المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

في معرض تشكيل عن (الكوابيس القوطية) .. متجر ليلي لبيع الاشياء السود لزبائن عميان

بقلم: اودري نيفنغر
ترجمة: زهير رضوان

عن: الغارديان

كانت لدي فكرة فتح متجر. متجرٍ اسميه المتجر الاسود، ابيع فيه الاشياء السود فقط، يفتتح عند الغروب ويغلق عند الفجر. من بين الاشياء التي ابيعها فيه: عرق السوس، خبز محمص، خنافس. ملابس سود صغيرة. غربان محنطة. ابصال زهرة التوليب السوداء. رسائل أرسلها جنود وسجناء (شطبت الرقابة سطورها بحبر اسود).
سألني صديق: كيف سيستطيع أي شخص شراء أي شيء طالما انه من الصعب رؤية المواد السود في المتجر المظلم. قلت له: سيكون جميع الزبائن عمياناً. لم تكن خطة تجارية خرافية تماماً، فأهملتها مع بعض اسف. لكنني فرحت كثيراً عندما اكتشفت ان مؤسسة تيت البريطانية قد تقدمت وفتحت لي متجري الاسود: كوابيس قوطية، وهو المعرض الذي يبرز اعمال هنري فوسيلي ووليام بليك ومعاصريهما.
ان جوهر الفن القوطي هو الظلمة، عدم قابلية الشيء على التطبيق، منطق محرف تزاوجه الرغبة. بمقدور القلة فقط الحفاظ على حساسية القوطي الحقيقي في سنوات بلوغهم، وعادة ما يقترن حب الظلمة بالناس الذين يحومون بين الطفولة، حين تكون مخاوف الليل حقيقية جداً، وبين سن البلوغ، حين نبعد اشياء كهذه بالاضافة إلى لذاتنا غير المعقولة. البالغون المعاصرون يشملون الظلمة والجانب اللا معقول من الاشياء بالحماسة: بدءاً من "بافي" قاتلة مصاحي الدماء وانتهاءً بعوالم الجن والسحرة عند الروائية سوزانا كلارك. يبدو ان شهيتنا للغيبيات لا تشبع. اسلافنا من ما بعد عصر التنوير شملوا ظلمتهم بمسرحيات شكسبير، اما نحن فنفضلها مشمولة بالتهكم وبالكثير من الجنس.
قد يؤول القوطي بانه قصة الاشياء التي ستلتهمنا في النهاية، انها محاولة لاخضاع الاشياء وللرقص معها. انها عنادنا وتجربة ادائنا للحقيقة بملابس تنكرية. عندما يكون القوطي دارجاً، نسمح لانفسنا بان نكون مفتونين بالسيد الموت، ان نراوده وان نحس بانه يلمسنا. اعتقد باننا نكون اكثر جنوناً عندما يكون بمقدورنا ان نمازحه قليلاً، واكثر صحة حين نكون فنيين بشأن موتنا. ان الصبر العنيد للفن الذي نسميه القوطي هو شهادة لحاجتنا لجماليات الموت. لقد فاتتني الفترة القوطية الاصيلة، فانا اكبر بسبع سنين لاكون فتاة قوطية بمتطلبات الوخز والوشم.
ان معرض تيت يغطي الفترة الاكثر اصالة في الازدهار القوطي، وهي السنوات الواقعة بين 1765 و1830. بالاضافة إلى لوحة فوسيلي الشهيرة "الكابوس"، يضم المعرض لوحات مثل: الموت على حصان شاحب لوليام بليك، مارغري جورديان وبولنغبروك يستحضران الشيطان لجورج رومني، حفار قبور ووحش لجورج مونتارد وود رود - هذه العناوين تخبرنا الكثير عما نتوقعه من المعرض. يتفاوت الفن من الكئيب إلى التهكمي، من الايروتي النزق إلى الغريب. هنالك لوحة في المعرض تغرز اسنانها في عقلي كلما نظرت اليها:شبح البرغوث لوليام بليك. هنا يحكي احد اصدقائه كيف رسم بليك اللوحة: "مررت به ذات مساء، وجدت بليك مثاراً اكثر من المعتاد. اخبرني انه رأي شيئاً رائعاً - شبح برغوث! سألته: هل رسمته؟ قال: كلا، ليتني فعلت، لكنني سأفعل ان ظهر لي ثانية. نظر بليك بجدية إلى زاوية الغرفة وقال: ها هو - اجلب لي اغراضي - سابقي نظري عليه، ها هو يأتي، لسانه المتحمس يهف من فمه، وكأس في يده لجمع الدم، يكسوه جلد حرشفي بالذهبي والاخضر - ورسمه كما وصفه لي تماماً".
انها لوحة مروعة - مثل النظر إلى صورة شيطان يمتلك روحك. لكنها ايضاً مستغربة - الوحش هو برغوث، ليس برغوثاً حتى، بل شبح برغوث. في العام 1820، عندما رسم بليك هذه اللوحة، لم يكن هناك من شيء اكثر عادية من البرغوث. قد يكون المعادل المعاصر هو النظر إلى صورة مكبرة لخلية سرطانية، ان كانت للخلية السرطانية عينان جاحظتان ولسان يهف. حماسة بليك وصدقه يقترنان هنا بالرسم التهويلي لانتاج شيء اصيل لا يمكن تعليله.
في اعمالي انا، ككاتبة وفنانة، احاول ان اجد التوازن بين المألوف والغريب. زميلة لي قالت ان زوجها ارتدى زياً ذئبياً في عيد الهالووين، الآن اطفالها يطلبون كل يوم ان يرتدي والدهم الزي المستذئب ليخيفهم قبل العشاء. هرعت من فوري إلى الحمام لادون ملاحظاتي.
للقصة توليف تام للعادية، للسلوك الممسوس، وتراصف البراءة مع الوحش. نزوتي الاولى كانت ان اجعل الوالد يتحول إلى مستذئب، لكنني متأكدة بانني استطيع ان افكر بشيء اكثر غرابة. الغرابة الواضحة استهلكت، ولكشف طبقات الغرابة التي تدعم حياة العائلة المعاصرة عليّ ان اكون اكثر حذاقة، واكثر مجانبة بشأنها. يتشاطر القوطي في هذا مع الدين ومع نظريات المؤامرة: نريد نحن ان نكون شيئاً ابعد من العالم اليومي، عالم السطوح والمواد. في الفن والادب القوطيين، ليس بالضرورة ان يكون الموتى ميتين فعلاً: في العالم القوطي يعيد العلماء الحياة للجثث، الارواح تلقي علينا التحية من عالم الآخرة، المقابر تعج بالاشباح والرجال المبعوثين. خلال الفترة التي تتعامل معها "الكوابيس القوطية"، كان العلماء - وليس رجال الدين - يصوغون خيالات الناس عن بداية الحياة ونهايتها: ان الفن في هذا المعرض يقدم نوعاً من حرسٍ خلفي، فاغلبه مستلهم من الحكايات الشعبية، الكتاب المقدس، اشباح شكسبير والخرافات. انه التخيل الذي يمحو العقلي، بالرغم من وجود مخاوف واثارة حقيقية هنا. لعل ذلك بسبب كوننا غير عقلانيين تماماً، لان كل ما اعرفه عن نفسي عندما اكون نائمة، هو ان "كابوس" فوسيلي قد يكون فلماً وثائقياً. مذ كنت طفلة ابقيت على سر حياة الليل التي استطيع فيها ان اطير، ان اتحول، احادث الموتى، اتحدث الفرنسية بطلاقة، اشرب حامض النتريك من دون ان يصيبني اذىً، وان ارى المستقبل. جميعها مهارات مفيدة واشعر بالأسى كل صباح عندما استيقظ واكتشف انها لا تستمر خلال النهار. اصنع فناً واكتب قصصاً لأجلب كل هذه الغرائب إلى العالم اليقظ لامنحها الصلابة والواقعية التي لن تكون لها الا في هذا. بليك فعل الشيء ذاته برؤاه. جميع الفنانين الذين يعملون من مخيلتهم تتملكهم هذه الرغبة: جعل اللاحقيقي، حقيقياً. جلب اشياء الليل إلى ضوء النهار. ليس عرضاً ان تكون اغلب اللوحات في "كوابيس قوطية" مظلمة جداً. هنالك الكثير من الحمرة المحروقة والصباغ الاسود في المعرض، والسبب هو ان البياض تقليدي، هو لون الخير، وضوء النهار مرتبط بالمألوف. الاسود ينحف وبأمكانه اخفاء اشياء. ان الحياة الخبيئة هي التي تؤلف احلامنا وكوابيسنا. في حياتنا النهارية، الاشياء التي نخبئها هي حياتنا الجنسية وخوفنا من الموت ومن الاذى الجسدي. قد تعتقد ان هذه الاشياء لا تخبأ على الاطلاق، فالعالم مليء بالاعلانات التي تصور النساء نصف عاريات، والبرامج التلفزيونية يطغى عليها العنف، لكنني هنا اتحدث عنك وعني. انت لا تمارس الجنس علناً (آمل ذلك في الاقل) وعندما يقوم احدهم بعمل عنيف في الحياة الحقيقية، يصدم الجيران ويخبر الصحفيون: كم كان هذا الرجل لطيفاً وكيف كان يعتني بعشبه (اخذت هذا الوصف من مادة خبرية قرأتها صباح اليوم في صحيفة نيويورك تايمز عن رجل قتل صبيين بمطرقة). كما اننا نخفي احوالنا المالية، لكن المال لا يمثل في القوطي، بل الطبقة. مصاصو الدماء هم من طبقة اقل نبلاً، الساحرات هن فلاحات هرمات. في القوطي لا ينفصل الجنس عن الموت. المعرض مليء بالفتيات المغمى عليهن. وبالابطال شديدي العضل، بالاضافة إلى بعض الشياطين.
ان القوطي المعاصر هو انعكاس للاصل الرومانسي: بدلاً من اظهار اللا عادي لنا ودعوتنا لنبتسم في غاليري مريح ومضاء جيداً، يجد القوطي اليوم كوابيسه في المألوف.
ان القوطي يومض من تحت سطح حياتنا العادية. بعد هذا الفناء سأعيد التفكير بفتح متجري الاسود.


مفهوم الشعبية في المسرح

أ. د. عقيل مهدي يوسف
استطاع المخرج المعاصر التغلغل بعملية حرفية في العمليات الابداعية للاخراج ولم يجعل (العرض) مجرد قناع ميت عن زمن ولى!! بل امسك (بالصراع) المحتدم الخالد او غير الميت وبـ (الشخصيات) الدينامية، وبمشكلات (تاريخية) لكنها ترتبط بارضية معاصرة عند تخيله العرض، الذي لم يعد مجرد لحظة تاريخية عابرة، وانما هو مبدأ معاصر يلتحم (بالتاريخي) هذه اللحظات (التكوينية) أي ارتباط الماضي بارضية الحاضر، هي التي اتاحت له تقريب السالف من الراهن، ان يعايش الكلاسيكي،

ان يتغلغل في تضاعيفه في روحه الشعرية المتجلية بوضوح فني ساطع، كذلك في تأكيده على التنوع (الفرجوي) الحي، التي لا يعير لها الانتباه عادة، (المؤرخ) ولا يتوقف عندها، لانها واحدة من خاصيات الفنان المخرج من دون غيره في فعالية العرض وانتاجه لانه ينظر (للنص) من خلال عدسة الخشبة، فهو مثلاً لا يريد ان يقدم ممثليه وهم يقومون بتمثيل نص ما، بل هو ايضاً يؤكد على (كيفية) تقديم ذلك النص، ليجد مكانه في المسرح المعاصر، من خلال فرجة بصرية وايقاعات حوارية وصوتية، العرض يقرب النص الذي كتب في مرحلة تاريخية سابقة لواقعنا المعاصر ويجعلنا نتفهم المصدر التاريخي اولاً، ثم نربط ذلك بما يحدث لنا الآن، من خلال علاقة جدلية في الاخراج يدمج منظورين، منظور الماضي والحاضر. وهذه من اخص سمات المخرج في عروضه المسرحية المتنوعة، لانه يدرك بان العرض المعاصر هو مفتاح التفكير والبحث عن الشعرية في مناخ العرض ومكوناته ككل، من خلال المجازات، التعبير، التشكيل، وضوح الاشكال والمعالجة الاسلوبية، فالمخرج شخصية متقدة العواطف قد تتدرج في فضاء الاشكال والمعالجة فيصبح المسرح بالنسبة اليه، طاقة، الهام، حيث تمكث في اعماقه تعميمات شعرية، من دونها لا يمكن ان يتحقق الفن، سواء في النص الدرامي او تمثيل الممثلين او عروض المخرجين، هذه هي القوانين التي ولدت مع فن المسرح والتي هي مختلفة عن القوانين الحياتية المعيشة واقعياً، انها قوانين شعرية، لها خاصية تعبيرية ومنظومة من الوسائط، والعلاقات والاشكال، والاهداف الرئيسة، انها واقعية المخيلة الكاشفة عن الانسان والحياة او هي التي تكشف روحياً عن الزمن التاريخي والعلاقات الاخلاقية التي تربط ما بين الناس، وكل تلك المستويات غير المنظورة من التقارب الانساني او المشاركة عن تلك المتعلقة بالكره والتسلط والغربة في التشكيلات الاجتماعية. ان الشعرية هذه لا تتمثل بالحياة بل ترتبط بالمسرح او هي ما تسمى بـ (عملية المسرحة) للحياة، من خلال الفن المسرحي، التي بدون تحققها لا يوجد مسرح. انه يختار من هذه الاشكال التعبيرية معالجاته المسرحية، في حين تتراكم في الحياة الوقائع والاشياء بغير نسق وبلا تكوين تماسك فالعرض يترك الانطباع عن البيئة او الطبيعة السايكولوجية لتلك الوقائع المشتتة، من خلال بناء احداث واضحة وخلق شخصيات بينة الملامح والتصرفات.
ان من طبيعة المسرح، خلق حب الحياة عند الناس لتعزيز مبدأ في (الشعبية) كخاصية ثانية من خواص فن المسرح، والتي ترسم آفاقاً جديدة لتغيير الحياة، لانه يؤمن بقوة الجماهير، وهو يوازن ما بين مستقبل الانسانية، وما يتطلبه "الفرد" المعين والمحدد على السواء، ففي المسرح نرى ذلك التوازن بين الجماعة و"الفرد" هذا ما ينعكس في "اللغة التعبيرية" للمسرح، وكذلك في حجمه (حيزه) وفي (شعريته) هي العلاقة التي تربط بين المسرح، والشعبية حتى في الجانب المضاد الآخر في (الكوميديا) يكشف عن الهوان والنقص والاستغلال من خلال وجهة نظر شعرية فلسفية، او (فكرية) لنقد الحياة وظواهرها المدانة سواء على مستوى النظم العامة او السلوكيات الفردية الخاصة. فلا تتعلق (شرطية) المسرح او قوانينه الخاصة الاساسية بذلك المفهوم الذي يجعلها مغربة عن الحياة او يعرفها بانها عدوة للواقعية، او مضادة لها!! على النقيض من ذلك فانها الخاصية الشعرية للمسرح نفسه فنان المسرح لا يختار ظواهر حياتية بل انه يقوى على التغلغل في داخل الظاهرة إلى جوهرها او "سويداء" قلبها، لكي يعمم ظواهر الحياة شعرياً من خلال المسرح وحتى يضيء تلك الظواهر الاجتماعية فانه يصل إلى نحت افكارها الرئيسة، لا ان يكشفها من خلال انعكاس طبيعتها الحياتية الصرفة، وانما من خلال لغة المسرح. هذه اللغة الشعرية للمسرح، ستكون قطعاً بلا اية قيمة ان لم تعكس الواقع الحياتي والاجتماعي للجماهير، هذا هو التنافذ الدائم وغير المنقطع ما بين الحياتي والمسرحي الذي هو جوهر الفعالية الاخراجية في اسلوب الواقعية، انه هو الذي يتحكم بالعرض بايضاح طبيعة هذه (المسافة) الحياتية والجمالية الجمهور الذي يتلقى الاشارات والرموز الفنية من داخل مكونات العرض المسرحي نفسه.


فيرا بافلوفا (هذه ليست أنا ! )
 

ترجمة جودت جالي

ولدت فيرا بافلوفا في آيار 1963 في موسكو، أنهت دراستها الموسيقية في أكاديمية (شنيتك) للموسيقى، مختصة بـ (تأريخ الموسيقى). عندما كانت في سن الثامنة عشرة أعدت نفسها لتكون ملحنة . عملت كدليل في متحف شاليابين. نشرت بحثا في علم الموسيقى وأنشدت لمدة عشر سنوات في فرقة كنسية . بدأت بكتابة الشعر في سن العشرين ، وكانت وقتها حاملا بابنتها الثانية. نشرت قصائدها في سن الرابعة والعشرين في جريدة (الشباب) وبدأ النقاد يهتمون بها بعد ظهور شعرها على صفحات (اليوم). تصور القراء لفترة أن فيرا بافلوفا شخصية مختلقة ولاوجود لها خصوصا حين طبعت لها 75 قصيدة مع خاتمة كتبها بوريس كومنسكي . فيرا بافلوفا كشأن أغلب الشواعر يتسم شعرها بالهموم الأنثوية اليومية ويجد وضعها كأمرأة محورا مركزيا في قصائدها مع ميزة أنها تميل الى الأنغماس الشعري في الحسية وغلبة الرغبة الجنسية الصريحة، لابل والذهاب أبعد، وهو مالم نترجم منه شيئا .

الشيوخ ينادونني :
-يابنية !
والرجال ينادونني :
-ياآنسة !
والنساء تناديني :
-أنت .. يامن هناك !
والأطفال ينادونني :
-يا ماما !
ألتفت قائلة :
كلا ... هذه ليست أنا !
***
الفكرة غير كاملة
أن لم يعبر عنها بأربعة أبيات
الحب غير كامل
أن لم يعبر عنه ب (( آه )) واحدة !
القصيدة تمتنع علي
أن سعيت لكتابتها بالوزن والقافية
الحياة ناقصة
أن لم يعبر عنها ب (( نعم )) واحدة !
***
أنت ترسمني جانبيا
وأنا أرسمك من الخلف
دون أن نفتح أعيننا
فماذا أنجزت أنا ؟
قناع موت لمؤخرة الرأس
وماذا أنجزت أنت ؟
صورتي الشخصية نائمة .
***
بودي أن أكتب أليك رسالة
ليس فيها كلمة
لوم أو ضغينة أو فظاظة
ليس فيها من دلال أوأشتهاء أو تبجح
ولامداعبة أو كذب أو مزحة خشنة
ولاأدنى ترهة أو فلسفة باطلة
بودي أن أكتب أليك رسالة
ليس فيها كلمة
***
بعد الموعد الأول
نمت كالميتة
بعد الموعد الثاني
نمت كالجريحة
بعد الموعد الثالث
نمت كالمبرأة
في الموعد الرابع
نمت مع زوجي


الانثروبولوجي الحاج: جلال آل احمد في مكة
 

عبد الجبار الرفاعي

من هو جلال آل احمد ؟
قبل مواكبة جلال في رحلته، نشير بايجاز الى محطات حياته، وتكوينه الاجتماعي والثقافي، والمنعطفات الأبرز في مواقفه.
ولد محمد حسين حسيني طالقاني، والذي اشتهر بـ(جلال آل احمد)، في 1/12/ 1923 في طهران، لعائلة محافظة، إذ كان والده رجل دين، ناشطاً في الحقل الاجتماعي، ويتولى إدارة مكاتب شرعية للاحوال الشخصية، ويؤم المصلين في بعض مساجد طهران، الا ان الاب سرعان ما فقد مواقعه في هذه المكاتب، عندما رفض الرضوح لقرارات وزارة العدل، بالإشراف على انشطة مكاتب الأحوال الشخصية، وتوجيه عملها. وفضل الاقتصار على شيء من نشاطه الديني الاجتماعي في التبليغ والدعوة.
لقد تعذر على جلال ان يواصل دراسته بشكل عادي، بعد ان أنهى المرحلة الابتدائية، اثر تدهور الحالة المعيشية لاسرته، وخشية والده من التعليم لحديث، ورغبته في تواصل ابنائه مع التعليم الديني التقليدي للآباء، لذا قرر جلال الانخراط خفية في دراسة مسائية، ليكمل تعليمه الاعدادي في مدرسة (دار الفنون) الشهيرة في طهران، بالرغم من انشغاله نهاراً باعمال حرفية في السوق، بغية تأمين متطلبات العيش.
وعندما بلغ العشرين أرسله ابوه ليدرس في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، غير انه ما لبث ان غادر النجف، بعد فترة وجيزة لا تتجاوز ثلاثة اشهر، ويبدو انه ضاق ذرعاً بنمط التعليم التقليدي، وطبيعة الكتب المتعارفة في المدارس الدينية، واسلوب التدريس، وهو ما يومئ اليه وصفه لذلك النمط من التعليم، في فترة لاحقة، بانه تحول الى متحف لتخريج (المومياءات المحنطة)1.
وكان يروم الذهاب من النجف الى لبنان للالتحاق بالجامعة الاميركية في بيروت، لولا ان السبل لم تكن ممهدة لسفره، فأقفل راجعاً الى طهران، والتحق بالمعهد العالي لاعداد المعلمين، وتخرج فيه سنة 1949، ونال درجة الماجستير في الأدب الفارسي من جامعة طهران، على اطروحة تناول فيها قصص (الف ليلة وليلة). وفي سنة 1944 م انخرط في حزب توده (الحزب الشيوعي الايراني) وسرعان ما تقدم موقعه في السلم الحزبي، حتى امسى بعد اعوام محدودة عضوا قيادياً في توده، ومشرفاً على النشاط الاعلامي والثقافي للحزب.
الا ان عدم استقلالية حزب توده وارتباطه العضوي بسياسات ستالين، وخضوعه لارادة موسكو، وافتقاره للديمقراطية الداخلية، افزع جلال، وافضى به الى الانشقاق عن الحزب سنة 1947، بصحبة جماعة، تزعمهم خليل ملكي. ومن الطريف ان اذاعة موسكو هاجمتهم ووصمتهم بالخونة، فسئم جلال العمل السياسي، وانسحب بهدوء، بعيداً عن صخب التجارب الحزبية، وملابسات حياتها الداخلية.
واقترن في عام 1949 بالقاصة المعروفة سيمين دانشور بعد ان تعرف عليها في رحلة بالسيارة الى شيراز وفي آيار 1951 أسس خليل ملكي ومظفر بقائي كرماني (حزب كادحي الشعب الايراني) فالتحق بهما جلال، لكن هذا الحزب انهار بعد مدة قصيرة في عام 1952.
ومرة اخرى أسس خليل ملكي بالتعاون مع جلال حزباً جديداً، سمياه (القوة الثالثة) وهو حركة ذات نزعة (عالمثالثية) تهتم بمشكلات التخلف وقضايا التنمية والتحديث في العالم الثالث.
لكن انقلاب 1953 الذي اطاح بمحمد مصدق، وقوض عملية تأميم البترول، ثم هيمنة الشركات الغربية على البترول من جديد قاد آل محمد ومجموعة من المستنيرين لمغادرة مواقعهم السياسية، والانخراط في مشاغل ادبية وثقافية وفكرية، تنأى عن متاعب السياسة وشجونها.
ومن المؤكد ان تلك التجارب الحياتية، والتقلبات السياسية المتنوعة، تظل ترفد حياة آل احمد باستمرار، وتساهم في توجيه حياته وتحديد اختياراته الثقافية والعملية، ويتواصل تأثيرها على مواقفه الفكرية في السنوات التالية.
ويمكن العثور على عناصر اخرى، بجوار تلك التجارب، كانت تمثل مناهل أساسية في تكوين وعي جلال، وبناء تفكيره، والتحكم باتجاهاته فيما بعد.
ومن أهم هذه المناهل الكتاب والادباء والمثقفون والمفكرون الاوائل، الذين تعرف عليهم، من خلال كتاباتهم أو ربطته بهم علاقات شخصية، وفي طليعة ذلك قراءته لآراء احمد كسروي، الذي اشتهر بنزوعه القومي، ومؤلفاته المناهضة للتراث، ونقده العنيف للفكر الديني، وعلاقة آل محمد بالقاص الشهير صادق هدايت، ورائد الشعر لحديث بالفارسية نيما يوشج، والناشط السياسي خليل ملكي.
فقد كانت آراء كسروي باعثاً لتمرده على بيئته الدينية المحافظة، وطلاقه مع عوالمها، بينما استلهم من صادق هدايت تكنيك السرد الحديث في الكتابة القصصية، اما خليل ملكي فاوقد في وجدانه روح الكفاح السياسي.
ومما لاشك فيه ان طبيعة شخصية آل احمد، واستعداداته، ليست بعيدة، عن تنويعات المواقف والافكار التي غرقت في فضائها، ذلك ان جلال اتسم بمزاج قلق، مضطرب، متطرف، يكتنفه تطلع وطموح متوثب، وجدية، وحيوية، وضراوة، وحساسية مرهفة.
وباء التغرب أو الإصابة بالتغرب أو نزعة التغريب
طبعت وعي آل احمد هواجس اضرابه في عالمنا، هذه الهواجس التي كان يفجرها دائماً، انشطار وعيهم حيال رهانات الهوية والماضي من جهة، والعصر وتحدياته من جهة اخرى، مضافاً الى الاستفهامات الملتبسة للنهضة والتحديث، وجدل التراث والوافد، وسطوة التكنولوجيا الغربية، وتغلغلها في جميع المجالات، وازاحتها مكونات الاجتماع التقليدي، وقيمه الموروثة، واستبدالها بالتدريج بقيم، تحكي روح الحضارة الغربية، وتجسد مفاهيم ومقولات تخترق بنية هذه المجتمعات وتسود في حياتها على شكل ظواهر حضارية وثقافية واجتماعية واقتصادية.
لقد شعر آل احمد بعمق تلك التحولات، ورصد آثار ها في الحاضرـ وحاول ان يستشرف مآلها ونتائجها، ليدرك ان مجتمعه يجتاحه اعصار، أذا لم تسخر كل الطاقات لمقاومته، فانه سيعصف بمرتكزات هذا المجتمع، ويطيح بمقومات وجوده ويمسخه، فيحيله الى كائن مشوه.
واطلق جلال على عملية الاجتياح هذه (غرب زدكي) وهو مصطلح مشبع بدلالات سلبية بل دلالات هجائية لكل ما هو غربي، ويوازيه بالعربية (وباء التغرب) أو (الإصابة بالتغرب) أو (التسمم بالغرب) أو (نزعة التغريب) وغير ذلك .
ويبدو ان الدكتور احمد فرديد هو أول من نحت مصطلح (غرب زدكي) بالفارسية ويوصف فرديد بأنه مفكر عميق، لكنه صامت، وإذا تكلم فهو مبهم، ولا يدون افكاره، ولذلك يعرف بـ(الفيلسوف الشفاهي) وقد كان له دور رائد في تعليم الفلسفة الألمانية في إيران، واعتناق آراء هايدغر، وتشغيل بعض مقولاته في المجال التداولي الإيراني، وعرف عنه تطبيقاته نظريات هايدغر في دراسة الحضارة الغربية، وآثارها السلبية خارج محيطها الخاص، فمثلما يعتقد هايدغر بأن (كل حقبة من حقب التاريخ تختص بسيادة حقيقة معينة تطغى على بقية الحقائق، فيما تقذف بما سواها الى الهامش) يعتقد فرديد ايضاً بان (الغربيين اضاعوا الله ، واستبدلوه بإله آخر، هو النفس المادية، أو النفس الأمارة بالسوء) كما يؤكد ان للبشر ثلاثة ابعاد:
الأول علمي، والثاني فلسفي، والثالث معنوي، ومع ان (الأول والثاني احتلا مساحة واسعة في السنن الفكرية الغربية، لكن الثالث ظل غائباً وباهتاً، بشكل فاضح).
ولذلك يحذر احمد فرديد من مخاطر شيوع حضارة الغرب في عالمنا، ويدعو الى تجاوز التغريب ومخاطره، باكتشاف ذات الغرب، أي ان نكون غربيين، لا بمعنى الاغتراب عن الذات، وانما بمعنى المعرفة الدقيقة بالغرب، والنفوذ الى كنه الفلسفة والانطولوجيا الغربية، لأن معرفة الآخر شرط لازم لمعرفة الذات2.
وقد أخذ جلال آل احمد هذا المفهوم الفلسفي من فرديد، لكنه صاغه صياغة ايديولوجية، وعبأه بافكاره التي استقى شيئاً منها في المرحلة الماركسية من حياته، وهي افكار تمنح آلات الإنتاج والماكنة دوراً مركزياً في حركة التاريخ، وبناء المجتمعات وفقاً لمعاييرها الخاصة.
يعرّف آل احمد (نزعة التغريب) بانها (مجموعة الاعراض التي تطرأ على حياتنا، في جوانبها الثقافية والحضارية والفكرية، من دون ان تكون لها اية جذور في التراث، أو أي عمق ي التاريخ، ومن دون ان يكون دخولها تدريجياً، يسمح بالاستعداد لها وانما تداهمنا دفعة واحدة، لتقول لنا: انا هدية الآلة اليكم، أو اقل انها الممهد للآلة).
ويعرف آل احمد بتوجسه الشديد من كل شيء يرمز للغرب وثقافته، وبالأخص معطيات التكنولوجيا الغربية، فهو يرى ان كل شيء في عالمنا تدنسه الماكنة، و (يتمكنن) وعندما يتمكنن يجري تهشيمه ونسفه.
ولعل مصدر هذا الفزع هو خيبة الامل المزدوجة، من الغرب بقناعه الامريكي، الذي اسقط حكومة الدكتور مصدق، واطاح باصلاحاته، التي جسدت بعض احلام جلال آل احمد والنخبة الايرانية، وخيبة الامل من الاتحاد السوفيتي، الذي يرمز للماكنة والسلع الغربية ايضاً، وما يلاحظه آل احمد من قيم وثقافة وافدة، يفرضها نمط الماكنة والسلعة الآتية من الغرب، وما تمثله الماكنة من مركزية محورية في خلق اشكالية التغريب الحضاري.
كما ان حظر الشاه رضا خان الحجاب، واكراه رجال الدين على خلع العمامة واختصار مكاسب الغرب في أزياء النساء، أو قبعة الرجال، اختزن في وجدان آل احمد وغيره من ومواطنيه، عداء كامناً للغرب، ما لبث ان انفجر في نزعات نفي وإقصاء شمولية تلفظ كل ما هو غربي.
وعرض آل احمد آراءه هذه في دراسة كتبها كتقرير الى مجلس اهداف الثقافة الإيرانية في وزارة التربية والتعليم، سنة 1962، تحت عنوان (غرب زدكي) (وباء التغرب) أو (نزعة التغريب).
وكان المجلس الذي يضم في عضويته عشرة اشخاص، بضمنهم احمد فرديد قد تداول امكانية نشر دراسة آل احمد، غير انه خلص الى تعذر النشر، بسبب نقده الصريح للنظام، وفضح دوره في تلويث الفضاء الثقافي للمجتمع بوباء التغرب.


الشعر والاعتزاز بالجذور

ترجمة - عادل العامل

"ليست هناك فلسفة يمكنها ابداً ان تحل محل الشعر، إلا ان الشعر يمكنه ان يحل محل الفلسفة، شريطة ان لا يصف العالم فقط، بالطبع، وانما يفسره ايضاَ.."
هذه الكلمات لإدوارداس ميزيليتيس، يمكن تطبيقها تماماً على نتاجه، فالانسان هو الجوهر والهدف الرئيس للعالم الفني الذي يصوره ويقدمه شاعر الشعب الليتواني هذا، وهو يركز اهتمامه، من خلال قصائده، وغنائياته، وكتاباته الصحفية، على أكثر قضايا الحياة تعقيداً، يتنقل بين فنونٍ شقيقة ويحاول ان يجيب على مشكلات جمالية وفلسفية.
وفيما يلي مقتطفات مختصرة من كتابه الآنف الذكر اعلاه.
(1)
اننا لا نستطيع ان نضع آمالاً على المستقبل ما لم نضع احجاراً في أساسه اليوم. ويمكنني القول ان الذين يؤجلون انجاز مهمةٍ الى وقتٍ قادم هم أناس ساذجون، فالحياة قصيرة، ومضة خاطفة في وميض النجوم الأبدي، سنُّ سهل الكسر في ميكانيكية ساعة النجوم الأبدية. وإذا أهملنا كل ما خططنا للقيام به الى وقت آخر، فاننا نكون قد خاطرنا بخسارة تلك اللحظة الى الأبد.
رياضيات الثقافة
ان الدافع الابداعي لفكرتي هو، في العادة، ديالكتيك الماضي البعيد والحاضر الملموس، فقد كان قلبي الشاب، ذات يوم، مثبتاً على رؤوس الاهرامات المصرية المدببة. ثم استبد بي كل ما يتعلق بالماضي التوراتي. وبعد هذا اكتشفت الهند، والأثر الاغريقي الفريد.
غير انني أبشر بالمثاليات الجمالية للعصر الحاضر. وعلى كل حال، فالاحرى ان الثقافة حاصل جمع جليل، والمبدأ أو القاعدة الموثوق بها والوحيدة هنا هي العملية الحسابية التي يسمونها "الاضافة" أو الجمع، انها اولية، لكنها شكل دقيق جداً للرياضيات.
وعلامة الناقص مستبعدة هنا تماماً: فحالما نبدأ بطرح، أي بشطب، القيم التي تضمنها هذا الحاصل ذات مرة، تتحول الطبقة الثقافية فجأة الى اخف ورقة تغليف، شيء ثانوي جداً ملحق بحياتنا اليومية يمكن ان ينهيه تماماً عود ثقاب مشتعل واحد.
ان جميع القيم الثقافية تبدأ بالاضافة وقد نمت شجرة الثقافة الجبارة من جذورٍ عميقة الامتداد، فالحياة الانسانية تبدأ بطفولة ونحن لا يخجلنا على الاطلاق بالطبع اننا كنا أطفالاً ذات يوم، فدعونا نضرب طفولة بأربعة بلايين وسوف نحصل على الاربعة بلايين نفسها، وكل واحد من الاربعة بلايين انسان كانت له طفولته الخاصة به وهو الآن قد بلغ سن النضوج، وان كان من الصعب القول ما اذا كانت سنوات النضج هذه قد حلت حقاً!


أقامه مركز (الآن) للثقافة الديمقراطية .. الثقافة العراقية المعاصرة وأنساق الموروث
 

جلال حسن
اقام مركز (الان للثقافة الديمقراطية) ندوة ثقافية بعنوان (الثقافة العراقية المعاصرة وأنساق التأثير الموروث) حاضر فيها الاستاذ الباحث شمخي جبر والكاتب جاسم الصغير، وقدم للندوة الباحث كامل الدلفي بتوطئة قال فيها: ان الهدف من إقامة هذه الندوات التي تصب في خدمة الواقع الثقافي العراقي من اجل المساهمة في تجذير ثقافة ابداعية حرة تنطلق من مناخ الحرية ورفض الوصاية بعد انقشاع غيوم الديكتاتورية.
ثم ابتدأ الباحث شمخي جبر بإلقاء محاضرته عن النسق الثقافي الحاضن لكل الانساق الفاعلة والمغذية للإطار المرجعي للفرد والجماعة على ان الثقافة تشمل الدين واللغة والعادات والتقاليد والمؤسسات الاجتماعية فقال: ان ثقافتنا لم تنتج حلولاً واقعية من خلال نصوصها الثقافية بل كانت تهدف لا الى معرفة الإنسان والعالم بقدر ما تهدف الى مناقضة نص يتقدمها أو يعاصرها، فأصبح النص لدينا لا يهتم بالوجود بل بالنص فتمحور حول الحجب لا حول الكشف .
وأضاف: ونحن نتناول الثقافة العراقية لايمكن ان نتجاهل بنية اجتماعية مهمة كان لها اثر كبير في الثقافة العراقية إلا وهي القبيلة التي احتضنت وعززت (العقل القرابي) الذي كان له الاثر الكبير في المشهد الاجتماعي والسياسي، مؤكداً: ان النظام الديمقراطي التعددي المطروح لابد من الاعتراف بمشروعية الاختلاف والتنوع الاثني وتأكيد هذه المشروعية دستورياً ومؤسسياً واحترام حرية العقيدة والدين وطقوسه وممارساته والحفاظ على اللغات والثقافة والتراث لكل المكونات العراقية،
مشيراً الى ان ثقافتنا الابوية يتم فيها تاليه الحكام واستلاب الوعي لدرجة اسباغ القدسية الإلهية أو شبه الالهية عليهم، فهذه الثقافة ذات تصور هرمي أو مركزي أو رأسي للعالم تعطي الاعلى ما تسلبه من الأدنى.
وتطرق الباحث الى ان انتشار وسائل الإعلام الحديثة التي دخلت الحياة العراقية بعد سقوط النظام سهل للمواطن الاتصال بالعالم الخارجي والاطلاع على آخر التطورات بل ساهم وبشكل كبير في زيادة تطلعه وطموحه .
وخلص الى القول: ان عمليات التغيير تتأكد دائماً من خلال اصلاح البنى الفوقية بالعمل الفكري والثقافي والاعلامي والتي يلعب المجتمع المدني ومؤسساته دوراً كبيراً، فيؤسسون لثقافة المجتمع المدني الذي يجب ان (تؤسس) داخل البنية الثقافية العراقية من خلال اختراق وعي المجتمع وثقافته والتحول من ثقافة النخبة الى ثقافة الجماهير.
ثم تحدث الكاتب جاسم الصغير عن التكوينات الاجتماعية التي كونت نسيج المجتمع العراقي المعروف بتنوعه الاجتماعي وقال: لا غرابة فالعراق منذ فجر التاريخ صاحب أول دستور في العالم وهو قانون (اورنمو) وبعده قانون حمورابي الشهير الذي علم العالم الكتابة بمعنى الحضارة وتطرق الكاتب الى تركيبة المجتمع العراقي مستنداً الى آراء كثير من علماء الاجتماع داعياً الحكماء والعقلاء الى المسارعة في اتخاذ موقعهم الطبيعي كمرشدين للمجتمع حتى تستمر المسيرة البنائية تسير بشكل طبيعي الامر الذي يستوجب من الجميع اعادة رسم الخريطة الثقافية والاجتماعية عبر ايجاد ما يسمى بمفهوم الحراك الثقافي والسياسي عبر تبني آلية وديمقراطية التنظير وإشاعة قيم جديدة كالتسامح ومنح الفرص بالتساوي وذلك هو أساس مبدأ الديمقراطية والحرية. مؤكداً على مبدأ التسامح وأهدافه السياسية في كل أنساق المجتمع .
واضاف: ان فكرة الاقتراب من الحقيقة هي طريق التحاور لانضاج وتطوير الافكار وصولاً الى الحقيقة ولعل اكبر نقاش تاريخي كان بين انيشتاين وبوهر اكبر عالم فيزيائي وبين ماركس وانجلز الذي يعتبر من منظري الفلسفة الاشتراكية حيث شهدت مناظرات وحوارات كان من شانها جعل الافكار والارادة والاستنتاجات أكثر وضوحاً، وبين فكرة عدم العصمة أي ان العلماء والمفكرين هم ايضاً يخطئون بل يكونون قد اخطأوا أكثر من مرة في القضايا العملية وفي التجارب العقلية أو على المستوى الاخلاقي وذلك بقول سقراط اعرف نفسك واعرف انك لا تعرف.
وختم حديثه بان جلوسنا وبحثنا المشترك حول شؤون الثقافية العراقية المعاصرة بوصفها عنوان العراق برموزه الكبيرة دلالة واضحة على عمق هذا البلد تاريخياً ومعرفياً مستشهداً بقول احد المفكرين الذي يقول: لطالما رفضنا الحوار معاً في الماضي لكن الذي يرغمنا على الجلوس الان هو الحقيقة في رؤية ابعاد المستقبل الثقافي.


في ملتقى الجماهير الابداعي .. قصيدة النثر إطلالة استشارية على الماضي
 

جلال حسن
نظم ملتقى الجماهير الإبداعي ندوته تحت عنوان (قصيدة النثر إطلالة استشارية على الماضي) للشاعر محمد علي الخفاجي ظهر يوم الثلاثاء 24/1/2006، قدم الندوة الناقد علوان السلمان بكلمة تناول فيها سيرة الشاعر الذي اصدر العديد من المجاميع الشعرية والمسرحية منها مجموعته الأولى (شباب وسراب) 1964 ثم (لوينطق النابالم) و(لم يأت امس ساقابله الليلة) وفي المسرح الشعري (ابو ذر يصعد معراج الرفض) التي فازت بجائزة اليونسكو ثم (ذهب ليقود الحلم) والتي فازت بجائزة الابداع / الشارقة وفي المسرح النثري له (وأدرك شهرزاد الصباح) وغيرها واخر مجاميعه الشعرية (البقاء في البياض ابداً) 2005 بعد ذلك بدأ الخفاجي بالقاء محاضرته بقراءة نصوص بابلية وقبل الميلاد وإسلامية عربية قديمة لكي يوصلنا الى حقيقة تقول : " ليس لأحد ان يدعي لنفسه ملكية الحق التاريخي للبداية التي ليست لها بداية في كتابة قصيدة النثر أو نصوص النثر الشعرية، أو ان يضع خمسينيات القرن الماضي تاريخ انطلاقه لها، ذلك ان القصائد التي بدأت بنشرها مجلة شعر- لأول مرة- سنة 1975 لم تكن هي الأصول الأولى لهذا النوع من الكتابة بل سبقتها نصوص قديمة محضرة أمسكت بالمعيار الشعري مبكراً وتميزت بالتقنية الجيدة وحددت قيمتها العالية".
مؤكداً بان لا حاجة بنا لمزيد من الدقة والحرص في البحث عن اصل الشجرة وعن المشتركات التي تجمعها بباقي افراد السلالة، فهي نصوص قارة ايضاً تجاوزت الخطط الاولية للكتابة الى انجاز بناء بارع دينامياً. وأشار الى ان استقرار النموذج المعترف به بوقائعه التركيبية وليس التناظرية البسيطة و(المترية) المملة يظهر مدى وعي شاعر ذلك النموذج بالتكامل المحرك له، واضاف ان الانماط التي تقترحها قصيدة النثر الحديثة من اردية متعددة ومتنوعة لها سردية ذات ثيمة ومتن حكائي، أو انثيالات متتابعة فيما يشبه الخواطر المكتوبة، أو سلمية شعرية مترابطة، أو وحدات نصية مستقلة عن بعضها بفواصل صمت يقترحها منشئ النص، أو نمط النزول من سلالم الشعر العليا الى المباشرة أو الانسياب الهادئ، ثم قطعه بخاتمة صائتة أو ما يسمى بالضربة الفنية أو الومضة المدهشة.
وبعد ان قرأ قصيدة لبريفير مضى الى القول: ان تردد مصطلح القصدية على الالسن بكثرة لم يكن ناتجاً عن انتباهة ذاتية لمبدعينا أو نقادنا ولا هو من قبيل الوعي الخاص بالتاريخ الشعري والنقدي للمجموع، ولعل اعادة تصفح ما كتب من الدراسات النقدية عن قصيدة النثر منذ سنة 1957، وحتى ترجمة الفصل الخاص بقصيدة النثر لـ(سوزان برنار) وما قبل ذلك ايضاً، وعلى امتداد العمق الشعري والنقدي العربي، يرينا ان مصطلح "القصدية" لم يكن قد وضعه الناقد العربي الحديث شرطاً للتجنيس أو التنوع ولم يكن قد انتبه اليه من قبل رغم قدم ما قاله ابن رشيق القيرواني حين اضاف الى تعريفه للشعر من انه ذلك الذي يتوفر فيه سبق النية والقصد.
وخلص الى القول: اما الحداثة وما بعدها فهما ضرورة لتفعيل الاصلاح الجذري في الثقافة والادب ولكنهما مصطلحان أو تسميتان موجودتان منذ ان صنف الشعراء الى (قدماء ومحدثين) والى (مقلدين ومجددين) فابو نواس في زمنه كان حداثوياً ولمهجريون كانوا حداثويين نسبة لمن سبقوهم وكان السياب ورفاقه يمثلون جيل ما بعد الحداثة نسبة للشعراء المهجريين، وهكذا بالنسبة لباقي التيارات والمدارس وصولاً الى الزمن الذي نحن فيه.
ثم جرت مناقشات جادة للمحاضرة اسهم فيها الاساتذة: علي حسن الفواز واحمد الثائر ود. طه الهاشمي وعلي الكعبي.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة