ذاكرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الـنـجــف بـيـئــة شـعــريـــة

باسم عبد الحميد حمودي
تعد جمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف من أبرز الجمعيات الأدبية التي نشطت في خمسينيات القرن العشرين وقد كانت تقيم مواسمها الثقافية التي تركت أثراً بارزاً في بيئة النجف الثقافية حتى ألغيت بقرار تعسفي بعد قيام الحرب العراقية الإيرانية وضمت ممتلكاتها ومبانيها ومكتبتها هي والجمعيات الثقافية الأخرى في البصرة والموصل وكركوك وغيرها إلى اتحاد الأدباء.
وقد نظمت هذه الجمعية مهرجان النجف الشعري الأول للفترة بين 27-30 تشرين الأول 1970 بهدف تنشيط الحركة الشعرية في مدينة العلم والشعر والفقه وسعياً من أجل ترسيخ الصلة بين حاضر الشعر في النجف وماضيه، وكانت من أبرز محاضرات ذلك الموسم محاضرة الأستاذ جعفر الخليلي (العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية) وهي محاضرة مطولة في تحليل العوامل المؤثرة لصياغة تلك البيئة الشاعرة المتفقهة معاً فحددها ببيئتها الجغرافية وبيئتها الاجتماعية وتقاليدها وعاداتها التي أفرزت العناية بالثقافة كجزء أساسي من صياغة العملية الاجتماعية داخل مدينة الإمام علي عليه السلام، وكان من أبرز مظاهر هذه البيئة تنظيمات المآتم الحسينية وتقاليدها ودراسات المدارس العلمية وبيانات مؤرخي النجف وفلاسفتها إضافة إلى ذخائرها الإنسانية الأخرى وفي مقدمتهم رجال الفقه المؤسسين لمدارسها وقد اقتطفنا من هذه المحاضرة الجزء الأخير منها الذي جاء تحت عنوان (المجالس النجفية) لتغطية جزء مهم من صورة النجف الأشرف الثقافية في زمن مضى وزمن يستمر.


المجالس النجفية قديماً

جعفر الخليلي

الكثير من النجفيين يقضون أوقات فراغهم من عصر كل يوم ومسائه في زيارة لبيوت الأسر التي تقتعد بيوتها للناس كما اعتاد أن يقتعد سراة العرب مضاربهم، وهذا ما يسمونه في النجف بالمجلس، ولأغلب هذه المجالس التي يرتادها الزائرون والأصدقاء وجهان، وجه عام يتناول فيه رواد المجلس الحديث عن الشؤون العامة والشؤون الخاصة، وما يجد في عالم السياسة والاجتماع والشعر والأدب حسب طبيعة صاحب المجلس وحضاره، ووجه خاص يقتصر على طبقة من الأدباء والشعراء الذين تجمع بينهم جامعة الشعر والأدب ولا يسمحون لغيرهم الاختلاط بهم وذلك حين يتفرغ المجلس لهم وحدهم، على كلا الوجهين فإن رواد هذه المجالس يقصدونها للتنفيس عن أنفسهم، وهي مجالس متنوعة، ولكل مجلس طابعه، ولونه، ورواده، وكان من أشهر مجالس العصور الأخيرة مجلس السيد سعيد الحبوبي، ومجلس السيد حسين القزويني، ومجلس السيد علي العلاق، ومجلس آل كاشف الغطاء وآل بحر العلوم لاسيما مجلس السيد علي بحر العلوم، وآل الشيخ راضي، وآل الجزائري وآل الصافي وآل فرج الله وآل المظفر، ومجلس الشيخ قاسم محيي الدين وغيرهم من النماذج الرائعة للعصور السابقة والتي خلفت ثروة لا يستهان بها من بدائع الشعر في مختلف فنونه، فمن هذه المجالس العامة والخاصة انبعثت مجاميع من الدرر، وروائع من الشعر الذي جاءت به المساجلات، والمعارضات والمباريات، والمفاكهة، والأخوانيات.
فهذا السيد جعفر الحلي يدخل مجلساً من هذه المجالس الخاصة فيجد طائفة من أصحابه متحلقين حول (سماور) للشاي من التنك، وقد تغامز القوم بينهم وتبانوا على أن يتجاهلوه على سبيل الدعابة، وبدأ صاحب البيت يسقي الرفاق ويتغافل السيد جعفر، والسيد جعفر شاعر سريع البديهة، وقد أحس بما صمم عليه القوم فتناول (زبانة) من الأرض، وهي عقب السيكارة من الورق، وكتب عليها بيتين من الشعر وخرج غاضباً، وتناول القوم الزبانة وإذا بها قوله:
سماور جاء يحكي ثدي مرضعة
    لكن أهل اللحى في دره اشتركوا
سماور بات يحكي عقل صاحبه
    كلاهما إن تفتش عنهما تنك
وهذا شخص من أهل الأدب واليسار يعود من السفر وينثر في مجلسه الخاص وبين جمع من الأدباء عدداً من الخواتم التي جاء بها معه ويقول لمن حضر من الشعراء في هذا المجلس الخاص إن ليس من حق أحد أن ينتقي خاتماً ويتناوله ما لم يدفع ثمنه من الشعر المرتجل. وكان من حضار هذا المجلس السيد جعفر الحلي، والشيخ عبد الحسين الحياوي، والسيد محمد حسين الكيشوان، والشيخ عبد الحسين الحلي وغيرهم، فنظم كل واحد بيتاً أو بيتين وانتقى من المجموعة خاتماً له، ومن المؤسف أن لا يكون هناك مصدر مطبوع أو مخطوط لنرجع إليه وكل ما بقي هو ما احتفظت به الصدور مما لم يتسن لجمعه أحد من مؤرخي الأدب في هذا البلد لذلك غاب عن ذهني معظم الشواهد في هذا المقام وفي غيره، ولم أذكر منه إلا قول السيد جعفر الحلي الذي أنشده على سبيل البديهة وفي بحر دقائق من التأمل في هذا الأديب العائد من السفر.
أما وربك ما طابت مجالسنا
    من يوم فارقتنا يا كعبة الشرف
قد كنت مذ كنت فيما بين أظهرنا
    كالبحر ما أنقصته كف مغترف
حسنت كف العلى إذ كنت خاتمها
    فأنت زينتها يا درة النجف
وعن طريق هذه المجالس حدثت المعارك الشعرية وكانت منها معركة الخميس التي أسهمت فيها طائفة من مشاهير العلم والأدب أمثال المرجع الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء، والسيد محمد زيني، والشيخ محمد ابن الشيخ يوسف آل محيي الدين وغيرهم فتم حسم هذه المعركة على يد السيد الكبير السيد بحر العلوم.
كذلك عن طريق هذه المجالس حدثت المعركة الشعرية التي دامت طويلاً بين شعراء الشيوخ وشعراء الشباب التي أدركناها ومن عناصرها الذي شهدوها الشاعر صالح الجعفري والدكتور عبد الرزاق محيي الدين.
وفي هذه المجالس قد يجلب كل رائد من الرواد الخصوصيين غداءه من بيته ويجمعونه في مائدة واحدة بناء على اقتراح آني مفاجئ ويشرعون بالأكل وهو ما يسمونه (الصحنية)، وكثيراً ما يؤدمون غداءهم هذا بالشعر، وقلما ضمت دعوة خصوصية في مجلس من المجالس جمعاً من الأدباء ولم تؤدم هذه الدعوة بالشعر.
دعا مرة المرجع الديني الشيخ أحمد كاشف الغطاء جمعاً من الأدباء لأكلة (هريسة) وسمك في مجلسه الخاص وكان الشيخ جواد الشبيبي ضمن المدعوين فتشابكت الأيدي على الهريسة والسمك ولم يحصل الشبيبي على شيء منها فعرض عليه الشيخ أحمد أن يقترح أكلة يعدها له ولمن يشاء من أصحابه في أي يوم يعينه ككفارة عما حدث في يوم الهريسة فكتب الشبيبي له هذه الأبيات:
يا من لذاتك بيت من علا سمكا
صير غدائي غداة الأربعا سمكا
وخصني فيه فرداً لا يشاركني
    سواك فالنفس تأبى الشرك والشركا
أما اعتبرت بهم يوم الهريسة من
    ألقوا أناملهم من فوقها شبكا
قالوا لنا سرر (البني) نقسمها
ما بيننا والبقايا والجلود لكا
وكثيراً ما تخطط (المقالب) في المجالس الخاصة فتدخل هذه المخططات حلبات الشعر، وقد جاءتنا من ذلك أخبار رائعة في قصائد عامرة شارك فيها جمهور من فحول الشعراء كان من بعضها قصة اختطاف الخروف من بيت الشيخ إسماعيل الخليلي وكان هذا الخروف يخص خليل الخليلي ابن الشيخ إسماعيل فذبحوه، وكانت عصابة الاختطاف مؤلفة من السيد جعفر الحلي والشيخ أغا رضا الأصفهاني، والشيخ جواد الشبيبي والشيخ هادي الشيخ عباس، والسيد باقر الهندي والسيد رضا الهندي وقد أسهم هؤلاء في نظم قصيدة بهذا الموضوع كان لكل واحد منهم فيها بيت أو بيتان نورد بعضها على سبيل المثل.
يا لفصل الخريف أي خروف
فيه أمسى مجندلاً مقتولاً
هو فصل أهل العراق نفاقاً
    ذبحوا فيه كبش إسماعيلا
يا سليل الخليل صبراً وإن
    كان عزيزاً فقد (الخليل) الخليلا
إلى آخر القصيدة.
والتسلية بتقفية الشعر في أوقات الفراغ ولاسيما في هذه المجالس الخاصة، والعادة هي أن ينبري من عرف برخامة الصوت، وإجادة الإنشاد فيختار من دواوين الشعراء أصعب القصائد تقفية وعلى من كان مسبوقاً بهذه القصيدة أن ينسحب من تقفيتها، وفي هذا اللون من

التسلية مرتبة مهمة من مراتب تنمية القابليات عند الشعراء، وقد رأيت مهدي الجواهري الشاعر في شبابه يراهن على أن يقفي من كل عشرة أبيات ثمانية، ولكنه كثيراً ما كان يقفي العشرة بكاملها دون أن يخطئ القافية.
وقد ورثت مجالس النجف الخاصة هذا اللون من التسلية من الأجيال القديمة، ولا يعرف لها تاريخ لبعد معرفة النجف بها.
والمناسبات التي تهيج قرائح الشعراء، وتشيع السرور في نفوسهم في هذه المجالس الخاصة التي يعقدونها للترفيه كثيرة ومتنوعة، وإذا عز وجود المناسبة التي تستدعي المساجلة، والمباراة الشعرية، والسلوان، فإن الشعراء هم أنفسهم يخلقونها خلقاً حتى صار الشعر طبيعة ملازمة لحياة النجف المجملة، فقد دخل الشعر الرسائل، وصيغت به المواعظ، وضربت به الأمثال، وغدا المعبر المفضل عن الشعور في سوح الوطنية، وميادين السياسة، والمعرب عن الأحاسيس في تدبيج التهاني والتعازي، كما صار الوسيلة الوحيدة للتنفيس عن الكروب والهموم، وقلما تجد بيتاً من البيوت المعروفة ولاسيما بيوت أهل العلم والأدب
وما أكثرها في النجف ولم تؤرخ مواليدهم أو وفياتهم بالشعر، وصار الشعر بسهولته عند قائليه في النجف بمثابة سيكارة متى أراد المدخن تدخينها فما عليه إلا أن يقدح لهم قدحة من زناده، أو يولع لها عود ثقاب، ويبدأ التدخين.
لقد زار السيد سعيد كمال الدين مرة أمين خالص فلم يجده فسحب بطاقته من جيبه فوراً وكتب عليها ما يلي:
لقد زرتكم والشوق ملء جوانحي
لاطفئ شوقاً في الفؤاد دفينا
أردت (أمينا) كي أبث لواعجي
    لديه ولكن ما وجدت (أمينا)
وشقت بلدية النجف ذات مرة طريقاً حول البلد فاقتضى ذلك ان يستقطع قسم من بعض البيوت ليضم إلى الطريق العام، أما الفضلات المتبقية أمام بعض البيوت فقد استملكتها (البلدية)، وكانت أمام بيت السيد مير علي أبي طبيخ فضله شق عليه أن تتخذ البلدية منها حوانيت تلتصق ببيته فكلفني أن أحمل البلدية على بيع هذه الفضلة له وحين جئته بخبر الموافقة، قال وهو يسقيني القهوة ويضحك، قال لقد حضرني بيتان بهذه المناسبة، قلت وما هما؟ قال:
شوارع وسعوها كي يكونا
على رفه بها المستطرقونا
فكم صلموا بها أذنا وأنا
    بحمد الله زادونا قرونا
وغير هذا الكثير مما يقع من الشعر المرتجل أو شبه المرتجل في كثير من المناسبات الآنية المفاجئة.
ومن هذه المجالس الخاصة انبعثت طائفة من البدائع الشعرية التي تحتاج إلى من يتصدى لجمعها ليزين بها جيد الأدب بالمبتكر الرائع من الشعر فقد يجري في هذه المجالس حديث بناء مسجد جديد، أو تشييد مدرسة حديثة، أو وفاة شخصية لامعة أو ولادة طفل لبيت جليل، أو لأب شاعر أو نقش خاتم، أو كتابة رسالة ذات شان، أو يطلب من أحد الشعراء راساً أن يخلد حدثاً معيناً بالشعر فيفعل ويشيع أمر المبتكر من هذا الشعر في البلد ويخلد على قدر ما فيه من روعة وابتكار.
فهذا السيد رضا الهندي يؤرخ وفاة السيد نور الياسري الذي أبلى في الثورة العراقية الكبرى بلاءً حسناً فيحفر هذا التاريخ على صخرة قبره ويشيع في الأوساط لبراعة ما فيه من جناس وتورية في اسم السيد (نور) إذ يقول:
هذا ضريح فيه نور الهدى
    وهو بلطف الله مغمور
وكيف يخشى ظلمات الثرى
ارخ: (ضريح ملؤه نور)
وهذا السيد جعفر الحلي يطلب منه، صديقه سعيد ناجي أن يجد له كلمة بليغة ومناسبة من الشعر تصلح أن يحفر بها له ختماً فيضمن السيد جعفر الحلي تلك الكلمة بشطر من الشعر وفي تورية غاية في البراعة والروعة ويجيء الختم على هذه الصورة:
"بحب بني النبي سعيد ناجي"
وينشر خبر هذه البراعة في المجالس الخاصة وتتناقله الأوساط الأدبية.
وقد شاع يومذاك في المجالس بأن (سعيد عجينه) وهو من وجوه النجف وإجلائها وكانت بينه وبين (سعيد ناجي) منافسة في الوجاهة جاء إلى الشيخ جابر الكرماني وكان للكرماني هذا شهرة في نقش الاختام تضاهي شهرة ابن مقلة في الكتابة في العصور القديمة، وشهرة الشيخ نسيب مكارم في عصرنا الحاضر، لقد شاع بان سعيد عجينة قد جاء إلى الشيخ جابر يطلب منه أن يحضر له ختماً على غرار ختم سعيد ناجي، وينقش فيه (بحب بني النبي سعيد عجينة) ولربما كانت هذه الشائعة من النكت التي انسجها الأدباء وطالما نسجوا نظائرها، والمهم إنها قد شاعت حينذاك في البلد.
وعلى ذكر نقش الاختام والشائعات نذكر أن (الحاج وناس) وهو من تجار الحبوب في النجف وكان أمياً جاء إلى الشيخ جواد الشبيبي يطلب منه أن يختار له آية قرآنية مناسبة أو بيت شعر يتضمن اسم (وناس) لينقش خاتمه به، كما يفعل الوجهاء والأكابر في تلك الأيام، وعبثاً حاول الشبيبي اقناع (الحاج وناس) بان اسم (وناس) غير صالح لتضمين آية أو شعر، ولما عجر كتب له: (من الجنة وناس)، ولكن الشيخ جابر قال للحاج وناس: صحيح أن في هذه الكلمة شيئاً من تفاعيل الشعر من صنف البند، ولكن الشبيبي أراد أن يمزح معك وصرفه عن نقش اسمه على الخاتم.
إن الحرم المقدس محاط من الداخل بآيات من الشعر البليغ، وأن الضريح محزم من أعلى جبهته بالشعر المصوغ بالذهب والفضة، وعلى جميع أبواب الحرم من الداخل والخارج، وعلى جميع أبواب الصحن قد نقشت قصائد ومقاطع يرجع بعضها إلى عهود تاريخية بعيدة، وفي غرف الصحن وفوق مدافن العلماء والأكابر قصائد محفورة على المرمر، وعلى جبهات أغلب المساجد مقاطيع من الشعر تخلد لبانيها اسمه وتؤرخ سنة تدشينها، فمثلاً جاء في مسجد آل كاشف الغطاء قول العلامة الشيخ جعفر نقدي:
اعبد الله بأعلى مسجد
الثريا أصبحت دون ثراه
شاده جعفر من غرته
    (كشفت) نوراً عن الشرع غطاه
وابنه رب المعالي (أحمد)
    بذل الجهد لتجديد علاه
قلت لما كملت أركانه
    وغدا يسطع في الكون سناه
أرخوه مسجد جدده
    أحمد تم على التقوى بناه
وبالقاشاني طبعت أبيات في تاريخ مسجد الجواهري انتهت بالقول:
أسسته على تقى فأرخوا
بنيانه على تقى أسسته
وغيرها الكثير مما نقش بالقاشاني أو بالحجر شعراً رائعاً وتاريخاً مثل ما كتب على باب مسجد الهندي ومثل تاريخه القائل:
مؤرخاً كبر وهلل وكن
    مصلياً واركع مع الراكعين
وفي مقابر النجف العامة والخاصة خارج الصحن الشريف ما يؤلف دواوين كاملة من الشعر الرائق، حتى البيوت لقد حظي الكثير منها بالشعر الفاخر في تاريخ بنائها، والكثير من هذا الشعر يأتي سلساً رائقاً بعيداً عن التعقيد بالرغم من طبيعة التاريخ المعقدة، وأن تاريخ بناء بيت السيد محيي الدين القزويني الذي كلف بوضعه الشيخ علي بازي فقال في تاريخه: (أرخت هذا بيت محيي الدين) أحد الأدلة على هذه السلاسة.
ولا أحسب أن هناك مدرسة دينية وأن عددها يتجاوز العشرات في النجف دون أن يكون لها تاريخ شعري منقوش بالكاشاني أو محفور بالمرمر.
وكل ما مر من العوامل والأمثلة التي ضربت للجيل الماضي أو الجيل الحاضر إنما هي امتداد للأجيال الماضية التي دلت عليها آثارها التاريخية، فما نشهده اليوم في هذه البيئة الشعرية وعواملها هي نفسها التي كان يشهدها آباؤنا وأجدادنا قبل ألف سنة في هذه المدينة المقدسة والفرق أن الأجيال الأخيرة قد حظيت بوسائل النشر كالجرائد، والمجلات والمطبوعات، فقامت بتعريف النجف للعالم الخارجي، في حين ظل المنتوج الشعري من الأجيال الماضية تحت أنظار المؤرخين والباحثين مقتصراً عليهم وحدهم يظهرون لنا منه بين آونة وأخرى ما يؤيد هذه المنزلة الممتازة للبيئة الشعرية في كل عصر وفي كل جيل ومن بينها مالاً يزال مكنوزاً في صدور الشيوخ والمسنين الذي لم يحصل لليوم من يتصدى لنقله عنهم.
وأينما اتجهت في النجف قبل بضعة قرون وأكثر أو اتجهت اليوم كان الشعر ملء عينيك، وكان ملء سمعك، فليس من المستغرب إذن أن يتوقع العلامة طه الراوي أن يكون حتى لبقال النجف شيء من الإدراك الأدبي.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة