(اللنكات) من الجواريب الى
السيــــــــــــارة
- العراق محطة
استعراض هائلة للمستعمل
- سيارات .. موبايل
.. احذية .. ملابس .. اجهزة كهربائية سكراب
بغداد/صافي الياسري
تصوير:سمير هادي
البالة كنز الفقير
فيما مضى كنا ندعوها ملابس الـ (فراد) وفي الخمسينيات
واوائل الستينيات كانت توزع على طلبة المدراس، وكنا نشمئز
منها، ولكن المقاولين كانوا نشيطين في محاولات اقناعنا
بارتدائها وبخاصة في ايام الشتاء قارسة البرد، لكن اشاعة
صغيرة حول ان هذه الملابس هي ملابس جمعت من قبل الجمعيات
الخيرية الاوربية من المستشفيات والبيوت والمحال (الستوك)
وانها تخص مرضى او موتى جعلتنا نطرح بها على الرصيف او
نجعلها ممسحة لارضية الدار. مع الظروف المريرة التي شهدها
العراق في اوائل التسعينيات صارت محط انظار العراقيين
والعراقيات ربما كان للظرف الاقتصادي العراقي دور، وربما
كان لسايكولوجية المرحلة دورها، فان اسعار (البالات) كما
تدعى اليوم لاتقل كثيراً عن اسعار الملابس الجاهزة، فسعر
الجوارب على سبيل المثال 250 ديناراً بينما سعره جديداً
500 دينار وليس هذا بالفرق الكبير وان كان 50 % من قيمة
الجديد.
تنوعت البالات في اسواق بغداد، حتى لم يعد هناك شيء لا
يمكن للبالة ان تقدمه - غرف النوم - الاجهزة الكهربائية -
الموبايل - بردات الشبابيك - السيارات، ولا تستغرب عزيزي
القارئ ان بعض العراقيين صار يشتري حتى ملابسه الداخلية من
البالات! من دون ان يرف له جفن، ودون خوف او حذر في ظل
غياب القانون والرقابة الصحية.
قد نتجاوز بعض الاستخدامات كما في السيارات، لكننا بحاجة
الى من يطمئننا حول استخدامنا المستعمل من الملابس وبخاصة
الملابس الداخلية كما اشرنا، والملابس اليوم هي الاكثر
جذباً بسبب من اشتداد البرد ولها مواسمها التي تبدأ مع
بداية الموسم الدراسي وتكاد لاتنتهي بانتهاء الامتحانات
النهائية في اواخر حزيران من كل عام حيث يبدأ الموسم
الصيفي للبالة، ولم يعد البغدادي مهتماً بمقولة كان
يستخدمها الاجتماعيون في شتى المناطق العربية والاسلامية
حول من يهتم بمظهره وملابسه فيقولون عنها (تبغدد)، فقد صار
البغدادي يتبغدد "بالفراد" او (اللنكات) او (الستوك) او (البالة)
متمثلاً حياة دعة من نوع اوروبي مستعمل. لتقفل على عقله
ثقافة المستعمل. واللنكة او البالة كيس جنفاص مخيط بطريقة
خاصة تحيط به قيود حديدية او قصديرية محكمة بفتحها المشتري
الاخير، فهي موضع او محل شراء من جملة من المقاولين.
والتجار يتداولونها من واحد الى واحد حتى تصل الى صاحب
المحل الصغير او صاحب العربة المتجولة، الذي يفتحها ويعزل
منها ما هو جيد جداً ثم ما هو جيد ثم العادي، ولكل سعره،
فالجيد جداً يذهب الى المكوى للغسيل والكي وربما بعض الجيد
كذلك، اما العادي فيعرض بسعر واحد في العربة او المحل
بينما تختلف اسعار البضاعة الجيدة جداً،
نشأت على هامش تجارة البالة وظائف اخرى، فالغسيل والكي
والحمالية والباعة المتجولون الذين يفترشون الارصفة في
اغلب الاحيان واهم اسواق بالة الملابس في بغداد هي اسواق
الكاظمية تليها اسواق الباب الشرقي والبياع وبغداد الجديدة
ومناطق اخرى بمستويات اقل.
يقول السيد محمد هاشم (الاسيوي) وهو تاجر بالات (جملة) في
الكاظمية - انظر كل اصحاب هذه المحال هم من المتجاوزين
استغلوا فرصة غياب القانون فجعلوا منطقة باب الدروازة في
الكاظمية غابة من غابات البالات، والبالات ملابس تجمعها
شركات متخصصة بالملابس المستعملة في اوربا وبعض بلدان جنوب
شرق اسيا واستراليا وتركيا او دول مثل تايلند وماليزيا
وسنغافورة حيث الاسواق المهمة للبالات التي يجتمع فيها
تجار من الدول الفقيرة لشرائها باسعار رخيصة واعادة بيعها
في اسواقهم المحلية.
ويؤكد السيد محمد ان موجة البالات في العراق هبت مع هبوب
رياح الحصار الاقتصادي عام 91 لتنتشر في عموم اسواق العراق،
ويقول .. لا ابالغ اذا قلت ان السوق العراقي هو المستهلك
الاكبر للبالات في العالم لكن ظهور البالات في الدول
المجاورة كان اقدم منه في العراق.
ويقول قاسم المالكي احد تجار البالات في شارع الكفاح (المورد
الرئيس) في البداية لم يكن المبلغ المتداول في سوق البالات
يتجاوز بضعة آلاف الاخر من الدولارات لكنه مع بداية
التسعينيات او بعد منتصفها ارتفع الى قرابة 7 ملايين دولار
سنوياً وتطور الرقم في الالف الثالث الى اكثر من 25 مليون
دولار.
وقد فشلت وزارة الصحة التي ارادت عام 1999 تحجيم هذه
التجارة ويفيد تجار البالات ان تجارتهم انخفضت بنسبة 55%
تقريباً بعد سقوط النظام بسبب انفتاح الاستيراد وتوفر
البضاعة الجديدة التنافسية في اسعارها، وان اسواق البالات
اخذت بالتراجع، برغم ضعف كفاءة مناشئ البضائع المستوردة من
سوريا ومصر وتايلند والصين.
وعلى سبيل المثال فان سعر قميص تركي او ماليزي او سوري
يتراوح بين 4 الاف الى 8 الاف دينار بينما سعره من النوع
الممتاز في البالة قد يصل الى 14 الف دينار، ويعلل
الكثيرون انخفاض الاقبال الى البالات الى ارتفاع القوة
الشرائية لدى العراقي وتوفر البديل المستورد الجديد.
البالة الاخطبوط
منذ عام 2001 لم تعد البالة تقتصر على الملابس وحسب فقد
دخلت (التلفزيونات - الفديوات - الكاميرات - المكيفات -
الغسالات - الثلاجات - ادوات الانارة ... الخ) ثم قدمت
بالة المواد المنزلية (سجاد، موكيت، بردات، مكاتب، غرف نوم،
مراتب، ... الخ) وذلك النوع من البالات وجد نجاحاً عارما
في الاعوام 2001، 2002، 2003. يقول سالم عبد الله النعيمي،
انه اكتشف هذه التجارة مصادفة حين بعت ممتلكاتي في احدى
دول الخليج الى مكاتب تشتري المواد المستعملة باسعار بخسة
جداً وان اجهزة تلفزيون من نوع توشيبا مثلاً كانت تباع في
بغداد بسعر يتراوح بين 200 و 300 دولار بينما يتم شراؤها
من دول الخليج بسعر 30 الى 50 دولاراً الامر الذي دفعني
الى استحصال الموافقات اللازمة لاستيرادها الى العراق. وقد
توسعت التجارة امام التجار العراقيين الذين باتوا ينافسون
التجار الهنود الذين يعملون في الخليج من امد طويل.
ومثل هذه البضائع واجهت في البداية صعوبات مع الكمارك و
المكوس والرسوم والضرائب ما اضطرها الى ان تدخل مهربة عن
طريق ايران وكردستان العراق، وتلك التجارة بدأت بالانحسار
هي الاخرى عام 2002 عندما سمحت السلطان لشركات معروفة
بافتتاح معارض لها في العراق لبيع الاجهزة الكهربائية
الجديدة واصبحت الاسعار هنا ايضاً متقاربة نسبياً.
المنيفيست
او السيارات المستعملة، وقد راجت بعد سقوط النظام، وهذا لا
يعني ان هذه التجارة لم تكن موجودة لكنها كانت محاربة من
قبل السلطات التي فرضت ضريبة على السيارات المستوردة
الحديثة 300 % من قيمتها وهو رقم تعجيزي وغير عملي، بينما
لو ناقشنا الموضوع من جانبه العملي لوجدنا ان السيارات
القديمة كانت تستوردها من الادوات الاحتياطية ما يعادل
اضعاف مبالغ واقيام السيارات الحديثة المستوردة الى العراق
(المنيفيست) كما انها تستهلك مواد احتياطية اقل وكذلك
وقوداً اقل ولكن عقلية ازلام النظام البائد لم تكن عقلية
اقتصادية ومع ذلك فان للمنيفيست مشاكلها، وفي البداية كان
استيراد المنيفيست فرديا ثم تحول الى صفقات كبيرة بعد ذلك
استعان تجار السيارات المنيفيست بافكار زملائهم من تجار
البالات فتحولت معارض السيارات الى بالات سيارات وتسمى
الان (حاويا) وتحولت عربات نقل السيارات الى ما يسمى اليوم
(الرمبة)
الرمبة
والرمبة حسب المفهوم الشعبي هي مرتفع ترابي تتم اقامته في
ساحة عامة او تقاطع مروري او في شوارع رئيسة او فرعية تقف
هذه الشاحنات المحملة بالسيارات لتفريغ حمولتها ويقف
بقربها صاحب السيارات المستوردة والمشترون، فتتم عمليات
الشراء بشكل مباشر وكيفي ومن دون فحص على طريقة شراء
الملابس المستعملة من عربات البالات وقد يصيب المشتري هدفه
بسيارة جيدة ورخيصة او يقع ضحية سيارات عاطلة تعاني
المشاكل المتأزمة كما يقول الزميل مشرف عباس.
سكراب .. سكراب ... سكراب
منطقة القصر الأبيض وسط العاصمة بغداد هي المنطقة الرائدة
في تجارة بالات الادوات الاحتياطية المستعملة التي يتم
استيرادها من سكراب السيارات في دول مختلفة من العالم في
مقدمتها دول الخليج ويتم تفكيكها هنا لتصبح ادوات احتياطية
لسيارات المنافيست.
تلك التجارة لم تقتصر على القصر الابيض وسوقها الشهير (سوق
بغداد) بل تجاوزت ذلك الى معظم مناطق بغداد مثل حي الشعب
وحي القاهرة والبياع وبغداد الجديدة وكمب سارة والاعظمية
والكاظمية والدورة ومناطق اخرى تحولت باحاتها وارصفتها الى
معرض هائل للسكراب بدهونه ومخلفاته واوساطه ومايعكسه من
مشهد غير حضاري للمدينة في اجمل مناطقها وأنظفها.
والغريب ان تتحول مئات المحال التجارية التي كانت تبيع
الادوات الاحتياطية الجديدة الى بيع السكراب بل ان السكراب
بدأ يزحف ليبتلع محال بيع الاقمشة والمرطبات والمطاعم بغير
ضابط ولا رقيب دون التزام باللوائح والقوانين المشرعة
سابقاً والتي منعت استغلال المحال في المناطق التجارية
والسكنية لاغراض صناعية او لتصليح السيارات او بيع السكراب
وظهرت هذه المهن في الاحياء الصناعية المعروفة.
اما اسعار السكراب فتحدد على وفق الشروط الاتية:
1- شحتها في السوق فاذا لم تكن متوفرة في محال بيع الادوات
الاحتياطية الجديدة او السكراب يرتفع سعرها الىالضعف او
اكثر بينما يقل سعرها اذا كانت متوفرة.
2- طريقة تفكيكها فاذا كانت صعبة في الاستخراج من المحرك
او أي جزء اخر من السيارة يرتفع سعرها بينما ينخفض سعرها
اذا كانت طريقة تفكيكها سهلة.
3- صلاحيتها للعمل فالادوات التي تستخرج وهي بحالة جيدة
تكون اسعارها اعلى من تلك التي استعملت لمدة طويلة وان
عمرها الافتراضي في طريقه الى النهاية.
تلك الشروط ليست مقدسة وان كانت قياسية فاحياناً تباع بعض
الادوات باسعار اعلى من قيمتها في السوق اذا كان المشتري
متلهفا ومستعداً للدفع من دون ان يبحث في مواقع اخرى.
فلسفة استعمال
المستعمل
كثرت التفسيرات عن سر الانصراف الى استعمال المستعمل
وتفضيله في بعض الاحيان على الجديد، ترى ما فلسفة استعمال
المستعمل؟
يقول الزميل مشرف عباس: إن ثقافة المستعمل انطلقت مع مطلع
الثمانينيات عندما انطلقت الى الافق الاقتصادي العالمي
صناعات استهلاكية رخيصة من الصين وتايوان وهونغ كونغ
وماليزيا وسنغافورة وحالما جرب العالم تلك البضائع وادرك
ان عمرها فقير وكفاءتها لا تقارن بالبضائع اليابانية
والامريكية او الاوربية عادوا للبحث عن البضائع الاصلية
حتى لوكانت مستعملة، فظهرت ثفافة تحترم المستعمل ذا العمر
الطويل والكفاءة الجيدة ولا نعير اهتماماً للجديد حتى لو
كان بعضه جيداً، وهذا بالضبط ما حصل في العراق وتضاعف خلال
مرحلة التسعينيات ليشكل ظاهرة تجاوزت كل الحدود، دعمها ..
وعمقها الوضع الاقتصادي الكارثي الذي شهده العراق في تلك
المرحلة وادى الى انهيار قيمة العملة وتضاعف التضخم
والازمات فضلاً على حالة الانقطاع عن العالم الخارجي التي
فرضها الحصار الاقتصادي، لكن الاستقرار الاقتصادي وتوافد
الشركات العالمية وانفتاح السوق العراقي سيقود الى انحسار
هذه الظاهرة ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح:
ونحن نرى ان ثقافة المستعمل تجري الهوينا هذه المرة الى
جانب البضاعة الجديدة المستوردة وبخاصة بعد تقارب الاسعار
بين السلعتين، ومع ذلك نجد في البحث في سوق المستعمل عن
ماركة محددة للملابس والاكسسوارات والساعات والاجهزة
الكهربائية، والمنزلية ثمة ثقة ليس منبعها السعر، وانما
المتانة والاناقة والتجربة فالذين يذهبون الى المستعمل
لديهم فكرة مسبقة انهم لن يخدعوا سعراً ولا نوعا كما انهم
جربوا هذا المستعمل الذي لم يعد يميز الان عن الجديد اضف
الى ذلك ان موديلات الجديد عادت الى القديم فتساوى بذلك
الاثنان وبعض المستعمل سمي مستعملاً وحسب وهو لم يستعمل
دائما هو بعض الموديلات التي تطرحها المحال التجارية او
المعامل بعد ان فات وقتها وتدعى (ستوك) وعلى اية حال مهما
كانت التسمية فالجوهر واحد والبالة (كنز الفقير) كما علق
احد الظرفاء.
|