في غاليري بغداد..القصة
القصيرة جداً دراسة وتطبيق
جلال
حسن
اقام المركز
الثقافي العربي –
السويسري ندوة
موسعة تحت عنوان "القصة القصيرة جداً دراسة وتطبيق" القاها
الناقد علوان السلمان ظهر يوم السبت 4/2/2006 قدم للندوة
مدير المركز الشاعر عادل عبد الله بكلمة جاء فيها: ان فكرة
المكان تشير الى الامتداد والخارجية، فما ان يذكر المكان
حتى يتبادر الى الذهن كل ماهو خارجي، اما اذا ذكر الزمان
فأنه يحيل الى الداخلية والنفس والذات، واضاف: ما ان تذكر
القصة القصيرة إلا تحيلنا الى عمل يحدث في الخارج، ولكن ما
ان يذكر الشعر حتى يحيل الى عمل داخلي مشيراً الى تعريف
القصة القصيرة بانها لحظة توازن وجمع بين الداخلي والخارجي،
بمعنى بين اللحظة الشعرية المختزلة وبين اللحظة المسهبة
بالتفصيل. ثم قرأ قصة قصيرة جداً نالت استحسان الحاضرين من
الادباء والمثقفين نموذجاً لهذا اللون الادبي والتي قال
فيها "عندما صعد الى الحافلة بساقه الوحيدة متعكزاً، وجد
الطابق الاول منها مملوءاً، فانتظر ان ينهض احد من
الجالسين ليخلي له مكانه غير ان احداً لم يفعل، فاضطر الى
الصعود الى الطابق الثاني من الحافلة بساقه الوحيدة، فوجده
فارغاً تماماً إلا من جثة رجل قتيل لم يزل دمه ساخناً،
فهرع الى الطابق الاسفل من الحافلة عند ذلك نهض الجميع له
محييونه بابتسامة مريبة وداعين له بالجلوس".
ثم ابتدأ الناقد علوان السلمان بالقاء محاضرته التي
استهلها قائلاً: ان خاصية القص خاصية انسانية يشترك فيها
جميع الناس، لكن كاتب القصة ينظر الى الاشياء الواقعة نظرة
خاصة، فهو يتعمق في نظرته للاحداث ويضفي عليها من افكاره
وخياله ويجعل لها تكويناً وفلسفة وقيمة انسانية بحكم
المتراكم الكمي من المعرفة (البصرية والسمعية)، واضاف: ان
قيمة العمل القصصي تأتي من الكاتب الذي يختار من الاحداث
بحيث يستطيع ان يكون شيئاً مهماً له كيان ومعنى، وبهذا
يكون قد نقل هامش الحياة كنشاط خيالي الى مركز الحياة كعمل
فني يتناول حرارة العواطف الانسانية، مشيراً الى ان القصة
القصيرة جددت علاقتها بالواقع لعوامل تاريخية وحضارية ودخل
فن القص منعطفاً جديداً اعتمد على التكثيف والايجاز
والتقاط الذروة الدرامية وخلاصة اللحظة المكتظة بالحياة
الانسانية، موضحاً، اسباب تعقيدات معطيات العصر المتمثلة
بالتكنولوجيا المتطورة التي وسمت العصر بعصر السرعة
بالاضافة الى انتشار الصحافة التي اصبحت لا يستغنى عنها،
وميل الناس الى البساطة والايجاز بسبب حالة القلق التي
تسود الواقع مع تأزم الحالة النفسية واشتغال الفكر.
ومضى الى القول: ان ظهور فن القصة القصيرة جداً كان
استجابة لواقع جديد وحياة متجددة باسلوبها المكثف الذي
يقترب من الشعر في ومضة مشحونة بالخيال والموسيقى، لكنه
يختلف عنه في الحدث وعنصر المفارقة، مؤكداً على ان كاتب
القصة القصيرة جداً لا يهتم بالتفصيلات والجزئيات بل يجتاز
كل شيء لينتقل مباشرة الى ما يدور بذهنه مجتازاً من الزمن
فترة قد تطول وقد تقصر، مبيناً طريقة العلاج عنده
بارتباطها المباشر بالموضوع، وتهتم بالفكرة دون الاهتمام
بالشخوص والسرد والمعنى، بحيث ان الشخصية تتصرف وفقاً
لفكرة الكاتب لا تبعاً لتكوينها الخاص، وبالنتيجة فقدانها
الحرية امام التوجيه الذي يوجهها له القاص.
وتطرق المحاضر الى التجارب الاولى لهذا الفن في الادب
العالمي والى الاديبة الفرنسية "ناتالي ساروت" الحائزة على
جائزة الادب العالمي وقراءة بعض من قصصها والى القصاصين
الذي جاء في مقدمتهم "نوئيل رسام" 1930 و "زكريا تامر" و "يوسف
ادريس" و "خالد الراوي" و "حسب البريحي" و"حنون مجيد"
و"حسب الله يحيى" و"ابراهيم احمد" و"احمد خلف" و"محمد
سمارة" وغيرهم.
ثم تناول تعريفات هذا النوع من القصة فقال: اطلق عليه
اللهجة القصصية، او "الوجدانية" او "الومضة" او "الضربة
الخاطفة غير القابلة للتأجيل" وقد اختلفت حوله الآراء
فمنهم من قال انه اقصوصة ومنهم من لايعترف به كجنس ادبي
قصصي ومنهم من يحيله الى جنس النثر الشعري المركز.
وخلص الى القول: ان هذا الفن حقق حضوره وارسى جذوره عراقياً
وعربياً وعالمياً وهناك اصوات مازالت تبدع فيه وتوسع
قاعدته بدليل ما ينشر بالصفحات الثقافية اضافة الى اصدار
مجاميع قصصية كثيرة منه، وهذا دليل على استمراريتها واثبات
لوجودها، من خلال مجاميع قصصية منها (حدائق عارية) لحسب
الله يحيى و (حب مع وقف التنفيذ) و(الليلة الثانية بعد
الالف) و(عزلة انكيدو) لهيثم بهنام بردى و (ايوب) لعبد
الكريم حسن مراد و (TNT)
لحميد عمران
الشريفي و(فانتا ستك) لكاظم الميزري.
واختتم محاضرته قائلاً: ان القصة القصيرة جداً هي نتاج
مبدع يتقن هذا اللون الادبي بذكاء، انها رؤية جديدة للواقع
تتماشى مع تطور العصر، اذ تحاول ان تجمع عناصر الحياة في
كينونتها دون الاهتمام بالتفاصيل، انها لغة تكشف المخفي
بكلمات محدودة وقوتها في بساطتها وهدفها الذي يصل اليه
القارئ بسرعة خارقة لأن القاص هو الشاعر الذي يبتكر
الاشكال الجديدة.
اما القسم الثاني من المحاضرة فكان قراءات قصصية او نماذج
من التي اختارها المحاضر والتي وصفها بالتطبيق. فقرأ حميد
عمران الشريفي (عشرون ومضة قصصية) و(احتجاج الى شابلن) و (ازمة
واضحة) و(ذنب بلا ذنب). وقرأ القاص علاء حميد الجنابي (الافتراق)
وشارك القاص كريم الوائلي وجبار سهم وضياء مهدي. وقرأ
القاص كاظم جبر الميزري مجموعة من قصصه التي نالت استحسان
الحاضرين التي اعتمدت في قيمتها على الواقعية ومنها قصة (كرة
الثلج) التي يقول فيها (كانوا يتهافتون كالدبابير على كرة
العسل غير مكترثين بالضجيج الذي تحول الى صراخ في ليل
معطوب وعندما افترقوا من تلك الغيبوبة لم يجدوا غير كرة
ثلج ذابت تحت لهيب صراخهم الممجوج).
وفي باب المناقشات اشترك الحضور بابداء ارائهم وتصوراتهم
عن هذا اللون الادبي مما اضاف احتكاكاً فكرياً ونقاشاً
جاداً.
|