المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

معرض تشكيلي في الهواء الطلق بالسماوة

عدنان سمير - السماوة

تعددت أشكال التعظيم لواقعة الطف والمأساة التي تعرض لها الإمام الحسين (ع) وأصحابه. تلك الثورة التي انعكست معانيها الجليلة في العقول والمشاعر لتستقر وتتجدد في كل عام في التعبير عن الحزن والولاء والاستفادة من معانيهما الخلاقة في الحياة ومواجهة الطغاة من السلاطين والحكام على مدى التاريخ.
وفي هذا العام من ايام عاشوراء بادر فنانو السماوة لإقامة معرض تشكيلي في الهواء الطلق شارك فيه عدد من الفنانين وهم كامل جيجان ومحمد نويحل وسامي مشاري وقصي رحيم وابراهيم الخفاجي ويونس مشل وكوثر عبد الصاحب وعبد الخالق الربيعي ونظم المعرض من قبل جماعة الانفتاح الثقافي التي يترأسها الفنان كاظم حسوني الذي اشرف على إقامة المعرض في كورنيش السماوة وهي مشاركة من الجماعة مع الجماهير لإحياء الشعائر الحسينية التي ظلت عقوداً من الزمن محبوسة في الصدور والقلوب .
الفنان التشكيلي عباس حويجي قال لـ(المدى): للمرة الثانية يحاول تشكيليو السماوة إحياء معاني فاجعة عاشوراء الخالدة عن طريق الفن. ناهضين بامكاناتهم ومعاناتهم لتجسيد ما يخزنه هذا اليوم العظيم من أفكار ورؤى وقيم دينية وثورية، مازالت أبعادها الحية تتفاعل في صميم حياتنا ومفردات طقوسنا حتى أصبحت معلماً إسلامياً.
لم يبدأ فنانونا من فراغ إبداعي يدور حول المناسبة ومضمونها فقد سبقهم تاريخ ابداعي بناه فنانو الحركة التشكيلية العراقية مثل كاظم حيدر ورافع الناصري وماهود احمد وحميد العطار وغيرهم ونتاجات الفنانين الشعبيين التي كانت حاضرة في كل بيت وفيض من لوحات الشعائر الحسينية التي شاركت بها أعمال من الجمهورية الإيرانية الإسلامية فضلاً عن المخزون الحي من الطقوس والتقاليد والطرز الخاصة للتعبير التمثيلي (التشابيه) كل هذا كان حاضراً أمام فنانينا فهل كانوا على يقين منه والتواصل معه؟ .
المدى سألت الحويجي:
ما هي أنماط تعامل الفنانين من خلال الأعمال المعروضة ؟ فأجاب:
-أولاً الامتثال لشعائر المناسبة العظيمة ونقل رموزها المعروفة نقلاً حرفياً، وثانياً أعمال لا تنتمي للمناسبة وليست قريبة منها. وثالثاً محاولات صادقة لانجاز أعمال تعبيرية ورمزية تستلهم قيم عاشوراء.
وعند محاولتنا ايجاد قاسم مشترك بين هذه الخطوط لانجد غير مشاعر الفنانين ومحاولاتهم الاقتراب من شعاع عاشوراء .
ورغم تفاوت المستويات الفنية والمعالجات الأسلوبية بين الأعمال .
فأن مثل هذه المعارض هي مشاريع فنية كبرى تعمل من خلال منافذ بحثية عن اضاءات عاشوراء وسجالاتها بين الأفق التأريخي والواقع المعاصر.


واقعة الطف مسرحيا .. ثانية يجيء الحسين.. وفضح المبادىء المتلونة
 

د. محمد حسين حبيب
تكونت مسرحية (ثانية يجيء الحسين) للكاتب المسرحي والشاعر محمد علي الخفاجي الشعرية هذه من ثلاثة فصول، الفصل الأول والثاني منها تضمن ثلاث لوحات في كل فصل، أما الفصل الثالث فتضمن أربع لوحات، وكما حدد الكاتب زمن مسرحيته من 60 هجرية حتى 1967م، حيث كتبت هذه المسرحية في اواخر عام 1967 م وبحسب إشارة المؤلف إلى ذلك.
تساءل الخفاجي في مقدمة المسرحية عن الأسباب الكامنة وراء الكتابة عن الإمام الحسين (ع) بالذات...؟ وفي هذه المرحلة التاريخية والتي أعقبت أحداث نكسة حزيران عام 1967م، لان الكاتب ذيل مقدمته هذه بتاريخ 18 /12 / 1967م. محاولا الإجابة بالقول، إن " هذه المرحلة التاريخية بالذات مرحلة 60هـ كانت تشكل لدي معادلا تاريخيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى هذا العام 1967م، والذي تجللت أحداثه بالخامس من حزيران وذلك لما بين المرحلتين من وصال موضوعي وحدثي في عديد من العوامل: في التمزق الداخلي، والصراع الطبقي، وفي غياب المسؤول الحقيقي عن ممارسة مسؤولياته وهو الشعب وفي التجزئة القطرية والتطاحن الصريح من اجل كرسي الحكم.." .
في ضوء ذلك أشار الناقد العراقي طراد الكبيسي، إلى أن المسرحية " تطمح إلى أن تحقق وجودا اجتماعيا وسياسيا معاصرا، رؤية معاصرة،... لان جماهير الفقراء والمضطهدين قد أوجدت هذا البطل، البطل الذي يصنعه الشعب والتاريخ، لا البطل الذي يصنع التاريخ والشعب.. " وبذلك حاول الكبيسي إعطاء المسوغ لهذا الوصال الذي أراده مؤلف المسرحية، إلا أن كاتب السطور يرى أن المؤلف حاول إضفاء الجانب السياسي المعاصر لزمن كتابته المسرحية، خوفا من احتمالية منع النص ونشره من قبل الرقيب آنذاك، لاننا لم نجد في النص أي رابط درامي معين، في جميع مشاهد المسرحية وفصولها، ولا حتى أية إشارة لما ذكره المؤلف في مقدمته عن ذلك الوصال الموضوعي.
لقد عمد الخفاجي في نصه كثيرا إلى استخدام الرمز، سواء في ملاحظاته أو في حوارات شخصياته، فلقد أشار في بداية اللوحة الأولى من الفصل الأول إلى وصف منظر القاعة في ملاحظته التي نصت على أن يكون " في أول كراسي القاعة يظل احدها فارغا طوال مدة العرض في انتظار الآتي، إلى جانب الكرسي مشجب عليه بزة فارس يليها سيف معلق.. " بهذا يكون المؤلف قد مهد لنهاية أحداث مسرحيته برمزه للكرسي الفارغ الذي ينتظر المنقذ والمخلص لواقع المظلومين والمستضعفين في الأرض، والذي ينتقم للإمام الحسين ولثورته الانتقام الأكبر، والمتصل بالوعد الإلهي في تخليص البشرية من كل الظالمين والفاجرين على وجه الأرض.
يبدأ النص من واحدة من المنطلقات الأساس لواقعة الطف، المتمثلة بموقف محمد بن الحنفية ونصيحته للإمام الحسين (ع) فيما سيتخذه من المواقف القادمة إزاء نية أعدائه ومكرهم، فيقول الإمام الحسين (ع) لأخيه في محاورتهما التي جمعتهما في المشهد الأول:
" الحسين:... العالم ملتاث بالأدران
وأنا ماض لأطهره بدمي
ولقتلي وأنا اختار
محمد: أو لم يفقه ذلك سيف أبيك
أو دمه الباقي حناء في فرح المحراب
الحسين: (مقاطعا) إن كان ابن أبي طالب
غير جهل العالم بالرأي أو السيف
وعاد العالم للجهل
فعلي لم يرجعه لجهله
وعلى يده بلغ العالم سن الرشد (صمت)
هب عاد العالم بعد رسول الله لغيه
أفلا يلزم أن نضع العالم بكرا بعد محمد
ولئن كان يزيد قوياً
فلصوت الأمة لو نطقت أقوى.. "عبر هذه المحاورة يحدد النص الاستهلال الأول الذي يمهد انطلاقة الأحداث المتتابعة وإعلان اللوحة الثانية عن موكب الحسين وهو يجتاز الصحراء قاصدا هو وعياله وآل بيته وأصحابه الكوفة برغم اعتراض الكثير من محبيه ورأيهم في أن يعدل عن مقصده، فمنهم من يلقاه في الطريق، ومنهم من يستطلع عنهم الإمام بنفسه إلى أن يأتيه صوت يقول: (الناس هناك / قبضة طفل تطرق باب السجن / كل أعطى حبل أرادته ليزيد / وهو يحاول أن يهرب منه / ويجيئك يا ابن رسول الله..) لينتقل الحدث بعد ذلك إلى اللوحة الثالثة حيث الكوفة في حالتها قبل أن يدخلها مسلم ابن عقيل، فيظهر رجلان من أهل الكوفة، الأول أعرج ينتحل اسم (ابن حديث) والثاني معتدل الخطو لكنه يرتدي قميصا يتألف من ألوان كثيرة ينتحل اسم (ابن معاصر)، حاول المؤلف من خلالهما أن يرمز لعصره حيث تسلط الارتزاق والطمع والتلون ومظاهر الفساد التي تنخر في جسد المجتمع قديما وحديثا، على نسبة كبيرة من الناس، وبذلك حاول المؤلف إيجاد الرابط الموضوعي بين الماضي والحاضر.
مما تقدم، نرى أن الخفاجي قد كشف عن تأثره بالنص الملحمي، بدءا من وصفه لمكان الأحداث إلى حركة الشخصيات في نزولها من المسرح إلى القاعة إلى جانب اعتماده الرمزي في أزياء بعض الشخصيات، ووجود الجوقة وهي ترتل أناشيدها ما بين المشاهد لتصف الحدث أولا ثم تعلق عليه، ثم تدخله باحثة عن الإجابة المناسبة واتخاذ القرار.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه، ميل المؤلف إلى طريقة الكتابة على اللافتات بوصفها طريقة وثائقية، نجدها في مشاهد متعددة من هذه المسرحية فمثلا، نجد ذلك عندما يصف المؤلف ديكور اللوحة الثالثة من الفصل الأول: " في عمق المسرح بيت كتبت على جدرانه كلمة يسقط وعلى الثانية كلمة يعيش.. " كذلك فعل المؤلف في اللوحة الأولى من الفصل الثاني حينما وصف " بيوت كثيرة كتب على جبهة كل بيت منها كلمة (ابن زياد)... بيت واحد... في داخله شجرة ظليلة مكتوب عليها كلمة (طوعة). " هذا بالإضافة إلى استخدام المؤلف أللوحات مكتوبة في مشاهد عدة كتب عليها: (أصوات الزور) و (تاريخ الآتي). يقول ابن معاصر مخاطبا ابن حديث:
" قلت الناس على أصناف / مثل قميصي هذا / (يلتفت للجمهور)
فانا بادئ ذي بدء / لم اكُ البس هذي الألوان / كان اللون الأبيض أفضل ما اختار/
لكني / حين رأيت الناس / تلبس كل نهار لونا / أبدلت قميصي الأبيض هذا.. ".
يكشف هذا الحوار عن استخدام المؤلف رمزية اللون مسرحيا، بجانب إيغاله للكشف عن ادراكه مرجعية اللون و اشتغالاته في اللا وعي الجمعي لدى المتلقي، فضلا عن إعلانه الواضح عن مواقف الكثير من الناس (المتلونة) على وفق الحاجة والمنفعة الشخصية، وهذا ما حدث فعلا إبّان وجود (مسلم ابن عقيل) في الكوفة، وهو يمكن أن يحدث في أي زمان ومكان إلى وقتنا الحاضر، وهذا ما أراد المؤلف أن يشير إليه.
وفي ملاحظات اخرى للمؤلف نفسه، يؤكد من خلالها اهتمامه باللون ومدى فاعليته الدرامية في ترسيخ الفكرة والموقف، فيثبت مثلا في ملاحظة تقول: (رجل اعور يرتدي ملابس حمر) وفي مكان آخر يثبت: (الرايات الصغيرة السود تحتل جدران القاعة بترتيب).. وفي ذلك نرى، إن اللون عند الخفاجي يشتغل برمزية واضحة، على وفق مرجعية نظرية يونغ النفسية المستندة إلى اللاشعور الجمعي في التفسير وإحالة الأشياء إلى التقاليد والأعراف المتوارثة، ولقد اعتمد الخفاجي في نصه هذا استخدام الألوان المعروف استخدامها في التعازي الحسينية، هادفا بذلك- من جملة ما يهدف -إلى الحصول على استجابة عاطفية آنية مع الحدث.
كما اهتم المؤلف بإشراك الجمهور في الحدث المسرحي من خلال الكثير من ملاحظاته في النص، وفي ذلك تأكيد على الأسلوب الملحمي والاحتفالي في الكتابة المسرحية، إلى جانب إعلان النص عن وثائقية مسرحية تقترب من المسرح التسجيلي في أحايين كثيرة، وهذا الأمر تؤكدهُ الإعلانات واللافتات المخطوطة التي يثبتها المؤلف في ملاحظاته عبر محطات متعددة في النص.
ما يمكن الإشارة إليه, أن الخفاجي استبعد الكثيرمن التفصيلات التاريخية للواقعة, بسبب هامشية وجودها من الحدث المركزي، بخلاف ما وجدناه في بعض النصوص المسرحية العربية، وربما كان لهذا الاستبعاد أثره المباشر في تكثيف الأحداث المسرحية واختزالها وصولا لتسلسل درامي متصاعد نحو الأزمة، التي أراد الكاتب هنا الوصول إليها سريعا.
تنوعت اللغة الشعرية في النص من حيث تنقلاتها من بحر إلى آخر بالوزن والقافية، ولكنها في الغالب توسدت لغة المصدر التاريخي الخاص بالواقعة، فنجد مثلا تنوعات لغوية كلغة الدعاء والشعر والهجاء والرثاء، تحيلنا مباشرة إلى مقولات أصلية معروفة، مع تصرف بسيط من قبل الكاتب بحسب ما تقتضيه الضرورة الشعرية في الصورة والإيقاع واللفظ، فضلا عن إعلان الشاعر الخفاجي فلسفته الخاصة تجاه مواقف وشخصيات عدة، فمثلا يقول الخفاجي وعلى لسان (محمد بن الحنفية):
" الثورة.. هه / الثورة تأكل في اليوم الأول راس السجّان
تأكل في اليوم الثاني راس المسجونين
تأكل في اليوم الثالث صاحبها
في اليوم الرابع / ينتفع الجالس في الطرق الخلفية "
كما نقرأ وعلى لسان الشمر:
" لكن لا حاجة / فانا خلفت لكم أولادي
ولعمري هم أكفاء
فليصمت كل حسين / وليعلم أن على عاتقه سيفا من أبنائي
لا ينزل حتى يقطع منه الرأس "
وحينما يقترب النص من نهاية الأحداث، وتحديدا في اللوحة الرابعة من الفصل الثالث نمسك بالانغماس الكامل في جو الطقس ألعزائي، عبر صورة كاملة عن احتفالية عاشورائية يؤكد فيها المؤلف اعتماده على مرجعية معرفية ثابتة، فنجده يهتم بالوصف وبحسب ملاحظات منها: (ظهور الرايات الملونة ومنها الرايات السود)، (بعض جمل مناسبة تتلى من المقتل بواسطة التسجيل المعهود)، (ظهور الرماح وعلى كل رمح قمر، الرماح تتكاثر وتضيء بأقمارها...) كل هذا وغيره ينم عن محاولة الكاتب في لملمة شتات الأحداث وجعلها في صورة مسرحية تعطي أثرها الفاعل في تجسيد الحدث الدرامي.
وحينما يدوي صوت الإمام الحسين (ع)، في فضاء هذا الجو وهو يقول: "المختار الثقفي ورائي / يكمل دورة هذي الأرض / يحمل بعدي الأسفار ويصعد في معراج الرفض / يغسل من كل الأدراج / رجز الرجازين / يقذف من فوق العرش.. الزهو ومملكة الأبراج.. "يكون النص قد وصل إلى لحظة درامية فاعلة، تداخلت فيها العذابات وتوحدت ما بين النص ومتلقيه، ويصبح الجميع في حالة واحدة، حينها يعمد الكاتب إلى التركيز بالإضاءة - بحسب ملاحظته - على الكرسي الفارغ في أول القاعة وبجانبه السيف، وفي ذلك إشارة رمزية واضحة إلى انتظار الغائب، الذي (يكمل دورة هذه الأرض)، ويعطي كل ذي حق حقه ويثبت أركان العدالة الإلهية، لأنه منقذ البشرية وغائبها المنتظر.
وبحسب ما تقدم نجد اعتماد الكاتب العراقي على خلفيته الثقافية المرتبطة بتكوينه المعرفي وبيئته، حين يريد استثمار واقعة الطف مسرحيا ويتعامل معها دراميا، كذلك لجوءه إلى اختزال الأحداث التاريخية وتكثيفها بحسب ضرورات درامية فضلا عن اهتمامه بوصف شكل الأحداث وطبيعة تكويناتها المنظرية التي تقترب من الواقع الى جانب تأكيد الكاتب استخداماته الرمزية والملحمية والوثائقية في نصه المسرحي بالاضافة الى تأثر الكاتب المسرحي العراقي بالكاتب المسرحي العربي وأسباب اندفاعه لاستثمار واقعة الطف في النص المسرحي، كما أفاد الكاتب العراقي من المصادر التاريخية ذات العلاقة، إلى جانب المرويات المؤثرة في تصعيد الفعل النفسي والعاطفي لدى المتلقي.


من المكتبة الاجنبية

المسيرة


رواية : إي.إل.دكتورو
الناشر: دار راندوم هاوس للنشر نيويورك 2006

يلتقط الروائي الأميركي (إ ي. إل. دكتورو) مشاهد لما يسميه جنون الحرب.في روايته ( المسيرة) وهي الرواية الثانية عشرة في سلسلة روايات هذا المؤلف الغزير الإنتاج وهي رواية مجازية تشكك في نزاهة الحرب، تحتوي على تأمل وتجسيد إلى حد كبير للاكتساح الأميركي للعالم مستوحية موضوعها من أجواء الحرب الأميركية الأهلية بالتزامن مع إثارتها الجدل حول مهارة دكتورو الروائية. ويعد دكتورو أحد أهم كتاب أميركا الأحياء أوصلته إلى الشهرة رواية (رجتيم) (1975 ) وعلى الرغم من أنه لايمكن اعتبار روايته رواية تاريخية إلا أنها تنجح في التقريب بينها وبين الرواية الاجتماعية. من العناصر المهمة في روايته (المسيرة) جملة الإسقاطات الساخنة التي يتعرف إليها القارئ بسهولة من خلال متابعته أحداثا منها، مسيرة الجنرال وليام شيرمان المدمرة التي تنطلق من جورجيا باتجاه البحر في إشارة إلى فكرة التوسع الإقليمي.

التأمل في الحرية التأمل في الديمقراطية

تأليف :ريمون آرون
الناشر: غاليمار ـ باريس

(التأمل بالحرية، التأمل بالديمقراطية) هو عمل يضم مجموعة من الإصدارات والدراسات المتفرقة وهي (ثورة مناهضة للبروليتاريا. إيديولوجية النزعة القومية ـ الاشتراكية وواقعها) و(الدول الديمقراطية والدول الشمولية) (التوتاليتارية)، و(الإنسان ضد الطغاة)، و(ثورة مضاهية للشمولية: هنغاريا 1956)، و(المأساة الجزائرية)، و(الثورة الضائعة)، و(ثمانية عشر درسا حول المجتمع الصناعي)، و(الديمقراطية والتوتاليتارية)، و(نزع أوهام التقدم. دراسة حول ديالكتيك الحداثة)، و(فجر التاريخ الكوني) .ومؤلف الكتاب ريمون آرون هو أحد المفكرين الفرنسيين في القرن العشرين، إلى جانب جان بول سارتر ولكن من منظورين مختلفين، فآرون كان منظر الليبرالية بامتياز بينما كان سارتر فيلسوف اليسار بامتياز أيضا. كان الاثنان قد مرا بمدرسة المعلمين العليا في باريس حيث عُرفا ب(الأخوين العدوين) أو (الصديقين اللدودين)

على خطى حنّة أرنت

تأليف :لور ادلر
الناشر: غاليمار ـ باريس

لور ادلر، مؤلفة هذا الكتاب هي باحثة فرنسية سبق لها وقدّمت عدة أعمال من بينها (تاريخ للعنصرية) و(رواندة: مذبحة اثنية) وكتاب عن سيرة حياة الروائية الفرنسية الشهيرة (مرغريت دوراس). هذا العمل الجديد كتاب (على خطى حنّة أرنت) يخص، كما يدل عنوانه، أحدى أهم الشخصيات الفكرية في القرن العشرين، أي حنّة أرنت التي قدّمت مساهمات مشهوداً لها في ميادين السياسة والأخلاق والفلسفة.
وكانت حياة حنّة أرنت مرآة لفكرها، إذ ناضلت ضد النظام النازي في بلدها الأصلي ألمانيا، كما كانت في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان، ومعارضة معروفة لكل أشكال الأنظمة الشمولية وصاحبة العديد من النظريات حول الأخطار التي تهدد الديمقراطية، باختصار كانت امرأة ملتزمة في جميع المعارك الرئيسية للقرن الذي عاشت فيه. وإذا كانت حنّة أرنت قد انفعلت في الأحداث الجارية فإنها كانت بامتياز فيلسوفة (الهشاشة الإنسانية) هكذا عاشت بكل جوارحها ما صاغته من تنظيرات. و(لهذا دون شك لا تزال أعمالها بعد ثلاثين سنة من وفاتها تثير فينا الكثير من الانفعالات) كما تقول لور ادلر مؤلفة هذا الكتاب.

موسوعة كامبردج لموزار

تأليف :جماعي بإشراف كليف آيسين وسيمون ب.كيف
الناشر: مطبوعات جامعة كامبردج 2006

قامت بتأليف هذا الكتاب الضخم مجموعة من الباحثين الاختصاصيين في شؤون الموسيقى عموما وأعمال موزار خصوصا. وهو أهم كتاب يصدر باللغة الانكليزية عن هذا الموسيقار العظيم الذي نبغ وعمره خمس سنوات كما يقال. إنه يحتوي على جميع المعلومات التي نريدها عن حياته وأعماله والأماكن التي عاش فيها أو زارها والأشخاص الذين عاصروا حياته القصيرة أو كانوا مقربين منه، الخ. ومنذ البداية تقول الموسوعة ما معناه: عندما نقرأ حياة موزار تتجلى لنا العبقرية في كل صورها وأشكالها. إنه يجسد الصفاء المطلق للعبقرية الموسيقية، وقد كان يعزف أجمل المقطوعات في مدن ميونيخ، وفيينا، وبروكسل، وباريس، وروما، وميلانو، ونابولي، ولندن، الخ. وقد استفاد موزار من خبرة كبار الموسيقيين الذين التقاهم في هذه البلدان الأوروبية وأكمل بذلك ثقافته الموسيقية التي أخذها عن والده في البداية. لقد اطلع على كل التيارات الموسيقية السائدة في عصره.


المتنبي في باريس

محمد سعيد الصكار

حلم رافق حياته كلها، منذ أن بدأ اهتمامه الأدبي، حتى ظن، في بعض الأوقات، أنه يستطيع على الأقل، كتابة هذا الحلم او مادة روائية او غير ذلك، كان يفضل كتابته سيناريو، ولكن الحلم صار حلمين، الأول هو حلمه بأن يصير كاتباً، وهو لم يكتب ولم ينشر في حياته غير حلول التسليات والمتابعات البسيطة لبعض ما ينشر في الصحف، وكان يظن ان كفاءته الادبية حاضرة دائماً، ومدخرة لوقت الحاجة، وما عليه الا ان يتناول القلم حتى تنهمر النصوص مثل المطر، ولكنه لم يتناوله.
أما الحلم الثاني الذي شغل باله، ومازال يشغله، فهو دعوة المتنبي الى زيارة باريس، واصطحابه في جولة الى المتاحف ومكاتب الكومبيوتر والبنايات الشامخة والمخازن الضخمة وأبوابها الزجاجية الدوارة، والجلوس معه أمام التلفزيون، وملاحظة ما ينطبع على وجهه من الفجاءة والتعجب، حتى أنه، احتراماً لأبي الطيب، كان يخفي مشاعره وهو يرى المتنبي العظيم مبهوراً لا يكاد يصدق مايراه، ويتردد في صعود السلالم الكهربائية، وينشغل تماماً بهذه الحياة العجيبة، فيؤخذ صاحبنا بدهشة المتنبي ويغيب عن باله أن يسأله عن رأيه في شوقي والجواهري وبدوي الجبل، وحال الشعر الحديث وقصيدة النثر.
-إلى أين تذهب بي ياسعيد؟
-أريد أن أريك شيئاً من ملامح الدنيا الجديدة، هذه مقهى الـ(دوماكو) حيث يلتقي أدباء أيامنا الكبار، ويتناقشون في أمور الدنيا.
-المقهى جميل، ولكن الندل مستعجلون، أيكون الأدباء كذلك؟
-كلنا في هذه الأيام يريد اللحاق...
-بمن؟
-ربما بك أو ببودلير أ وشكسبير.
-تريدون اللحاق بمن تقدم؟
-ألم تكن تريد اللحاق بمن تقدمك من الانبياء؟
-أنا؟ كلا، كنت ابن زماني، لم ألحق أحداً.
يتردد أبو الطيب قليلاً ويلقي بيده على كتفي الأيمن ويرسل قدمه إلى عتبة في البساط الكهربائي بحذر وما إن يتوازن حتى تبدو على وجهه ابتسامة ناعمة وارتياح.
-رائع عالمكم هذا، أين نحن الآن؟
-نحن متجهان الى مكتبة فرانسوا ميتيران.
-ومن هذا الميتيران؟
-هذا كان رئيساً لجمهورية فرنسا في أوخر القرن العشرين الميلادي.
-شاعر؟
-لا، ليس شاعراً، ولكنه مثقف، وعلى كال حال هذا غير مهم، ولكن المهم هو ما نحن فيه.
-ما هو؟
-يا أبا الطيب نحن نستقل قطاراً لا يقوده سائق.
- من يقوده إذن، الملائكة؟
-شيء من ذلك، أعني ملائكة هذا الزمان، الكومبيوتر.
-إخرج بي من هذا المكان، أنا لم أفلح مع البشر، ولا علاقة لي بالملائكة.
-ولكنهم في خدمتك، ألست نبياً؟
-بلى، ولكن بدون ملائكة.
في الطريق الى معهد العالم العربي، كان أبو الطيب يعتمر الكوفية العراقية، وأنا الى جانبه في السترة والبنطلون، لم يكن ذلك مثيراً للمارة الذين ألفوا صنوفاً من أزياء العرب المتناسقة والمتنافرة التي تمر في طريق هذا المعهد العربي.
ورغم أنني أشعرت المسؤولين في المعهد بنيتنا زيارته، فلم يكن هناك أي مسؤول لاستقبال شاعر الامة التاريخي ورمز ثقافتها، ولم يكن هناك لا إعلان ولا برنامج للاحتفاء به.
جلسنا في مقهى المعهد وتناولنا القهوة وحيدين، وكان من حسن الصدف أن يمر الصديق فاروق مردم بك، فيرانا جالسين كالسياح الذين يرتادون المعهد يوم الاثنين، فأنس بنا وتبسط بالحديث، واعتذر بأننا وصلنا يوم الاثنين وهو يوم عطلة المعهد.
قال أبو الطيب:
-ألا تضيقون بهذه العلب الزجاجية؟ لماذا لاتزرعون نباتات وأشجاراً، إنها تفتح النفس؟
قال فاروق:
-لسنا في شعب بوان يا أبا الطيب.
-أرأيت شعب بوان؟
وكيف لي أن أراه وبيني وبينه ألف عام؟
-لو رأيته لأمرت بإنشاء مثله.
-وأنى لي ذلك وانت تقول:
أبوكم آدم سن الخطايا     وعلمكم مفارقة الجنان
-وأنتم ماذا تفعلون في هذا المعهد؟
-نعرف الافرنج بثقافتنا العربية.
-بها نبطي من أهل السواد     يعلم أنساب أهل الفلا
-لست نبطياً يا أبا الطيب، أنا من بلاد الشام.
-أكرم وانعم، لي في بلادكم مآثر لاتمحى، وددت لو حملتموني الى حلب.
قلت معقباً:
-نفيت عنك العلا والظرف والأدبا    وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا
-إي والله، من القائل؟
-شاعر من زماننا يدعى الأخطل الصغير.
هذا ليس صغيراً، غيروا كنيته.
قال فاروق:
-يا أبا الطيب هل لك ان تلتقي ببعض شعراء زماننا من العرب والافرنج؟ سنهيء لك لقاءاً بهم إذا رغبت.
-وماذا عسى أن أرى وأسمع.
وكل ما قد خلق الله وما لم يخلق    محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
في الطريق إلى بيتي حيث دعوت أبا الطيب الى ضيافتي المتواضعة في ضاحية تتبع الحزام الأحمر المحيط بباريس، وهو حزام برعاية شيوعيي فرنسا: قال لي أبو الطيب:
-ماذا تقصد بالشيوعيين؟
-فئة سياسية تريد أن تبني مجتمعاً على الحرية والعدالة.
-وما الذي تفعله أنت؟
-أخط وأرسم وأكتب أشعاراً.
-أن تخط وترسم، هذا من شأنك، وأن تكتب الشعر تذكر قول الحطيئة الكبير:
الشعر صعب وطويل سلمه    إذا ارتقى فيه الذي لايعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه        يريد أن يعربه فيعجمه
أخذت أبا الطيب الى السينما، قلت له هذا فن لم يكن موجوداً في زمانكم، تعال وشاهده فقد يسرك، قال: هلم بنا، فكل ما أراه جديد علي.
وكان من سوء الحظ ان أخذته الى فلم (
Orient Xpress)، فما لبث ان هتف بي:
-اخرج، لعنة الله عليكم وعلى أفلامكم وحضارتكم، خذني الى سان ميشيل فقد راق لي ما يفعله الناس على طبيعتهم.
صمت تام لزم أبا الطيب ونحن نطوف في أرجاء مخزن (
Galerie Lafayette)، أحد اكبر مخازن باريس، لم يأنس بما رأى، لم يتوقف إلا عند جناح العطور وجناح القرطاسية حيث اقتنى شيئاً مما فيهما.
وإذ فاجأني الأمر، قلت له:
-أهذا للفتاة التي صحبتك في الفلاة؟
صحبتني على الفلاة فتاة    عادة اللوم عندها التبديل
-قاتلك الله، ألا تكف عن الفضول!
أراد أبو الطيب أن نعود في يوم آخر الى متحف اللوفر ليستكمل زيارته لهذا المتحف الذي أخذ بألبابه، ولم يخف ضيقه بالمثلث الزجاجي الذي أضيف إلى المبنى التاريخي وإن لم يكن رأه فيما سبق، ولكن رهافته وحسه الجمالي جعله يحس بأن هذا غير ذاك، وأن هناك خللاً في التوازن الفني بين الاثنين.
-يا أبا الطيب، تعال نتمشى قليلاً في أجمل شوارع الدنيا في أيامنا.
-هلم بنا.
-هذا الشارع الفاتن يسمى (الشانزيليزيه).
-وما معنى هذه التسمية؟
-تعني حقول الاليزيه.
-وما معنى هذه الكلمة الأعجمية؟
-رفقاً بي يا أبا الطيب، فلست ضليعاً لا في التاريخ ولا في دلالة الكلمات.
-كان مواطنك الخليل بن احمد الفراهيدي يتقصى دلالة الكلمات، وينطلق من جذورها.
-ولكن هذه لغة أخرى، ذات شروط مختلفة.
-أنت على حق، ولكن يحسن بنا الاحاطة بما نحن بصدده.
-لماذا لا تتمتع الآن بما ترى؟
-المعنى ياسعيد يزيد المتعة.
-أتعلم منك يا أبا الطيب ولكن زماننا يأتي بكثير من الأمور بلا معنى.
-ما هذا؟
- هذه بداية شارع جورج الخامس، ملك بريطانيا القديم، ونحن بالقرب من مقهى ومطعم (فوكيت)، أشهر مواقع الشانزيليزيه.
-جميل وباهر، ولكن أشجاره لاتشبه أشجار شعب بوان.
-طبعاً، فنحن في أمة اخرى، وزمن آخر.
قعدنا في مقهى (جورج سانك، أي جورج الخامس) ورحنا نتطلع إلى المارة يروحون ويجيئون بأزياء متنوعة وفق مودة هذه الأيام، بنطلون جينز، قميص قصير بلا اكمام يظهر السرة ويوحي بما قبلها وبعدها، وأبو الطيب انصرف عني واستغرق بالنظر الى ما يجري خلف الزجاج.
-كيف رأيت هذا المكان يا أبا الطيب؟
-لعنة الله عليك، لماذا حرمتني من هذا المكان وحشرتني في المنطقة الثالثة عشرة، حولني الى هنا.
-هذا شعب (بوان)ـنا يا أبا الطيب.
-يقول بشعب بوان حصاني     أعن هذا يسار الى الطعان
أبوكم آدم سن الخطايا    وعلمكم مفارقة الجنان
-يا أبا الطيب، كنت بعثت إليك ببطاقة منذ زمن، هل وصلت إليك؟
-بطاقة؟ كلا لم تصل، ماذا قلت فيها؟
-ثلاثة أبيات من الشعر.
-قلها.
قلت:
أعد نظراً بما أبقيت فينا    من الغرر المحجلة المعاني
فلسنا اهلها وكفاك منا    منى في أن نسير الطعان
وطب نفساً فإنك من زمان    رحيمٍ كان آخرة الزمان
أخذت أبا الطيب إلى مرسمي القريب من هذا المكان، ورأيته عدداً من لوحاتي التي تتضمن أشعاراً له.
تأملها وتبسم، ولم يقل شيئاً.
خرجت به الى مطعم صيني يقابل مرسمي، أرضيته زجاج، تجري من تحتها ماء تسبح فيها أصناف من الأسماك، وتومض في سقفه نجوم على فضاء ازرق، توقف عند المدخل يتأمل قبل أن يخطو، قال:
-بلقيس! وهذه أرض سليمان!
ثم رفع أطراف ثوبه ومشى الى مائدتنا.
-بماذا يعجبك أن تبدأ غداءك؟
-بقصيدة من شعر هؤلاء القوم.
-من يدري إن كان بينهم شعراء.
-ألا تعرفون شعراءكم؟
في طريقنا الى مخزن (فناك) الذي يختزل الدنيا وما فيها على أقراص مدمجة، توقفنا عند كشك من أكشاك الصحف، تناولت منه صحيفة عربية، تصفحتها، وإذا فيها:
(يؤمل أن يكون مالئ الدنيا وشاغل الناس، المتنبي العظيم، قد وصل باريس في زيارة خاطفة يعقد خلالها أمسية شعرية في معهد العالم العربي، والدعوة عامة للجميع).
أقيمت الأمسية، لم يكن في القاعة غير عدد قليل من هواة التغيير، أغلبهم من الفرنسيين، حتى مسؤولو المعهد لم يحضروا!
______________
*تخطيط أولي لمشروع أوسع


شهادة أديب على عصره .. أنكار فرانكو

خافيير مارياس

ترجمة جودت جالي

حين مات فرانكو كان عمري 24 عاما . أن الأنسان أقل أدراكا للفترات السياسية في صغره ولكني منذ نعومة أظفاري سمعت والديّ وجدي يتحدثون عن أهوال الحرب الأهلية وأدركت أن والديّ لم يكونا ينتميان الى حزب المنتصرين وأن أشياء كثيرة لم يكن ممكنا الحديث عنها بصوت عال أو خارج محيط العائلة، وأن خلافات سياسية كانت بين والدي وبعض أعمامي. سألتهما ذات يوم ونحن نتناول الأفطار، رغم أن الفرح لموت أنسان شيء سيئ، هل سيفرحان لموت فرانكو؟. مازلت أتذكر الرعب الذي أرتسم على وجه أمي لأن الخادمة كانت حاضرة . أشتركت في الجامعة في حدود الأمكان بالتظاهرات وتوزيع المنشورات عارفا بمقدار المجازفة . على كل حال كان واضحا بالنسبة ألي أنه لايمكن توقع شيء غير الخوف والمعاملة السيئة من الفرانكوية وقد كرهتها كرها شديدا .
بخلاف ماحدث بعد الحرب في فرنسا أو أيطاليا أو ألمانيا لم يكن يوجد في أسبانيا شعور بالعار الوطني مماجرته الفرانكوية على الأسبان . لقد كف الفرانكويون بكل بساطة عن أن يكونوا فرانكويين وبكل هدوء حين طاب لهم ودون أي خجل من ماضيهم ، وحتى دون الشعور بالحاجة الى أعلان البراءة ولو شكليا ، ولم يتعرض أي منهم الى المساءلة عما فعلوه خلال دهر الديكتاتورية . لاأقصد المساءلة القانونية فهذه المساءلة لابد منها ولاتقبل النقاش ولكني أقصد في الصحافة على الأقل بالنسبة للعناصر المعروفة بأنتمائها بدلا من السماح لها بأختلاق ( سيرة ذاتية ) خيالية كما هو الحال مع كاميلو سيلا آخر الأسبان الحائزين على جائزة نوبل . قضيته نموذجية أذ أنه هرب من مدريد أبان الحرب الأهلية ليلتحق بالحزب الفرانكوي ويعرض خدماته على الجهاز البوليسي للديكتاتور ليصبح (دليلا) له على أماكن وجود الجمهوريين والتعرف عليهم، وعمل بعد الحرب رقيبا على المطبوعات كما كتب رواية للديكتاتور الفنزويلي بيريز خمينيز ليضع هذا عليها أسمه باعتباره مؤلفها ، ولدي كتاب من سيلا أشتريته من دار للكتب القديمة مهدى بخط يده الى ميلان أستراي ظل فرانكو ومؤسس الفيلق والمعروف بصيحته الشهيرة (يحيا القتل!) . في هذا الأهداء يصف أستراي بأنه (الأب الحبيب) . مع ذلك وحين حدث التغيير جرؤ (سيلا) على أن يدعي أنه قاتل في صفوف الفرانكويين لأن الحرب فاجأته وهو في غاليسه ولم يكن بوسعه غير ذلك . لكنه كان طوال حياته بالعكس يتفاخر بكونه (منشقا) عن الجمهوريين ، وفعل مثل فعله الكثيرون .
ربما لم يكن ممكنا تجنب معاهدة السكوت عن أربعين عاما من الفرانكوية . كان الناس يميلون الى نسيان حقيقة أن فرانكو لم يمت معاقبا بالأعدام ولاسجينا بل مات على فراشه يوم 20 تشرين الثاني 1975 وكامل سلطاته بين يديه لم تمس . أن فرانكو الآن بالنسبة الى معظم الأسبان مجهول بشكل لايصدق . سرعان مابدا للناس بعد ستة أشهر من موته لاأكثر كأنه ينتمي الى ماقبل التأريخ ، بعيد وأبعد من بعيد . الرغبة في نسيانه قوية جدا، أصبح ماضيا وأكاد أقول ماضيا مصادرا . لايصدق الشبان اليوم مايقوله لهم الشيوخ عن أهوال الحرب الأهلية وفظائع الديكتاتورية ، لابل ويعتبرون أحاديثهم مبالغة .
ألقي القبض على أبي بعيد الحرب وسجن ثم أطلق سراحه ليعاني طوال حياته من التعقب والتضييق عليه في المعيشة وقد سردت هذا في روايتي (وجهك غدا). بالمقابل قتل أحد أعمامي على يد (الحمر) وهو في السابعة عشرة من العمر دون أن يقترف ذنبا . المهم عندي هي الحقائق التأريخية . كانت توجد حكومة شرعية منتخبة تمرد عليها فرانكو وجنرالاته لأن الشعب لم يقبلهم وفشلوا في جميع أنحاء البلاد فشنوا حربا أهلية بمثابة عقاب للشعب . أذا كان معظم المجتمع قد رغب في النسيان فلأنه بعد الحرب تعاون مع النظام غير الشرعي . نتيجة هذا التناسي هو عدم وجود وعي حقيقي وعميق وواقعي عند الأجيال اللاحقة بكون الفرانكوية شريرة ومدانة . لنقل أن جيل الديكتاتورية لم يكن يعتبر شرها شره هو ولذلك لم يسقط فريسة للشعور بالعار . أدى بقاء عناصر النظام بعد التغيير الديمقراطي متنفذة أجتماعيا وحتى في العديد من مواقع المسؤولية الحزبية والحكومية الى عدم تصفية العقلية الديكتاتورية الراسخة في سايكولوجيا المجتمع. لم يجرؤ أحد على رفع تمثال فرانكو من قلب مدريد وقد تم ذلك ليلا وسرا فثارت ثائرة حتى اليسار وأعتبر رفعه أجراء أستفزازيا يفتح جروح الماضي وأستنكرته كل الصحف ماعدا صحيفة (البايس). لدينا فرانكوية أجتماعية قوية.
لقد عايشت الفرانكوية فترة تغنيني عن القراءة عنها فأنا أعرف أنها برجوازية صغيرة غبية ومصابة بداء العظمة كما أنها لاتجذبني كموضوع روائي يستحق الكتابة ، وأذا لم تظهر لحد الآن رواية عظيمة عن تلك الحقبة فليس في هذا خسارة للأدب ولأسبانيا . بعض الروايات ، بمعنى من المعاني ، تمنح نبل الحروف الى شيء لايستحق هذا النبل.
* ولد خافيير مارياس في مدريد عام 1951 وهو واحد من أعظم الكتاب الأسبان المعاصرين . له عمود ثابت في صحيفة (البايس) . كتب أحدى عشرة رواية منها (الرجل العاطفي) و (قلب في غاية البياض)


من المكتبة العربية
 

التشكلات المبكرة للفكر الإسلامي

تأليف :د.عبد الحكيم أجهر
المركز الثقافي العربي /بيروت

يذهب بعض الدارسين والمفكرين إلى اعتبار علم الكلام، والفكر الكلامي عموماً، فكراً نسقياً وناجزاً منذ البدء، فيما يعتبره آخرون مجرد فكر لاهوتي، تتوقف حدوده على القضايا الدينية والعقدية فقط. وإن كان علم الكلام يبحث في الأدلة اليقينية المتعلقة بالعقيدة الإسلامية، وهي أدلة مبناها العقل المستند إلى المنطق أساساً، في كتابه «التشكلات المبكرة للفكر الإسلامي». يعتبر الدكتور عبد الحكيم أجهر وهو أستاذ العقيدة المساعد في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، أن علم الكلام تجاوز حدود اللاهوت، وخطا في اتجاه تأسيس نفسه كفكر ينهض على العقل، مع أن العقل في هذا الخصوص يبرر الوحي ويبقى لصيقاً به إلى حدّ التلازم معه، باعتباره - بداية - قوة تبرير لقضايا الوحي. لكنه لم يروّض ولم يرضخ كلياً، بل سرعان ما كان يمارس عقلانيته ويصبح فاعلية لا تقتصر على حدود التبرير، بل يتجاوز هذه المهمة لدى العديد من الفرق الكلامية.

مقامات بغدادية

تأليف :سحر طه
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر بيروت 2006

سحر طه لبنانية،عراقية الأصل، ناقدة وفنانة موسيقية، أحيت أمسيات غنائية في عدة عواصم عربية وأجنبية، وشاركت في عدة مسابقات موسيقية لبنانية وعربية كعضو لجنة تحكيم، كما أصدرت ألبومات موسيقية: بغداديات مع عمر بشير (بيروت 2001)، مهرجان الموسيقى الأندلسية (دمشق 2002)، أغنيات من التراث العراقي (هنغاريا 2003)، جولة اليمن، أغاني غونتر غراس (ألمانيا 2004). وعلى امتداد السنوات الأخيرة، ملت صوتها وراحت تغني مقامات الحزن في عراقها الجريح، مقامات الألم والدمع والمعاناة، دون أن يتزعزع إيمانها بأن الأوطان لا تموت، مهما تجَبر الغزاة. لهذا تكتب عن تراجيديات الحزن البغدادي، في كتابها الجديد (مقامات بغدادية/ من يوميات الاحتلال الأميركي للعراق) الصادر مؤخراً عن دار رياض الريس للنشر ببيروت، وتعلق على الكثير من المشاهد الإخبارية التي غطت الأحداث طوال فترة ما قبل الحرب وأثناءها وحتى لحظة احتلال بغداد بدخول القوات الأميركية والبريطانية، وما تبعها وبداية رحلة آلام جديدة لم تنته بعد.

الخاكية: من أوراق الجريمة الثقافية في العراق

المؤلف:عباس خضر
هذا الكتاب عن أدب ولد من رحم الحرب , وساير المؤسسة , ومثل مضامينها . وليس كل أدب , إنما أدب عراقي وعربي , ولد خلال حقبة الحرب العراقية الإيرانية في إعلام السلطة القائمة آنذاك في العراق.نتتبع في قراءتنا مصادر هذا الأدب , مراجعه, مضامينه , تحولاته وقيمه .. بعضها انطباعات تسعى الى توثيق نصوص من تلك الحقبة وتكشف الزيف والتشوه الثقافي بأشكاله الأدبية , تزييف الحقيقة أو تشويه القيمة . إنه متابعة لنص حقبة وأحيانا يتابع اللاحقة لها , أي نصوص الحروب من عاصفة الصحراء حتى سقوط سلطة "صدام".

التاريخ والعجيلي

تأليف :محمد جدوع
الناشر: دار الفرقد ـ دمشق 2006

محمد جدوع كاتب وباحث سوري، استهوته الحياة الأدبية والسياسية لمواطنه الدكتور عبدالسلام العجيلي، فرأى أن أسرته تنتمي إلى عشيرة «البوبدران» بعدما قدمت من الموصل لتستقر في الرقة. وهذه العشيرة تتحدر في أصولها، كما يقول العجيلي نفسه، إلى (آل البيت من أبناء الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام). وقد شاركت أسرة العجيلي بشكل فعلي في تأسيس دولة الرقة التي أعلنت عن قيامها الحركة الوطنية التي تشكلت فيها بعد اجتياح الجيوش الفرنسية لسوريا إثر إنذار الجنرال غورو، ووقوف الأسرة جميعها متحالفة مع زعيم الحركة الوطنية «حاجم بن مهيد» شيخ قبيلة عنزة النجدية، هذه الدولة التي عاشت كما يؤرخ العجيلي نفسه من 10 أغسطس 1920 حيث أصدرت الحركة هذه بيانها الذي وعدت فيه أن تحكم الرقة حكماً ديمقراطياً.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة