المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

هل لـ (علي بدر) وجود ؟

باسم عبد الحميد حمودي

سألني احد الزملاء: هل سمعت بأديب عراقي أسمه علي بدر؟ قلت: نعم وهو روائي معروف اليوم اول رواية صدرت له في بيروت قبل غيرها وعنوانها ( بابا سارتر) وقد كتبت عنها دراسة نقدية لتعرضها لدراسة وتحليل مرحلة ثقافية واجتماعية مهمة من تاريخ العراق الثقافي وهي مرحلة الخمسينيات والستينيات. قال: انا لا اعتقد بوجود هذا الكائن لاني لا اجده موجوداً في الفعالية الثقافية العراقية اليومية بل ان ما يكتب ويصدر باسم (علي بدر) لا يمت للثقافة العراقية بصلة.. انه يسخر منها ويتعامل معها بغير جدية ويخلط اوراق الستينيات والسبعينيات بعدما خلط اوراق الخمسينيات ويجد في قدرته الثقافية على اللعب الدرامي سبيلاً لتضييع حقائق معاناة هذه الاجيال، قلت له: انك تطلق عليها مصطلح (جيل) وهي ليست اجيالاً بل عقود وذلك ما نادى به علي بدر لاغير. قال: اراك مصراً على وجود انسان بهذا الاسم وانا اعتقد انه هيئة كاملة مثل هيئة الارصاد الجوية او هيئة المساحة العامة تنشر التقارير التي يتعاون على انتاجها اناس محترفون داخل الهيئة باسمها حيث يتخذ هؤلاء من التسمية الرسمية للهيئة ستاراً لنشر افكارهم او استنتاجاتهم المناخية او (المساحية) وهم ليسوا فرداً واحداً ولذلك فقد تجمع اشخاص عديدون في عدة عواصم عربية او شرقية مثل عمان القاهرة اسطنبول طهران باريس ليكتبوا من هناك مقالات ودراسات باسم هذه المنظمة التي تسمى (على بدر) وهي تبحث في الافكار والصور والرؤى وتلتقي بادباء وشعراء وتضع ملاحظات على كتب او مخطوطات.
قلت له: الصحيح ان الرجل المسمى علي بدر رجل جوال استطاع كفرد الوصول الى هذه المدن وكتب عما فيها من افكار واحلام ومنتجات ثقافية.
قال ولكن هذه المنظمة التي التقى افرادها تحت تسمية (علي بدر) تسعى في كل مقالاتها الى تفتيت السائد.
المعاش والمتفق عليه في الثقافة العراقية؟ ألم تقرأ لها مقالتها عن اصناف الحيوانات وانواعها في (المدى) منذ وقت قريب وهي تسخر من وجود جيل الستينيات العراقي وترى فيه انه جيل لايشكل ظاهرة متكاملة بل اتجاهات فردية لا تحسب ككيان فكري واحد بل مجرد خيوط ممتدة بالتوازي ضاع بعضها وسط الطريق وامتدت خيوط منها لتشكل اضافات فردية، الا تعرف ان جيل الستينيات في العراق لم يكن ظاهرة وحده بل جزءاً من ظاهرة عربية وعالمية بدأت بثورة الطلبة في المانيا وكتابات وتصريحات الباكستاني الطليعي طارق علي و (راشدي) 5 حزيران وانتهى الى تفكيك القدرة الابداعية للاجيال السابقة ورفضها باتجاه انتاج ادب جديد وان سخرية هذه المنظمة التي تسميها انت (علي بدر) منها غير مبررة وغير منطقية بل هي- في احسن احوالها- تريد تفكيك تلك القدرة الابداعية على التجديد في الاشكال والمضامين واحلال خراب فكري اخر بدلها ثم الم تكن انت واحداً ممن انتقدوا الظاهرة الستينية وكتبت (بيان قصصي من طرف واحد) في مجلة الاقلام في السبعينيات لتدين توجهاتها الفكرية؟
قلت: ذلك موقف خاص بي وقد تجاوزته بدراسة تلك الظاهرة فنياً وقبول اصرارها على التجديد والاضافة ثم ان ذلك الامر لا يتعلق بعلي بدر بل بي شخصياً وكل ما يفعله علي بدر اليوم ان يحيلنا الى تجارب الادب العالمي الجديدة ويبصرنا بها فهل يرتكب الرجل حماقة ام اضافة مسؤولة؟
قال صاحبي: اراك تريد تجسيد كل جهد منظمة (علي بدر) في شخص واحد وانا لست معك في هذا لسبب بسيط هو ان هذا الرجل الذي تفترضه موجوداً قد انبثق فجأة ونشر (بابا سارتر) ثم (تل المطران) و(الوليمة العارية) وغيرها من روايات تعزف لحناً واحداً هول لحن الاطاحة بالشيء من الخارج على هيئة كاتب مستأجر او انسان دخيل على مجتمع يحفر فيه ويتطلع الى شخوصه ويبني قضية درامية ثم يدمرها في النهاية لتظهر الحقيقة الاخرى عارية بغير ما تقدم من صور او صورة استغفلنا بها واستغفل القارئ بها، فكيف يمكن لرجل واحد ان يلعب هذه اللعبة وان يكررها في مناخات متعددة وفي زمن قصير ينتج فيه كل هذا؟ كلا كلا .. انهم مجموعة لا فرد واحد وهذا الفرد غير موجود بل هو ماركة مسجلة لمنتجات متعددة مثل شركة (سيبا) للادوية و(تايد) للمنظفات و(تويوتا) للسيارات وكل شركة تنتج مجموعة من الادوية او المنظفات او السيارات باسماء متعددة يجمعها الاسم العام وهو هنا (علي بدر)
ما غيرو-.
قلت له: هذا الرجل الذي تعتقده بغير وجود كتب ما كتب من روايات في فترة صمت طويلة اختارها لنفسه خلال سنوات وانتج فيها اعماله وكان يهدف لا الى الانتاج الروائي الذي يدرس التشكيلة الثقافية والاجتماعية للعراق الحديث بل ان يكسب شهادة عليا في كلية اللغات حيث تخصص بالادب الفرنسي لكن بعض اساتذة هذه الكلية لم يعجبهم
مثلما انت سعيه الجاد وقدراته الذهنية واللغوية فوقفوا حائلاً دون منحه تلك الورقة التي تسمى الماجستير، فاضطر الى ترك الجامعة ليدخل مدينة الثقافة من بابها العريض باب القراءة الجادة والعمل والانتاج بصمت ثم غادر العراق الى عمان بعد ما فاز بجائزة وزارة الثقافة عن (بابا سارتر) التي لم تطبعها دار الشؤون الثقافية العراقية رغم اصرار الخبير الثقافي على اهميتها لعدم اقتناع الرقيب الفكري بذلك، ثم جاء منحها جائزة الشارقة للابداع صفعة لمن منع طبعها ببغداد لتفوز رواية اخرى له بجائزة كبرى في المغرب العربي ولينتبه اليه الوسط الثقافي العربي ولتصدر عدة مجلات عربية وعراقية ملفات عن ادبه ورواياته فهل تعتقد ان انتشاراً من هذا النوع جدير به علي بدر حقاً يكفي لتأكيد قولك انه غير موجود؟
قال: لا، ولكني اشك في وجود شخصية من هذا النوع واجد ان منظمته تدس انفها في كل شيء وآخر شيء فعله او فعلتها هو تلك الضجة التي احدثها (احدثته) عن الستينيات وتجاربها. قلت منهيا الحديث: انت تشك والشك مبدأ اليقين، وعلى افتراض انه منظمة لا فرد فعليك ان تقبل به او بها كارادة ابداعية تعطي وان ترفض
كما رفضت انا رأيها في الستينيات وعلاقتها ببورخس وبالحيوانات فانا اجد في ذلك مثلاً رديئاً ومستفزاً ومرحاً اكثر من اللزوم ولعلي بدر ومنظمته الموهومة ولك اطيب تحياتي.


في غاليري بغداد..القصة القصيرة جداً دراسة وتطبيق

جلال حسن
اقام المركز الثقافي العربي السويسري ندوة موسعة تحت عنوان "القصة القصيرة جداً دراسة وتطبيق" القاها الناقد علوان السلمان ظهر يوم السبت 4/2/2006 قدم للندوة مدير المركز الشاعر عادل عبد الله بكلمة جاء فيها: ان فكرة المكان تشير الى الامتداد والخارجية، فما ان يذكر المكان حتى يتبادر الى الذهن كل ماهو خارجي، اما اذا ذكر الزمان فأنه يحيل الى الداخلية والنفس والذات، واضاف: ما ان تذكر القصة القصيرة إلا تحيلنا الى عمل يحدث في الخارج، ولكن ما ان يذكر الشعر حتى يحيل الى عمل داخلي مشيراً الى تعريف القصة القصيرة بانها لحظة توازن وجمع بين الداخلي والخارجي، بمعنى بين اللحظة الشعرية المختزلة وبين اللحظة المسهبة بالتفصيل. ثم قرأ قصة قصيرة جداً نالت استحسان الحاضرين من الادباء والمثقفين نموذجاً لهذا اللون الادبي والتي قال فيها "عندما صعد الى الحافلة بساقه الوحيدة متعكزاً، وجد الطابق الاول منها مملوءاً، فانتظر ان ينهض احد من الجالسين ليخلي له مكانه غير ان احداً لم يفعل، فاضطر الى الصعود الى الطابق الثاني من الحافلة بساقه الوحيدة، فوجده فارغاً تماماً إلا من جثة رجل قتيل لم يزل دمه ساخناً، فهرع الى الطابق الاسفل من الحافلة عند ذلك نهض الجميع له محييونه بابتسامة مريبة وداعين له بالجلوس".
ثم ابتدأ الناقد علوان السلمان بالقاء محاضرته التي استهلها قائلاً: ان خاصية القص خاصية انسانية يشترك فيها جميع الناس، لكن كاتب القصة ينظر الى الاشياء الواقعة نظرة خاصة، فهو يتعمق في نظرته للاحداث ويضفي عليها من افكاره وخياله ويجعل لها تكويناً وفلسفة وقيمة انسانية بحكم المتراكم الكمي من المعرفة (البصرية والسمعية)، واضاف: ان قيمة العمل القصصي تأتي من الكاتب الذي يختار من الاحداث بحيث يستطيع ان يكون شيئاً مهماً له كيان ومعنى، وبهذا يكون قد نقل هامش الحياة كنشاط خيالي الى مركز الحياة كعمل فني يتناول حرارة العواطف الانسانية، مشيراً الى ان القصة القصيرة جددت علاقتها بالواقع لعوامل تاريخية وحضارية ودخل فن القص منعطفاً جديداً اعتمد على التكثيف والايجاز والتقاط الذروة الدرامية وخلاصة اللحظة المكتظة بالحياة الانسانية، موضحاً، اسباب تعقيدات معطيات العصر المتمثلة بالتكنولوجيا المتطورة التي وسمت العصر بعصر السرعة بالاضافة الى انتشار الصحافة التي اصبحت لا يستغنى عنها، وميل الناس الى البساطة والايجاز بسبب حالة القلق التي تسود الواقع مع تأزم الحالة النفسية واشتغال الفكر.
ومضى الى القول: ان ظهور فن القصة القصيرة جداً كان استجابة لواقع جديد وحياة متجددة باسلوبها المكثف الذي يقترب من الشعر في ومضة مشحونة بالخيال والموسيقى، لكنه يختلف عنه في الحدث وعنصر المفارقة، مؤكداً على ان كاتب القصة القصيرة جداً لا يهتم بالتفصيلات والجزئيات بل يجتاز كل شيء لينتقل مباشرة الى ما يدور بذهنه مجتازاً من الزمن فترة قد تطول وقد تقصر، مبيناً طريقة العلاج عنده بارتباطها المباشر بالموضوع، وتهتم بالفكرة دون الاهتمام بالشخوص والسرد والمعنى، بحيث ان الشخصية تتصرف وفقاً لفكرة الكاتب لا تبعاً لتكوينها الخاص، وبالنتيجة فقدانها الحرية امام التوجيه الذي يوجهها له القاص.
وتطرق المحاضر الى التجارب الاولى لهذا الفن في الادب العالمي والى الاديبة الفرنسية "ناتالي ساروت" الحائزة على جائزة الادب العالمي وقراءة بعض من قصصها والى القصاصين الذي جاء في مقدمتهم "نوئيل رسام" 1930 و "زكريا تامر" و "يوسف ادريس" و "خالد الراوي" و "حسب البريحي" و"حنون مجيد" و"حسب الله يحيى" و"ابراهيم احمد" و"احمد خلف" و"محمد سمارة" وغيرهم.
ثم تناول تعريفات هذا النوع من القصة فقال: اطلق عليه اللهجة القصصية، او "الوجدانية" او "الومضة" او "الضربة الخاطفة غير القابلة للتأجيل" وقد اختلفت حوله الآراء فمنهم من قال انه اقصوصة ومنهم من لايعترف به كجنس ادبي قصصي ومنهم من يحيله الى جنس النثر الشعري المركز.
وخلص الى القول: ان هذا الفن حقق حضوره وارسى جذوره عراقياً وعربياً وعالمياً وهناك اصوات مازالت تبدع فيه وتوسع قاعدته بدليل ما ينشر بالصفحات الثقافية اضافة الى اصدار مجاميع قصصية كثيرة منه، وهذا دليل على استمراريتها واثبات لوجودها، من خلال مجاميع قصصية منها (حدائق عارية) لحسب الله يحيى و (حب مع وقف التنفيذ) و(الليلة الثانية بعد الالف) و(عزلة انكيدو) لهيثم بهنام بردى و (ايوب) لعبد الكريم حسن مراد و (
TNT) لحميد عمران الشريفي و(فانتا ستك) لكاظم الميزري.
واختتم محاضرته قائلاً: ان القصة القصيرة جداً هي نتاج مبدع يتقن هذا اللون الادبي بذكاء، انها رؤية جديدة للواقع تتماشى مع تطور العصر، اذ تحاول ان تجمع عناصر الحياة في كينونتها دون الاهتمام بالتفاصيل، انها لغة تكشف المخفي بكلمات محدودة وقوتها في بساطتها وهدفها الذي يصل اليه القارئ بسرعة خارقة لأن القاص هو الشاعر الذي يبتكر الاشكال الجديدة.
اما القسم الثاني من المحاضرة فكان قراءات قصصية او نماذج من التي اختارها المحاضر والتي وصفها بالتطبيق. فقرأ حميد عمران الشريفي (عشرون ومضة قصصية) و(احتجاج الى شابلن) و (ازمة واضحة) و(ذنب بلا ذنب). وقرأ القاص علاء حميد الجنابي (الافتراق) وشارك القاص كريم الوائلي وجبار سهم وضياء مهدي. وقرأ القاص كاظم جبر الميزري مجموعة من قصصه التي نالت استحسان الحاضرين التي اعتمدت في قيمتها على الواقعية ومنها قصة (كرة الثلج) التي يقول فيها (كانوا يتهافتون كالدبابير على كرة العسل غير مكترثين بالضجيج الذي تحول الى صراخ في ليل معطوب وعندما افترقوا من تلك الغيبوبة لم يجدوا غير كرة ثلج ذابت تحت لهيب صراخهم الممجوج).
وفي باب المناقشات اشترك الحضور بابداء ارائهم وتصوراتهم عن هذا اللون الادبي مما اضاف احتكاكاً فكرياً ونقاشاً جاداً.


شخصيات: سعد صالح
 

اعداد المدى الثقافي
تحتفي المدى الثقافي بالذكرى السابعة والخمسين لوفاة السياسي العراقي والمثقف اللامع الاستاذ سعد صالح جريو فقد عرف بكونه سياسيا لامعا واداريا متميزا ولكنه كان اديبا ايضا، له في الشعر ماله في النثر وكان واحداً من ابرز المبدعين الاجتماعيين.
ولد سعد بن محمد صالح في مدينة النجف الاشرف عام 1899 من اسرة هاشمية عريقة ودرس في مدارس النجف الدينية وشارك صبيا في ثورة النجف الكبرى على الحكم العثماني 1915، وكان من زملائه الشاعر احمد الصافي النجفي وعباس الخليلي ومحمد علي كمال الدين، بعدها دخل سعد صالح دار المعلمين في بغداد ثم تركها ليسهم بنشاط في ثورة العشرين ثم هرب الى الكويت ولم يعد الى بغداد للدراسة الا بضمانة وزير الداخلية يوم ذاك السيد طالب النقيب.
بعد تخرجه بامتياز من دار المعلمين دخل مدرسة الحقوق عام 1921 في دورتها الثالثة، وكان من زملائه صادق البصام واحمد زكي الخياط وصالح جبر، وكان سعد صالح قبل ذلك عضوا في حزب حرس الاستقلال السري الذي كان يتزعمه السيد محمد الصدر رحمه الله واحد اعضاء جمعية الشبيبة. وقد شارك كغيره من الشباب المثقف في المحافل الادبية والسياسية المتعددة واشتغل محررا في عدة صحف حتى تخرجه من كلية الحقوق عام 1925.
عُين سعد صالح بعد تخرجه مديرا لناحية الهاشمية في الحلة ثم نقل الى ناحية الرميثة عام 1927 ليصطدم بالمفتش الاداري الميجر كلوب واستقال من وظيفته بعد ذلك وهو قائممقام ابو صخير لخلافه مع الادارة حول اتهاماتها للشيخ عبد الواحد الحاج سُكر ثم عاد الى الخدمة عام 1936 مفتشاً ادارياً كفوءاً اثبت قدرته الادارية الواسعة ليعين بعد ذلك متصرفا للواءي الحلة والكوت ثم الحلة مرة اخرى الدليم ثم المنتفك مثبتا خلال عمله في هذه الالوية او المحافظات اليوم قدرته الصادقة على العمل بفعالية لتأسيس المدارس واختيار القادرين من الموظفين في اجهزة الدولة وشحذ امكانات كل محافظة لدرء الفيضانات المتكررة ومساعدة العشائر التي كانت تثور بين حين وآخر بسبب كثرة الضرائب او اختلافات الساسة مع بعضهم وجورهم على زعمائها وعندما عُين متصرفا للواء العمارة عام 1943 كان يتابع امر معتقلي حركة مايس حتى استطاع اطلاق سراح معظمهم.
انتخب سعد صالح عضوا في مجلس النواب لعدة دورات بعد ذلك واصبح وزيرا للداخلية في وزارة توفيق السويدي عام 1946م ثم اصبح زعيما لحزب الاحرار، وكان معارضا نيابيا شجاعا قبل استيزاره.
وعند سقوط الوزارة كان يدعو الى الديمقراطية وحرية الصحافة وتأسيس الاحزاب ووحدة العرب والكرد، وعندما قدم استقالته من مجلس النواب لمرضه رفض كل اعضاء المجلس ذلك لاعتزازهم بسعد صالح جريو زميلا وسياسيا بارعا وانسانا نزيها صادقا.
توفي سعد صالح صباح الخميس 17 شباط عام 1949 عن ستين عاما قضاها في سبيل خير العراق وأهله ولاتزال الدراسات التاريخية العراقية تذكر سعد صالح جريو بكل خير.


دراكولا..مصاص الدماء

هانو بتنر
ترجمة: قاسم مطر التميمي
بعد مأدبة عامرة لشخصين جاء دور العشيق، وضع الطاولة جانباً وطوق المرأة بذراعه القوية وحملها برفق ليضعها على الاريكة الطويلة. وعندما استسلمت الشقراء الناعمة لمداعباته وتغزله بها وفتحت بمحض ارادتها فستانها الطويل، حدث ما لم يكن في الحسبان: فبدلاً من ممارسة الحب انقض السيد النبيل على رقبتها وبدأ يمص دمها بشراهة.
مشهد من اشرطة الرعب التي تنتجها هوليوود للمرة الخمسين. و(دراكولا) هو الفيلم الخمسون من سلسلة افلام مصاصي الدماء
Vampir Film التي بدأت بالفيلم الكلاسيكي المخيف المنتج سنة 1897 وتولى بطولته يومذاك الايرلندي (برام ستوكر) Bram Stoker الذي لم يقتصر على كتابة اسطورة (دراكولا) ذي الانياب المفترسة والنزوات الفاجرة وانما استحضر الشخصية التاريخية للأمير الدموي (فالد تيبس)Vald Tepes الذي عاش في القرن الخامس عشر في (فالاخيا) Walachei وخوزق بالاسياخ الحديدية الالاف من اتباعه ظلماً وتعسفاً وكان لقبه (دراكول) Dracul أي (الشيطان) اسما على مسمى.
لقد كان اميرا حكم (فالاخيا) برومانيا للسنوات 1448 وحتى 1476 ولم يمتص دماء ضحاياه
كما يحلو لصناع الافلام السينما ان يصوروه بل كان يخوزقهم (اي يخرق اجسادهم وجماجمهم بالخوازيق او الاوتاد). وقد اشتهر بالتاريخ باسم (فلاد المخزوق) وفي الاساطير الشعبية وقصص الرعب والوحشية، باسم (دراكولا مصاص الدماء). ويروي التاريخ ايضاً انه خوزق على مدى ايام قليلة عشرين الفاً (خمسمائة من الافراد المنافسين مع جميع افراد عائلاتهم وخدمهم) ليحمي البلاد من تآمرهم ضده. وانه جمع اكثر من خمسة الاف من المشوهين والمشلولين والعميان والشحاذين في قصر له فأولمهم ثم احرقهم. (لكي لا يبقى في بلادي فقراء) كما قال.
والصقت به الاساطير الشعبية صفات (شيطانية) اخرى
كتحوله الى خفاش وعودته الى الحياة في الليل وامتصاصه دماء ضحاياه وهي الصفات الفولوكلورية التي اوحت للكاتب الايرلندي (برام ستوكر) بروايته (دراكولا) سنة 1897 التي نشرت اسطورة (مصاص الدماء) في العالم اجمع واستلهمتها السينما والتلفزيون. وما زال تابوته فارغاً في (دير سيجسوارا). يقول المؤرخون ان الاتراك قطعوا رأسه وارسلوها للقسطنطينية، اما جسده فقد دفن في ذلك الدير.
يقول المخرج (جون بادهام): (سواء كان ذلك حقيقة ام لا، فان شخصية الامير دراكولا بالنسبة لي اكثر الشخصيات سحراً واثارة في تاريخ الادب). ويضيف مخرج فيلم (ليلة السبت فقط) الذي سبب حمى الديسكو: (مصاص الدماء الذي ابتدعته ليست له عيون حمر ولا انياب طويلة مدببة، غير انه يثير الفزع، وعليه ان يكون شهوانياً ايضاً). وقد تسنم دور البطولة في الفيلم (فرانك لانغيللا)
Frank Langella وهو رجل انيق بني الشعر، شارك في اكثر من اربعمائة عرض مسرحي مثل فيها دور مصاص دماء.
مثل هذا الفجور كان غريباً على المخرج الالماني (مورناو)
F.W.Murnau عندما شرع باخراج اول فيلم له سنة 1922 عن (النبيل الشرير) وغير اسم (دراكولا) الى (نوسفيراتو) Nosferatu أملا في ان يتمكن من شراء حق طبع الفيلم، ولكن دون جدوى: فقد حصل نزاع على نسخه وخسر (مورناو) القضية واضطر الى اتلاف كل نسخ الفيلم الصامت.
ان اول موجة حقيقية لأفلام (مصاص الدماء) في السينما بدأت سنة 1931 مع (دراكولا) الاميريكي للمخرج (تد براوننغ)
Ted Browning، اما بالنسبة لبطل الرواية (بيلا لوغوسي) Bela lugosi فقط ظهر طيلة سنوات خدمته بدور شهواني الشاشة، وقد تماهى (لوغوسي) اخيراً مع دوره حتى ظن في النهاية انه صار (دراكولا) فعلاً: (اشعر ببواعث الشر تنطلق من داخلي). وعندما مات الرجل الهنغاري في هوليوود سنة 1956 كانت آخر وصاياه ان يدفن مع افراد طاقم (دراكولا) الذين سبقوه الى الموت.
وخلفه على هذا الدور (كرستوفر لي)
Christopher Lee واعيد في عهده انتاج العديد من الافلام السابقة باخراج سينمائي جديد خصوصاً وان التقنية السينمائية قد حققت خطوات مهمة على سلم التطور. كما حققت تلك الافلام مردوداً مالياً كبيراً في شباك التذاكر.
ان افلام (دراكولا) سلسلة بدأت لكي لا تنتهي: فبعد (كرستوفر لي) جاء (داميين توماس) و (كلاوس كنسكي) و(جورج هاملتون) و (جوبيلار فرانك لانغيللا). واخيراً وليس آخراً جاء الفيلم الحادي والخمسون الى شاشات العرض السينمائي، (الامير دراكولا في بفاريا العليا) الذي تولى البطولة فيه (جياني جاركو).

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة