ثقافة شعبية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

رسالة ميسان الثقافية: بدعم من المجلس العراقي للسلم والتضامن وبعض المنظمات الثقافية .. الملتقى الثقافي الفصلي الاول يعقد في العمارة

ميسان/ محمد الحمراني
عقد في مدينة العمارة الملتقى الثقافي الفصلي بدعم من المجلس العراقي للسلم والتضامن فرع ميسان وبعض المنظمات الثقافية منها :اتحاد ادباء ميسان، رابطة حوار الثقافية ومؤسسة الهدى للدراسات ابتداء من يوم 20 واستغرق ثلاثة ايام. الشاعر جمال الهاشمي رئيس اتحاد ادباء ميسان قال: ان اقامة هذا الملتقى يأتي فرصة لفتح حوار موسع حول الثقافة في البلد والمحافظة بصورة خاصة.. والسعي الى تكاتف الجهود في القضاء على السلبيات التي تعيق تقدم الثقافة.
الباحث حسين جلوب الساعدي المشرف على مؤسسة الهدى للدراسات قال:
ياتي هذا الملتقى من اجل ايجاد فرصة للحوار الثقافي ومعرفة سبل النهوض بالعملية الثقافية في المحافظة.الناقد صادق ناصر الصكر رئيس رابطة حوار الثقافية اوجز كلامه عن اهداف الملتقى قائلا: نحن نعتقد بان المشهد الثقافي في ميسان يعاني من ركود مروع..وهذا الملتقى محاولة اخرى لن تكون الاخيرة لتهشيم ذلك الركود.
اليوم الاول
أبتدات فعاليات الملتقى بكلمة رئيس فرع المجلس العراقي للسلم والتضامن فرع ميسان الاستاذ (نصير جاسم الخفي) و جاء فيها: ( ينعقد هذا الملتقى لضرورات يستشعرها المثقفون وغيرهم من النخب السياسية والعلوم والاجتماع.مخاطر حقيقية ومخيفة في أن واحد .تتطلب من المعنيين وقفة جادة وصريحة للدخول في حوار مع الجميع حول ضرورة الخروج من هذه المخاطر. ونسعى جميعا لاشاعة لغة الحوار لنخلق لها اكثر من منبر. واضاف: هذا الملتقى سيكون بمثابة حفل للالتقاء والتناظر وتصحيح نظرتنا الى القيم الثقافية.
وبعد هذه الكلمة قدم الباحث علي حسن هذيلي قراءة في تجربة رابطة حوار الثقافية حملت عنوان (ولكنها لاتدور) جاء فيها: ( اذا كانت الثقافة هي كل مايصدر عن المجتمع فاننا مضطرون للاخذ بالمفهوم الغرامشي لها ..اعني (ان كل الناس مثقفون)ولاداعي لافتراض البعد التاريخي باعتباره عنصرا ضروريا ومكونا اساسيا في الثقافة لان مايصدر عن الانسان سواء كان راهنا ام تاريخيا هو ثقافة اذا اخذنا بالتعريف اعلاه.
كل ما هنالك ان غرامشي يقسم المثقفين الى تقليدي ولاتقليدي.التقليدي هو الذي يجتر حكمة القدماء..انه مثقف (يسقط الماضي على المستقبل ويتذكر المستقبل) واللاتقليدي هو الذي سيعيد النظر بالمقولة التي تؤكد ان الانسان عاجز عن استعمال ذهنه دون الاستعانة بالاخرين). وكذلك اكد علي حسن هذيلي في ورقته على عجز المثقف أمام سلطتي الدين والعشيرة التي تعتمدا الاقصاء وعدم احترام الرأي الآخر وتعلقها بالاساطير وكذلك تطرق الباحث الى دور رابطة حوار الثقافية في ميسان ونظرتها للثقافة ومشروعها بين الروابط الثقافية التي انبثقت بعد مرحلة مابعد الدكتاتورية. وبعد ذلك جاء دور الباحث حسين جلوب الساعدي والذي حمل عنوان (النهوض بالواقع الثقافي) وتطرق الباحث في محاضرته الى العمل الثقافي خلال السنوات الثلاث الماضية فقال ان اغلب الاطروحات الثقافية كان يغلب عليها الطابع الحزبي والاحادي التفكيروبعض المشاريع الثقافية حملت شعارات ارتجالية وفوضوية وبعضها استخدم الدين غطاءً لتمرير افكاره وكسب البسطاء من الناس وكذلك تحدث الباحث عن الاهمال الذي تتعرض له الثقافة العراقية لانها وضعت في الخانة الاخيرة من اهتمامات الساسة العراقيين وعدد بعض النقاط التي اعتبرها اداة لخلق صورة جديدة للثقافة العراقية ومنها: احترام التعددية الثقافية وانتاج بحوث وكتب تعرف بالحضارات التي وجدت على أرض بلاد مابين النهرين، التخطيط لمستقبل الثقافة العراقية وفق رؤى علمية حديثة ونبذ انماط التفكير القديمة التي كانت تسيطر على الشارع الثقافي في العراق.وبعد هذه المحاضرة اعلن رئيس الجلسة الاستاذ امجد كاظم فتح باب الحوارات ...وتمت الاجابة على العديد من الاسئلة التي كانت تدور في خلد بعض الحاضرين.
اليوم الثاني
ابتدت جلسة اليوم الثاني للملتقى ببحث الدكتور حسين جبر المالكي والذي حمل عنوان: (مستقبل الجامعات في ظل المتغيرات الدولية) وتحدث البحث عن دور الجامعات وضروة ان تتفهم المتغيرات الحاصلة في الثورات الثقافية الجديدة واكد في بداية بحثه على ضرورة ان يخرج الاساتذة الجامعيين من عزلتهم ويؤدوا دورهم الثقافي ازاء مجتمعاتهم وقال الباحث ان المؤلم في واقعنا العربي يظهر في الاستفتاء الذي اقيم مؤخرا عن افضل الجامعات في العالم وكانت نتائج البحث ترجح كفة 500جامعة لم تكن من ضمنها أي جامعة عربية، وعدد الباحث بعض النقاط التي يعتقد بأنها ستسهم في دعم الجوانب الثقافية في الجامعات ومنها:
1- ان تسعى الجامعات الى خلق كوادر ذات اختصاصات فاعلة في المجتمع وتنتج خريجين لا يصبحون عاطلين عن العمل.
2- المساهمة في حل مشكلات المجتمع من خلال البحوث والدراسات ذات المعطيات الثقافية.
3-تناغم الجامعات مع القطاع الخاص والتفاعل معه في تعزيز دورها.
3- القضاء على مشكلة ضعف التمويل.
وعن مشكلة التمويل تحدث الدكتور المالكي عن بعض الاحصائيات فقال: ان عدد الجامعات في الوطن العربي هو(3400) وهو يقترب من عدد الجامعات في امريكا، فامريكا وحدها توجد فيها (3500) جامعة وكلية، كما يوجد فيها (2500) مركز بحثي وتنفق امريكا (25) مليار دينار سنويا على التعليم. وقارن بين الجامعات الامريكية والعربية فقال: ان الجامعات العربية تنفق سنويا مبلغ واحد بالمئة على التعليم .واضاف: ان الجامعات العربية بحاجة الى (9) مليارات للنهوض بواقعها ولتصبح بمصاف الجامعات العالمية. وبعد انتهاء ورقة الدكتورحسين جبر المالكي اوعز الشاعر حامد حسن الياسري الذي ادار الجلسة الى الناقد محمد قاسم الياسري لقراءة ورقته التي حملت عنوان : (العنكبوت الثقافي) وكانت الورقة ذات منحى حكائي نقدي تحدثت عن اختفاء بعض الاشخاص من اهالي محافظة ميسان داخل مغارة ومضت على نومهم سنوات طويلة وحين استيقظوا ارادوا البحث عن مدينتهم فلم يجدوها ولم يجدوا اهلها وجدوا كل شي كأنه قادم من المستقبل المعولم.
( لم نهدر وقتا ثمينا في التجوال بحثا عن الغرائب والايثارات وبنظرة بكر غير مشوشة عرفنا ان الشوارع واسعة والسيارات فارهة وتعمل بوقود نظيف ،والناس موفوري الصحة ،أقوياء رجالا ونساء ،أطفالا وكهولا يتكلمون لغات حية عدة الا اللغة العربية ) بهذا السرد انتقد الياسري محيطه متناصا مع قصة اصحاب الكهف المذكورة في القران الكريم وكذلك مع الحكايات القديمة التي تعتمد الوعظ او الانتقاد بطريقة رمزية.
اليوم الثالث
تركزت فعاليات اليوم الثالث وهو آخر ايام الملتقى على ورقة الاستاذ جميل جبار التميمي نقيب فناني ميسان والمعنونة : (تفسير الواقع من خلال تفسير الحقائق) وجاء في هذه الورقة ان المثقف المستقل الان هو ضحية واقع مخجل ورجعي ومرير وعلى الساسة العراقيين الجدد ان يلتفتوا الى هذه النخبة الواعية ويمنحوها شيئا من اهتمامهم. ثم القى الناقد صادق ناصر الصكر بحثة المعنون (نقد الجهل المحض_ مقال عن الجرائم الثقافية في ميشا) وميشا هي رمز لميسان. وجاء في المحاضرة
: ( ان الثقافة المكتوبة والمرئية في ميشا ،ومع تعاطفي مع مخاتلات منتجيها ،هي ثقافة الخوف من التكفير والنبذ والاقصاء لأنها لا تدون سطرا واحدا قبل ان تفكر بالكثير من العواقب ولهذا ترى ان الكاتب والشاعر والمسرحي والقاص والاعلامي والمورخ والباحث لايكتب شيئا عن عيوب الراسمال الترميزي الطافح في انماط المخيال والسلوك الجمعي في ميشا ولذا فان الاشتغالات تتمحور حول نصوص الحياد او الغموض او اذا استلزم الامر الاستغراق ربما دون وعي في محاولات تجميل القبيح).
في الختام قرأ الاستاذ علي الطرفي مسؤول اللجنة الثقافية في المجلس العراقي للسلم والتضامن فرع ميسان البيان الختامي والذي ركز على بعض التوصيات منها: تكليف لجنة لمتابعة المشهد الثقافي في ميسان ،اقامة جسور مشتركة بين الروابط الثقافية والجامعات في ميسان،التاكيد على طبع البحوث المشاركة في الملتقى،أصدار مطبوع خاص بثقافة محافظة ميسان،بناء نصب تذكاري للمبدع في احدى الساحات الكبرى في مدينة العمارة،الاهتمام الفاعل بالثقافة النسوية.


التناغم الموسيقي في أعمال الفنانة عفيفة لعيبي
 

كريم النجار

ترسخ الفنانة عفيفة لعيبي نهجها الواقعي، ورومانسيتها الحالمة في مجمل رسوماتها التي تعتمد على صفاء اللون وقوة الإيحاء وصرامة في التنفيذ، معتمدة في ذلك على خزينها الفكري والذوقي المتراكم عبر تجربة فنية أشتغلت عليها منذ مطلع سبعينيات القرن المنصرم وحتى اللحظة.
في معرضها الشخصي الرابع الذي تقيمه على صالة (
DE TWEE PAUWEN) للفترة من 18/2 وحتى 26/3/2006 في مدينة لاهاي الهولندية، بعد سلسلة معارض اقامتها في ايطاليا ومدن هولندية واوروبية اخرى لاقت صدى واهتماماً واسعاً من قبل الوسط الفني الاوروبي والعربي، حيث باتت مفرداتها معروفة للمتلقي المتابع، لكن ما يثير الدهشة في اعمالها الحديثة هو الاصرار على التجديد في شكل اللوحة، ودفق الامل المتواتر من عمل لآخر، أضافة لتوظيفها عناصر الطبيعة المحيطة بالانسان والمكونة فلسفة حياته وقيمة وجوده.
ولعفيفة لعيبي أسلوبها الابداعي الخاص والذي يميزها عن باقي الفنانين العرب تنامى عبر دراستها للفن والاطلاع على التجارب عن كثب في كل من العراق وروسيا وايطاليا، ومن ثم هولندا. كل ذلك أضفى بميسمه على لوحتها الواقعية بخطوطها التعبيرية الحاذقة في أختيار اللقطة المناسبة والاعتناء بأدق التفاصيل.
عالمها يضج بالحياة المتأملة ونساؤها حالمات، ثمة صفاء وسكون وموسيقى هادئة منسابة عبر شخصياتها التي تتمثلهم برقة وحنو إنساني وثمة تأثيث للخلفية (الباكراوند) حيث يلعب ذلك دوراً مؤثراً في مشهدية اللوحة وكأنه قطعة مستلة من عالم مسرحي أو مشهد سينمائي غريب.
فرضت عفيفة لعيبي وجودها بقوة كفنانة رهيفة الاحساس منذ بواكيرها الاولى، واتخذت اعمالها منحى خاصاً بانحيازها الكبير تجاه المرأة وموضوعها الشائك والواسع الذي يخص وجودها بكل مرموزاته المثيولوجية والواقعية والحسية.. فالمرأة لديها هي صندوق الاسرار الذي حين ينفتح تنفتح معه الاسئلة الوجودية على سعة الكون، وحين يشرق وجه المرأة تلتمع الاسارير وتنفتح الحياة على سعة افقها، التقلبات في أطوار المرأة تنعكس على الواقع بكل تجلياته وغموضه ومفاجآته.
نساء عفيفة لعيبي بفتنتهن واجسادهن الممتلئة الفارهة، أجساد هائمة في نغم الروح وجنة الحياة التي تأملها، فهي تفترض عالمها الذي لا يشبه حياتنا البائسة المعاشة، تتراقص فيه اشعاعات اللون وصدى الناي ونثار الغيوم والطبيعة بكل صفائها وثمارها وسكناتها، وفي الوقت ذاته يتصاعد داخل مشهد اللوحة بناء درامي لحدث ربما يخيل للرائي أنه متوقف الزمن، بل هو على الضد من ذلك ينبض بالحركة المتمثلة بالمفردات والاكسسوارات العديدة التي تؤطر فضاءه.
لكن الحيرة في اعمالها هو ذلك الوجوم المرتسم على بعض وجوه شخوصها رغم العافية الطافحة على تفاصيل الجسد، ثمة نظرة مخادعة نحو جهة غير محددة، نظرة فيها قول وايحاء وتأمل، لا يكسر سكونها سوى خلفية المشهد المرسوم بأناقة وعناية فائقة.
لقد استفادت الفنانة كثيرا من أجواء الواقعية الروسية بتضخيمها تفاصيل الجسد والبناء الهارموني، لكنها تعمدت التغريب في رسم المشهد الخلفي، ومن الكلاسيكية دقة التلوين وحدته وبشكل خاص على الثياب والشجر وعناقيد العنب التي تكررت كثيرا في اعمالها السابقة، لتعطيها بعدا رمزيا على الشفافية والحنو والرقة.


ألا يعتذر الخاكيون ...؟

عبد الكريم هداد

ما يشدني وأنا المتواصل في متابعتي لكتابات الشاعر العراقي " عباس خضر " نتاجه الشعري ، هو تجربته الغنية والخالية من ملوثات ثقافة أروقة السلطة القمعية ، التي جارت على تاريخ شعب وأمة وجغرافية المنطقة بأكملها، وفعل خيراً في كتابه الأخير والصادر عن دار الجمل عام 2005، والمعنون " الخاكية، من أوراق الجريمة الثقافية في العراق " وقد وفق في مسعاه في إشهار اللون الخاكي، الذي هو لباس عسكرة الحياة، التي هب لها الكثير من متطوعي ثقافة إعلام تعبئة الجماهير وإستلاب إرادتها الحرة، في إصرار وزهو كبيرين. فقد كان هؤلاء المطبلون جحافل من الكتاتيب الممتلكين لأرادة إبداعية إستطاعت تأصيل فعل ثقافي يؤتمر بمبتغيات سلطة الحزب الواحد، في سياق حركة يومية متراصة في إيقاعها الأعلامي، الى درجة التزاحم والتسابق في الأداء، حيث زاد عن حاجة المهرجانات التي إرتفع صخبها على هدير آلة الحرب والقتل اليومي ، فالحروب لم تكن "يوما صراعا بين دولتين فقط، إنما صراع قيم داخل المجتمعات المتحاربة، ولا بد هناك اختلال في المعنى الإنساني عندما يصبح قتل الآخر انتصارا وطنيا وموته شهادة وطنية للجانب الآخر، وبالتبادل ، ويصبح الأمل الإنساني هو أن يتحول الفرد إلى قاتل ، صاحب سلطة اسمها السلاح موجهة إلى صدر الإنسان! " - ص 15.
إن هذه النخبة التي تمتلك الدراية والحرفية في إنتاج الثقافة " وقفت خلف الحرب ومجدتها بأوسع الكلمات والرموز تنظيرا وأدبا وفنا، و من يومها لم يعد هناك فرق بين" البندقية و القلم "، فلهما حسب تعبير صدام حسين" فوهة واحدة"، هذه العبارة" للقلم والبندقية فوهة واحدة" التي كانت تقابل الطلاب على أغلفة الكتب المدرسية، وبقية الشعب على كل جدار وحائط وعمود، خُصص الأدب والفن العراقي ليكون تكريسا لها، تجنيدا إجباريا، بحيث كان على بعض الأدباء ارتداء الملابس الخاكية (العسكرية) أو الزيتونية (البوليسية) والمشاركة في المهرجانات والمنتديات " - ص 17.
لكن المضحك المبكي في الأمر هو إن الكثير من هؤلاء اصبحوا ينظرون لأنفسهم على صرح بطولات وهمية، والعديد منهم من بات اليوم له مشجعون داخل أحزاب شهدت ساحات المعارضة لثقافة السلطة وأفكارها الشوفينية " وما يضحك في هؤلاء المثقفين، ما نقرأه الآن لبعضهم من حوارات في الصحافة والإعلام، وهم يدّعون (معارضتهم للنظام العراقي ) من خلال الصحافة البعثية وقتذاك، وإن كانوا من (كتبة السلطة الرسميين)، ولم يكن- على سبيل المثال- لقاء لطفية الدليمي مع قناة الجزيرة بأكثر من سخرية حقيقية، وهي تقول لمقدم البرنامج أنها تكتب وتنشر بحرية كاملة في عراق صدام حسين!" - ص 27. وكثيراً ما يدعونا الأمر الى الدهشة والأستغراب حين يكون الأمر واضحاً أمام الملأ ومن دون خجل أيضاً. وبدل أن يعتذروا مما إقترفوه من فعل موثق ، أخذ الكثير منهم ، دور البطولة وجوائزها العارية الوقع والواقع. وما يذكره الكاتب في بحثه الذي يدل عن دراية وجهد جهيد في متابعة الموضوع وإلمامه به ، بحيث لم يفوت الفرصة على أولئلك الخاكيين، وقد ذكر "وليس بحالة عابرة أن تطل علينا في جريدة بغداد(15تموز 2004 ، العدد 833) شاعرة استرالية تدعى آن فيرين بقصيدة" ما بين الروح والروح" مهداة للشعب العراقي و إياد علاوي، وقبلها بسنين وتحديدا في مهرجان المربد السادس 1985 (كتاب المربد للعلوجي، ص 313ـ314) طلت على العراقيين وباسم آن فيربرن وبقصيدة(ما وراء الكلمات)، وربما كانت قصيدتها مهداة إلى الشعب العراقي و صدام حسين!. وليست قصيدة كزار حنتوش للحزب الشيوعي العراقي في تموز 2004 التي تصدرت صفحة طريق الشعب( العدد 52) والتي لا تختلف عن لغة ومفردات مديحه سابقا لحزب البعث، هي مجرد حالة عادية، وكأنه لا يوجد غير المديح !. وليس بحالة عادية وطبيعية قول بعضهم إن شعر الحرب الذي كتبوه يشرفهم، لأنهم كتبوه على دبابة" - ص 46 ـ 47 . ومن الأمثلة التي تدعونا للوقفة والبحث والتساؤل بما تعج به صحافة محرري المحسوبية والموائد . ومنها " هو ما حدث بعد 9 نيسان من تلميع وتجميل لأغلب من كانوا يرقصون في إعلام السلطة الراحلة، وإعادة تأهيلهم ليرقصوا ويسيطروا على إعلام اليوم، و الأدباء الصامتون والمتوارون في زمن الطاغية كما كانوا بالأمس مهملون اليوم على كرسي في مقهى أو دفنا في عمل لا يرتبط من قريب أو بعيد بعملهم الحقيقي، وما حدث مع أدباء المنافي من العراقيين هو من الكارثة ذاتها فقد شاهدنا أن كل أديب عراقي كان له حضور في إعلام السلطة السابقة وهجرها إلى المنفى، ثم عاد بعد 9 نيسان تم الاحتفاء به بطريقة الأبطال العائدين من قبل رفاقه في الصحف والإذاعة والتلفاز، وكذلك القادم مع حزب أو دبابة! " - ص 47 . وقد كان الشاعر عباس خضر موفقاً في تغطية الكثير من الأسماء ، التي أخرجت لنفسها سلسلة من مشاهد البطولات وعلى طريقة عنتريات أبناء العوجة ، في زمن كانوا هم العلامة الفارقة لوزارة الثقافة والأعلام ، حين كان القتل والحروب والمسخ والتأليه والتزوير هو إيقاع الجميع بكل قوافيهم المنشورة بوسائل إعلام المنظمة السرية، وقد قدموا ما أرادته قرارات وقوانين مكتب إعلام وثقافة حزب البعث الذي يدير كفة إنتاج الأفكار ومسخ الذاكرة العراقية المرغمة على تلقي مايسمح به الرقيب وحده، وكاذب من قال إنه إخترق أجهزة إعلام السلطة بقدر ما كانت السلطة لها الحظوة في إختراق الحياة الثقافية بعصا ما كان يسمح به فقط، ومن كتب خارج السياق ذلك، فلن تكون كتاباته إلا في غياهب السرية التامة، حينما تكون خارج أهواء السلطة ، وخير مثال على ذلك ، هو ما يطرح من تساؤلات حول الشاعر عدنان الصائغ ، الذي مازال يصر على ممارسة دور صاخب يدفع بنا الفضول والأمر الى البحث وإلتقاط الكثير مما بين يديه ، مثل " قصيدة أحاديث حول الموقد. يضع عدنان الصائغ القناص والقناصة على عاتقه ويتغنى في ميادين الموت والبؤس و(القنص العنصري الشريف!) :
ياللخيبة . كان معي ستّ رصاصات
حفرتْ في صدري خارطة للحزن
وأشياء لن أنساها
لكني.!
وأضاف. وفي عينيه ومض الموقد مؤتلفا
سأعلمهم . أن القناصة. لا تقبل حلا
إن القناصة . لا يسكتها الحالوب
حمل القناصة. مزهوا
ودعنا. في عجل
ثم مضى.
قال عريف حسين
- سلمان" أبو القناصة".
لا ينسى الأرض" . ص 89
أو ماقام به من تغير لقصيدة " صباح الخير أيها المعسكر " حيث " قام الشاعر الصائغ بتغيير هذا المقطع من القصيدة في المجموعة المنشورة " انتظريني تحت نصب الحرية" في موقعه الشخصي على الانترنيت عن تلك المنشورة في بغداد عن دار الحرية عام 1984 ووضع بدلا من "بطولات تشرين والقادسية " كلمة " عذاباته" وشتان ما بين بطولات الحروب وبين العذابات ! وهو ما فعله مع أغلب قصائده الخاكية بعد خروجه من العراق ! وهناك بعض القصائد التي قام هذا الشاعر بحذفها تماما من مجموعته هذه كقصيدة " من أحاديث الموقد" التي يتغزل فيها بقناصة ، القناصة لا غير ! وكذلك تغيير في عناوين بعض النصوص كحذف أي كلمة عسكرية من بعض عناوين القصائد وحذف مقاطع شعرية خاكية بأكملها كما في آخر مقطع من قصيدة " تفاصيل لم تنشر من حياة المقاتل الفنان حسين.." وسنأتي على ذكرها في الباب الأول مع مجموعة كبيرة من نصوص الشعر الخاكي العراقي. أي أن هذا المثقف ، قام بتزييف الحقيقة مرتين، مرة بتمجيده الحرب والعسكر وثانية بخداعه القارئ عند تزييف نصوصه الخاكية البغدادية وعرضها ونشرها بشكل مخالف عن أصلها بعد خروجه من العراق! " - ص 41 ـ 42.
وليس عدنان الصائغ بعينه وحسب بل مثله أعداد هائلة تمارس التزوير الثقافي وعمليات خداع القارئ على قدم وساق ، ويوجد من نصوصهم الصاروخية الممتلئة بالبارود والدم ما لا يصدق. وقد جمع الشاعر عباس خضر في كتابه " الخاكية " مجموعة كبيرة من نصوصهم وليس لعراقيين فقط ، إنما كذلك لشعراء من مختلف الأقطار العربية وهذه النصوص كانتْ تتبع في أغلبها القاعدة التي كانت تهفو لها السلطة العسكرية و التي لخصتها " سعاد الصباح" في كلمة لها في ختام مهرجان المربد السادس 3/12/1985 وهي تطالب علنا بمحرقة لا تختلف عن محرقة الكتب في الزمن الهتلري "الشاعر الذي نريد، عليه أن يكون كالجندي في جبهات القتال. وكذلك القصائد إذا غابت عنها رائحة البارود والدم فهي عفنة، وكذلك فإن الشاعر المساوم هو جندي هارب من الجبهة وعلينا أن نلاحقه ونحرق كل قصائده" - ص 37 .
ومن هنا لنا القول ، لماذا لا يعتذر هؤلاء الخاكيون بما إقترفوا ..؟ مما صنعت صنعتهم الشعرية وحرفية كتاباتهم وجدية عملهم ضمن مؤسسات إستطاعت تشويه مساحة كبيرة من الذاكرة العراقية ، وبقدر الأعتذار من الشعب العراقي وشرف القصيدة المنتهك..! ، لماذا يصرون على إن قصائدهم تلك بعد تحويرها هنا وهناك هي المهمة والأهم ..؟ ، ولم يتجاوزونها كي يبدأ بجدية جديدة تلامس نكران الماضي وحرق جميع مشاهده اليومية، مجرد تساؤل، لماذا هذا الأصرار على نتاجات أروقة ثقافة النظام..؟ . إنهم لم يعتذروا الى الآن وهم في حماسة قول الشاعر نزار قباني في مهرجان المربد عام 1985 " لا أعتقد أن حكومة ثورية في أي مكان في العالم، أدخلت الشعر في جدول أعمال مجلس قيادة الثورة، ومناقشات مجلس الوزراء، وفي خطط التنمية والأعمار، مثلما فعلت الحكومة العراقية" - ص 153. هؤلاء مازالوا يغتصبون الشعر بما تعودوا عليه من إنتهازية وكذب وتزوير..!.
إن كتاب الشاعر عباس خضر يستحق القراءة المتأنية ، التي بها نقف على أعتاب الخراب الثقافي وصانعيه الأشاوس ، فالخراب الثقافي لن يندحر ، مادام الكثير لم يعتذر عما اقترفه بحق تاريخ شعب ، وكذلك بحق الثقافة ، وحين يصر الكثير أيضاً على جعل كتاباته مع بعض التحوير ، تحت مسمى " ثقافة عراقية مبدعة ...!" ، وهي في الأساس وليد شرعي وحقيقي لمنظومة مفاهيم ثقافة سلطة جائرة وغاشمة .

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة