المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

صدر عن دار (المدى): مسرح التعزية في العراق


ابراهيم حاج عبدي

يعتبر د.مناضل داود من المسرحيين العراقيين البارزين. تخرج في معهد الفنون الجميلة ببغداد حيث نال، مطلع الثمانينيات، الدبلوم في التمثيل والإخراج. تابع دراساته العليا في أكاديمية المسرح بمدينة سان بطرسبورغ الروسية، قدم عروضا مسرحية كثيرة على مسارح بغداد، ودمشق، واستوكهولم، وكوبنهاغن، ولندن، وبروكسل، وطوكيو، ووارسو...وغيرها من العواصم، وشارك في الدراما السورية ممثلا في عدة مسلسلات، ولديه نصوص مسرحية، في مجال التأليف، قدمت على خشبات المسارح دون أن تطبع في كتب، مثل "مخفر الشرطة القديم"، و"البيت المسكون"..وغيرهما. له العديد من المقالات والدراسات والأبحاث المنشورة في الصحف والدوريات العراقية والعربية.
كتاب "مسرح التعزية في العراق"، هو باكورة أعماله النقدية، ويتناول فيه حدثا تاريخيا دينيا تحييه سنويا طائفة الشيعة، ويتمثل هذا الحدث الجلل في مقتل الحسين بن علي الذي جاء إلى كربلاء قادما من مكة يصحبه أهل بيته وسبعة وسبعون رجلا ليقابل جيوش يزيد بن معاوية التي حاصرتهم على مشارف نهر الفرات ومنعتهم والأطفال من تذوق قطرة واحدة من الماء، فقتلوهم بصورة بشعة، ثم حمل رأس الحسين على الرماح إلى عاصمة الدولة الأموية، آنذاك، دمشق، في حين تساق أخته زينب أسيرة إلى القصر الأموي .
هذه الحادثة التراجيدية التي رويت بأشكال مختلفة، وسردتها آلاف المراجع والمصادر التاريخية، تتوفر على مادة مسرحية ودرامية عالية التأثير، ولعل مشروعية إصدار مثل هذا الكتاب تستند إلى ذلك الانفعال الوجداني الكبير الذي يظهره، بصورة عفوية، من يشارك في هذا الطقس العاشورائي المؤلم، وقد تنبه إلى ذلك الكثير من المهتمين بدراسة الطقوس والأديان والعادات في الشرق، فها هو السير لويس بيلي، وهو دبلوماسي بريطاني عاش في طهران في نهايات القرن السابع عشر يقول: "إذا توجب قياس نجاح الدراما عن طريق التأثير الذي تحدثه على الذين ألفت من أجلهم، أو على المشاهدين الذين تمثل أمامهم، فلا توجد أبدا مسرحية فاقت التراجيديا المعروفة في العالم الإسلامي باسم الحسن والحسين".
ولكن ورغم إقرار الباحث بأهمية هذه الطقوس يتساءل منذ البداية: أين هو مسرح التعزية في العراق؟، أو بمعنى آخر: لماذا لم تتسرب هذه الطقوس إلى المسرح العراقي بالشكل الذي يعكس قيمة هذه الطقوس وأهميتها الدرامية بالرغم من أن ثلثي المجتمع العراقي يتألف من طائفة الشيعة التي تمارس هذه الطقوس بكل وجدانها، وأنتجت مسرحا على أرض الواقع لم نره ـ كما يقول الباحث ـ ولم نجر عليه بحثا أو نستقرئه أو نخص تجربة واحدة فيه. وهو يعزو غياب هذا الاهتمام إلى ثلاثة أسباب، أولها: إن السلطة الرسمية في العراق ومنذ أن تكونت الدولة، هي سلطة طائفية، فقد ابعد الشيعة عن مراكز الحكم، وثانيها: إن عمر المسرح العراقي قصير، ولما بدأ مخرجوه الذين درسوا في روسيا وأوربا وأمريكا بالعمل في المسرح العراقي، قدموا تجارب جاهزة مستوحاة من ثقافة المكان الذي درسوا فيه، ومتأثرة بالمدارس المسرحية الغربية، أما السبب الثالث فيكمن، بحسب داود، في أن اغلب المثقفين العراقيين كانوا وما زالوا يتفادون هذه الطقوس، وذلك نابع، بحسب رأيه، من أن معظم هؤلاء المثقفين ينظرون إلى الإسلام بشكل فوقي متأثرين بالفلسفات الأخرى، وهو يعتبر ذلك نظرة سطحية خالية من التأمل، ودليله على ذلك هو أن الثقافة السائدة لدينا تناست الاشراقات العظيمة في الإسلام، والمتمثلة في التصوف، وإخوان الصفا، والمعتزلة، والقرامطة..على سبيل الأمثلة، مشيرا إلى التأثيرات العظيمة التي تركتها الثقافة الإسلامية على الغرب في عصور سابقة، الأمر الذي يؤكد قوة الثقافة الإسلامية وأهمية الحضارة التي كونتها.
ويلاحظ الباحث أن هذه الطقوس تكاد تتجاوز المعنى الديني لتتحول إلى تعبير عن الرفض للواقع السياسي القائم، وهو ما يكسبها بعدا دراميا جديدا يتجدد مع كل مرحلة، إذ يقول في هذا السياق: "إن إعادة تمثيل واقعة استشهاد الحسين بن علي كل عام في العراق، هي تعبير الناس عن الرغبة في محاكاة الواقعة وذلك لمحاكاة الظروف المستجدة على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية على الوجه الأخص"، وهو يستند في ذلك إلى ما يراه الدكتور فاضل السوداني الذي يقول، بدوره: "ومن المعروف أن التعازي في بداية نشوئها كانت تقليدا حيا لمأساة (الإمام الحسين) بكل تفاصيلها الواقعية، ولكن بمرور الزمن لم تعد طقسا دينيا فحسب، وإنما امتزجت بالحياة السياسية والاجتماعية".
كان الحسين هو المثل الأعلى لهم"، ويؤكد الباحث أن التاريخ يكشف عن أن الطابع السياسي المعارض لسلطة الحاكم في طقوس التعزية ليس بجديد ولم يبدأ في القرن العشرين بل كانت بدايته منذ أن تكونت فكرة التشيع.
ويرى المؤلف أن هذه الملحمة تتكون من مجموعة كبيرة من الشخصيات التراجيدية التي تنطوي مدلولاتها على الكثير من العناصر الدرامية ولا تقتصر الملحمة على الصراع بين الطرفين المتحاربين، فالطرف الأول المتمثل بالحسين وأصحابه آمنوا بالقدر المكتوب وهو الاستشهاد من أجل المبدأ، يعيشون مع الطرف الآخر صراعا يتمثل في العطش وخاصة عطش الأطفال ومن ثم حماية النساء، وهو صراع من اجل البقاء، لقد كان الحسين ينادي: أنا ابن بنت نبيكم فكيف تقاتلونني؟ ولكنهم يطلبون منه مبايعة يزيد الأمر الذي يرفضه ويفضل الموت عليه. أما الطرف الآخر فيعيش صراع الندم والشعور بالإثم بعد مقتل الحسين فيزيد لم يستطع تحمل رباطة جأش زينب أخت الحسين وشجاعتها، ولا المنظر المرعب لرأس الحسين مقطوعا أمامه ـ وهذا كان طلبه ـ فسمح لهم بالعودة إلى مكة ونرى الناس تستقبلهم بالعويل والبكاء وشعور بالإثم على عدم مناصرتهم الحسين، وكأن هذا البكاء المتجدد إلى يومنا هذا عملية (التطهير) بذاتها.
وسعيا من الباحث إلى إغناء بحثه، فانه يذهب إلى مناقشة قضايا، ومحاور تتجاوز موضوعة البحث، فهو يخصص فصلا للحديث عن دور النبوة في تأسيس محبة الحسين، ويتفرع من هذا الفصل عدد من المواضيع الثانوية هي "نصوص التعزية"، و"البطل التراجيدي من تموز إلى الحسين"، و"الباحثون عن المصير"، كمل يتناول الباحث في فصل آخر "المسرحية الدينية في القرون الوسطى وعلاقتها بالتعزية"، وفي هذا الفصل يشرح الباحث معاني كلمة "تراجيديا" ذات الجذر الإغريقي، ويتوقف عند أهميتها ودلالاتها المسرحية والدرامية، ولأن مفردة الطقس غالبا ما تترافق مع إحياء ذكرى الحسين، إذ يقال "طقوس الاحتفال بذكرى عاشوراء" أو شيء من هذا القبيل، فان الباحث يسهب في بحث مستقل في شرح معنى هذه الكلمة، وهو يقول في هذا السياق بان "الطقس هو تكرار لفعل إنساني من نتاج الجماعات البشرية يتكون إيمانا من هذه الجماعات بالتماهي مع الأجداد"، وهو يدرج تعريفا للناقد ج.ل.ستيان يقول فيه ان "الطقس هو عمل شعائري مقدس. وهو عادة تعبير منظم عن تقاليد راسخة تتعلق بمعتقد ديني أو سلوك اجتماعي"، كما يتناول الباحث في هذا الفصل الزمن في التعزية، والمراسيم، والجوقة في التعزية، والدلالة في طقوس التعزية.
وفي الفصل الثالث والأخير يشرح الباحث طبيعة التعزية في الثقافة المعاصرة، ويتوقف في هذا الفصل لدى طقوس عاشوراء، ومجالس التعزية ويخص بالحديث المجالس الحسينية، والمواكب واللطم لدى الرجال والنساء الذي يعد شعيرة رئيسة من شعائر هذه المناسبة الدينية، ويختم الفصل بحديث عن التعزية في تجربة المسرح الأوربي المعاصر.
تلك هي بعض العناوين العريضة في هذا الكتاب الذي يدرج الباحث في آخره مجموعة من الصور التي تعبر عن طقوس عاشوراء، كما يضع ثبتا بمراجع ومصادر عديدة يستند إليها، وهو يقم مادته هذه بلغة سلسة بعيدة عن الرصانة والمنهج النقدي الصارم، كما يقدم شهادات وأمثلة لباحثين ونقاد برزوا في مجال مسرح التعزية، ولئن بدا أن الموضوع لا يستحق أن يناقشه بحث في كتاب مستقل، فان ما نقرأه في الغلاف الأخير مما قاله بيتر بروك ينفي مثل هذا لانطباع، إذ يقول بروك: "شاهدت في قرية إيرانية نائية شيئا من أقوى الأشياء التي شاهدتها في المسرح في أيما وقت مضى"، وهو بهذا يشير إلى الطقس العاشورائي الذي أثر في نفسه، مثلما أثر في نفس الباحث مناضل داود الذي عاش وترعرع في ظل هذه الثقافة، وشاهد كيف أن هذه الطقوس تمارس عندما كان طفلا، ولم يكن يستوعب ـ بمعايير طفولته الساذجة ـ شيئا مما يجري أمامه، وعندما كبر ودرس المسرح عاد إلى دراسة تلك الطقوس ونقب في دلالاتها، ورموزها، وألغازها، وتفاصيلها الغامضة، وقدم هذا الكتاب الذي يعد إضافة مهمة إلى المكتبة المسرحية العربية التي تفتقر إلى مثل هذا النوع من الدراسات، ولعل ميزة هذا الكتاب الرئيسة تتمثل في سعي الباحث إلى إماطة اللثام عن حدث تقليدي سنوي يتكرر منذ عدة قرون، غير أن أحدا لم يلتفت إليه ولم يناقشه، ومن هنا فان أهمية الكتاب تكمن في إعادة الدهشة إلى حدث صار مألوفا وعاديا نتيجة حضوره الطاغي وتكراره واستمراره.


في ذكرى وقوفه على المسرح للمرة الاولى .. يوسف العاني المعلم الضاحك

د. عواطف نعيم

يا سيدي المعلم الجليل، سؤال يحيرني لطالما حاولت اغفاله، الا انه ينبري لي مواجها، مشاكساً، واخزاً، المسرح ذلك الساحر الذي احببناه وتولعنا به ، هل يقبلنا دون حرية؟؟ الرابطة فتية ما بين الاثنين المسرح والحرية، كلاهما يمنح الاخر زخمه وفعاليته، كلاهما يضيء الاخر ويغذيه، هل يمكن للحرية ان تتوارى عن خشبة المسرح؟ وهل يمكن للمسرح ان يقدم رؤاه الجمالية والفكرية وهو يخضع لمقاييس المسطرة والخطوط الحمر والتابوات المتكلسة؟؟ هل يقبلنا المسرح حين نكون ادوات تابعة مقلدة ناسخة، خائفة؟ حين تنطفئ الروح كيف للجسد ان يشمخ؟ المسرح فكر ثوري ورؤى منفلتة وصدام مع الثوابت المتخشبة والمحاذير المعوقة. الحرية ثوب المسرح، ضوعه العابق، وهجه الساطع، نسغه الحي، ولان الحرية والمسرح توأمان يكمل احدهما الاخر، كان علينا ان نحب الحرية، ان نعتنقها ونتمسك بها، ان نكون احرارا كي نتعلم كيف نحيا، كيف نبدع، كيف نعطي. ياسيدي الجليل برغم كل ذلك الذي قلت ما زال السؤال يحزنني هل يقبلنا المسرح دون حرية؟ دون ذلك الاحساس النابض في عمق ارواحنا، المتجذر في تشابك زرقة شراييننا، المتوسد في حدقة اعيننا، واي مسرح عقيم ذاك الذي لا تمرد يضج فيه ولا رفض يتشظى بالسنة من لهب داخل فضائه ولا صرخات احتجاج تتقادح بين كواليسه؟ هو ما تقول سيدي الجليل لا خير في مسرح كل ما فيه ساكن وخانع، اوليس هذا ما علمتنا اياه في مسرحك العتيد (الفن الحديث)؟ اذن هما صنوان لا يفترقان: الحرية والمسرح، الحرية تفتح ابواب الحلم وتطلق سحر الرؤية والمسرح يمنحها اجنحة التحليق والتألق. ابتسم يا معلمي الجليل فنحن نعرف سر الاجوبة ولكن ليس كل الاجوبة، فمن الاجوبة ينبري سؤال جديد يدفعنا للنظر فيما حولنا، فيما يدور امامنا، بيننا، ان كانت الحرية والمسرح مثل سماء شمسها ثابتة، فلم نشيخ يا سيدي الجليل؟ لم ننكمش وتذوي ارواحنا، ويتسلل الخراب وئيداً فينخر جدران مسارحنا؟؟ ويدب الفساد ليطفئ نور يقظتنا؟ نهرم يا سيدي ويهزمنا التكلس ويتمطى في فضاء مخيلتنا الخوف؟ ابواب احلامنا مغلقة والنوافذ ستائرها الحديدية مسدلة والعتمة تعبث هازئة بنا؟؟ ابتسم ياسيدي الجليل، ثمة قلب ينبض ويتعالى مبدداً الصمت الواجف، صمت كلكامش يبحث عن خلوده في عالم البشر، اذن ما زالت في الروح بقية، وفي الرافدين عناق فجر يطل!!


دراما شعبية..اسمها يوسف العاني

علاء المفرجي

في اواسط السبعينيات، وفي امسية صيفية، كنا مجموعة من الطلبة نخف الى حديقة نادي التعارف، يوم كان هذا النادي مكاناً لأهم النشاطات الثقافية في بغداد.. والمناسبة أمسية يتحدث فيها يوسف العاني عن تجربته.. تكتظ الحديقة بضيوف الامسية، الذين لم تستوعبهم مقاعد الحفل، فقضوه وقوفاً، اما نحن فقد اعتلينا جدار النادي لنتابع تفاصيله.
هانحن اذن نحظى بلقاء يوسف العاني، وهذه المرة بشكل مباشر، لا عن طريق شاشة السينما او التلفزيون او خشبة المسرح، بالنسبة لي لم يكن يوسف العاني بالغريب.. فلطالما صادفته في ازقة الكرخ بلبوس اكثر من شخصية عايشتها في هذه المحلة العريقة.. ومنها والدي القريب الشبه منه.
اعتاد يوسف العاني ان يقتطع من التقويم يوما بعينه، يوقد فيه شموع الاحتفال، والغريب انه ليس يوم ميلاده.. اما التاريخ فهو الرابع والعشرون من شباط.. ففي مثل هذا اليوم قبل اكثر من ستين عاما، اعتلى العاني خشبة المسرح اول مرة، مؤرخا ولادته الحقيقية، ولادة مسرح عراقي اكتسب ملامحه المميزة وخصوصيته وتقاليده مع رهط من المسرحيين لينهضوا به متبوئاً مكانته العربية والعالمية، وهل لمؤرخ او دارس لمسيرة هذا الفن ان يغفل بصمات هذا الفنان الذي نذر نفسه متعبداً في محرابه؟
يوسف العاني ذاكرة جيل اشهر حبه للفن عند تخوم زمن كانت المجاهرة فيه لعنة، والعمل فيه خطيئة تستحق الرجم، فكيف اذا امتشق هذا الفن سيف التحريض والتغيير؟
ما زالت كلماته في تلك الامسية وهو يرد على من يدعي خروج المسرح عن جادته في الاذهان وهو يقول: ان المسرح العراقي بدأ ملتزماً وسيبقى.
فنان متعدد الاهتمامات، ذلك ان الفنان الحقيقي يسعى الى بلورة تصوراته بطرق عدة، فيكون شديد اليقظة مع وجود طاقة شديدة وحالة عالية من التوتر والاستثارة تدفعه الى المواصلة والاستمرار برغم العقبات ... مسرح، سينما، تلفزيون، كتابات نقدية يمارسها، وفي الافق هدف سام يأمل الامساك به من (سوق حمادة) في الكرخ ولم تنته المحاولة بعد.
يوسف العاني عالم تنوعت تضاريسه، وويل لرحالة يجوب فيه لا يتزود بمتاع الموضوعية والانصاف كي يستكشف غناه وعمقه ليخرج بخريطة تزدحم فيها الخطوط والمنحنيات بين مسرح رأس الشليلة، والبيك والسايق والنخلة الباسقة التي يتلذذ من طعم رطبها الجيران، وسينما سعيد افندي وابو هيلة، ويوم يوسف شاهين السادس، مروراً بالتلفزيون حيث ثابت افندي ورائحة القهوة.. وكتابات تناثرت في زوايا الصحف والدوريات تؤكد عمق التجربة ونقاء الانطباع.
واخيراً سفيرا تأبط اوراق اعتماده جوالا فوق العادة في المؤتمرات والملتقيات، ومتوجا كرائد من رواد المسرح العربي والافريقي في قرطاج.. صداقات وعلاقات كانت جسر محبة مع ملل واجناس مختلفة.
يوسف العاني في 24 شباط دراما شعبية وعملة صعبة جديرة بالمحبة والتذكر.


العمل الثقافي العراقي بين الجمعيات وسلطة الثقافة

زياد مسعود

هل يكفي انشاء الجمعيات الثقافية المتعددة الاتجاهات والاشكال لاثراء الحركة الثقافية في البلد؟ هل تستطيع هذه التجمعات الثقافية الكثيرة التي تأسست بكل حرية في مدن العراق بأسره ان (تعدل المايل) وتحقق نهضة ثقافية على صعيد الابداع في الكتابة السردية والشعرية والمسرحية وفي العمل التشكيلي والاذاعي والتلفازي والسينمائي واطروحات الـ(نت) الجديدة؟ ليس المقصود في هذه الخاطرة استفزاز احد او محاولة لوضع العصي في الدواليب المنطلقة والمنتجة والتي تقيم صباحية هنا وامسية هناك ومحاضرة في هذا المكان ونقاشا حيويا في مكان آخر ويقينا ان جو الحرية والانعتاق وحسن النوايا وصدقها قد شكل بمجموعه نقاط انطلاق لحياة ثقافة اكثر نجاحا في هذا البلد ضمن مجموعة الخطط التي رسمها المثقفون المشرفون على هذه الجمعيات ولكن اين هي دلائل هذا النجاح؟ هل هي في اقامة امسية استذكارية لشاعر راحل او فنان عائد او عرض لكتاب منتج حديثا ام في اقامة معرض تشكيلي لمجموعة من الفنانين ؟ الا نعتقد جميعا ان اعمالا من هذا النوع لا بد من ان تكون في أي بلد ولا تشكل ظاهرة استثنائية او تكرس للجديد او التجديد او لترك اثر قد يغير من طبيعة حركة الثقافة التي نجدها متشظية بين مجموعة من (الارادات) الرسمية والشعبية، و(الشعبية) هنا تمثلها مجاميع الادباء والفنانين الذين يعملون في اطارات هذه الجمعيات وخارجها.
مثقفو هذه الجمعيات معظمهم خارج مركز القرار الرسمي وهم لم يستطيعوا التاثير في مجرى الانتاج الثقافي الرسمي (كتب ـ افلام ـ تظاهرات ثقافية... الخ) رغم ان المؤسسات الرسمية قد استعانت ـ والحق يقال ـ بعدد منهم في عمليات الاستشارة او العمل المشترك لكن الخلطة لا تزال غير رائقة ولا تفضي الى الوان محددة وماتم بعد انعقاد المؤتمر الثقافي العراقي الاول وما اتخذه من قرارات لم يفعل ولم ينتج غير عدد من الجمعيات الجديدة التي اخذت على عاتقها زيادة عدد الفعاليات الثقافية والمنابر.
صحيح ان مجلات جديدة قد ظهرت ومؤتمراً سينمائياً ناجحاً قد انعقد ونشاطات اخرى ـ هنا وهناك ـ تحصل لكن كل ذلك لم يراكم اعمالا تنقل الواقع الثقافي نقلة موضوعية جديدة، اين هي مراكز البحوث ومراكز الدراسات الجديدة المنتجة واين هي تجربة المجلس الاعلى للثقافة والفنون واين هي شروط الاتصال العملية بين الجامعات والمثقفين واين هي مشاريع التنوع الابداعي وضوابط وقوانين تمويلها ، واين هي مساعدات اليونسكو والالكسو للمثقفين والمبدعين العراقيين ومتى نبدا بتنشيط العمل الموسوعي لمختلف الوان الثقافة العراقية وكيف يمكن ان يزدهر ادب القوميات العراقية وكيف واين ايضا امور اخرى؟
كل ذلك لا يمكن احتسابه كمهمة على هذه الجمعيات ولا على سلطة الثقافة الرسمية ولكن بناء جسور الثقة والتعاون بين الطرفين وايجاد كوادر متفهمة للواقع الثقافي لها تجربتها وخبرتها التي تستطيع التفاعل مع الافراد والجماعات كفيل بانضاج مشاريع ثقافية عراقية استراتيجية تبني للمستقبل وتنتج لليوم المثقل باعباء الوطن الكثيرة والكبيرة شرط ان تتحرك الدافعية الوطنية العامة لا دافعية الرغبة الذاتية والله الموفق لسواء السبيل.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة