أخطــاء
الكبــار.. يدفــــع ثمنها الصغــار!
بغداد/ابراهيم الجوراني
ان
كثيرا من الآباء المتعلمين يتخبطون في معالجة مشكلات
اطفالهم السايكولوجية وحتى بعض المعلمين نراهم يتناسون
دورهم التربوي بانغماسهم في واجبهم التعليمي فحسب، إذاً
المشكلة ليست مشكلة اطفال بقدر ما هي مشكلة آباء ومعلمين.
ان
الكبار سواء كانوا آباء او معلمين يعملون في كثير من
الاحيان على الاساءة البالغة للاطفال خلال تبني جملة من
الاوهام التي يظنون انها معالجات ناجعة لمشكلات الاطفال
السلوكية، فنراهم يعتقدون جازمين بانهم يمتلكون المقدرة
التامة على تنشئة اطفالهم تنشئة حسنة ويتعدون -احيانا- الى
اسداء النصح والارشاد الى الاباء الاخرين في كيفية تنشئة
ابنائهم ورعايتهم، ولكن ما عندهم من معلومات -في حقيقة
الامر- لا يعدو كونه مجموعة من الانطباعات الفطرية
البدائية والخبرات العرضية والمغالطات الساذجة التي تراكمت
في اذهانهم -على خطأ- ما يجعلها وسائل ارباك للاطفال وليس
تنشئتهم واصلاحهم البعض الاخر من الاباء والمعلمين نراه
حريصا على استنساخ نفسه على اولاده او تلاميذه محاولا
اشباعهم بما شب عليه وتربى متمسكا بالاساليب التربوية التي
الفها في طفولته بغض النظر عما اذا كانت تلك الاساليب
تلائم اطفالهم ام لا، والبعض الاخر منهم يحاول الافلات مما
تربى عليه ويحاول تنشئة اطفاله تنشئة مغايرة، فالذي كانت
طفولته يسودها القسر والحرمان يحاول تعويض ذلك تبديل
اطفاله وتوفير ما يحتاجونه، ومن البديهي ان التشبث بتقليد
الاباء او محاولة الافلات من قيودهم كلاهما لا يخدم الطفل
ولا يعمل على نموه السايكولوجي نموا صحيحا.
مرح الاطفال..
حالة صحية
ان الغالب من الاباء والمعلمين يعتقد بأن التربية الصحيحة
توجب الحد من نزعة الاطفال الى احداث الشغب والازعاج
معتقدين بأن الطفل (رجل صغير) عليه ترويض نفسه على الهدوء
والنظافة والسكينة والطاعة، وعدد ليس بالقليل من الامهات
والاباء على وفق هذا الاعتقاد يلجمون اطفالهم عند اصطحابهم
لزيارة الاقارب والاصدقاء او زيارة الاخرين لهم، ويتمنون
لو ان يقيدوا ايديهم وارجلهم ويخيطوا افواههم خوفا وخجلا
من مشاكساتهم ومعاتباتهم ونراهم يراقبون بطريقة هستيرية
تجلب الشقاء لهم طوال مدة الزيارة. متناسين بأن هذه الحرب
على الطفولة وبراءتها أن تدمر ذات الطفل في الصميم وتضعه
في طريق الضياع.. فلا يبقى الطفل طفلا.. ولا يصبح رجلا -كما
يريدون- وقد شكت لي احدى المعلمات من خمول احد تلاميذها
خمولا اقرب الى النوم منه الى اليقظة علاوة على مستواه
الدراسي المتدني وعدم مشاركته في الانشطة الصفية، حتى انه
يبقى في رحلته عند خروج التلاميذ في الفرصة. وعندما استدعت
المعلمة امه (المتعلمة) الى المدرسة وشرحت لها حالته في
البيت يوميا وتلبي جميع احتياجاته.. وبعد الضغط عليها بأن
حالته تستدعي عرضه على طبيب مختص اعترفت الام بأنها تناول
طفلها كل ليلة (فاليوم) لانه يتأخر في اللعب ليلا ولا ينام
مبكرا ويؤثر على والده بصوته وصوت العابه، فتصور الجريمة
المقنعة التي اقترفتها تلك الام بحق طفلها!!.
ان القاعدة في سلوك الاطفال هو ان يلعبوا لا ان يسكنوا الى
الهدوء وعدم الحركة.
الدلال والعقاب
البدني... محنتان مزمنتان
ان معاملة الطفل بلين وميوعة ودلال وتركه ينال ما يشتهي
ويتمنى متى ما شاء وتنفيذ رغباته بصورة فورية دون رد او
تأجيل وتعويده على السلوك الاعتمادي تزرع في نفسه بذرة
التواكل وتضعف مقاومته للحاجات والغرائز وتجعل دوافعه اقوى
من موانعه، فنراه عند حجب الدلال والرعاية الزائدة عنه
يتحول الى كائن آخر تحكم سلوكه نوازع العدوان وحب
الاستحواذ، كما ان بعض الاباء نرى انه مستعد للتخلي عن
سلطته كأب فيعمد الى تدليل طفله لمجرد سماعه بأن اساليب
التربية الحديثة تدعو الى احترام ذات الطفل واشاعة الود
بينه وبين ابويه كل ذلك رغبة منهم في ان يكونوا في عداد
الاباء الديمقراطيين ليس الا.
ان معاملة الاطفال بالزجر والعنف والضرب والتوبيخ تعوده
على المعاملة بالمثل في معاملة الآخرين ومنهم والداه.. وقد
لوحظ ان كثيرا من الاحداث الجانحين اما كانت نشأتهم الاولى
مبنية على الدلال المفرط او الظلم والعنف في البيت
والمدرسة.
صراع الاجيال...
محنة اخرى
ان صراع الاجيال يبدو جليا في العوائل الكبيرة الممتدة
الذي يعد عامل اعاقة لنمو الطفل السايكولوجي من خلال تزاحم
انماط وطرائق تربوية متنافرة بين الاباء والاجداد في
العائلة الواحدة او بين عائلتي الاخوين الساكنين في بيت
واحد.
فبعض العوائل تضم ثلاثة اجيال او اكثر تتصارع كلها في
تربية الطفل كل حسب ما عنده، فنرى الجد في كثير من الاحيان
يلقي محاضراته الارشادية على اولاده المتزوجين في بيت واحد
وامام اطفالهم وزوجاتهم ملوحاً بعصاه في وجوههم بين آونة
واخرى.. الحال الذي يضع الاطفال الصغار في شرود وحيرة لا
يحسدون عليها تفقدهم استبصارهم ويبقون حائرين بين الامرين،
فلا الجد على استعداد للتضحية بسلطته وطريقة تربيته ولا
ابناؤه (الاباء) يتحملون تلك السلطة.. واذا تحملوها فليس
لديهم الاستعداد لفرضها على اولادهم.
المشكلات الاسرية..
محنة المحن
ان المشكلات الاسرية اذا ما دخلت على خط حياة الطفل ستفتك
بنفسه وتعمل على هدم شخصيته.. ومن امثلتها المشكلات التي
تحدث بين الابوين نتيجة عدم الانسجام في الحياة الزوجية
بسبب سوء الاختيار او التفاوت بينهما او الضائقة
الاقتصادية او الغيرة المفرطة.
فتلك المشكلات اذا حدثت امام الاطفال ستكون عواقبها وخيمة
وآثارها مدمرة على كيانهم.. اذ تجعلهم حائرين في الميل الى
احد الابوين.. فهم يحبون الاثنين، والاثنان يحبونهم.. لذلك
يدخلون في صراع نفسي مرير.. ويعمل خيالهم على رسم
سيناريوهات وتصورات واوهام تسمم خيالهم بصورة بشعة تملأ
قلوبهم بالمخاوف والوسائل لعل من ابشعها صورة افتراق
الابوين الذي يعني خسارة احدهما.
لذا فمن واجب الابوين الاخلاقي والتربوي ان لا يعرضا
مشاكلهما امام الاطفال قدر المستطاع وان يعالجا مشكلاتهما
بعيدا عن انظار واسماع الاطفال لان في ذلك تطمين لهم وزرع
للثقة في نفوسهم ومستقبلهم.
ومن واجب المعلمين في المدرسة الالتفات باستمرار الى اثر
المشكلات الاسرية في الحصيل الدراسي لتلاميذهم بشقيه
المعرفي والسلوكي ومعالجة مشكلاتهم السلوكية بالرجوع الى
سجلهم العائلي لانه "لا يوجد اطفال مشكلون انما المشكلون
هم الاباء والكبار". |