مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

واشنطن تضع العرب بمواجهة طهران

بقلم: فيليب جبلي
ترجمة: عدوية الهلالي

عن: لوفيغارو

بدأت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس جولتها في الشرق الأوسط لمحاولة التصدي لسباق التسلح النووي الذي تخوضه إيران.. وستحاول أمريكا ودون التخلي عن دبلوماسيتها تطويق إيران وعزلها عن الآخرين - والدول العربية خصوصاً.. وتتم جولة رايس قبل الإعلان عن تقرير السكرتير العام للوكالة العالمية للطاقة الذرية (AIEA) في مجلس الامن التابع لهيئة الأمم المتحدة في بداية آذار المقبل... وتحاول رايس توسيع مديات التحالف العالمي ضد التسلح النووي في إيران بضم الدول العربية المجاورة اليها... ففي مصر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة شدد السفراء الدبلوماسيون المسؤولون عن تطبيق السياسات الخارجية على وجوب عدم خوض مخاطرات من قبل تلك الدول بمساعدة إيران فقد ويجشمها ذلك الكثير من المتاعب إذا ما حققت طهران احلامها وامتلكت القنبلة الذرية.. وعلى أمريكا في هذه الحالة مواجهة رأي شرق - اوسطي يميل إلى اعتبار الطموحات الذرية الايرانية امراً مشروعاً بمواجهة القوة النووية الإسرائيلية...
وتتذرع أمريكا بحجة التشديد على طبيعة النظام الايراني الذي يدعم مجاميع إرهابية. وكانت رايس قد اوضحت امام الكونغرس الاميركي قبيل مغادرتها الولايات المتحدة ان من الضروري استيعاب المضمون الاوسع للسياسات الاقليمية الايرانية مؤكدة على كون إيران "محوراً للشر" بهدف كسب اجماع للآراء العالمية وتأييدات واسعة حول فرض عقوبات ضد طهران..
وكان مجلس النواب الأمريكي قد تبنى حلاً بهذا المعنى بعد تحقيق شبه اجماع لآراء اعضائه بضرورة منع نظام الملالي من تطوير صناعته النووية المدنية في حالة فقدان الشفافية حول مجمل برنامجها النووي.
ورداً على هذه الضغوط، لم تستبعد كونداليزا رايس تجاهل هيئة الأمم المتحدة بتكوين تحالف قوي لتحقيق ذلك الغرض بقولها: "لا يمكننا التقليل من قدر التحدي الذي واجهناه للحصول على تأثير عالمي في مجال الطاقة بشأن قضية إيران".. جاء ذلك ضمن تصريحاتها امام مجلس الشيوخ التي قالت فيها أيضاً: "إذا لم نتمكن من الحصول على موافقة الكل، فهناك موازين أخرى يمكن اتباعها لدفع بعض الدول إلى اتخاذ قراراتها الخاصة ليكون لها تأثيرها البليغ على الاقتصاد الايراني.
وتتضاعف التهديدات ضد إيران مع فارق واحد هو ان التعبئة الأمريكية تجري ضد النظام وليس السكان. وكانت وزارة الدولة قد طلبت مؤخراً من الكونغرس ما قيمته 85 مليون دولار امريكي لدعم مؤسسات المجتمع المدني من خلال مساعدة المنشقين المعارضين للنظام الايراني إضافة إلى النقابيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بمبلغ 25 مليون دولار، وتمويل البرامج التلفزيونية التي يتم بثها باللغة الفارسية بمبلغ 50 مليون دولار، ومواقع الانترنت بمبلغ 5 ملايين دولار إضافة إلى مقايضات الطلبة التي يبلغ حجم الانفاق عليها 5 ملايين دولار أيضاً.. ورغم ان هدف "تغيير النظام" في إيران لم يتضح حتى الآن لكن الرغبة في عزل القادة الايرانيين واضحة تماماً ومن دون ان تفقد أمريكا تأثيرات الرأي العام في المنطقة.. وإذا لم تضمن أمريكا تحقيق اهدافها فقد يتحول توددها إلى الشعب الايراني حالياً إلى انتقام يصبح المواطنون الايرانيون اول ضحاياه!!!


في سياسات الشرق الأوسط: الطريق الثالث خرافة!
 

بقلم: شبلي التلحمي*
ترجمة: مروة وضاء

عن: الواشنطن بوست

ان الحقيقة التي أظهرها فوز حركة حماس في انتخابات فلسطين هي: انه اذا ما اجريت اليوم انتخابات حرة بالكامل في العالم العربي فسنشهد فوز الاحزاب الاسلامية في معظم الدول. وعلى الارجح فان الانتخابات بعد خمس سنوات اخرى ومع كل الجهود الدولية المكثفة لدعم "المجتمع المدني" والمنظمات غير الحكومية ستتجه نحو النتيجة ذاتها. ان الفكرة السائدة في واشنطن خلال السنوات القليلة الماضية من أن في مقدرة البرامج والجهود الاميريكية بناء بديل ثالث للحكومات الحالية والاسلاميين هي ببساطة مجرد وهم.
من بين السياسات العربية هنالك مجموعتان قويتان ومنظمتان، التنظيمات الاسلامية التي تستمد دعمها من الشعوب المحرومة من حقوقها والتي تحركها المساجد والنخب السياسية، والعديد من التنظيمات الاخرى التي تتوافق طموحاتها مع تطلعات قطاعات كبيرة في المجتمع الا ان حظوظها في الفوز ضئيلة وهذا يعود الى الحكومات السيئة التي تفرض الاختيار بينها من جهة وبين الاسلاميين من جهة اخرى.
لكن هذه تعدعادة النتيجة الطبيعية للسياسة حتى في الديمقراطيات الناضجة. يصعب على معظم الناس حول العالم ان ينظروا الى النظام السياسي الامريكي كنظام متعدد الاحزاب. فحتى في انظمة انتخابات برلمانية متعددة، تَنحسر السياسةَ إلى منافسة بين طرفين مهيمنينِ مما يجعل احتمالية نشوء طرف ثالث صعبة جدا، وانه لتغيير بارز في المعتقدات ان نتوقع اننا قادرون على هندسة نتيجة مختلفة في الشرق الاوسط.
اننا لا نقول ان الديمقراطية غير ممكنة في العالم العربي. ففي الحقيقة الشئ البارز في الانتخابات الفلسطينية هي انها كانت حرة وكانت المنافسة فيها عالية في ظل الظروفِ الصعبة وكان 20% من المرشحين وبضمنهم حركة حماس من النساء وتقبلت النخبة السياسية الخسارة وتنحت جانبا. وكذلك النجاح البرلماني المحدود في مصر حيث هزم مرشحو الاخوان المسلمين مرشحي الحكومة في معظم الاحياء..
لكن في هذه اللحظة التاريخية يبقى الاسلاميون البديل الاكثر تنظيما عن الحكومات، كما انه ليس من المحتمل ان يتغير هذا الوضع قريبا. ان الحكومات الحالية تفتقد الى الشعبية: ففي استطلاع اجريته في تشرين الاول مع منظمة زغبي العالمية (في مصر والسعودية والمغرب والاردن ولبنان والامارات المتحدة) سألت فيه العرب عمن من زعماء العالمَ يحترمون أكثر (خارج بلدانِهم الخاصةِ) فكان الزعيم الوحيد الذي حصل على دعمَ هو الرئيس الفرنسي جاك شيراك (لمواجهته الواضحة للولايات المتحدة حول حرب العراق) ولم يحصل اي حاكم عربي حالي على نسبة اعلى من 2%. يعتقد معظم العرب ان رجال الدين يلعبون دورا (صغيرا جدا) في السياسات العربية. هنالك فراغ في القيادة وهو بالتأكيد سيكلف الحكومات في الانتخابات الحرة الحقيقية القادمة.
وهذه الحالة تترك خيارات محدودة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية. ان انتخابات ديمقراطية كاملة في الشرق الاوسط ستقود حتما لهيمنة الجماعات الاسلامية مما سيترك الولايات المتحدة اما مواصلة أسلوب المواجهة مما يسبب لكلا الطرفين خسائر كبيرة وخطرة او ايجاد طريقة للتعامل مع هذه الجماعات... وهو الشيء الذي لم يتم تقريره بصورة كاملة بعد. ان التشكيك في الاهداف الحقيقية لهذه الجماعات يجب ان يتوازن مع الانفتاح لاحتمالية ان تكون اهدافهم حال توليهم السلطة تختلف عن اهدافهم كجماعات معارضة. وهذا يتطلب إرتباطاً جزئياً وصبرا واستعدادا للسَماح لمثل هذه الحكوماتِ الجديدةِ بإعطائها المجال والوقت لاخضاع أهدافهم لاختبار الواقع. وفي الحقيقة ان حركة حماس تمثل موقع اختبار ما اذا كان الانخراط الجزئي سيؤدي الى الاعتدال.
اذا لم يكن باستطاعتنا الانخراط فسيكون امامنا بديل واحد وهو اعادة التفكير بسياسة الديمقراطية الانتخابية المستعجلة والتركيز اكثرعلى طريقة زيادة الاصلاح المؤسساتي والاقتصادي للحكومات الحالية. فأنه ليس من المحتمل نشوء حزب حقيقي ثالث في الوقت الحالي.
مهما كانت رسالة السياسة الخارجية الأمريكيةِ حول الديمقراطية فهي لم تكن واضحة في الشرق الاوسط حيث ترى معظم الحكومات العربية الدفاع الامريكي عن الديمقراطية انه عملية مقصودة للضغط عليها للتعاون في مسائل استراتيجية (مثل العراق والحرب على الارهاب والقضية الفلسطينية الاسرائيلية) ولتحويل الانتباه عن عدم ظهور اسلحة دمار شامل في العراق. يظهر استطلاعنا ان معظم العرب لا يعتقدون ان الولايات المتحدة جادة في مساعيها للديمقراطية وان نسبة الديمقراطية في الشرق الاوسط تضاءلت منذ حرب العراق.
ان التركيز على الديمقراطية وعلى ان الولايات المتحدة هي العامل الرئيسي للحصول عليها صرف الانتباه عن العديد من التحديات المهمة الاخرى. ان المتغير الديموغرافي الاكثر بروزاً والمرتبط بمعاداة أميركا في العالم العربي هو الدخل، ففي غزة وصلت نسبة البطالة تقريبا 50% ويبلغ معدل دخل الفرد نصف ماكان عليه في اواخر التسعينات . ان الدخل يقترن بنوعية التعليم ففي مصر موطن ربع العرب تمثل جامعة القاهرة موقع القيادة في الجامعات العربية، لكنها تحتل المرتبة الثامنة والعشرين في أفريقيا . كما بقيت انتهاكات حقوقِ الإنسان واسعة الإنتشار في المنطقة التي أعاق فيها سلوكنا المزعج نحو السجناءِ قدرتنا على نصح الآخرين. ان الجهود المشتركة في التطوير القضائي والتربويِ والاقتصادي مقترنة بتطبيق سياسة حقوقِ الإنسان القوية لَها فرصة أعظم جداً لأحداث فرق كبير.
بالرغم من كل مشاكلها تبقى الولايات المتحدة الدولة الاكبر قوة، قوية بما يكفي لتبديل اوراق اللعب في الشرق الاوسط، لكنها لن تكون قوية بما فيه الكفاية لتقرر اين ستسقط هذه الاوراق.
---------------


شبلي التلحمي: أستاذ في علم السياسة والحكم في جامعةِ ميريلاند و زميل أقدم في مركز سابان التابع لمعهد ِ بروكنغز.


ملامح سياسة محمد السادس لتغيير المغرب

بقلم: ميراي دوتاي
ترجمة: زينب محمد

عن لوبوان

لم تكن المؤسسة التي قرر ملك المغرب / محمد السادس / زيارتها قد اختيرت صدفة أو اعتباطاً، كانت دار الايتام في (عين سباعة) وهو حي صناعي في الدار البيضاء.
كان مدخل المؤسسة قد طلي حديثاً وانتشرت كاميرات التلفزة ومد بساط احمر. وقد تم اعداد كل شيء للزيارة الملكية بدون مفاجأة، وكان برفقة الملك حرسه الوحيد الخاص ووزير التكافل، طاف الملك ووزيره وحرسه الشخصي حول المبنى الكبير للمؤسسة ثم دلف من الباب الخلفي الذي يحرسه احد الايتام.. وفي داخل المؤسسة كان المشهد يبعث على الاسى: أماكن مهدمة وقذرة، والاطفال يفترشون ممرات المؤسسة، ، وكانت دورات المياه مخربة وتنبعث منها روائح كريهة، وعلى الفور اتصل الملك محمد السادس بوزير العدل من هاتفه المحمول وطلب منه فتح تحقيق، ولم يتأخر هذا التحقيق، فبعد اسبوع واحد من الزيارة، اتهم المسؤولون الذين كانوا يعدون ميزانية سنوية بـ (10) ملايين درهم، بالاختلاس، ومنذ ما يقرب من ستة اعوام لم يتوقف الملك محمد السادس الذي تولى العرش في تموز عام (1999) عن السعي لتحريك مملكته القديمة المجبولة على الجمود. فهو يريد تغييرها وتحديثها، وهو عمل جبار في مملكة تترسخ المحافظة الاجتماعية والسياسية في العقول بشكل عميق، بل كانت أسلوب الحكم، وهي ثمرة ثقافة الموافقة القديمة كما يقول احد المسؤولين متأسفاً.
وسرعان ما ادرك الملك أنه سيكون المحرك الوحيد للتغيير في المغرب، ففي تشرين الأول عام 2003، وبينما كان جاك شيراك في زيارة رسمية إلى الرباط، ايقظ العاهل المغربي المغرب فجأة باعلانه المساواة بين الرجال والنساء امام النواب المذهولين، واعلن هذا الملك المتحضر الذي يبلغ الاربعين من عمره عن ثورة ثقافية، وفي العام الذي سبق ذلك خفض عمر المصوت المغربي إلى (18) عاماً، لانه اخذ بنظر الاعتبار ان 50% من المغاربة هم اقل من عشرين عاماً. وبعد اسبوع وخلافاً لكل التوقعات أعلن الملك محمد السادس في خطاب تلفزيوني في (19) ايار عن (مبادرة وطنية واسعة للتنمية البشرية). ومنذ شهور، وملك المغرب الذي يطلق عليه البعض اسم (ملك الفقراء) يجوب البلاد، وقد اطلع على الفقر الشديد الذي يصيب 20 إلى 30% من السكان.
إذ يعيش مغربي واحد من كل ستة باقل من (10) دراهم أي ما يعادل (يورو واحد) باليوم، ويدرك العاهل المغربي ان سباق السرعة قد بدأ بين تنمية اكبر عدد من المغاربة وبين النزعة الإسلامية، فالاصولية تزدهر في القرة المتوارية بحياء خلف الجدران العالية.
وعلى الرغم من ان السلطات قد القت القبض على الملتحين المتعاطفين مع الحركات الجهادية منذ المحاولات الدامية التي وقعت في الدار البيضاء في ايار عام 2003 الا انه يجب عدم تخفيض الحذر كما يقول احد المسؤولين، وأضاف "لا اريد ان اعرف ان كان هناك نمو أم لا، اطلقوا القروض لاخراج الفقراء من حاجتهم الشديدة، ويهتم (محمد السادس) بـ (350) مجموعة ريفية و(250) حياً حضرياً هي أكثر المناطق فقراً والتي يجب ان تكون اول من يستفيد من الحرب على الفقر، وامام الحكومة ثلاثة أشهر لاقتراح إجراءات ملموسة، ان كل شيء يحدث كما لو ان الارض المغربية قد بدأت تتحرك ببطء بفعل اندفاع الملك، غير ان الحركة ليست يسيرة، لان المقاومة شديدة، فالتشاؤم قائم، "إذ لا يزال المغاربة يحتجون أكثر من الفرنسيين"، كما يعترف احد رجال الاعمال صحيح ان الحياة السياسية جامدة، والنمو راكد بسبب الجفاف، والاستثمارات غير كافية، والبطالة تتناقص بشكل ضعيف جداً، وقد خسر قطاع المنسوجات، اول قطاع في العمل 15% من حصص في السوق الاوربية بسبب المنافسة الصينية، وارتفاع أسعار النفط التي تكلف الخزينة المغربية كل شهر (150) مليون درهم أي ما يعادل (15) مليون يورو، غير ان العودة إلى المغرب بعد عام من الغياب تؤكد على وجود تغيير حقيقي يمكن رؤيته بالعين المجردة، مدن نظيفة، مزهرة، ابنية مطلية ولم تعد فقط من حصة الدار البيضاء أو الرباط أو مراكش ويمكن التحقق من وجود التنافس بين المدن كما تقول (نادية صلاح) رئيسة تحرير صحيفة (ايكونومست)، وحتى في (ازمور) المدينة الاطلسية الساحلية، فان رجال الشرطة يرتدون الزي الرسمي النظيف!
واتخذت العاصمة الاقتصادية شكل المدينة المتحضرة: حركة مرور كثيفة، عمارات كبيرة ذات واجهات زجاجية حديثة، مطاعم كثيرة جداً مخازن باذخة، والشباب ينتشرون على ارصفة المقاهي، اما (مربع الذهب) في الدار البيضاء فانه قطعة من اوربا عند جنوب المتوسط، وفيه تمضي الحياة على وفق الايقاع الباريسي، وصورة للمغرب الظافرة.
كل شيء يدعو للكمال في هذا البلد الذي يمتزج به الظلال والضوء. ولكن اول حالات الضعف يمكن تأشيرها في المغرب التي هي في حالة حركة، وعينها على الضفة الشمالية فهي لا تعني الا بضعة آلاف من الأشخاص تقودهم حفنة من الرجال والنساء يجرون البلد نحو التحضر، انهم كبار الموظفين وارباب الشركات العامة وشركات الدولة، واعمارهم بين 45 و55 عاماً، واغلبيتهم مقربون من الملك، وقد تخرجوا في المدارس الفرنسية أو الاميركية الكبرى، ومهمتهم قيادة المغرب القديم نحو القرن الحادي والعشرين بشفافية عالية. كما ان هؤلاء هم رؤساء شركات من الشباب، ولد بعضهم في اوربا ثم عاد إلى البلد ليسهم في الارتقاء الاداري للبلد. وكلهم يحلمون بملك يغير البلد "فهو مصلح وليس ثورياً، وهو يعرف بان الوقت امامه ولا يريد خلق عدم توازن في العالم الريفي بتغيرات عميقة" كما يقول نور الدين عيوش، اما (لؤي شمس) فهو احد محركي المجتمع المدني، ومنذ عشرة اعوام أسس (الزقورة) وهي رابطة انشأت آلاف المدارس في الريف ثم وضعت قروضاً صغيرة، وحققت نجاحاً كبيراً، وفي عام 2004 وزعت هذه الرابطة الاموال على (329) الف شخص ومعظمهم من النساء من اجل البدء بمشاريع صغيرة وسيكون عددهن هذا العام (450) الف. وازاء المغرب الديناميكي هذا يتلاشى بلد بارد كان يخشى من التغييرات ويخاف من ان يخسر امتيازاته، هل كان بوسعه ان يكون شيئاً آخر مختلفاً؟ بلد اقطاعي يعتاش على ايرادات المملكة، وقد عاشت المملكة لعدة عقود على نظام الامتيازات غير القانونية وعلى الفساد، وكانت المملكة تواجه مطاليب تدعو إلى التحضر والتمدن والعمل بشفافية، والانفتاح على الخارج، ولم يكن يعرف البعض كيفية التكيف والانسجام مع الوضع الجديد وجمد البعض الآخر التطور عن قصد ولكن مع مرور الأعوام فان النظام القديم الموروث عن الملك الحسن الثاني بدأ يتفكك ويتمزق ببطء لكن بصورة اكيدة وكذلك الحال مع الفساد وفي الأعوام الماضية تراجعت المغرب من المرتبة السابعة والثلاثين إلى المرتبة السابعة والسبعين في التصنيف العالمي للدول الأكثر فساداً في قائمة (الشفافية الدولية) وهو رقم ليس فيه ما يدعو إلى الفخر. ولهذا أصبحت محاربة الفساد اولوية: "فالفساد تراجع قليلاً ولكنه موجود في الاسواق العامة، كما اكد (بشير رشدي) الامين العام لمنظمة الشفافية في المغرب ومع ذلك فان تقدماً مرئياً يمكن التحقق منه، ففي الامس كان احد رجال الاعمال قد اضطر إلى النضال لسنوات طويلة وكان عليه ان يمثل امام العدالة لاستعادة شركة من شريك متنفذ يريد ان يستحوذ عليها، ولكنه في العام الماضي استطاع تسوية القضية في غضون عشرة أيام ويقول: "اتبعت الطريقة الاصولية. وكتبت إلى الحاكم وإلى المسؤولين في الادارتين وفي الحال كسبت القضية من دون ان ادفع شيئاً" كما يقول.. اهو استثناء؟ ربما ولكنه موجود.
كما ان تقدماً آخر يحصل حول ملف حساس جداً ولكنه لم يعد محظوراً هو ملف المخدرات، فتحت ضغط / المكتب الدولي للسيطرة على المخدرات / نشرت المغرب في عام (2003) تقريراً حول تهريب (القنب) في الريف. وكانت الأرقام مزورة، ففي العام الماضي، طالب (ادريس بن هيمه) مدير وكالة تنمية اقاليم الشمال، بالشفافية، واليوم تبدأ مرحلة جديدة وصعبة، فقد عزم (عبد اللطيف جواهري) مسؤول البنك المركزي الذي عينه الملك، على ملاحقة العوائد من الاموال القذرة في البنوك المغربية لتنظيف سمعة البلد واعلن عن تصديه الشديد لذلك لان الفساد يصل إلى أعلى مستوى في المجتمع، وكانت عوائد المخدرات تمثل (10) مليارات يورو في عام 2004 أي 26% من الإنتاج المحلي الخاص، وهذه الاموال يعاد استثمارها في العقارات، ما يفسر ثراء الدار البيضاء وبخطى صغيرة، وعلى الطريقة المغربية، تتحول المملكة في عملية قد تكون نموذجاً فريداً في العالم العربي الذي يتسم بالجمود، ومع ذلك فان شكل التنمية المغربية يبدو غير كاف، إذ ان (15) مليون شاب اقل من عشرين عاماً تهددهم البطالة، ولم يعد امامهم سوى اللجوء إلى اوربا التي تغلق حدودها، أو الجامع وهما طريقان بلا مخرج.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة