المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

(السفينة وخيوط العرائس) .. قراءة في تجربة قاسم محمد المسرحيـــة 1-2

أ.د. عقيل مهدي يوسف
1- سرديات النخلة والجيران :
مازال الفنان " قاسم محمد" منذ تحويله " سرديات" " غائب طعمة فرمان" الى أفعال مباشرة في " النخلة والجيران" يروم تعديل مسارات المسرح العراقي التقليدية، وينفتح على مبتكرات الشباب فيقف ليتمعن فيها، ويجربها في مختبره الخاص، او " ورشته" التخيلية لانه مسكون بهاجس التطور، والحفاظ على سمة محلية " عراقية" في مسرحه، فتراه، وهو في غربته، يترصد توصلات مسرحنا، فيتأثر بما يشاهده من عروض " عراقية" فيقوم بابحار مضاد، لينتج " نصاً" لسانيا- دراميا حتى تراه يتلقف من أفواه شعراء شعبيين او من أدباء محدثين او من الازقة الشعبية، مفردات ثمينة تخص وجدان الشعب في " طروس " متباعدة، يرى فيها " فرجة" يمكن لها ان تدب على أديم " المنصة" حتى ان " مفردات " مثل" " اشتغال" و" شمطاوات" و" قهقهة" لاتعدم مرجعياتها، ومثلها جمل :" حلمت مرة اني فراشة" وتتذكر شاكر السماوي وهو يرتب هذه الامثولة الصينية بقصيدة فذة تختلط فيها ذاكرة البشر بعالم الفراشات، ويستعيد من قاموسه الخاص، وهو يجدّ بالتمييز مابين " الجسد" و" الجسم" و" البدن" وينسب لكل منها، معنى خاصا، لايحرص عليها سوى فقهاء اللغة من (الفيلو لوغيين)، ولاترى " ماكنته" الحرفية العالم الا ذريعة لتمرير " خطابه" المسرحي، وكأني به يجد في العرس وفي طقوس المراثي، وفي لعبة الامم والحروب، والدبلوماسية مشاهد تنتظره، ليجعل منها عرضا يقتنصه، فينقله من صورة التجريد الى حركة الملموس، الشاخص، يسحره مثل سواه من المبدعين، سلوك الجسد المرن، وحين يشهد حركة اجساد بغلالة من طحين أبيض، وهم يفوزون بجوائز مهرجانية، يختزنها في ذاكرته ليفجرها في حقول المسرح ومداخله وكواليسه على طريقته الخاصة. قاسم محمد نابه، ومفكر، وقادر على جعل " عطسة " عابرة ايماءة مسرحية، تلذ الصغار، وتدمي الكبار في آن واحد هو ابن ثقافة عربية قحة، يمد خشبته منذ طفولته الى فرن يستجر ليخرج رغيفا، مشهداً، مسؤولية، يحاول تجاوز العذاب ليمتحن انسانيته النبيلة، في غربته، بعد ان كابده وهو رهين المحبسين، السلطة والشعب!! يعيش بصبواته المسرحية مع فاختنكوف واسلبة مايرخولد، ودروس زفادسكي وتجريبية ليموبيموف، ويحترم شيخهم الجليل ستانسلافسكي، ويتابع بيتر بروك حتى حين يحط رحاله في شمال العراق وهو يصغي " للكورد" ويمتح من ذخائرهم الروحية والطقسية ومن منطلقه في البحث عن" الرؤية" في طيات الادب (الاسطورة، الحكاية، المثل، الحزورة) لايغفل التوقف عند الحكمة المبثوثة فيجد ضالته لدى الكندي، وابن سينا وسواهما، من المتفلسفين او لدى المتكلمين، او اخوان الصفا، برسائلهم، او ماتحفل به" الصوفية" من مشاهدات، ولاترى لديه امتناعا أو صدوداً بين المسرحي والتراثي والحياتي، فيندمج الجاحظ، والتوحيدي، والحلاج في لبوس " الواقعية الخيالية" او التجريب، وتطوير لغة التمرين، ليقع صريعه مثل " افيروس " في حبه وهيامه " للبروفة" وكانه يدعو الى حلف خالد، مثل ادولف آبيا (كلنا سيرغب في ان يعيش الفن وليس ان يستمتع به فقط، وسنواجه مرة اخرى بعضنا بعضا كما اعتدنا ان نفعل في المسارح والمكتبات) (1) ان مسرح قاسم ومكتبته احدهما يترعرع في كنف الثاني هذا التوق يشده الى معاينة التجربة الجمالية من الداخل وبالاشتراك مع الجمهور (الآخر) بوصفه طرفا فاعلا، لامنفعلا، وبمثل هذا الفهم (سيصبح كل منا مسؤولا عن اعمالنا، لن نحتاج الى ان نشغل انفسنا بالمواد الخام او دوافع الآخرين، اعمالنا ستكون النتيجة المثلى لحياتنا كلها، يعبر عنها جسد ما جسدنا، الذي يخضع لعلم الجمال الصارم المبادىء، الدقيق القواعد) (2) حين يجهز قاسم (الميزانسين) فانه يرسمه بريشة فنان محترف. ولااراه، الا مثل " آبيا" في حبه للشكل النقي، وسطوعه، دون افراط او تفريط بالقيم المضمونية، والدلالية لعلاماته المسرحية، وانا من بين معارفه عرفته(فنانا عظيم القامة والمقام، كريما، رقيقا، وتضم جوانحه من الفضائل ماتزخر به نفس أي انسان مثالي النزعة والهوى، ويشهد كل من اتصل به اتصالا وثيقا على عظمة روحه) كالوصف الذي جاء به(اولبرايت) لـ (آبيا)، وهو مجسه الفائق يفرز الخلان الاوفياء عن سواهم.
2- تجارب رائــدة :
انه ينهمك بتجاربه الرائدة والمتنوعة حتى بطرائق التعبير الفني والعادات السلوكية الخاصة بالممثل، ويعرف مقدار " الجرعة" الضوئية التي يغدقها على هذه الكلمة او تلك الجملة، او هذا الموقف، انه (جدلي) في تفكيره، يبعد عن تيارات الزيف، وخنق الحرية، ومداراة الروح الهدامة، الموغلة في الخرافة. يدخل مع الصوفية بزاد المتنور، المسؤول عن دوره الاجتماعي، من خلال الخطاب الفني والجمالي للمسرح، وهو يتلفت بقلبه وعقله، الى وجدان المتفرج، ليحفز رؤاه التقدمية ويدفعه للانسجام مع الحياة، والتوافق مع اسئلتها وطروحاتها القلقة، انه يبحث ويفتش لا عن الارضية الايدلوجية والمعرفية والتذوقية لدى متفرجه، بل عن تقنيته الجسدية ايضا:
(من الظلام نحو الضوء، ومن الخارح نحو الداخل تطرح نظرة المتفرج دائما في تضاد مع الجسد، ان النظرة هي ايماءة تحرر من الجسد حين يتمكن التخيل منهما يتقدم احدهما الى الامام يتراجع الاخر الى الخلف، ليس لان الجسد باكمله يترك نفسه ليقدم نفسه من خلال النظرة، ولكن للتركيز على شغف المتفرج وسحر العرض) (3)
قاسم، وفق قوانين المنهج المقارن يقترب
ايضا من (باربا) في محاولته الدؤوبة لتاسيس عراقية ما، لمسرحه، دون رغبة منه، صريحة او مضمرة في السقوط بأحابيل العرقية البغيضة التي يجافيها باربا ولكنه يفهم المسرح، ورشة، يسكنها الاحياء من ابناء شعبه ويجري عبر شبكتها تداول خطابه المسرحي، ويتم تحقيق هذا التفاعل المؤثر نتيجة لعمليات التواصل بينه وبين متفرجه:
(ان ميزة المسرح هي تلك القدرة على توفير (ورشة) يقدم فيها "حدث " العرض للرؤية ذاتها التي تنتجه، وميزة الساكن الاصلي
الانثروبولوجي المسرحي مثل اوجينو باربا ونضيف نحن قاسم محمد- ليست تلك الخاصة بتجنب المخاطر، ولكن بالاعتراف بفخاخ وبمحاولات تلك النزعة العرقية التي لايمكن محوها لدى المتفرج) (4)
وكان قاسم مقاوما باسلا في بحثه واستقصائه عن الجانب الحر في شخصية مواطنه، المنحدر من تراث عريق وانساني مفتوح وهو قد تحدى نفسه، وطور من مرتكزاته الذاتية والمهنية طوال مسيرة تفاعله مع المحطات المسرحية التي غادرها والتي يروم الوصول اليها، انه مثل عالم، يضبط أدواته المنهجية في العرض، ويقترب من هذه الحكائيات والسرديات ومن طرق صنع " منتوجه" الابداعي، يخبره فنان مرموق يهتم بالاسطورة، وكذلك تهمه (الانثروبولوجية) فتقترح (عليه اداء وتملي عليه كلية قانون التحولات او اكثر الدوائر طولا للخروج من منطقته الخاصة، وهو الامر الذي يعدّ ضروريا باستمرار ولكن يصبح حتميا لمن يسكن ويعيش في البلد نفسه ويريد ان يتحرى الاختلاف المطلق والحميمي لمن هو مشابه له، لممثله) (5)
هوامش :
(1،2) من مؤلفات أدولف آبيا ص169.
(3) المصدر السابق : ص 23.
(4) المسرح ورؤية الاخر : ص 241.
(5) (6) السابق : ص120، 121.


بمشاركة 98 فناناً عراقياً قاعة (مدارات) تحتضن المعرض الأول للفن المعاصر
 

جلال حسن
قامت مؤسسة أتجاهات الثقافية صباح يوم الخميس 26/1/2006 وبحضور حشد كبير من الفنانين والادباء والصحفيين بأفتتاح (المعرض الأول للفن المعاصر) على قاعة (مدارات) بعرض لوحات حديثة وبمشاركة (98) فناناً عراقياً قدموا اعمالهم تحت مفهوم بناء العلاقات من منطلقات ثقافية متنوعة وعبر وسائل وأدوات تعبيرية تسخر التقنيات الحديثة عبر فنون اللوحات التشكيلية والنحت وغيرها من الفنون المعاصرة، للتفاعل والتواصل البصري والحسي والفكري: ويمثل تظاهرة نوعية للفنون المعاصرة للمكان الجديد المتمثل بقاعة (مدارات) وبين الفنانين بشكل عام، لاتاحة المجال امام الزوار والنقاد والفنانين والمتابعين، للاطلاع على ملامح الحركة الفنية الجديدة في العراق وتعزيز حالة تواصل الفنان من خلال المشاركة التي تتمثل بالمفاهيم والاطروحات مقارنة بحركة التشكيل العالمية.
وقال الفنان حسن النصار ان هذا المعرض جسر للتعارف بين الفنانين جميعاً، حيث شارك فيه 98 فناناً من اصحاب التجارب المتنوعة، ومن أبرزهم الفنان الكبير سالم الدباغ، والفنانون عامر العبيدي ووليد شيت والمرحوم خضير الشكرجي، وكوكبة كبيرة من الشباب المتميزين باستجابة بالمشاركة، والغاية من هذا المعرض كي يتعرف الفنانون على هذا المكان الجديد ورؤيته الفنية، والشيء الجميل هو التنوع بعدم تحديد محور خاص للاعمال الفنية او تجربة خاصة وبالنتيجة سيكون شموليا، بمعنى لم تكن هناك قياسات مهنية او حرفية يصنف المعرض ضمنها بل المشاركة المجردة من اي شكل من الاشكالات الفنية.
ومن الاعمال الملفتة للانظار عمل الفنان سالم الدباغ لانه يملك رؤية خاصة، ويعتمد على مفهومه الخاص للفضاء التخيلي وليست هناك مفاضلة بين الفنانين بقدر الاتفاق على نقطة الحوار والاتصال التي تربط الفنانين بالتيارات الابداعية المعاصرة في العالم.
وسوف نقوم بجدولة سلسلة من المواسم الثقافية التي تتضمن مختلف النشاطات الثقافية من معارض تشكيلية وندوات وقراءات في كتب وأمسيات موسيقية، وسوف تصنف على شكل مواسم ثقافية، وكل موسم يمتد لمدة ثلاثة أشهر.
وتحدث الفنان جميل عبد رماح عن مشاركته في هذا المعرض من خلال لوحاته بربط تجربته الحياتية باللوحة، معتبراً انطلاقته الاولى من الطفولة التي ادخلته عالم اللون والسفر في عالم اللوحة التشكيلية لانها تمتلك مشهدية وقدرة هائلة على التعبير بكل الابعاد الدقيقة، والامكنة بروحها وطقوسها للتعبير عن مكونات الانسان في فضاء واسع من أجل ايصال فكرة ما، لأنها تحمل دلالات معرفية وجدانية، بمعنى ابحث في اللوحة عن تجسيد جديد ينقلني الى محاولة أجد نفسي من خلالها، وأرسم بانحياز الى اللون الذي يفجر البنى بروحية حسية، لانه يخدم إشراقات اللوحة باضاءات سحرية تختزل قدسية المكان الدلالي، واعمل حالياً على تحويل الموسيقى الشرقية المتمثلة بآلة العود الى لوحة بصرية تتجسد فيها تعابير النوتة الموسيقية الهائلة في شفرتها الى لون يثور خلجات الروح بصمت اكثر دلالة في المعنى العام للوحة.
وفي مدخل قاعة مدارات هناك نصب تجريدي كبير من عمل النحات وسام القصاب الذي قال: أردت ان اجسد عملاً يشير الى جهة جديدة لاتقف عندها البوصلة، ورغم الصعوبات التي واجهتها والمتمثلة بالادوات ودقة القياسات بالنسبة الى المعدن السميك بسمك عشرة مليمترات خصوصاً في شكل الدرع الذي حاولت اعطاءه بعداً زمنيا في تاريخنا، وصبغته باللون الاسود ليعطي صفة شمولية من خلال التكامل للنصب، مستفيداً من اعمال (كوديو) التي كان يعملها بالكرانيت، الآن يصعب العمل بهذا الحجر الذي يعطي صفة الصلابة والصمود والشجاعة، وما دلالة السلسلة الحديدية الا واقع مضاف الى جمالية العمل بالحداثة، فضلت ان اعلقها في السقف لكن تعليقها على اتجاه الدرع اضاف اليها نوعاً من الايحاء لدى المتلقي، لذلك تركت عملي بلا أسم تاركاً التسمية للمتلقي. احتوى المعرض على اعمال نحتية كثيرة تناسقت بشكل منسجم مع عرض اللوحات الكثيرة، وعلى ايقاع موسيقي هادئ.


مكائد الأمكنة..كولاج تأويل

علي شبيب ورد
وأنا أعيش صراع الأمكنة لفرض وجودها القسري، اسمع صراخها، وأخلص الى أن المكان شكل من اشكال الوجود في لحظة من لحظات بانوراما الزمان النابضة بالحركة اللامتناهية. هذا الشكل بطبيعته مغر ومحرض دائم لآليات منظومة التلقي المتباينة في عملها من متلق إلى آخر تبعا للتجربة القرائية في لحظة ما. وصيرورته اما ان تكون طبيعية أو مصطنعة. بيد ان حضوره للتلقي اما ان يكون عيانا مباشرا أو مستعادا عبر المخيلة. غير ان المخيلة بعد تلقيها منظومة بث المكان تحيله إلى نص مرسل عبر وسائل اتصال شتى لإغرائنا على قراءته. غير ان قدرته في الإغراء على القراءة تعتمد على خصوبة المخيلة المرسلة للنص. أي بمعنى قدرته على المكر أو الخداع الفني لاستدراج القارئ إلى (مكيدة التلقي). وانا اسمع صراخ الامكنة، لهول سياط النعرات في بلادي، أسعد لكل واحة ثقافية في بيد التحزب. وانا ألمح خراب الامكنة انحني لمجلة (هلا) الثقافية، باحثا عن مرامي في استقصاء جماليات النص.
وها أنا اقف امام باقة من (نصوص في الامكنة) لأتطيب من شذى غصونها غصنا تلو غصن.
فها هو طالب عبد العزيز يسحل فضولنا وراء زورق محبته فاضحا فتنة الجنوب العاري أمامنا على طبق ازرق، وعلى عادته يوغل في سردية مطرزة بأيقونات لغة الاقدمين. كم انت ماكر يا طالب، فقد زدت لهفتنا لزيارة مقهى الصيادين لاهين بنشوة مكان من نخيل وماء (وستظل قراءة مكان ما خدعة اخرى تزودنا بها الاقنعة في كل مرة نحاول فيها سبر غور معارفنا).
و (حينما يكون النهر قبرا) نعوم في مأساة الحلاج الذي أحرق جسده إله زرادشت وابتلع رماده إله زيوسدرا وحفظت الارض سر الميتتين، في أثر أراه لملم الرماد من بطن دجلة وراح يتوهج شعرا يطفئ حرقة المعذبين. أنت محق يا حبيس الماء سنظل موهومين بشفاعة الحجر، وسنردد أسئلة الإنسان البدئي حتى يفضح الوجود خفايا العدم. من (القبر) الاثر والعلامة يحرض قاسم محمد عباس في نفوسنا حسا كونيا من خلال قراءة إنسانية جريئة لفلسفة الوجود والعدم، عبر مقاربة واخزة وشفيفة لمعضلة التوحيد بين المسيحية والاسلام وأثر ذلك في الفن عموما والريازة تحديدا.
حقا نحن بحاجة لهذه التجربة المذهلة ((أفكّر بكتابة أجسادنا التي سنسجن فيها بانتظار لحظة القيام)) ولكن صاحبي، ألسنا نكتب الآن من قبورنا! بانتظار حزام ناسف يكتب نصّنا الجسدي ؟!
لكم انت بارع يا قاسم في اقتناص رغبتي لدخول ذلك الزقاق عمدا، لا سهوا كما فعلت.
ولعلّي لست مغاليا بقولي أن (مكواة) لطفية الدليمي أكثر إقناعا من (عصا) موسى، باعتبارها مكيدة فنية لا غير. والملفت في منجز الدليمي هو انها لا تركن إلى منطقة كتابية ما، بل تمتلك قدرة مذهلة على التجديد واستقصاء اكثر المناطق وعورة وغرابة. لنقرأ بعضا من مكائدها (في عشق الخرائط) إذن سأختطف العالم لنفسي، وأمتلك الثمرة الزرقاء التي تقزّم لي المديات والمسافات والأزمنة والمياه.. ذات انحسار بالعالم رغم الحروب والموت والضحايا عثرت على خارطة مطوية بإهمال في مكتبتي، مدعوكة الورقة مغبرة ممزقة الأطراف، فتحتها فإذا بها خارطة الدنيا..
لسخرية حبي للخرائط سخّنت مكواة وشرعت أمسّد العالم بالحرارة والأمنيات. شكرا سيدتي،
قدّمت لنا حطام العالم على طبق من عجب.
عن البيوت العتيقة التي ابتلعتها الارض، رسم هاشم تايه لوحته الجديدة (شبابيك منعت من التحليق) طاردا خرسها الأيقوني في بوح (فوتو كتابي) معلنا فيه احتضارها وقوفا، عبر أنسنة شعرية لوجودها الإشاري والدلالي. أهم الموتى اشتاقوا إلى الرحيق.. أم هي الارض ضربتها أهوالنا فتورّمت واعتلت بيوتنا العتيقة ؟ تساؤل مريع رمته بوجهنا مخيلة فرشاة ملونة بالمشاعر. اذن نحن أمام نص تشكيلي أو تشكيل نصي حاول تحرير حيوات الرموز والدلالات من أغلال الإهمال إلى فسح الإنتباه. نص يستنطق روح الفرشاة المتمردة بترنيمة عبقة، بين شبّاك يهوي وشبّاك يطير ينحني الضوء لابسا حجابه تتقدمه عصا الراعي وتجرّه إلى مرعاه.
بذاكرة مشحوف سومري وفطنة نورس وسرعة صاروخ، يختطف لنا نعيم عبد مهلهل قراءته المكانية (الأهوار) مدبّجا ومضمّنا إيّاها بأسانيد الإستشراقيين والعراقيين معا. وفيها يفضح عشقه (لحلم أخضر يمشي على سجادة من الماء والقصب) حلم ذرفه أسلافه السومريون نافذة خلود لحضارتهم كيما تظل طرية دائماً . وهو يعمد إلى الافادة من سحر المكان كمكيدة للتلقي، مطلقا لمخيلته العنان لتسبح في معاناة الإنسان منذ غبش الخليقة، في عرضها لقطات مقاربة بين الاصل والصور التي حفل بها الفلم الفريد (الأهوار) للمبدع الكبير المغترب قاسم حول. ومن ثم يدفعنا للتساؤل معه : متى تلتحق هذه الطبيعة بقاطرة الحضارة ما دمنا نراها تموت في كل عصر، حتى قبل أن تتنفس هواء الرغبة لتذهب بعيدا ؟؟؟
بسياق سردي يبتدئ رعد مطشر نصه المكاني (كرخيتي لآلئ النور) واصفا كيفية تحول الواقعة من بنياتها التاريخية الى بنياتها الإسطورية عبر جرائد التهويل الشفاهي السابحات في الذاكرة الجمعية للأقوام المارين على طاحونة الأزمنة. نص تمكن من تجاوز يباس أسانيد المؤرخين بمخيلة مررت مجساتها الفطنة لتحريض طقوس الريازة على النشوب فراديس إفشاء لإرث موغل بالحكمة والضوء. في مواشجة غنّاء بين حياء المؤرخ وجرأة الباحث، نصب لنا رعد مطشر فخّ تلقّينا لقراءته المكانية محدّقين بجرائد الذاكرة الطائرة إلى كركوك، فبعث لنا شفرة واخزة في محاولته المحزنة كي ينسى بأن كركوك أكبر مركز للبترول، ينسى ذلك، لأن المدينة الآن ليست له !!
ما أن فرغت من قراءة جدران لؤي حمزة عباس، حتى تملّكني الرّعب من جدران بيتي الذي بنيته تواً، هرعت إلى الشارع مرتبكا مؤنّبا نفسي على ما فعلت، غير أني هدأت بعدما استعادت مخيلتي صورة البيت وهو يوشك ان يتداعى. وتحدياً إلى لؤي عدت لقراءة (الجدار) وفرحت بعدما أنصتّ جيدا لانطوان سانت اكزوبري وهو يهمس في أرض البشر (إن أعجب ما في منزل ليس في أنه يؤويك أو يدفّئك، أو في أنك تملك فيه الجدران، ولكن في هذا الذي يضعه فينا، هوناً ما، من مؤن العذوبة) حينها قلت، المعضلة المرعبة ليست في الجدار، بل في مؤثّرات تحريف جدواه. نحن أمام نص تمكّن من خداعنا على قراءته مرات بوصفه سينوغرافيا مرعبة، لأنسنة متاهة الجدران في جدلية ممتعة.
وأنا في قبري متعثّراً ببلادي - ذهولاً - أحسب أني في ورقتي هذه، تنفست عبق مكائد التلقي لنصوص مبدعين غرّبتهم الامكنة، وقرّبتهم محنة أسرهم، في كولاجي التأويلي المزعوم .

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة