مهنة بلا رأسمال تحتاج إلى صحة
جيدة فقط!
- حمال كسر ظهر...
حمال (بعربانة).. وحمال الاسية!
- طلبة جامعيون
وموظفون يعملون حمالين
بغداد/ مفيد الصافي
تصوير/نهاد العزاوي
" دير
بالك –
دير بالك يمعود " عبارة
تتردد وسط السوق ، فيعيد الحمال الشاب إطلاقها ثانية بين
كل لحظة وأخرى توسيعاً لطريق بين الزحام الخانق في الشورجة
.كان العرق يتصبب من وجهه بغزارة وهو يسحب العربة الحديدية
بعجلاتها المطاطية الكبيرة وبحمولتها الثقيلة متوقفا
احيانا كثيرة محاولا اتخاذ الوجهة الصحيحة بين المارة
الذين يتضايقون منه، خوفا من الاصطدام بالعربة مبتعدين عن
جوانبها الحادة. العربة امتلأت إلى أعلى مستوى لها بصناديق
من الكارتون تظهر أغلفتها انواعا من الاجهزة الكهربائية ،
أمامه عربات كثيرة تحاول جاهدة اختراق الطرق الفرعية التي
اختلطت بالزبائن والبضائع المختلفة، أما إلى الخلف فكان
التاجر يسرع محاولا اللحاق به.
باب الله
قرب ساحة الوثبة، كان يقف الى جانب عربته الخشبية، ينتظر
أن ينادى عليه احد . ياسر(ابو مريم) 33 عاما ، أب لثلاثة
أولاد، من سكنة منطقة الحسينية ، تحدث عن عمله بعد سقوط
النظام وعن طريقة حمله للبضائع التي يطلب منه التجار او
الزبائن ان يحملها .وهو مثل اغلب العاملين في هذه المهنة
لا يفضل أن يصرح باسمه الكامل. حرك اليشماغ الأحمر الذي
كان يلفه على رقبته قائلا" نحن على باب الله. نحمل البضائع
الثقيلة من المواطنين الذين يشترونها من الأسواق . او
حينما تأتي سيارات التجار لتفرغ بضاعتها في المحال". وهو
يفضل ان يكون له زبائن دائمين من أصحاب المحال. وذكر ان
سعر العربة الخشبية القديمة يصل إلى أكثر من خمسين الف
دينار " هنالك نوعان من العربات التي يستعملها الحمالون،
الحديدية و تستعمل في ألاماكن الضيقة ، اما الخشبية فستعمل
في ألاماكن المفتوحة".
الحمال العجوز
على جانب الشارع القريب من سوق الغزل ، كان علي ظاهر حيدر
68 عاما- أب لسبعة أفراد- رجلاً عجوزاً غطت التجاعيد وجهه
. ورغم انه بهذا العمر لكنه يعمل منذ الصباح ليعود بعربته
الى الخان قرب سوق الغزل وعند المساء يعود برزق عياله.كان
يدفع عربته الخشبية الجديدة بمهل - سرقت العربة القديمة
قبل فترة- وهو يعمل في الشورجة منذ عشرين عاما. وصف العمل
بانه جيد وان اغلب الأعمال التي يقوم بها هي نقل أكياس
الرز أو السكر إلى المحال ويتقاضى عن كل حمولة ألف دينار
او ألفين وأضاف قائلا " الاجرة حسب مروءة الزبون . أحيانا
بعض الزبائن يقول لا نملك مالا فأقول له اذهب الله وياك"
واثناء كلامه كان يردد كلمة على باب الله أكثر من مرة.
وأضاف ان الحمال يجب أن يكون لسانه حلوا مع الزبائن
وأخلاقه جيدة..
التلميذ الصغير
كان ينظر الى السيارات العديدة بعيون مفتوحة صغيرة " في
أوقات الدوام انا لا اعمل " هذا ما قال رامي- وربما كان
اسمه غير حقيقي –
عائلته فقيرة
الحال تسكن في أطراف الكرادة ،يبلغ عدد أفرادها ستة . يعمل
أبوه اجيرا في محل لبيع المواد الغذائية .وهو طالب في الصف
السادس الابتدائي. ياتي ليعمل هنا. يعرفه صاحب الخان الذي
يؤجر منه عربته بالف دينار يوميا. و يعمل في نقل الحاجيات
الكهربائية . وصف التجار الذين يعمل معهم بأنهم كرماء
ويعطونه (بخشيشا) جيداً وهؤلاء لا يشغلون الا من يعرفونه .
ابتسم وهو يقول " انا اعمل في اوقات العطلة ، إن العمل ليس
عيبا " ولكنه مع ذلك رفض التقاط صورة له!
صاحب خان
خلف سوق الغزل وعبر زقاق ضيق إلى اليمين ينفتح الخان
بساحته الواسعة .اصطفت فيه العديد من العربات بلون ازرق
وضع على كل واحدة رقم خاص بها. في احد جوانب الخان رجل في
الستينيات من العمر جلس وحيدا على مقعد صغير قرب نار
أشعلها ليتدفأ بها . قال (ابو كريم) متحدثا عن عمله " لدي
هنا بحدود سبعين عربة خشبية وانا اؤجرها الى الحمالين بسعر
الف دينار في اليوم" . وأضاف ان اغلب الحمالين هم من أبناء
المحافظات مثل الناصرية والسماوة والديوانية وديالى ومناطق
قريبة من بغداد . تحدث عن احوال الشورجة في الماضي وعن
محدودية المواد التي كانت تباع فيها مثل الحنطة والشعير
والرز والتفاح الذي تاتي به سيارات قادمة من سوريا والأردن
في الخمسينيات والستينيات ثم تحولت الشورجة إلى ما هو عليه
الوضع الآن. وكيف كان الحمالون يحملون البضائع على ظهورهم
ولم تكن هنالك عربات. وذكر ان احد الحمالين سكن شارع
الكفاح استطاع ان يبني بيتا له من عمله في الحمالة، العربة
التي كان يعمل بها والجندة التي كان يستعملها- وهو حزام
يشد على الظهر من الجلد المبطن بالصوف ويلبس على شكل
كتافيات على الظهر، قام بتعليقها على سطح منزله الذي
اشتراه مما جمعه من عمله كي لا ينسى انه كان حمالا في يوم
ما وبقيت العربة فترة طويلة إلى أن جاء يوم انزلها أعضاء
في الجيش الشعبي أيام النظام السابق.
(أبو فراس) الحمال الذي اصبح تاجرا كبيرا والذي "مشت اموره
" وكان يعمل من شروق الشمس حتى مغيبها بدون كلل، وصف مهنة
الحمال بانها غير مكلفة وتحتاج الى صحة بدنية فقط. وتذكر
عمله في حمل الأقمشة في شارع النهر وبكميات تصل الى نصف طن
، منذ الصباح إلى المساء ليحصل على نحو 30 إلى 50 الف
دينار في اليوم. وعن أهمية الأمانة والثقة قال " الأمانة
اهم شيء في عملنا لان البعض من الحمالين يسرق من البضاعة
التي يحملها والسارق مهما طال الزمن سيفتضح أمره".
حوادث العمل
كان نبيل ابراهيم 23 عاما اب لطفل واحد يعمل في نقل اكياس
البهارات والمواد الغذائية . اكتست عربته بلون اصفر يحاكي
لون وجهه حتى بدا كأنه مصاب بمرض خطير. لم يكمل دراسته،
يحصل على 10-15 الف دينار في اليوم، ويفضل تجار جميلة على
غيرهم في (البخشيش) الذي يمنحونه. تحدث عن تعرضه لحادثة
ادت الى ابتعاده عن العمل مدة طويلة قائلا " دخلت مرة في
مخزن مظلم وكنت احمل بضاعة على ظهري يصل وزنها الى 60 كيلو
غراما ولم اكن مسيطرا على وضعي فحصل التواء في قدمي وتعرضت
الى الكسر".
ابو كاظم ، 54 عاما، يعيل عائلة كبيرة متكونة من عشرين
شخصاً، يعمل منذ خمسة عشر عاما قال: " لا يستطيع أي رجل أن
يعمل في هذه المهنة فهي تورث الكثير من الامراض "وذكر
متاعب المهنة وكيف أن اغلب العمال القدماء رحلوا سريعا عن
هذا العالم .وعن الامراض التي يعاني منها الحمال بسبب
الاعمال الشاقة التي يقوم بها، قال" في إحدى المرات تعرضت
الى تشنج في ظهري ولم اعد الى سابق عهدي الا بعد عام" وعن
مضايقات تحدث احيانا مع المارة في الازقة حينما يصطدمون
بعرباتهم ، او حينما تحدث مشاكل بين الزبائن والحمالين .وقال
أخيرا" لعنة الله على الطاغية صدام ، اننا من دون مستقبل
بسببه "
(ابو ياسر) 38 عاما ، من محافظة السماوة لم يرجع الى اهله
منذ ستة اشهر وأخوه ياتيه كل شهر ليعود بما يحصل عليه إلى
أسرته الفقيرة. قال " إن البعض يخاف من التطوع في الشرطة
او الجيش لان الارهابيين يستهدفونهم " وتحدث عن الصعوبات
التي يواجهها ابناء المحافظات وعن مقدار ما يعانونه في
الفنادق، إذ تصل اجرة المبيت في الليلة الواحدة من 1500
الى 3000 دينار للسرير الواحد.وهم يفضلون الفنادق الرخيصة
في الباب الشرقي . ويصرف (ابو ياسر) يوميا نحو ستة الاف
دينارعلى نفسه ،وعليه ان يحصل على 15- الى 20 الف دينار
حتى يستطيع ان يدخر المال الى عائلته . وذكر ان الحمالين
الذين يسكنون بغداد أمورهم أفضل لأنهم لا يضطرون الى دفع
أيجار المسكن. وقال ان التجار الذين يتعاملون معهم كثيرا
ما يستغلون الحمال في إدخال وإخراج البضائع من دون مقابل
على امل انهم يحصلون على آجورهم من الزبائن، وقال " اكثر
ما نكره في التاجر هو بخله ".
النجار الطيب
تحدث فؤاد خضير ، 33 عاما ، عن بدايات عمله وكيف تسرح من
الجيش ليعمل في مهنة الحمالة اول الامر . اما الان فهو
صاحب خان يبلغ إيجاره 200 الف دينار في الشهر . وهو ياخذ
بطاقة الغذائية او الجنسية من الحمال الجديد الذي لا يعرفه
.وكل حمال يثبت على عربته التي يعمل بها. وفي سجل الأسماء
وضع جدولا بالأسماء الأولى للعمال وجدولا بأرقام العربات ،
وحينما تخرج العربة يضع خطا مقابل الاسم واذا دفع المبلغ
يضع خطين وحينما يعود بالعربة يضع شكل دائرة على الخطين .
وهو يملك خمسين عربة، " في الماضي كانت العربة تكلف 30
ألفا أما اليوم فتصل كلفتها الى 90 الف دينار. اطار العربة
كان بسعر 3 آلاف دينار أصبح ألان بعشرة آلاف دينار، وكان
ايجار العربة ب250 ديناراً اصبح الف دينار "
وتحدث عن سرقة العربات وهو امر شائع بين الحمالين اذ يحدث
ان يستغفل احدهم الحمال فيقول له هل لك ان تجلب لي وصل
المواد فقد نسيته في محل التاجر فلان او يدعي بانه نسي
مفتاح السيارة وربما يقوم بعملية الاحتيال هذه رجل يرتدي (قاط
ورباط) ولكنه يسرق قوت الحمال. لدى فؤاد خبرة في النجارة
وهو يقوم بصنع العربات بنفسه والعربة التي تكلف 90 الف
يقوم بتصنيعها ب70 الف دينار.
وذكر ان عمله في الشتاء يصاب بالكساد بعض الشيء وان العمل
افضل في الصيف، لان كثيرا من التلاميذ ياتون للعمل فيها .
يعمل عنده الان بعض من طلبة الكليات وبعض الموظفين " لدي
حمال يدرس في كلية التمريض ولدي معلم وموظف في وزارة الصحة
يقول ان راتبه يصل الى مئة الف دينار وانه لا يكفيه" مرة
سرقت له 3 عربات في يوم واحد " نحن نحاول ان نفهم الحمالين
الجدد بهذه الامور لئلا يتعرضوا الى السرقات"
التجار والحمالون
اعترف ابو سعد العبيدي 43 عاما ، من سكنة الموصل،وهو تاجر
يبيع السمسم والجريش ، بانه يفضل الحمال الذي يعرفه على
الحمال الذي لا يعرفه حتى يتم إيصال البضاعة إلى المكان
المطلوب دون ان يلحق بها الضرر ولا يهم سواء اكان شيخا ام
شابا " نعم ان بعض التجار لايعطون الحمال حقه الذي يستحقه
. وهنالك من لا يعطيه حقه ناهيك عن إعطائه البخشيش ".
قرب المكان كان هنالك حمالون يفرغون شاحنة مليئة باكياس
الطحين، ويحملون الأكياس الثقيلة على ظهورهم ، وثمة عامل
كبير ذو شوارب كثة يردد أهازيج لهم وهم يعيدونها خلفه ،
كان هنالك اثنان منهم يجهزون الكيس ويرفعونه للحمال بطريقة
خاصة على ظهره وكأنه يحمل حملا خفيفا! قال صاحب الخان "
تبقى الحمالة متميزة كونها لا تتطلب راس مال وتحتاج الى
صحة جيدة .وكل ما عليك هو ان تؤجر عربة تدفع ثمنها في
نهاية اليوم". |