فاجعة
الحسين ومنع السلطات ..
واقعة الطف في المسرحية العربية
(2-3)
د.محمد حسين حبيب
2-
مسرحية ( ثأر الله ) بجزأيها ( الحسين ثائراً ) و ( الحسين
شهيداً)
تأليف : عبد الرحمن الشرقاوي
على الرغم من
اعتماد الشرقاوي في مسرحيته هذه على مرجعية تاريخية لأحداث
واقعة الطف وحسب تسلسل تفاصيل أحداثها وعلاقة ذلك بمكان
وزمان الحدث , وتأثير ذلك الحدث على أفعال الشخصيات بحسب
موقعها في طرفي الصراع , إلا انه بدا من زمن بعيد من زمن
الواقعة , فالكاتب قد بدا في الإشهار عن ندم ( وحشي) في
قتله ( حمزة بن عبد المطلب ) , فيكون الكاتب قد بدأ من
الندم الذي انتهى إليه العفيفي في نهاية مسرحيته , إلى
جانب أن الشرقاوي أراد التلميح إلى أفعال الشر الممتدة في
أكثر من مكان وزمان وهي تحارب أصحاب الحق والحقيقة .
بعد ذلك يتوقف النص عند موقف تاريخي مهم له مكانته الخاصة
في نفوس المسلمين , وهو لحظة وداع الرسول الكريم محمد ( ص
) , وبذلك يكون الشرقاوي قد ألمح إلى الانطلاقة الأولى
والقاعدة الأساس للثورة الحسينية المباركة التي رصنت بنيان
الدين الإسلامي وأسهمت في بقائه الأزلي .
لقد اهتم الشرقاوي في بداية مسرحيته بمشهد أساس يجمع بين (
محمد بن الحنفية والإمام الحسين عليهما السلام ) , لأهمية
ما يتميز به هذا الموقف التاريخي من أبعاد إيمانية ومبادئ
ثابتة كشفت عن معاني الأخوة وتقديم النصيحة والأخذ
بالمشورة على وفق المبادى الإسلامية نفسها . فضلا عن ذلك
أن هذا الموقف هو البداية التي انطلق منها الحسين ( ع )
متوجها نحو الواقعة .
أما ما يتعلق بأسماء الشخصيات ، فلقد اعتمد الكاتب الأسماء
التاريخية الصريحة وألقابها المعروفة فنجد الشخصيات مثل :
( حبيب بن مظاهر , وزهير بن القين , ونافع , وابن عوسجة ,
وسكينة , وزين العابدين , والمختار الثقفي ) وغيرهم ,
بالإضافة إلى اهتمام الكاتب بالمكان والزمان في كل مشهد من
مشاهد المسرحية , ففي المنظر الأول من الفصل الأول نراه
يثبت الأتي : " بادية بجنوب العراق على مقربة من كربلاء
تتناثر فيها التلال .. الحسين ورجاله وفتيانه يتفرقون في
المكان على المرتفعات والمنخفضات .. سعيد يقف على أعلى
المرتفعات وهو يتأمل الأفق البعيد تحت الشمس المتوهجة التي
تغمر المكان كله " .
كما وجدنا, تأكيد الشرقاوي على وصف كل منظر من مناظر
المسرحية , لكي يعزز من دقته التاريخية أولا , ويفسح
المجال أمام القارىء لتخيل الحدث , بل انه يذهب أحيانا إلى
تقسيمات المسرح إخراجيا , فمثلا يثبت في ملاحظة له في
بداية المنظر الثاني من الفصل الأول كما يلي :
"المسرح مستويان : المستوى الأول منخفض من ناحية مقدمة
المسرح وبه أشجار .. هو معسكر أعداء الحسين من ورائهم على
جانب يبدو نهر الفرات من بعيد .. حيث يقف الحر صامتا أمام
باب الخيمة .. والمستوى الثاني مرتفع فيه صخور ورمال حيث
يقف الحسين وصحبه , وهذا المستوي الثاني يحتل النصف الأبعد
من المسرح
حتى عمقه على يساره باب خيمة النساء . "
أما لغة النص فهي اللغة الشعرية بتنوع موسيقاها وأوزانها
الشعرية , تنقل فيها الشاعر من بحر إلى آخر ولكن باعتماد
قصيدة التفعيلة أو ما يسمى بالشعر الحر , إلى جانب
الاهتمام برسم الصورة الشعرية التي تتناسب وحجم الفاجعة ,
فمثلا يقول الحسين ( ع ) في المنظر الرابع من الفصل الأول
حينما بقي وحده وعياله من النساء والأطفال :
" الحسين : أنا وحدي ها هنا
أنا وحدي وظلام الليل والهول وفي الأعماق
مازال شعاع من رجاء لم يعد غير الدم المسكوب فوق الصحراء
لم يعد غير الأفاعي
وفحيح الجرح والويل الثقيل المدلهم
لم يعد إلا رياح الموت تعوي في العراء
وسعير الظمأ المجنون في التيه الأصم
أين انتم يا أحبائي جميعا أين انتم ؟
أين فتياني .. أما عاد هنا غير الضياع ؟ "
نود التنويه إلى ما ذكره ( محمد جواد مغنية ) في كتابه
الموسوم ( الحسين وبطلة كربلاء ) عن مسرحية الشرقاوي هذه
عندما قدمت لأول مرة وبخطوة جريئة على المسرح القومي
المصري ومن إخراج ( كرم مطاوع ) عام 1972 م , وبعد
الموافقات الرسمية للمسرحية من قبل علماء الأزهر
واستشارتهم عن الطريقة التي سوف تظهر بها شخصيتا ( الحسين
و زينب عليهما السلام ) بمثابة رواة لما تقوله الشخصية ,
ولكن وبعد إكمال العمل وصرف المبالغ فوجئ الجميع بان
الأزهر له وجهة نظر أخرى فيما يخص الجمع بين الجزأين
للمسرحية , وتبدو هذه حجة لا أكثر الغرض منها منع عرض
المسرحية في حينها بعد أن اكتملت في شكلها النهائي الجاهز
للعرض والذي شاهده حينها عدد من المسرحيين والنقاد , ومنهم
الكاتب أمير اسكندر الذي كتب عن هذه التفصيلات في مقالة له
بعنوان ( ثار الله ) والمنشورة في جريدة الجمهورية المصرية
في 18 / 2 / 1972م , كل هذا إنما يؤكد محاربة الرقيب
لاستثمار الواقعة في مجالات إعلامية وفنية إبداعية بدأت
منذ فترة ليست بالقصيرة ومن قبل بعض السلطات العربية التي
لا تريد الاعتراف بجورها وظلمها إزاء شعوبها , ولذلك فهي
تخاف الاقتراب من قضية الإمام الحسين ( ع ) أو التعرض لذكر
واقعته في أي محفل إعلامي أو فني يمثـلها أو يرزح تحت
تسلطها .
3- مسرحية ( مساء
التأمل ) إعداد ( قاسم محمد ) :
اعتمد معد المسرحية على مصادر عدة بوصفها مادة السيناريو
المسرحي هذا , حيث أن هذه المادة مأخوذة عن المصادر
التالية , وبحسب النص :
1- مسرحية مأساة الحلاج , للشاعر صلاح عبد الصبور .
2- مسرحية هاملت للكاتب الإنجليزي وليم شكسبير
3- مقطع من مقولات تشي جيفارا
4- نص ( مأساة كربلاء ) عن الكتاب الفارسي ( جونج
–
ي
–
شهاديت ) إعداد
محمد عزيزة .
5- مسرحية هكذا تكلم الحسين للشاعر محمد العفيفي
6- مسرحية ثورة الزنج للشاعر معين بسيسو .
على الرغم من تنوع مصادر إعداد نص المسرحية , إلا أننا
نشير إلى التشابه القائم في الموقف الثوري الواضح لكل
شخصية تاريخية من الشخصيات الوارد ذكرها في المصادر , حيث
الثبات على المبدأ الواحد الذي يجمع بين ( الحلاج و جيفارا
وعبد الله بن محمد وهاملت و الإمام الحسين ع )
لقد حاول معد المسرحية هنا التخلص من عين الرقيب حينما لجأ
إلى التلاعب بأسماء الشخصيات التاريخية الصريحة وتغييرها
بأسماء ترمز لها , وذلك لغرض استحصال الموافقة على نشر
المسرحية , وفعلا نجح في ذلك حينما نشرت في مجلة الأقلام
العراقية , في عددها السادس عام 1974م , ومن جانب آخر كان
لهذا التغيير في الأسماء أثره في توسيع المديات الإيمانية
المتمثلة في شخصية الإمام الحسين (ع)
بوصفه رمزا إنسانيا للعالم اجمع يمثل أعلى درجات التضحية
للالتزام بالموقف الواحد , إذا علمنا أن المعد قد ألغى
الزمكانية وجعلها العالم كله والتاريخ كله .
وبعد مراجعة بعض مصادر الإعداد لنص قاسم محمد , وجد الباحث
مثلا , أن اسم ( الشهيد ) الوارد في النص , جاء بديلا عن
اسم ( الحسين ع ) , واسم شخصية ( الحاكم ) بديلا عن اسم (
عبيد الله بن زياد ) , واسم ( قائد فيلق الاستكشاف ) بديلا
عن اسم ( الحر ألرياحي ) .
اعتمد النص طريقة الفلاش باك , بالاعتماد على شخصية المرأة
وطريقتها في روي المشاهد الماضية التاريخية منها , أو التي
سبقت الموقف الحالي في النص , فمثلا نراها تواصل روايتها
للإحداث كما يلي :
" المرأة : وفي الصحراء , كان فيلق الاستكشاف قد ضل الطريق
وتشتت جنده ,
والكثير من رجاله قد ماتوا عطشا , أما بقي منهم على قيد
الحياة
فيزحف وقد نفدت قواه . ومر موكب الشهيد في نفس المكان الذي
كان
ينازع فيه قائد فيلق الاستكشاف . "
أما لغة النص فقد تنوعت ما بين الشعرية والنثرية وذلك
لتنوع مصادر الإعداد أصلا , بالإضافة إلى الملاحظات والجمل
التي يسطرها المعد نفسه بلغته الخاصة . مع الإشارة إلى أن
النص اعتمد في غالبية اقتباساته على نصي : ( نشيد الشهيد
وهكذا تكلم الحسين ) , وذلك لان الأول يقترب كثيرا من
أحداث الواقعة كونه من نصوص التعزية , والثاني يحفل بلغة
شعرية تجمع بين الحدث الواقعي والتأمل التخيلي , مع
الإشارة إلى أن ( مساء التأمل ) نفسه كعنوان لهذا النص قد
استخرجه المعد من احد مصادر إعداده وهو نص نشيد الشهيد .
|