مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مراجعة كتاب "السنة التي قضيتها في العراق" لبول بريمر: ؤية من قلب عاصفة العراق الهوجاء.

بقلم :ميتشيكو كاكوتاني
ترجمة : هاجر العاني.

عن: نيويورك تايمز

عندما وصل السفير ل. بول بريمر الثالث الى بغداد في آيار عام 2003 بصفته الحاكم الاداري الامريكي في العراق أخذ على عاتقه أكبر منصب خارجي يشغله أي أمريكي منذ منصب الجنرال دوجلاس ماك آرثر في الحرب العالمية الثانية، فعلى الرغم من ان السيد بريمر كان يعرف القليل عن العراق عندما عينه الرئيس بوش، الا انه - كما كتب في سيرته الجديدة التي تكشف عن الكثير -اصبح " الشخصية الوحيدة ذات السلطة العليا -غير الدكتاتور صدام حسين التي عرفها العراقيون على الاطلاق " و كان تفويضه كاسحاً بقدر سلطاته ، وهي الاشراف على اعادة تشكيل أمة كاملة ، من مؤسساتها السياسية الى آليتها الاقتصادية الى بنيتها التحتية الامنية

وعندما غادر بريمر قبل 14 شهراً عقب تسليم السلطة الى حكومة مؤقتة، كانت الانتقادات - في واشنطن وفي الجيش والصحافة -لاذعة في تقييمها لسجله وكان التمرد قد ازدهر والعنف والاصابات كانت في ارتفاع والآمال في عراق سريع الاستقرار وديمقراطي تتلاشى وكان بريمر هو الملام للسماح بتدهور الوضع الامني وكان هو الملام على حل الجيش العراقي القديم، وهو اجراء يقول عنه المنتقدون انه اسهم في الفراغ الامني ووضع بضعة مئات الالاف من العراقيين المسلحين على قارعة الطريق بدون عمل ولا رواتب ، كما حاول ان يبرهن جورج بايكر كاتب صحيفة النيويوركر. وكان بريمر ايضا هو الملام لاصداره أمراً حظر فيه على آلآف الموظفين البعثيين من العودة الى وظائفهم الحكومية وبذلك يحرم الاحتلال من الاداريين العراقيين من ذوي الخبرة .
و"السنة التي قضيتها في العراق " -
مزيج من التشوش الذهني والصدق - هو الى حد ما تفسير (أو تبرير) للاجراءات التي اتخذها السيد بريمر بصفته رجل أمريكا في بغداد ، على انها الى حد ما تمثل مسعى لاطلاق تعبير " ألم أقل لكم " عدة مرات لزملاء الادارة، وجزئياً هو محاولة لمد (أواعادة نسب) المسؤولية (أو اللوم) بتعقب فقط هوية من قام في البيت الابيض والبنتاغون ووزارة شؤون الدولة لوصول الى أو الامر بقرارات خطيرة تم اتخاذها خلال فترة توليه لمنصبه .
ويبحث بريمر بعض القضايا كاساءة معاملة السجناء في ابي غريب بشكل خاطف جداً ، في حين يحلل القضايا الاخرى منطقياً ، كالجدال حول الجدول الزمني للسيادة بتفصيل جدير بالاعتبار، فأنه يصرف النظر بشكل متعجرف عن مستقبل مشروع العراق الخاص بوزارة شؤون الدولة والذي يقول عنه المنتقدون أنه تم وضعه جانباً بسبب التوترات مع البنتاغون لعدم تقديمها خطة عملية لعراق ما بعد الحرب .
وفي حين ان الكتاب مدعم بلسعات مألوفة وقاسية من الادارة حول أهمية خلع صدام حسين ، فأنه يرسم صورة مقلقة لقيادة الادارة للاحتلال ، اذ انها صورة تقر -في الكثير من الاوجه -
على ما كان يقوله منذ وقت طويل منتقدو الحرب وما بعد الحرب : بأنه ليس هناك ما يكفي من الجنود الامريكيين لتوفير الامن واحتواء تمرد منتشر وبأن - وكما قال السيد بريمر لنائب الرئيس ديك تشيني في خريف عام 2003 - الولايات المتحدة لم يكن لديها " ستراتيجية عسكرية عملية للنصر " لفترة ما بعد الحرب وبأن كما أخبر كوندوليزا رايس في أيار من عام 2004 - الولايات المتحدة قد أصبحت تمثل " أسوأ شئ ، الا وهو محتل عاجز".
ويؤكد الكتاب على مدى الافكار الثابتة المعينة التي يتمسك بها أعضاء من الادارة اعاقوا التخطيط لما بعد الحرب ، مثل الانطباع الذي مفاده ان أمريكا كانت تستطيع " أن تسلم وبسرعة السلطة الكاملة الى مجموعة من العراقيين المغتربين المختارين" مثل أحمد الجلبي، حتى وان كانت المصداقية هي ما تنقص أولئك المغتربين لدى قطاع واسع من الشعب - كما يشير بريمر .
وفي النهاية يؤكد الكتاب على الهوة الواسعة بين الواقع المعيش على الارض في العراق والتفكير الراغب بالاعتقاد بصحة الامر والاستخبارات الرديئة التي شكلت تفكير صقور الادارة ، مثلاً التأكيدات على ان صادرات النفط ستدفع ثمن اعادة بناء البلد ، في حين -في الواقع -
ان تخريب خطوط انابيب النفط ووجود بنى تحتية بالية في قطاع الصناعة معناه نفقات كبيرة فقط للنهوض بمشاريع النفط العراقي وتدويره .
ونبذ المتمردين باعتبارهم مجرد " جيوب لاشخاص يمثلون طرقاً مسدودة " ، في حين -
في الواقع - يقول السيد بريمر انه في صيف عام 2003 اطلع على وثيقة للمخابرات العراقية السابقة للحرب تدعو الى ستراتيجية للمقاومة المنظمة لتنفيذها ما إذا انهار نظام صدام وضعف استخبارات امريكا العملية بشأن "طبيعة العدو" نشأت جزئياً -كما يحاجج السيد بريمر- من الاولويات التي وضعتها واشنطن لوكالة الاستخبارات الامريكية / مركز بغداد ، وهي التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل والقبض على البعثيين الكبار الهاربين الذين شهر بهم على اوراق اللعب لاكثر المطلوبين بدلاً من التركيز على "الذين يفجرون عربات الهمفي ويقتلون جنودنا" ، وتفاقمت الامور بسبب حقيقة ان كوادر سلطة الائتلاف المؤقتة كانت اقل من المطلوب باستمرار ، ففي تموز من عام 2003 اشار السيد بريمر الى انه لم يصل اي من الـ 250 شخصاً الذين كان قد طلبهم و " ان الروتين الحكومي لواشنطن سيبطئ من موارد اعادة البناء و الملاك لمدة سنة تقريباً ".
ورغم أن السيد بريمر لم يدع علانية الى المزيد من الجنود الامريكيين حين كان في منصبه في العراق، الا انه في خريف عام 2004 قبل الانتخابات الرئاسية قال ان القوات غير الكافية عرقلت الاحتلال بالسماح باعمال نهب منتشرة وذلك لأحداث " جو من عدم الخضوع للقانون" مبكراً ، وفي هذا الكتاب يؤكد السيد بريمر تأكيداً أقوىً بكثير على اعتقاده طوال فترة توليه منصبه في العراق (يؤكد) على انه كانت هناك حاجة لجنود أكثر لصيانة البلد وخوفه من ان البنتاغون -
التزاماً بنظرية وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الخاصة بتنظيم القوات المسلحة- كان متلهفاً على " استبدال الجنود الامريكيين بشرطة عراقية غير مهيأة" كانوا قد اندفعوا " خلال دورات تدريبية ناقصة ".
ويورد السيد بريمر على سبيل المثال مذكرة من ايلول عام 2003 اعلن فيها السيد رامسفيلد ان " غايتنا يجب ان تكون زيادة اعداد العراقيين ومحاولة الحصول على بعض القوات الدولية الاضافية " و " تقليل الدور الامريكي"، وكتب ان كولن. باول قال ان هذا الجهد كان مرتبطاً بالقلق من انه ربما كان على الرئيس ان يقوم بتعبئة المزيد من وحدات الحرس الوطني ، وبضمنها تلك الآتية من ولايات تمر باوقات عصيبة في سنة الانتخابات .
ويبدو ان السيد رامسفيلد قد تجاهل توسلات السيد بريمر ، فقبل مغادرة الاخير الى العراق في ايار عام 2003 أرسل السيد بريمر الى وزير الدفاع نسخة من تقرير (راند) يقدر أنه ستكون هناك حاجة الى 500000 جندي لنشر الاستقرار في عراق ما بعد الحرب ، وهذا أكثر بثلاثة أضعاف من عدد الجنود الذين تم نشرهم حينذاك ، وكتب السيد بريمر في مذكرته للتغطية " أعتقد انك يجب ان تأخذ هذا الامر بنظر الاعتبار" ويقول انه لم يصله أي رد من السيد رامسفيلد .
ثم حدث الشئ نفسه بعد عام كما يروي بريمر ، عندما أرسل الى رامسفيلد رسالة يذكر فيها
" أن تدهور الوضع الامني منذ نيسان قد أظهر جلياً -على الاقل بالنسبة لي - بأننا كنا نحاول تغطية جبهات أكثر من المطلوب بموارد أقل من المطلوب" ، وقد أوصى بأن يقوم البنتاغون بـ " النظر فيما اذا كان باستطاعة الائتلاف نشر فرقة أو اثنتين لمدة عام" ويقول مرة أخرى أنه لم يصله أي رد من السيد رامسفيلد.
أما بالنسبة للرئيس بوش فيقول بريمر أنه تحدث اليه بشأن تقرير (راند) في ايار عام 2003 وعرض مرة أخرى قضية مستويات الجنود في الشهر التالي في مداولة بالصوت والصورة مع مجلس الامن القومي ترأسها السيد بوش.
اما حول مسألة حل الجيش العراقي المثيرة للجدل -
يحاجج بريمر -كما يذكر في المقابلات ، ان
" الجيش القديم كان قد تلاشى منذ مدة طويلة " عند وصول بريمر للعراق و " عندما رأى المجندون العراقيون المسار الذي تسير فيه الحرب في عام 2003 قاموا ببساطة بالفرار والعودة الى بيوتهم والى مزارعهم وعوائلهم " ، ويؤكد السيد بريمر ان قرار الحل الرسمي لجيش صدام حسين كان القصد منه " الاثبات للشعب العراقي" بأن الولايات المتحدة قد دمرت "أسس نظام صدام" ، ويضيف السيد بريمر بأن القرار كان بالكاد قراره وحده بل تم اتخاذه بالتشاور مع نائب وزير الدفاع بول وولفويتز ووكيل وزارة الدفاع دوجلاس فيث وقد أقره السيد رامسفيلد .
اما اقصاء البعثيين السابقين من الحكومة فكان أكثر تعقيداً ، ويكتب بريمر ليقول أنه حتى قبل وصول السيد فيث الى بغداد أطلعه على مسودة أمر بـ " اجتثاث البعث من المجتمع العراقي " وقال أنه كان يفكر في جعل سلف السيد بريمر في بغداد
جاي غارنر يقوم باصدار الامر في الحال .
بيد أنه تم اقناع السيد فيث بترك السيد بريمر يصدر المرسوم بنفسه عندما يصل الى بغداد ، ويكتب السيد بريمر ليقول ان تنفيذ المرسوم كان متروكاً الى حد كبير للعراقيين في مجلس الحكم مثل السيد أحمد الجلبي الذي كان مقرباً من السيد فيث والمحافظين الجدد الآخرين في البنتاغون ، ويكتب قائلاً " ان سياستنا لاجتثاث البعث كانت قد استهدفت فقط 1% من أعلى درجات أعضاء الحزب ، ولكن بتوجيه من الجلبي قامت هيئة اجتثاث البعث بتوسيع السياسة ، مثلاً حرمان آلآف المدرسين من وظائفهم " ، وعند استعادة الاحداث يضيف السيد بريمر بأنه كان على خطأ في اعطاء مسؤولية الاشراف على سياسة اجتثاث البعث الى هيئة سياسية كمجلس الحكم " .
وفي مرحلة ما وعند حديث السيد بريمر عن مجلس الحكم قال للمستر وولفويتز " هؤلاء لم يستطيعوا تنظيم موكب ، فما بالك بأدارة بلد.
وكما يظهر جلياً من هذا الكتاب بأن الاجندات الخفية وتلك التي هي ليست خفية جداً الخاصة بموظفي واشنطن والمغتربين من مثل السيد الجلبي ، جنباً الى جنب مع المصالح المتضاربة لممثلي الشيعة والسنة والاكراد قد حولت الكثير من أيام السيد بريمر، حيث كان يعمل 18 ساعة يومياً، (حولتها) الى ماراثونات لحل صراع مسبب للاحباط ، فبالاضافة الى ان المقتضيات اليومية للاشراف على بلد مهدد بالانزلاق الى الفوضى والمعضلات البيروقراطية الباعثة على الغضب للارتفاع حتى بأبسط الخطط من القاع ، كلها تعطي معنىً جديداً تماماً لعبارة " ادارة الازمة" وتدع القارئ يشعر شعوراً واقعياً بالمصاعب المذهلة للوضع القائم في العراق .


في حوار مع البروفسور ستيقن وولت مؤلف كتاب (القوة الامريكية): سنكشف ما يمكن لامريكا وما لا يمكنها فعله في العالم..

ادار الحوار - سيلفي كوفمان
ناتالي نوغا بريد
ترجمة - عدوية الهلالي

عن: لوموند الفرنسية

اجرت صحيفة اللوموند الفرنسية حواراً مع البروفسور ستيفن وولت، مدير مدرسة جون كيندي التابعة لجامعة هارفارد والاستاذ المتخصص في العلاقات الدولية.
قولت صدر له مؤخرا كتاب موسع حول القوة الامريكية تحدث فيه عن علاقة امريكا بالدول الكبرى وتدخلاتها في شؤون دول العالم المختلفة.
لدى سؤاله عن ضرورة الانسحاب العسكري الامريكي من العراقي وتحت اية شروط قال:
هناك حدود لا بد لاية دولة -مهما كانت- الوقوف عندها حين تقدم على احتلال بلد آخر، وان لم تنجح الولايات المتحدة في هذا المجال فلا يدل ذلك على عجزها عن تجاوز ازمتها... وقد يكون على الولايات المتحدة الانسحاب من العراق بتحديها مهلة امدها 18 شهرا وهو ما قد يجنب القوات الامريكية خذلانا اكيدا ويؤثر في الرأي العام الامريكي، وقد يتوجب تقديم هذا القرار ليس بصفته انسحابا او مغادرة بل كاعادة لوضع استراتيجية جديدة.. قد يمكننا مثلا البقاء بهيئة قوات بحرية وجوية وبضعة مجاميع من القوات الخاصة لمساعدة القوات العراقية وقد يتوجب على الولايات المتحدة اتباع ديبلوماسية اقليمية فاعلة جدا بالتوجه الى الحصول على دعم خارجي للمحافظة على وحدة العراق تحت ظل نظام فيدرالي مرن يتوافق مع مصالحنا..
وبعد رحيلنا من العراق، ستتخلص العناصر السنية بسرعة اكبر من العناصر "الجهادية" الغريبة التي يؤدي وجود امريكا الى تكاثرها، واثارتها، وقد يؤدي الانسحاب من العراق الى التخلص من الارهاب "الجهادي" او في الاقل تقليصه بشكل كبير..
وعمّا يدعوه الرئيس بوش "الحرب الكونية" ضد الارهاب والى اين ستقود امريكا، قال البروفسور وولت:
-لا احب هذا التعبير ابدا واعني "الحرب الكونية ضد الارهاب" لانها تمنح الارهاب الكثير من الشرعية التي لا يمتلكها، من جهة اخرى، فان كل حرب لها بداية ونهاية اما حربنا فستضعنا بمواجهة هذه المشكلة الكبيرة وستستمر لفترة طويلة.. انا اعتقد ان على الولايات المتحدة تركيز جهودها بشأن هذه المشكلة او بالاحرى محاولة احداث تغيير سياسي مصطنع في اجزاء مختلفة من العالم.
ما جرى في العراق مثلا ابعدنا عن الحرب ضد الارهاب، لان الكثير من الناس ادركوا المشكلة حاليا، وفي الوقت ذاته فان خطر تهديد الجهاديين لا بد ان يؤخد في الاعتبار، فبرغم ان اولئك الجهاديين لا يمتلكون اسلحة للدمار الشامل فهم يشكلون خطرا اكيدا لكنهم لا يهددون حضارتنا واساليبنا في حياتنا الغربية لان طموحهم بظهور خليفة لا يمكن ان يتحقق ذلك ان اسامة بن لادن لم يجتذب الملايين ولا الالاف من المؤيدين ورسالته لن تجد أي صدى في أي مكان لا توجد فيه معاداة للغرب وللامريكان خصوصا.
وعند سؤاله عن سبب انخفاص شعبية جورج بوش وان كان ذلك يدل على تناقص احساس الامريكان بدورهم كقوة عظمى، قال:
لا اعتقد ذلك، فالامريكان مستعدون تماما لاستخدام القوة ولالقاء قواتهم في مهاوي الخطر اذا ما شعروا بأن هناك ما يهدد مصالحهم، لكنهم غير مستعدين للاقدام على ذلك اذا تكهنوا بأن هذا لن ينجح، في ما يخص الرئيس بوش فقد كان عليه العمل بجد لاقناع الشعب الامريكي بدخول العراق وعمل على تضليلهم وخداعهم حين قال لهم بأن هناك علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة وبأن صدام كان يملك اسلحة دمار شامل ثم تبين فيما بعد ان كل تلك الحجج جوفاء ووهمية.. فضلا عن ذلك فمن الواضح ان العملية ستطول وستكلفنا كثيرا وهذا ما يفسر انحسار الدعم الخارجي..
وقال البروفسور وولت عن سؤاله بخصوص تراجع التأييد العالمي للقوة الامريكية وهو ما بدأ بعد حرب الخليج الاولى وعمليات افغانستان التي كان الاتفاق عليها واسعا.
يوجد في امريكا ثلاث مشكلات اساسية.. كانت امريكا تقارن سابقا بالغول واذن فمن الطبيعي أن البلد الاقوى في العالم يثير انزعاجا اكيدا لان لا احد يتكهن بما سيفعله ومن المؤكد ان ذلك يضر الاخرين بطريقة او بأخرى... المشكلة الثانية هي وجود خلافات بين الولايات المتحدة، وعدد من شركائها على قضايا كبرى بقوانين العقوبات العالمية والاتفاق على الاسلحة البايولوجية والوصول الى تسوية للقضية الاسرائيلية- الفلسطينية.. اما المشكلة الثالثة فهي سياسية الرياء والكيل بمكيالين التي تتبعها الولايات المتحدة.
واضاف: يمكن ان تُخدع اية دولة في العالم والولايات المتحدة هي واحدة من تلك الدول وارى ان قوة امريكا هي التي اوقعتها في كل تلك المشكلات، اما الصورة المشوشة التي اصبحت عليها وتراجع التأييد العالمي لها فجاءت بعد فضائح سجن ابي غريب في العراق واحتمالات نقل السجناء الى دول اخرى ليعذبوا فيها.. فنحن نطالب الاخرين باحترام مواثيق حقوق الانسان بينما نعمل نحن انفسنا على خرقها تحت ذرائع مختلفة.. والولايات المتحدة وبرغم قوتها فلن تستطيع فعل كل ما تريده لا سيما بوجود ميل طبيعي لدى الاخرين لمقاومتها فلأننا اقوياء علينا التصرف بكثير من الحكمة والحذر ومع تقدير افضل للحالة التي نضع انفسنا فيها..
وهنا سألت احدى الصحفيتين اللتين أدارتا الحوار البروفسور وولت ان كان التصرف بحكمة يعني بالنسبة له ان نشر الديمقراطية في العالم ما هو الا وهم كبير.. فقال:
يعتمد هذا على ما تريدين قوله، فاذا قدمت الولايات المتحدة نفسها كنموذج لتشجيع الاخرين على احترام دولة الحق والوسائل الديمقراطية فان هذه الفكرة ستسري بايقاع تتقلبه مختلف المجتمعات في العالم، اما اذا كان تصدير الديمقراطية يعني احتلال البلدان وابعاد "العناصر الشريرة" منها... الخ. فلن يكون هذا عملا جيدا.. اضافة الى ذلك فنحن مشغولون حاليا بتعلّم ما يمكن للقوة الامريكية عمله ولا يمكنها ذلك، والحقيقة انها قادرة على عمل اشياء كثيرة، فالقوة الاقتصادية لامريكا لها آثار ايجابية في العالم. اما القوة العسكرية الامريكية فتمتلك تأثيرا قويا رادعاً لمواجهة الاعتداءات لكنها ربما تستخدم لمواجهة اعتداء غير مشروع كما في حرب الخليج الاولى، وهناك شيء اود التأكيد عليه وهو ان هذه القوة العسكرية لا يمكنها ان تحكم البلدان أي تديرها سياسيا، لا يمكن تخيل ذلك.
اما عن دور اوروبا وارتباطها بالسياسة الامريكية الخارجية وتأثير الصعوبات التي تواجهها امريكا عليها فقال:
-حدثت اشياء كثيرة، فهناك ما يدعى مرض النصر أي انك عندما تحقق الكثير من النجاح فقد تسبب متاعب كثيرة لانك تصبح موقنا بقدرتك على فعل أي شيء واذا نظرتم الى السنوات الخمس عشرة الاخيرة فستجدون أن الولايات المتحدة حققت نجاحات عديدة فقد ربحت الحرب الباردة وعملت على نشر الديمقراطية واقتصاد السوق في اوروبا الشرقية وفي اجزاء اخرى من العالم..
وخلال تلك الفترة، واجهنا مشكلات عسكرية في البلقان وفي كوسوفو بدءاً من حرب الخليج الاولى لكنها بدت بسيطة وفقدنا فيها القليل من الجنود خلال اعوام التسعينيات! كما ان الاقتصاد الامريكي كان ناجحا وكان لدينا شعور بان الولايات المتحدة قادرةعلى فعل أي شيء وكان الامر رائعا بالنسبة لنا.. ثم جاءت احداث الحادي عشر من ايلول وفجأة بدأت ترتيبات جديدة، فالولايات المتحدة بدت مقتنعة بقدرتها على فعل أي شيء وكانت تقول بأن هناك مشكلة كبرى في العالم وسحر بوش الكثيرين بتلك الفكرة وبقدرة امريكا على ايجاد حل سريع لكل مشكلة ودون ان يكلفها ذلك غاليا..!! كانت هناك ثقة مطلقة بالقدرة على مواجهة التهديدات التي اعقبت 11 ايلول، وهناك وجه اخر للمشكلة ذلك ان ادارة بوش وبوصولها الى السلطة لم تكن تفكر حقيقة الا بأن بقية دول العالم لديها ما يجب على امريكا الحصول عليه بحكمة وكان بوش يعتقد بأن امريكا هي الوحيدة التي تعرف كيف تحكم بقية دول العالم، وهكذا، وقع في احد الاخطاء الجسيمة حين لم يلجأ الى استشارة حلفائه فنصائح الاصدقاء قد تجدي احيانا.
وجاء هنا سؤال الصحفية للبرفسور عما اذا كانت اوروبا ستسلك كما سلكت الولايات المتحدة لو كانت لديها القوة نفسها فقال:
-ليس بطريقة مقيتة.. قد تكون اكثر حذرا بفضل تاريخها لكني اعتقد ان اوروبا اذا توحدت وتمتعت بالقوة العسكرية نفسها في العالم فقد تنزع ايضا الى فرض ما تريده على الاخرين.. فالطموحات تتحقق غالبا بفعل القوة واذا اصبحت الصين اقوى مثلا فسوف تبدأ بالتأكيد بترسيخ مصالحها بطريقة مختلفة كما حدث في السنوات الاخيرة.. انه شيء لا يمكن تجنبه.
وكان السؤال الاخير عما اذا كانت اوروبا والولايات المتحدة ستعملان على نشر الديمقراطية في العالم فقال:
-اذا نجح مشروع تسوية النزاعات في الشرق الاوسط ذات يوم، فسيكون من الضروري ان تتعاون امريكا مع اوروبا لان ذلك سيحتم ايجاد برنامج لتحقيق بناء راسخ للدولة الفلسطينية كما ان لاوروبا دوراً مهماً لابد ان تلعبه كما حدث في البلقان وافغانستان.. وأخيرا.. فالاتحاد الاوروبي تمكن من التأثير في قضايا نشر الديمقراطية والاصلاح الاقتصادي بتقديم احتمال الالتحاق بالولايات المتحدة وهي وسيلة عظيمة واكثر فاعلية مما حاول الامريكان عمله في الشرق الاوسط!.

 
 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة