تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

على الطريق إلى سامراء .. ثقافة الإرهاب والعنف تواجه صحوة الرغبة في الأمن والاستقرار
 

صافي الياسري

على الطريق إلى سامراء
في كل مرة تلتهب المنطقة الغربية تلتهب افتعالاً مناطق سامراء وبعقوبة، وهذه المرة لا تختلف عن المرات السابقة، فحين بدأت عمليات (وادي الجندي) في الرمادي واشتركت فيها عشائر المنطقة لطرد الإرهاب الوافد تم إقناع عدد كبير من عشائر سامراء وما حولها بالمشاركة في حملات الدهم ضد الإرهاب الوافد الذي أضر كثيراً بالمنطقة وقد ألهبها هذه الأيام في محاولة لتخفيف الضغط عن المنطقة الغربية.

(المدى) قامت بجولة شملت القرى والبساتين والمدن الممتدة بين بغداد والضلوعية قريباً من سامراء على مدخلها من الناحية الشرقية على الطريق الزراعي الممتد من شمال الكاظمية حتى سامراء والصاعد إلى الموصل، لتنقل بأمانة صورة لما يحدث في هذه المنطقة التي يتسلل إليها المخربون من خارج البلاد فيجدون في بعض الحاقدين وضعاف النفوس أدلاء ومعاونين متخذين من الحفر والسواقي أوكاراً لهم ينسلون منها عند الغفلة ليلاً أو فجراً لممارسة أنواع الإرهاب وزرع عدم الاطمئنان في تلك الجنائن الآمنة على ضفتي دجلة وعلى الطريق الستراتيجي ومدنه وقراه ومزارعه.
ثمة طريقان سبق ان تحدثنا عنهما في تحقيقاتنا السابقة يمتدان من الكاظمية شمالي بغداد حتى سامراء وصعوداً إلى الموصل، أحدهما هو الطريق الزراعي المليء بالجنائن على ضفة دجلة اليمنى والآخر هو الطريق الستراتيجي العام الذي تسلكه السيارات الخاصة والعامة والشاحنات ناقلة البضائع والآليات والارتال العسكرية الأمريكية (القوات متعددة الجنسية) في تنقلاتها بين بغداد والمنطقة الشمالية وصولاً إلى الموصل.
وعلى هذا الطريق تقع العديد من المدن والقرى والمواقع والمنشآت العسكرية والصناعية التي اقامها النظام السابق مثل مقرات الحرس الجمهوري ومعسكر التاجي وقاعدة البكر الجوية، وقد أصبحت الآن ثكنات للجيش الأمريكي ومواقع ومخازن للتجهيزات اللوجستية للقوات متعددة الجنسية وقد كتبت على أبوابها وجدرانها عبارات تحذر من مواقع سلطة القوات متعددة الجنسية ويحاذر سكان المنطقة السير راجلين قريباً منها تجنباً للمفاجآت.
سكان القرى الواقعة على جانبي هذا الطريق السترايتجي الذي أدخلته القوات متعددة الجنسية ضمن خرائطها اللوجستية تعرضوا لضغط شديد بعد سقوط النظام من قبل القوات الأمريكية التي قامت بتمشيط المنطقة بشكل دقيق مستخدمة الطائرات والدبابات والقوات الخاصة لتثبيت مجال آمن للمرور وسلوك الطريق السترايتجي في محيط كيلومترين عمقاً على جانبي الطريق حيث ما زالت الارتال العسكرية التي تسكله تتعرض إلى هجمات بالهاونات وقذائف الآربي جي سفن من عناصر تستفيد من طبيعة المنطقة المكتظة بالأحراش والمرتفعات الطبيعية والاصطناعية لتنفيذ عمليات الهجوم والانسحاب مما أدى إلى شمول سكان القرى المجاورة بإجراءات الدهم والتفتيش التي أدت في بعض الأحيان إلى إصابة عدد من الأبرياء والمستطرقين والمارين، بدءاً من جسر الصابيات الذي أعيد ترميمه والذي يصل الضفة اليمنى من دجلة بالضفة اليسرى فيصل طريق المرور السريع ومنطقة التاجيات الزراعية ومعسكر التاجي القديم بطريق الراشدية على الضفة اليسرى ويمكن ملاحظة هياكل الشاحنات أو الحافلات أو التانكرات التي تعرضت للهجمات على جانبي الطريق متفحمة فكك اللصوص ما تمكنوا من تفكيكه من أغراضها الصالحة للاستعمال كأدوات احتياطية، كما يمكن مشاهدة بقايا آليات ومدرعات ودبابات عراقية جرفت مع سواتر الثكنات الأمريكية الترابية التي صارت حدوداً وحواجز لهذه الثكنات، وحتى هذه اللحظة يمكنك مشاهدة سبطانة مدفع دبابة أو بقايا رباعية أو جسر صناعي صدئ ضمن مكونات الحاجز الترابي المطوق بالأسلاك الشائكة ثم الدعامات الخرسانية.
وهنا يحدثك عن شدة معاناتهم من إجراءات البحث الدهم والتفتيش التي تقوم بها القوات الأمريكية أثر كل هجوم تتعرض له قرب مناطقهم.
ناحية المشاهدة
وفي منطقة المشاهدة التي تبعد نحو 15 كيلومتراً شمال معسكر التاجي جرت سلسلة من عمليات الدهم والتفتيش بعد أن وقعت هجمات متكررة استهدفت الارتال العسكرية الأمريكية وقوات الشرطة والحرس الوطني وراح ضحيتها عدد من مستخدمي الطريق من المدنيين. أحد أصحاب المزارع التي تعرضت للدهم حدثنا وهو يقيم مجلس العزاء لأحد أولاده (ونحتفظ باسمه بناء على طلبه) فقال: طوقتنا الدبابات في الساعة الثانية بعد منتصف الليل. مما أرعب العائلة، وفيها عدد كبير من النساء والأطفال ظن أولادي إنهم لصوص فأطلق احدهم النار لإرعابهم إلا إننا رأينا بعد ذلك الدبابات في ضوء التنوير وقتل احد أولادي وقتلت خمس بقرات واعتقل أربعة وفر الخامس وهم معتقلون الآن في معسكر التاجي، وعند ظهر اليوم التالي تسلمنا جثة ولدي في كيس بلاستيكي بعد أن دفنوها في ساحة المعسكر وطلبوا منا إخراجها بأنفسنا.
وأثناء الحديث علمنا ان عدداً من أقارب المعتقلين سيذهبون لمراجعة موقع القوات المتعددة الجنسية في التاجي فرافقناهم وهناك أخبرهم الضابط أن التحقيق ما زال مستمراً وأن عليهم أن يعودوا فيما بعد، وحين طلبنا منه تفصيلات أكثر بعد إطلاعه على هويتنا الصحفية اعتذر بأنه غير مخول بالحديث إلى الصحافة ولكنه يعلم أن هؤلاء اعتقلوا بسبب مقاومتهم بالسلاح عملية التفتيش وأن مزرعتهم هي أحد أوكار المسلحين المتمردين. بعد عودتنا من المعسكر قمنا بجولة حول مسكن العائلة ومكان مصرع البقرات وكانت المفاجأة إن هناك منزلاً آخر مخفياً بين عدة تلال اصطناعية مموهاً بشكل جيد وقد ركنت إلى جانبه ثلاث شاحنات عسكرية تحمل شعار المثلث الأحمر وهو شعار الحرس الجمهوري وبقايا أحادية كانت لا تزال صالحة للاستعمال قبل أن يدمرها الأمريكان ومجموعة من مدافع الهاون المحمولة دمرت هي الأخرى وآثار رصاص على جدران ذلك المنزل وبقايا أعواد مصابيح التنوير متناثرة هنا وهناك، عندها قيل لنا أنه كان خلال الحرب موقعاً للحرس الجمهوري وأنه لم يكن بوسع العائلة الاعتراض وأن تقاليدها لا تبيح الإخبار عنه، وعلى جدران الديوانية التي كان يقام فيها مجلس العزاء علقت صور لضباط يحملون رتباً عسكرية رفيعة هم أولاد صاحب المزرعة وشارات الحرس الجمهوري وأوسمة وأنواط شجاعة وقال الابن الذي كان هارباً أنه كان طالباً في كلية الشرطة سابقاً وردد بغيظ واضح: إن العراق الذي بنوه بأيديهم على حد تعبيره سيخربونه بأيديهم قبل إن يذهب إلى الحثالات!!
ذكر لنا بعض سكان المنطقة أن العائلة تمت بصلة قربى لوزير داخلية النظام المباد محمود ذياب الأحمد.
قريباً من هذه المزرعة يقوم بناء على الجانب الأيمن من الطريق العام أشبه ما يكون بدار استراحة تضم مطعماً يدعى مطعم المكارم ومخزناً لبيع السكائر والمرطبات وثمة بائع محروقات قريب من الشارع العام فضلاً على ورشة ضلاعة وتبديل دهون وتشحيم وهنا يخبرك الرواد عن الكثير من القصص المشابهة عن عمليات تخريب وقطع طريق راح ضحيتها أبرياء عابرون وتقوم بها عناصر وافدة أو عناصر مدفوعة بوهم إعادة الماضي أو عرقلة بناء العراق الجديد أو مركزية تدفع لهم جهات معلومة.
من هذا المكان يرافقنا السيد وليد شحاذة معلم وصاحب مزرعة ومنحل في المنطقة وهو أحد سكانها وخبير بها.
قضاء الدجيل
الدجيل المدينة القضية التي تحاكم اليوم على وفق حوادثها زمرة من النظام المباد فضلاً على الرئيس المخلوع هذه المدينة ما زالت تعاني الكثير من الإرهاب والإرهابيين وبخاصة بعد وقائع محاكمة العصر التي تجري هذه الأيام لرموز النظام المباد وجرائمه. وقد واصلنا السير شمال المشاهدة حتى مدينة الدجيل. وهنا اختلف الحديث فالسكان عموماً معروفون بعدائهم للنظام المباد وقد أكتووا بمظالمه العديدة ومازالت ذكريات القمع والبطش والتنكيل التي نفذها بحقهم النظام المباد عام 82 وما بعده ماثلة للعيان وبارزة في الأذهان تسترجع كل لحظة بألم وحزن.
السيد حسين الكيم.. احد وجهاء المدينة المعروفين واحد سدنة ضريح السيد محمد في مدينة بلد القريبة يقول: بعد سقوط النظام واجهنا عنتاً من الأمريكان ما كانوا يعرفون وضعنا والاضطهاد الذي كنا نعيشه أيام النظام المباد، وقد أرادت بقايا ذلك النظام معاقبة المدينة على يد الأمريكان لولا أن تداركنا الأمر وشكلنا وفداً من عشائر المدينة، العبيد آل حبيب الظاهر، خفاجة، الزبير، السادة الموسوية، الخزرج، السلامية، الخزاعل وآخرين من الوجهاء فتم التفاهم وانتخب للمدينة مجلس بلدي وعادت الشرطة المحلية إلى المركز، لكن محاولات جر المدينة إلى صدام جديد لم تنقطع وبقي الطريق العام يتعرض لهجمات بين الحين والآخر، لكن الزمر المسلحة لم يعد بإمكانها الهرب إلى داخل المدينة وجر الأمريكان خلفها.
مدينة بلد
في الطريق إلى مدينة بلد يواجهك ضريح السيد محمد مقفراً تقريباً هذه الأيام، فخطورة المنطقة والتهابها منع الزوار من القدوم إلى الضريح، كذلك انقطع الزوار الإيرانيون منذ أمد عن زيارة السيد محمد وسامراء فانقطع مورد اقتصادي مهم عن المنطقة. وفي بلد يحدثك السكان عن آلاف الضحايا الذين قدمتهم المدينة التي عانت ما عانت هي الأخرى من بطش النظام المباد ومحاولات بقاياه التسلل ثانية وجر الأمريكان إلى صدامات داخل المدينة ويذكرون حادثة علاوي بلد حيث تسلل عدد من هؤلاء إلى العلاوي ومن داخلها أطلقوا النار على دورية أمريكية ما لبثت أن ردت بالمثل على مصدر إطلاق النار وطوقت المنطقة وراح ضحية الحادث متسوقون قدموا من محافظات كربلاء والنجف والحلة لشراء الفواكه التي تشتهر بها المدينة.
ويتحدث السيد (...) المحامي الذي عمل مترجماً مع الفرقة الرابعة / مشاة الأمريكية وأجبره المسلحون على ترك عمله فيقول: أثناء عمليات أفعى الصحراء التي قامت بها القوات الأمريكية بحثاً عن بقايا النظام المباد والعناصر السابقة في الحرس الجمهوري، عثر على معسكر بالقرب من بلد مجهز بعدد كبير من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والآليات ومخازن الذخيرة وكانت تنطلق منه عناصر التخريب لتدمير المنشآت المدنية وقطع خطوط الكهرباء وقطع الطريق والاغتيالات والقي القبض على عدد من هؤلاء وهم يحملون جنسيات مختلفة وعثرت الفرقة على وثائق وجوازات سفر وجنسيات عدد من البلدان العربية ويمكنك التأكد من ذلك من اللفتنانت كولونيل بيل ماكدونالد المتحدث باسم قوة ايرون هورس (الحصان الحديدي) التي تولت أمر المعسكر ولا استبعد أن يكون هؤلاء الوافدون قد وجدوا لهم معسكراً سرياً آخر أو ملاذاً في المنطقة ولا أبرئهم من الهجمات على كنائس بغداد والموصل غيظاً وانتقاماً من الأخوة المسيحيين لما تتعرض له قواعدهم الإرهابية في الرمادي وسامراء وبعقوبة.
الطريق الزراعي
وهو الطريق الريفي المحاذي لضفة دجلة اليمنى والممتد من الكاظمية شمالاً حتى سامراء وصعوداً إلى الموصل، وهو طريق ضيق لا يتجاوز عرضه الثمانية امتار في أوسع نقطة فيه تحفه المزارع وبساتين النخيل والفواكه من جانبيه وقد تملكه بأجمعه تقريباً غصباً واختلاساً أو بهذه الطريقة أو تلك عائلة وأزلام الرئيس المخلوع ورموز النظام المباد.
وما زال وكلاء بعضهم كما هو الحال مع طارق عزيز وسعدون حمادي يقومون باستحصال واردات المزارع والبساتين لاسيادهم، عند مغادرتنا تلقين نصيحة بضرورة العودة إلى بغداد قبل غياب الشمس على الطريق الستراتيجي الأول لا على الطريق الريفي، لكن السيد وليد شحاذة ضيفنا في داره ومزرعته تلك الليلة.
طائرات الهيليوكوبتر الأمريكية ظلت تجوب السماء طوال الليل فحرمت علينا النوم ومنذ الصباح الباكر تناولنا فطوراً ريفياً عامراً وانطلقنا في جولتنا الواسعة نحو الضلوعية.
ناحية الضلوعية
في ناحية الضلوعية القريبة من بلد تدهشك الخضرة الممتدة على مدى الأفق والبساتين العامرة، إحدى هذه البساتين المحاذية للطريق تعرضت أجزاء منها للجرف والتسوية وقطعت أشجار البرتقال والنارنج والكروم والإحراج وسويت بعض المرتفعات الترابية الاصطناعية وشكا صاحب البستان السيد عبد الكريم عبد الله المشهداني من أن الأمريكان جرفوا هذه الأجزاء من دون أي مبرر ولم يأبهوا لاعتراضاته، وفي الجانب البعيد من البستان تشاهد حتى هذه اللحظة هياكل بعض دبابات الحرس الجمهوري المتفحمة وآثار حريق على جذوع النخل وحفرة كبيرة مليئة بالمياه قال صاحب البستان أنها موقع سقوط صاروخ جو أرض أمريكي.
تتكرر أسئلتنا حول سبب التجريف ولكن من دون جدوى، حتى أخبرنا أحد الصبيان الذين تجمعوا حولنا أن (المجاهدين) كانوا يختبئون خلفها وهم يوجهون قذائفهم إلى الدوريات الأمريكية العابرة وحين نسأله من يقصد بالمجاهدين؟ يفر من أمامنا ويرمقه الحاضرون شزراً، نغادر البستان عائدين على الطريق الساحلي فيشير السائق وهو من سكنة المنطقة أيضاً إلى سياج شائك فوق حائط طيني يمتد مسافة طويلة ويقول خلف هذا الحائط بساتين ومزارع زوجة الرئيس المخلوع وتمتد حتى مرقد الشيخ جميل في الطارمية ونهاية نهر الإسحاقي الثاني وفي هذه المنطقة تكثر الحوادث، نترك السيارة ونتجول سيراً على الأقدام قريباً من أحد البساتين يقترب منا عدد من الشباب والصبية ويدور حوار عن الأوضاع وعن (المجاهدين) عندها يتبرع أحدهم بالسؤال عما إذا كنا نريد شراء قرص سيدي أو كاسيت يصور تظاهرة أو عملية فدائية (للمقاومة) ونفاجأ بالسؤال فيردفه بسؤال آخر عن الفضائية التي نعمل لها؟ نفهم اللعبة ويروق لنا أن نتواصل حتى النهاية فنسأل هل هذه العملية قديمة وما هو تاريخها، ينتبه مرافقنا السيد وليد المشهداني لما يمكن أن تجر إليه هذه اللعبة فيخبرهم إننا نمثل صحيفة عراقية مستقلة عندها ينسحب الجميع ونغادر إلى سيارتنا مسرعين.
مزارع الطارمية
هنا كانت مزرعة الطارمية الحكومية وقد تم بيعها إلى القطاع الخاص، يقول المهندس الزراعي عدنان عبد الكريم العامري وهو يدير إحدى مزارع المنطقة متحدثاً عن أوضاع عموم المنطقة أمنياً: إنه من خلال علاقته التي تمتد أعواماً طويلة مع السكان فهو يعرف أن عدداً من المحسوبين على النظام المباد يقدمون مساعدات لعناصر من خارج البلد ومن خارج المنطقة كإيوائهم وأحياناً مشاركتهم نشاطاتهم التخريبية وتزويدهم بالسلاح والذخيرة والمتفجرات والنقود أحياناً والمواد التموينية وهناك تجار سلاح معروفون نهبوا مخازن الجيش السابق وراحوا يتعاطون بيعها وفي المدة الأخيرة تم التضييق عليهم وبخاصة هذه الأيام حيث بدأت عشائر المنطقة تدرك خطر هؤلاء على وجودها ومصدر عيشها وأمنها فراحت تتعاون مع الحكومة والشرطة والجيش والقوات متعددة الجنسية لطردهم من مناطقهم وها أنت ترى كيف تسير دوريات الشرطة في المنطقة بحرية أكبر ومع ذلك فهم لم يختفوا تماماً وهم يتحركون الآن بعد مغيب الشمس انفاراً قلائل وعندما ترى ملثماً مسلحاً على جانب الطريق أو في إحدى الحفر أو خلف شجرة في بستان فتأكد أنه ليس عراقياً نحن هنا نعرف بعضنا بعضاً حتى لو تلثمنا، وهؤلاء لا يتورعون عن عمل وينظرون إلى من لا يشاركهم أعمالهم التخريبية نظرة إتهام الأمر الذي عمق غيظ العشائر منهم ورغبتها في طردهم.
نغادر مزارع الطارمية ونتابع السير عائدين إلى بغداد على الطريق الساحلي الريفي ونحن نعلم أن البساتين التي تحف به تشكل وضعاً مثالياً للمتصيدين لذلك ابتعدت عنه الدوريات الأمريكية إلا في بعض الأحيان وتركت مهمة مراقبته للدبابات وطائرات الهيلوكوبتر التي تفقد أهميتها ليلاً برغم تجهيزها بمناظير خاصة تستخدم الأشعة تحت الحمراء، والليل هو زمن نشاط هؤلاء المسلحين في البساتين حيث ينصبون هاوناتهم المحمولة وهي من مخلفات الجيش السابق وقاذفات الـ أر بي جي 7 وبعض صواريخ الكاتيوشا متخذين السواقي والأحراج والأشجار الكثيفة مخابئ لهم كما اتخذوا من بقايا هياكل الدبابات والطائرات المحطمة الموزعة في البساتين أماكن لإخفاء الذخيرة والسلاح وللتغلب بذلك على أجهزة الكشف الالكترونية التي تحملها الطائرات والدبابات الأمريكية وهم يستخدمون السواقي في رحلتهم بين الطريق العام خلال البساتين ذاهبين وعائدين إلى الطريق الساحلي وإلى ملاذاتهم الآمنة، يتحايلون على الطائرات السمتية التي غالباً ما تلجأ إلى تنوير سماء البساتين والطريق الزراعي لرصد حركات هؤلاء، بضروب الحيل التي من بينها حفر سواقي وملؤها بالماء وتغطيتها بأغصان الأشجار وسعف النخيل وجعلها ممرات آمنة بين المخابئ والأهداف.
المعلومات التي ذكرناها زودنا بها سكان المنطقة التي استولى أزلام النظام السابق عليها وهي تعود لهم وقد استعادها بعضهم بالقوة بينما ينتظر آخرون حكم العدالة ويقول هؤلاء أن المسلحين هم من الإرهاب الوافد من خارج المنطقة ومن خارج البلاد ويقدم لهم المحسوبون على النظام السابق كل العون اللازم لإتمام عملياتهم الإرهابية وبعضهم يحمل معه كاميرا خاصة لتصوير عملياتهم التخريبية وبثها عبر بعض الفضائيات المتعاونة كالجزيرة وهم يروجون إشاعات بين آونة وأخرى حول عودة الرئيس المخلوع ويحثون أئمة المساجد على تحريض الناس على القيام بعمليات تخريبية، إلا أن صحوة سكان المنطقة وأبناء عشائرها على خطرهم الداهم يفشل اليوم مخططاتهم كما إن تعيين عدد من سكان المنطقة لحراسة أبراج الكهرباء وخطوطها ومحطات ضخ المياه فوت الفرص التخريبية على هؤلاء، وقد رفض أئمة المساجد الاستجابة لدعواتهم وصاروا يدعون الناس إلى الحفاظ على الممتلكات العامة لأنها ملك الجميع وليست ملكاً للحكومة.
ويقول أحد المواطنين أن هؤلاء الوافدين يستخدمون نهر دجلة في تنقلاتهم أحياناً علماً أن القوات متعددة الجنسيات سيرت قوارب بخارية في النهر، لكن جهلها بطبيعة المنطقة وتركيبة السكان جعلها غير قادرة على التمييز بين هؤلاء وبين السكان وبخاصة صيادي الأسماك، مما رفع من درجة خطورة المنطقة ومكن المخربين في زمن ما من العبور إلى الجانب الآخر وتوسيع مناطق تحركهم، إلا أن استجابة عشائر المنطقة لدعوات الحكومة التي زودتهم بالسلاح والذخيرة وأقنعتهم بخطر هؤلاء عليهم ضيق الخناق في الآونة الأخيرة بما يؤكد أن استتباب الأمن في المنطقة قادم لا محالة كما أن الوضع في سامراء أخذ بالتحسن بسبب تجفيف منابع الإرهاب في المناطق المحيطة بها وعلى الطريقين الستراتيجي والريفي الواصلين بينها وبين شمال بغداد.
على العموم فإن الوضع الآن غيره قبل شهر واحد فقط، غيره قبل الانتخابات وانصراف الحكومة بجدية لملء الفراغ الأمني والاضطراب في المناطق الساخنة، إن كل المؤشرات اليوم تؤكد أن استتباب الأمن قادم لا محالة إذا ما استمر تعاون الجميع على هذه الجبهة، سكاناً وعشائر وحكومة وقواتها والقوات متعددة الجنسية وإذا ما تمكنا من خفض درجة الاحتقان في المنطقة بأساليب أخرى سوى العنف غير المدروس.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة