحصيل حاجاته في معاشه وانهم متعاونون جميعاً في عمرانهم" (المقدمة / ص360 ) وتقسم الأعمال بعد ذلك إلى أصلية تختص بالمعاش وترتبط بصورة أساسية بحاجات الناس الضرورية (وهي الأقوات من الحنطة وما في معناها)، وزائدة (أي الحاجي والكمالي) تختص بالترف والغنى (مثل الادم والفواكه) ،والعمل بحسب رأي ابن خلدون ،ليس هو الذي يعني شيئاً وانما قيمته.
إن "التجارة" هي عامل أساس في اقتصاديات البنية البدوية خاصة في طورها النهائي،أي طور تحولها إلى بنية حضرية وهي عصب ودينامية تلك المجتمعات، والتحليل الخلدوني يتعارض (أو يتقاطع) مع عدة اعتبارات تتعلق بأخلاقية وتشريعات ذلك العصر، فهي أي التجارة كما يرى ابن خلدون:
ـ"وان كانت طبيعية في الكسب فالأكثر من طرقها ومذاهبها إنما هي تحايل في الحصول على ما بين القيمتين في الشراء والبيع لتحصل فائدة الكسب من تلك الفضلة" .(المقدمة/ص383).
ـ عند العمل بها" لابد من الغش والتطفيف المجحف بالبضائع ومن المطل في الأثمان المجحف بالربح" (المقدمة / ص395 ).
ليس من حقنا أن نُصدر أحكاماً بحسب مفاهيمنا المعاصرة على "المقدمة"التي أنتجها ذاك المفكر المبدع ابن خلدون وسط وعورة القرون الوسطى القاسية وليس من حقنا التعامل معها وفق أنماط مفاهيمنا الحديثة أو إسقاط تلك المفاهيم عليها،لان ذلك يلغي المشروطية التاريخية والظروف الاجتماعية للأعمال التراثية الجبارة التي أنتجها الأسلاف.
*نشرت في ثقافية جريدة بغداد / بغداد / تشرين الثاني 2003


 من المكتبة العراقية

صعاليك هرم الملح


قصص: مسار عبد المحسن راضي
عن دار انس للطباعة ببغداد صدرت المجموعة القصصية الثانية للقاص مسار عبد المحسن راضي بعنوان (صعاليك هرم الملح) بالعربية وبالانكليزية، تضم المجموعة قصصاً تستشرف الواقع وتعايشه مع غوص في ايروتيكيا الجسد الانساني وهوس البشر في (ارتكاب) تجارب جديدة وهي قصص تتكشف عن تجربة مرة في الاقتراب مما يحدث حقاً من تحولات اجتماعية يطارد فيها العنف النفوس المتعبة ويسحبها إلى عالم من اللصوصية والانفجارات وممارسات القوة ضد رؤيا الحب والشفافية وعشق العراق، قام بترجمة القصص إلى الانكليزية عبد الرحمن عبد الكريم وصمم الغلاف ووضع الرسوم التخطيطية الفنان رياض جليل.
إصدار - دار انس - بغداد
بلا تاريخ - 134ص

الطحالب


قصص: ابراهيم سليمان نادر
مجموعة قصصية جديدة للقاص ابراهيم سليمان نادر حوت عشر قصص قصيرة تعايش اجواء مدينة الموصل وصوفيا والاسكندرية وقرية الشاروك والعامرية وتحوي باقات من ورد وعاطفة واحتجاج على واقع مدان ونشدان زمن لم يأت بعد عبر تجارب سفر واوجاع وتضاد ابطال ومحبين واسلحة قوة وعسف، انها قصص تجمع بين العاطفة وافتقاد السعادة والسعي لها، صدرت للقاص قبل ذلك عدة كتب منها (عودة الرجل السابق) - قصص و(عيسى برواري الفنان والانسان) دراسة في فن التصوير - و(امير الطيور) و(الكلب هذا الكائن العجيب) وهما دراستان في عالم الحيوان.
اصدار: اتحاد الكتاب العرب - دمشق
2004 - 94ص

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة