المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مهرجانات سينمائية في قلب العاصفة

سمير فريد -القاهرة/ خاص بالمدى
لاأرى ان على الناقد او الصحفي الذي يعمل في مجال السينما تغطية المهرجانات التي يحضرها فقط، سواء بدعوة او من دون دعوة، وانما عليه ان يغطي المهرجانات التي تهم القراء، حتى لو لم يحضرها، فعمله موجه اليهم وليس الى ادارة المهرجان، ولذلك تناولنا على هذه الصفحة مهرجان دبي مثلاً رغم أننا لم نحضره، وبالطبع فإن تغطية أي مهرجان كحدث لاعلاقة لها بنقد الأفلام التي تعرض فيه.
وفي إطار النظرة الشاملة لعام مضى مع مطلع 2006 هناك مهرجانات دولية في العالم العربي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، وهي القاهرة ودمشق ومراكش ودبي، بينما لم تحظ مهرجانات أخرى بالقدر نفسه، رغم أنها لاتقل أهمية مثل مهرجان الاسماعيلية او مهرجان طنجة، وكلاهما للأفلام التسجيلية والقصيرة، لان هذه الافلام لا تقدر مثل الافلام الروائية الطويلة، وخاصة في العالم العربي، وحتى مصر ذات المائة عام سينما.
وهناك أربعة مهرجانات سينمائية دولية أقيمت عام 2005 لأول مرة في العالم العربي ولم تحظ بأي تغطية إعلامية خارج بلادها مع الأسف الشديد لأن ثلاثة منها أقيمت في العراق والرابع في فلسطين حتى أنها تبدو وكأنها مهرجانات (سرية) ويرجع ذلك في تقديري الى الغوغائية السائدة في وسائل الاعلام العربية المكتوبة والمرئية، والاستثناء يؤكد القاعدة، والتي تجعل جمهورها يرى ان واجب العراقي الموت حتى زوال أمريكا، وواجب الفلسطيني الموت حتى زوال إسرائيل.
المقاومة بهذا المفهوم الغوغائي تذكرنا بالقول الشائع في الستينيات من العقد الماضي بأن على العرب مقاومة الامبريالية والصهيونية حتى آخر مصري، فما أسهل إطلاق الصرخات المدوية من فنادق الخمسة نجوم، او النضال بالسعر التشجيعي حسب تعبير أستاذنا كامل زهيري، ولكن الشعب العراقي يقاوم من يهدرون دم أبنائه ولو كانوا عراقيين، وكذلك الشعب الفلسطيني، وكلا الشعبين في قلب عاصفة، ولكنها مخاض ميلاد عراق جديد وفلسطين جديدة.
ولذلك أقيم في كردستان العراق في فبراير مهرجان أربيل الأول للأفلام التسجيلية والقصيرة الكردية، ونظمته إدارة السينما في وزارة ثقافة الاقليم ، وتولى إدارته مدير هذه الإدارة مهدي أوميد، وقد عرض المهرجان نحو 50 فيلماً لمخرجين أكراد من الإنتاج الكردي وغير الكردي، وكان من أهمها (العودة الى كركوك) إخراج كارزان شيرا بياني الذي يعيش في المنفى في لندن منذ سنوات طويلة مثل آلاف المبدعين العراقيين من الأكراد وغير الأكرد.
ولدى العرب حساسية مفرطة من دون مبرر من أي حديث عن ثقافات الأقليات من المحيط الى الخليج مروراً بمصر والسودان، وذلك نتيجة الوعي الغوغائي السائد أيضاً، والذي يرى ان الحدث عن ثقافة او حقوق أي أقلية يعني التوجه الى تقسيم هذا البلد او تلك، بينما يعلمنا التاريخ ان اي بلد يكون في نهضة عندما يحترم ثقافة الأقليات، وأن أي بلد توجد فيه أكثر من ثقافة ينعم بالتعددية الثقافية التي تجعله أكثر قدرة على التفاعل مع العالم المتعدد الثقافات بالضرورة، وان الوحدة الوطنية مكافأة لاينالها إلا الشعب القادر على أن تتعايش أغلبيته مع أقلياته.
وفي سبتمبر أقيم مهرجان بغداد الأول للأفلام القصيرة الذي نظمته جمعية الفنون البصرية المعاصرة برئاسة نزار الراوي وإدارة حمودي جاسم، والذي عرض اكثر من 60 فيلماً لمخرجين عراقيين من الإنتاج العراقي والأجنبي، وبرنامجاً خاصاً من 25 فيلماً ألمانياً، وعرض خارج المسابقة 30 فيلماً منها 5 أفلام مصرية من الإنتاج المستقل، وإنتاج معهد اليسنما بالجيزة، وهي (ان تنام بهدوء حتى السابعة) إخراج تامر محسن، و (جليد) إخراج رامي عبد الجبار، و (أبدا لم نفارقه) إخراج أحمد رشوان، و (نظرة للسماء) إخراج كاملة أبو ذكري، و (يوم الاثنين) إخراج تامر السعيد.
وفي سبتمبر أيضاً أقيم مهرجان سينما المرأة الأول في فلسطين (رام الله ونابلس وبيت لحم)، الذي نظمته جمعية شاشات برئاسة سميرة حساسيان وإدارة علياء أرصغلي، وعرض أكثر من 30 فيلماً منها الفيلمان المصريان (دردشة نسائية) إخراج هالة جلال وإنتاج ماريان خوري، و (النهارده حصان) إخراج هالة منصور، ومن إنتاج شركة سمات للإنتاج المستقل.
وأخيراً أقيم في ديسمبر مهرجان بغداد السينمائي الدولي الأول الذي نظمته جمعية سينمائيون عراقيون بلا حدود برئاسة طاهر علوان، والذي عرض أكثر من 40 فيلماً طويلاً منها الفيلمان المصريان (بحب السيما) إخراج أسامة فوزي، و (أحلى الأوقات) إخراج هالة خليل، كما شارك فيه المركز السينمائي المغربي، والمجمع الثقافي في أبو ظبي.
وقد أقبل الشباب على حضور المهرجان، رغم الظروف الأمنية المتدهورة، وافتتح بكلمة من شيخ الفنانين العراقيين الممثل والمخرج والناقد المسرحي والسينمائي الكبير يوسف العاني وجه فيها الدعوة الى الشباب لعدم إلقاء تاريخ السينما في العراق كله في مزبلة التاريخ، والتأكيد على ان هناك 20 أو 30 فيلماً من المائة تستحق التقدير.


تأملات بصدد (عراقي في باريس) لصموئيل شمعون
 

أحمد سعداوي

رواية تختصر جهد روائيين عديدين، ببساطة وتلقائية فائقة، تذكرنا بروايات التشرد العظيمة، أبتداءً من (مغامرات لاثارو دي تورميس) الاسبانية مجهولة الكاتب، ومروراً برابيليه وسرفانتس، ووصولاً الى النماذج الاحيائية المعاصرة، كما في (طبل الصفيح) لغونتر غراس. وتذكرنا ايضاً، بالكتب السيرية المهمة في السرد العربي، مثل (الخبز الحافي) لمحمد شكري، بصراحتها وجرأتها وتلقائيتها العالية، ففي هذه الرواية هناك دائماً خيط مشدود بين السرد الفني الروائي وسرد السيرة، نجح الكاتب في جعلنا نسير عليه. والرواية بعد كل ذلك تذكرنا بهذا المتن في الرواية العالمية ليس إلا، لأنها ككل متماسك ومضفور بعناية لا تحال في النهاية إلا الى نفسها.
(عراقي في باريس) ليست سوى نتاج عمر كامل، انها رواية الروايات، لأنها تكفلت باختزال هذا العمر الفسيح، بين دفتي كتاب، إستناداً الى اشارات المؤلف العديدة المبثوثة في الرواية، وفي الصفحة الاخيرة منها التي وجه بها الشكر الى من ساعدوه على اتمام هذه الرواية/ السيرة.
والرواية اذ تستند الى مادة السيرة الذاتية المليئة بالمحطات المتنوعة، فإنها تضج بالاشارات، السياسية والاجتماعية والثقافية، المتداخلة مع زمان معين ومناخات بعينها. فعلى صفحات جزأي الرواية الاساسيين تطال علينا محنة العراقي في بلده وخارج بلده، دون قصد تعبئة هذه المحنة ضمن سياق المناكفة السياسية، فالرواية تنأى بنفسها عن الجدال السياسي الصريح، وتظل مشغولة بذلك البعد الانساني الصرف، الغاطس بانسانيته حد العظم.
ولكنها مع ذلك تمنح القارئ فرصة التأمل في العالم الذي تطرحه، وفي الاشارات التي تحملها الجمل المتناثرة المبثوثة هنا وهناك داخل الرواية.
بطل الرواية هو المؤلف نفسه (صموئيل شمعون) ولكنه لا يظهر بهذا المسمى إلا نادراً، فهو (سامي) في غربته اللبنانية والسورية، ثم في غربته الفرنسية، وهو (جويي) في بلدته الصغيرة (الحبانية) ايام طفولته، وحتى في المدرسة حين استغرب من الاسم الذي ناداه به المدرس، فلم يكن سوى (شموئيل) بتحريف مقصود.
هناك مسافة بين الكاتب والبطل الرئيسي في العمل، هي مسافة الفن ولا ريب، التي تتخلق فيها حيوات السيرة الذاتية باتجاهات قد لا تكون مطابقة للسيرة نفسها، ولكنها بالتأكيد تطابق رهافة الفن، وغاياته.
القراءة في هذه الرواية الصادرة عن دار الجمل لعام 2005، تثير العديد من التصورات، اجدني هنا معنياً بها، اكثر من عنايتي بالشكل العام للمتابعة النقدية، التي قد لا اتحمس لها كثيراً. انني، لا اكثر، استحضر مشاغلي الخاصة بصدد فن الرواية التي نشطتها لدي رواية صموئيل شمعون البديعة.

* * *
العراقي المهاجر، ذو المشاغل الابداعية، ترتبط صورته عادة بالمأساة السياسية الداخلية حصراً، بشكل يرسخ من التصورات المسبقة عن الاعمال الرواية التي تصدر في الخارج لكتاب عراقيين، بانها، دون ريب، ستكون غاطسة في استرجاع هذه المأساة، والكوارث الملحقة بها، بغض النظر عما تحتويه من قيمة فنية، ولكن (عراقي في باريس) تدفع الموضوعة السياسية واسترجاعاتها الى الخلف، لتكون صورة ظلية باهتة، تقذف ببعض ايماضاتها هنا وهناك، دون ان تأكل مناخ الرواية كله، الذي سيطرت عليه التفاصيل الحياتية للبطل، وحيوات الشخصيات العديدة التي يمر بها اثناء ارتحالاته المختلفة.
وهي بذلك تتيح الفرصة لتقديم وثيقة ابلغ في التأثير، فلسنا هنا امام مشاغل ايديولوجية للبطل، لا احباطات سياسية، ولا يوتوبيات مدحورة، ولا غضب او دافعية للثأر، ليس هناك سوى الانسان، الذي هو بالضرورة نتاج وصناعة لمعامل السياسة ورجالاتها في عالمنا الشرقي المتقلب. وقد اراد صموئيل شمعون ان يشير اليها من بعيد، لأن الاشارة ابلغ من التصريح، ولأن التوثيق الانساني اكثر ديمومة من متغيرات السياسة التفصيلية.

* * *
وزعت الرواية على قسمين، الاول هو متن (الرحلة الى هوليوود) الذي ربط بحلميته اجزاء الرواية، واعطى مبرراً لهذه التحولات، وهذا التتابع في الحكايات المتنوعة. اما القسم الثاني فقد كتب في زمن سابق، وهو قصة واحدة محكمة تحت اسم (البائع المتجول والسينما).
وقسما الرواية، المتقاربان من ناحية الحجم، يكملان بعضهما البعض الاخر، رغم انفصالهما الظاهري، وكونهما بنيتين مستقلتين نسبياً، من ناحية زمن الحكاية وابطالها، وطبيعة المشاغل التي تتحرك الشخصيات على وفقها.
وما يستمر في الحكايتين والجزأين هو الولع بالسينما، والذي نجد آثاره بهذه التفاصيل العديدة المنثورة داخل الرواية حول جون فورد، والسينما الاميركية، والافلام المتعددة التي سلبت لب الصبي الاشوري في الحبانية، وقادت في النهاية خطوات رحلته نحو الحلم الهوليوودي، الذي لم يتحقق. وكأنه ذلك الحلم الضروري لخلق الحكايات دون ان يكون ملزماً بالتحقق. او هو الحلم الذي يقود لاكتشاف الحياة، ولا يقود الى تحققه ابداً، لأن طاقته تكمن في بقائه حلماً.
والرواية تضمر في قسمها الاول هدفية انجاز القسم الثاني، باعتبار ان الانشغال الجدي من قبل البطل بالسينما مبرمج لديه بانجاز سيناريو فلم يتحدث عن ابيه الخباز الاطرش الاخرس، يقوم بتمثيل شخصيته الرئيسة الممثل العالمي روبرت دي نيرو، لكن عملية الكتابة تتعرض لانتكاسات كثيرة، ثم يتغير الهدف ليكون كتابة قصة يكون هو، أي الكاتب، بطلها، فينجز حكاية (البائع المتجول والسينما). وحين ينتهي هذا القسم نواجه هذه الحكاية في القسم الثاني، والتي بدت كنوع من (الفلاش باك) ليوميات البطل ايام طفولته في العراق.
تبدو لي رواية (عراقي في باريس) تمثيلاً ناجحاً، لجملة من القناعات بصدد الرواية عموماً، حيث يقودني التفكير-بصدد الرواية العراقية وعلاقتها بزمنها، والمتغيرات العديدة على ارض الواقع- الى حقيقة ان الحكاية العراقية تفوقت على المخيلة بالابهار الذي تضمنته، وان الروائي الذي يسعى لاستثمار هذه الحكاية عليه ان يفكر كثيراً بخياراته الفنية، وان يعيد النظر جذرياً بمجمل تصوراته الحداثية حول إعادة التخليق التي تجري داخل الرواية للواقع نفسه.
(عراقي في باريس) تقدم لنا درساً، حول كيفية سعي اللغة الأدائية لنقل الوقائع بزاوية نظر شديدة الخصوصية، يمكنها ان تقدم عملاً فنياً متميزاً دون الحاجة للألاعيب التقنية، التي تهشم وتبعثر الرواية، اكثر مما ترفع من شأنها.
ثم ان الخوف من الحكاية الشخصية، او سرديات الذات، الذي قاد الفن الروائي في كثير من الاحيان الى دخول مخانق التجريد، وابعاد الاحالة الى تجربة الذات قدر الامكان، بدعوى انفصال الرواية موضوعياً عن سرديات الكاتب الشخصية، كل ذلك جعل الرواية والسرد العراقي عموماً شديد التكلف، وبارداً، ومصطنعاً اكثر فأكثر.
المجال الذي تجاوزته التجربة الروائية الجديدة، في ارجاء كثيرة من العالم. فالتعكز على السرديات الشخصية لا يقود بالضرورة الى التقيد بالسيرة الذاتية، والوقوع تحت وطأتها، لدى الفنان المتمرس، بقدر ما يقود الى تقديم وثيقة اكثر صدقاً وابلغ تأثيراً عن التجربة الانسانية.
ورواية (عراقي في باريس) تمنح المتأمل أمكانية الايمان بتصورات كهذه، ثم ان مسافة الفن التي توفرت عليها هذه الرواية، تتيح للكاتب ان لا يقع اسير الشكاية وندب الذات، لأنه ليس في معرض البوح، وانما يسعى لأنتاج عمل فني. والرواية تشكل هذه اليوميات السردية على وفق المحددات الفنية اولاً واخيراً.
كم تختزن التجربة العراقية من سرديات فائقة، وسير بالغة الغرابة، وكم يحتاج المتصدي للكتابة الروائية من قدرة على النفاذ في تأملاته، وكم يحتاج من الشجاعة، كي يستطيع ان يكون موازياً لهذه المسارات، ولكي يستطيع محاكمة ادواته على وفق حاجاته التعبيرية، وليس العكس؟
ان رواية (عراقي في باريس) تطلبت بالتأكيد لكي تكون رواية، مزاجاً خاصاً، وربما رؤية جديدة، لطبيعة الفن الروائي، وعلاقته محلياً بافق عالمي سائد، ينظر الى الرواية على انها وثيقة انسانية قبل كل شيء، ولم يعد الكد الشكلي والهوس اللغوي جزءاً من مشاغل هذه الرواية ومتطلباتها بالتأكيد، إلا بالحدود التي يضيء بها التجريب اللغوي والشكلي فضاءات التجربة الانسانية.


أقامتها جمعية طواسين الثقافية .. ندوة قراءة في كتاب الحوار الثقافي بين الغرب والعالم الاسلامي

جلال حسن
نظمت جمعية طواسين الثقافية ندوة فكرية بعنوان (الحوار الثقافي بين الغرب والعالم الاسلامي) على قاعة مركز (اتجاهات) في الوزيرية، شارك فيها الاساتذة راسم قاسم وفاضل ثامر وشهاب الفضلي وشمخي جبر ومؤيد البصام وسعدون هليل ومحمد السلامي، قدم الندوة الشاعر زعيم نصار وافتتحت بالوقوف دقيقة حداد قرئت فيها سورة الفاتحة على أرواح شهداء العراق الابرياء، ثم قدم الاستاذ راسم قاسم ورقة تعريفية لهذا الكتاب بقوله: لقد دأب معهد العلاقات الخارجية الالماني الى ضرورة تعريف أسس الحوار، وخاصة بعد سنة 2001 واحداث ايلول 11/9 في نيويورك فدعا المعهد في شهر اكتوبر من عام 2002 باحثين وكتاباً وصحفيين ومنظمات غير حكومية من العالم الاسلامي والمانيا، الى مؤتمر في قصر (نوهاردن دوث) وأوصى المؤتمر بتكليف مجموعة من المثقفين من البلدان الاسلامية بأن يقدموا رؤيتهم للمشاكل الجوهرية في العلاقات مع الغرب، وكانت الحصيلة في كتاب (الحوار الثقافي بين الغرب والعالم الاسلامي) الذي تقاربت فيه وجهات نظر كل المساهمين بكتابته وعلى اختلاف بلدانهم وعروقهم. قدم المحاضر بعض المفردات التعريفية مع بعض التعليقات ووجهات النظر أرتآها من خلال قراءته للكتاب التي وجدها مدخلاً لاراء الباحثين وتعريفاً للحاضرين الذين لم يطلعوا على الكتاب فقال: منذ عقود طويلة كان الحوار ومازال جارياً بين الغرب والعالم الاسلامي لان للحوار أسبابا معقوله كون البشرية وحدة متكاملة تحتاج الى بعضها دائماً وفق الأطر الزمانية والمكانية، ولايمكن عزل اي مجموعة بشرية عن المشاركة في التفاعل الحياتي على هذا الكوكب الذي نتقاسم العيش فوق ارضه، فالظروف الطبيعية والاقتصادية والثقافية هي عوامل مشتركة بين البشر، والتبادل بين الشعوب لهذه المكونات واجب تحتمه مسيرة المجتمع البشري رغبنا في ذلك أم أبينا، لذا فان التخاطب الانساني ضروري، وان كان هذا التخاطب قد مر باوقات عسيرة واخرى سهلة، الا ان الحوار يبقى السمة الطبيعية لوجود الانسان المتحضر.
وأضاف: لقد مرت العلاقات بين العالم الاسلامي والبلدان الغربية بأزمة حقيقية تصطبغ بنظرة كل طرف الى الاخر بالتحيز والارهاب والعدوانية على الرغم مما شهده الماضي من فترات من التبادل المثمر، وعلى مدى عصور من الزمن كان اللقاء بين الحضارتين الاسلامية والغربية يمر عبر قنوات تغلب عليها الحروب الدامية ومحاولات تهديم من كلا الطرفين وتتخللها فترات نقاء فاستطاعت كلا الحضارتين الاستفادة منه، اذن فالحوار بطبيعته هو تبادل القيم والمبادئ والعلوم والافكار البعيدة كل البعد عن التعصب الديني والقومي، وتطرق الباحث الى تاثير الاعلام ودخوله المجتمعات المحافظة حيث تقوم وسائل الاعلام الدولية بمقارنات بين الغرب والعالم الاسلامي فان صورة العالم الاسلامي التي تتبادر الى الذهن عادة ما تكون صورة التخلف والتعصب الديني والقمع وغياب الحرية وحقوق الانسان وخاصة بالنسبة الى المرأة، ومما زاد تعقيد الصورة هو ربط الاسلام بالارهاب في الوقت الحاضر، وخلص القول الى: ان عراق اليوم الذي تتمثل فيه الحرية بكل ابعادها، والديمقراطية باولى خطواتها، يجب ان يؤسس لخطاب ثقافي مع الغرب يستند لمفاهيم انسانية وثقافية، ويؤسس لقيم تلغي النظرة العدائية المسبقة لكل ما هو غربي، ويجب ان تقابل هذا الطرح رؤية غربية خالية من مبدأ التعالي والنظرة الفوقية ومحاولة الغاء بعض الرواسخ الخاطئة في العقليتين، وان يطلق الحوار من مبدأ التكافؤ الانساني.
بعد ذلك تحدث الناقد فاضل ثامر عن أهمية الكتاب وما يتعلق بآليات الحوار من خلال الاشكاليات المتراكمة عبر التاريخ فقال: ان الكتاب أعد من قبل مجموعة ممتازة من الكتاب هم سلوى بكر من مصر وباسم الزبيدي من فلسطين ومحمد جواد حسن من باكستان وفكرت سرتدج من سراييفو وحنان حسن من سوريا ومظهر زيدي من الباكستان هذا التنوع كشف عن جذور الصراع بين الغرب والعالم الاسلامين وان الرؤية تتماهى مع الموقف الاوروبي وتحديداً مع الرؤية الالمانية، وربما هذا سر دعم ورعاية هذا الجانب لكنه توجه ممتاز وكبير، واوضح فاضل ثامر بأن الكتاب اثقل اكثر مما ينبغي العلاقات العربية الاسلامية والغربية بكثير من المتون والمحن التي تعيق هذا الجانب، واننا بحاجة الى ان نفصل بين موروث مضى وبين واقع معاصر نعيشه، فلو عدنا الى فترات الغزو والصراع بين الامم لما استطعنا ان نتحاور ابداً، فهناك أولويات كثيرة ومسلمات لو اقتنعنا بها لقلنا ان الحوار مستحيل، ولم يبدأ من مراحل الصراع بين العرب والمسيحية وكذلك الغزوات المختلفة ومنها الصليبية والغزوات الاسلامية الى أوروبا وأسبانيا، فيجب ان نفصل بالرغم من ان هذه التراكمات تؤثر على خلق حوار صحفي متسامح، فالصحيح هو البداية الجديدة اذا تجاوزنا الاسقاطات التاريخية ونحن جميعاً اعضاء في منظمة الامم المتحدة ونؤمن بالحقوق المتكافئة لجميع الدول، لكن نشعر بأن الغرب بشكل عام ينظر نظرة دونية الى الشرق، وقد كشف أدورد سعيد عن حقيقة المنظور الاستشراقي للشرق عن عملية فبركة لخطاب غربي وفق صياغة خطاب مؤثر بحيث انه اعطى صيغة مزيفة، فالمفترض ان يكون الحوار على شكل شراكه للاعتراف بالاخر وحق المساواة بمشروع المشاركة الجماعية.
وقدم الاستاذ شهاب الفضلي صورة مختصرة عن الخلفية التاريخية للحوار الغربي المسيحي والشرق الاسلامي ومنابع النزاع في الفضاء النفسي والتجارب الواقعية ومنها السياسية ورؤية الغرب للاسلام برؤية غربية لكن الاسلام يرى الغرب بعيون اسلاميه شرقية، وخلص الى ان تركيز الاعلام الغربي على أبراز الصورة السلبية للاسلام والمسلمين فقط، وخصوصاً لما هو عربي بصيغة خاصة، مما يوجب علينا ومثل هذه الحالة على اساس المصارحة ونقد الذات، وما تمنحه وسائل الاتصال الحديثة في تعديل تلك الصورة، كذلك القيام بتحليل علمي لمجموعة المنظومات الناضجة لمفهوم الحضارة الغربية الفلسفية والفكرية والثقافية والسياسية والجمالية والمعمارية والفنية والادبية، ويجب التركيز على مفهوم الغرب السياسي والنظم الايدلوجية الحاكمة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وهي نظم لاتمثل بالضرورة قيم الحضارة الحديثة فالغرب السياسي تحكمه مصالح هي أمتداد للمرحلة الاستعمارية وفضح الانظمة الاستبدادية الاسلامية العربية التي تمارس السلب والقهر وأغلاق الابواب امام شعوبها ومقاومتها والتأكيد بوجوب أتخاذ موقف نقدي يتفاعل مع الحضارة الحديثة بشكل خلاق وان لايعتمد الموقف على أستيراد التكنلوجيا وعدم معرفة الأساس العلمي والمعرفي الذي تقوم عليه.
ثم تحدث الاستاذ شمخي جبر من مؤسسة مدارك عن إمكانية الحوار في ظل التحيز والارهاب والعدوانية متخذاً بنظر الاعتبار بعض الناظمات لهذه العلاقة بالمصالح المتباينة والسياسات الراهنة والعوامل الثقافية والنفسية ومستشهداً بقول أدورد سعيد (عالم الاسلام أقرب الى أوروبا من كل ما عداه من الاديان غير المسيحية، وقد اثار قرب الحوار هذا ذكريات الماضي) وضرورة تخفيف حدة التوتر على مستوى السياسي-النفسي والمساعدة على أزالة التحيزات المتبادلة والاعتراف بالتنوع والتعددية لدى الجانبين.
وتطرق المحاضر الى عقدة الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي مازالت تحكم العقلية الغربية وستبقى الى فترة قادمة، وتساءل المحاضر بقوله: كيف نستطيع ان نردم هذه الهوة المليئة بالشك والريبة بين الطرفين؟ ومن أين نجلب الثقة لنبعثها في قلوب ونفوس المتحاورين؟ لان الوقائع التاريخية مليئة بما ينغص هذه العلاقة لكن من جانب آخر على الغرب وأوروبا ان يعلما ان ليس كل المسلمين اصوليين او كل المسلمين (أسامة بن لادن) وان ما يقوم به بن لادن يرفضه المسلمون لانه يستهدفهم ايضاً وان مايسمية بن لادن فتوحات وغزوات نيويورك وواشنطن، يسميه المسلمون أعمالاً أرهابية لاتقدم اي شيء لقضايا المسلمين بل تسيء لهذه القضايا.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة