قفاصــــــة وعلاســــــة الباب الشرقي!
بغداد/صافي الياسري
عندما
يفتح الباب الشرقي فان ضجيج مدينة باكملها ينطلق مثل مارد
فتح فمه .. كل ما تريده متوفر من ابرة الخياطة المستعملة
والجديدة حتى البشر.. نعم هنا يباع البشر سلعة على شكل قطع
غيار، فهنا يمكنك شراء كلية أو قطعة غيار من جسد فتى
يحتاجها جسد شيخ غامر بالوصول الى العراق من بلده العربي
كما هو الحال بالنسبة للاشقاء اليمنين الذين يأتون العراق
لاستبدال كلاهم التالفة في مركز الخيال في شارع المغرب
الذي يعد المركز الأول في الشرق الأوسط لزرع الكلى وقد
اجرى الاف العمليات الناجحة.
ووسطاء الباب الشرقي جاهزون .. ليس عليك سوى ان تحمل لهم
المال فيحملون لك ما تريد مقابل ما يرون انهم يستحقونه،
وأنت ترى الباب الشرقي يوم الجمعة كأنه يوم الوعيد، صخب
وهرج ومرج وبضائع من شتى الالوان والناس بين باك مخدوع أو
مسروق وضاحك ربح أو اشترى ما يحلم به بسعر بخس وبين متفرج
لا هذا ولاذاك كما هو حالي.
قال لي صديق رافقني حامياً وحارساً، فدخول الباب الشرقي
دون (البودي كارد) مغامرة غير محسوبة العواقب: لو طلبت
أمنية هنا لحققها لك عبد الباب الشرقي أو جنيه هاتفاً شبيك
لبيك عبدك بين يديك، قلت ماذا لو طلبت - الكهرباء - فضحك
صاحبي وقال: الكهرباء لا تنقطع في الباب الشرقي يا صديقي
لا ليلاً ولا نهاراً ولكل شيء ثمنه وإذا لم تصدقني فاسأل!
وقد ذهلت حين اكتشفت ان الامر حقيقي وان التيار الكهربائي
لا ينقطع عن الباب الشرقي.
ولكن صاحبي كسر انذهالي.. وحتى فرحي ان منطقة ما في العراق
لا ينقطع عنها التيار الكهربائي حين تحداني في اختبار
الذكاء والنباهة والفطنة فهو يرى انك اذا استطعت ان تتجول
في اسواق الباب الشرقي دون ان تضع يدك في جيبك في كل ازقته
ودرابينه وجنابره وتخرج منه عائداً الى دارك سالماً معافى
من غير ان تكتشف انك سرقت أو خدعت عندما ابتعت شيئاً
ووجدته شيئاً آخر فانت رجل كامل المواصفات، وان كان العكس
فلا تحزن فقد كان غيرك اشطر وعوضك على الله.
يقول الزميل غسان رحمه : لا اعرف حقاً لم لا يستشهد
الامريكان عندما يتحدثون عن الحرية التي اتو بها الى
العراق بالباب الشرقي فهنالك الحرية والديمقراطية قائمة
على قدم وساق، ففي ظل الحرية التي نالها القائمون على هذا
المكان اصبح كل شيء هناك مباحاً وكل شيء يباح من دون خوف
أو مراقب بدءاً باقراص الـ(CD)
الاباحية ومروراً
بالمجلات المنافية للاداب التي اصبح عرضها علنياً فوق
الجنابر خصوصاً بعد ان كثرت وزاد عدد الجنابر التي تعرض
فوقها وصار الإعلان عنها صراخاً ونباحاً وفوق هذا فان من
يشتري احد هذه الاقراص التي تتراوح أسعارها بين 500 الى
750 دينار يحق له ان يطمئن بان القرص يعمل بعد تشغيله
وطبعاً الفحص لا يجري للمشتري وحده فالتلفزيون والـCD
الذي يفحص به
موجودان فوق الجنبر والعرض مجاني.
وما يلفت الانتباه هو هذه (الترامز) التي تظنها تبيع
العصائر فاذا بها تبيع (البيرة) وكل ترمز نوعاً معيناً من
انواع البيرة المثلجة ويخفي صاحب الترمز بضاعته من
المشروبات الاخرى في (Cool
Box) آخر بدءاً من
النبيذ الى اردأ انواع الوسكي والعرق المحلي، اضف الى ذلك
المزات بانواعها وهي تباع باكياس النايلون (سفري).
القمامة الاميركية
من أكثر المشاهد ايلاماً وسخرية في آن واحد هي تجمهر البعض
حول قمامة الجنود الاميركان التي تباع على العراقيين وهي
عبارة عن فضلات من علب غذائية وبقايا ادوية ومجلات وملا بس
داخلية استغنى عنها الجندي الاميركي يقول جمال محمد حسن
احد باعة القمامة هذه، لا تستغرب ياسيدي نحن نحصل على هذه
القمامة من خلال علاقاتنا الشخصية، قلت واية علاقات
يتطلبها جمع قمامة؟ قال: وهو يبتسم يا أخي هذه القمامة
ندفع مقابلها مبالغ مالية لا يستهان بها للمقاول العراقي
الذي عليه رفع النفايات من داخل المعسكرات الاميركية وهذا
المقاول بدلاً من ان يرميها في مناطق الطمر الصحي أو في
الاماكن المخصصة لهذا الغرض يقوم ببيع النفايات يومياً الى
هؤلاء بالمزاد ومن يدفع أكثر تكون القمامة له ويركب شاحنة
النفايات ليفرغها في بيته وهناك يتم فرزها واخراج الصالح
منها للبيع، سألنا واي شيء يمكن ان يكون صالحاً للبيع؟ قال
اشياءتهم المراهقين احياناً مثل المجلات التي تنشر صوراً
عارية أو اجهزة كهربائية صغيرة عاطلة يمكن تصليحها واحياناً
تجد في هذه القمامة بقايا من علب الأدوية التي يقولون انها
مقوية ومنشطة.
التزوير
هنا تأخذ المسألة بعداً آخر أكثر خطورة من حيث السؤال
والجواب فلا تدري من تسأل وكيف سيكون الجواب، فكل شيء لدى
هؤلاء العاملين في حقل التزوير متاح ومجد ونافع. في البدء
لم استطع التعرف على هذه الجنابر الخاصة بالتزوير كونها لا
تدل على مهنة اصحابها الحقيقية، فقد اختاروا لا نفسهم
رموزاً وكلمات سرية يتعاملون بها مع زبائنهم ولكي اصل
اليهم كان علي اولاً ان اجد الوسيط الذي تمكنت من ايجاده
بعد عدة محاولات فاشلة وهو صبي يبلغ من العمر 12- 14 عاماً
يعمل في ما يسمى المنشطات الجنسية والعوازل الرجالية، وبعد
مكوثي لبضع دقائق امام جنبره متسائلاً عن اسم هذه السلعة
وثمن تلك أو همته اني بحاجة الى تزوير وثيقة ولا اعرف أين
اجد من يقوم بذلك فضحك الصبي بصوت عال وقال ولماذا انت
خائف ان جنابر التزوير هي الجنابر التي وضع فوقها بعض
السكاكين والخناجر الصغيرة وعندما تصل احد هذه الجنابر
ارفع احدها وإسأل عن ثمنها وسوف يسألك صاحب الجنبر (قديم
ام جديد) سألت وما معنى ذلك؟ قال الصبي ذلك يعني هل تريد
وثيقة صدرت ايامنا هذه وقبل ان اطرح مزيداً من الاسئلة
تركني الصبي وانشغل بشيخ في الـ60 من عمره ليشرح له فوائد
احدى المنشطات الجنسية.
القفاصة والعلاسة
والعليوية
والقفاصة تسمية كانت شائعة في العهد المباد هي والعلاسه،
والعليوية حلقة متكاملة لمخادعين مهنتهم الدائمة هي
الاحتيال واللصوصية، والحلقة من هؤلاء مكونة من عدة اشخاص
يتعاونون في سبيل ادخال الضحية قفص الخديعه لبيعه بضاعة
غير صالحة بسعر عال جداً، ولكل عصابة من هؤلاء القفاصة
ابتكاراتها وافكارها الجهنمية وطرقها الملتوية، وتجري
عملياتها امام مرأى ومسمع الجميع ولا احد يستطيع اعتراضها
كون هذه العصابة مستعدة بواسطة العلاسة لطعن أي شخص بشي
بها أو يفشي سرها، والعليوية هم الضحايا الوهميون الذين
يمثلون دور المنافس لشراء السلعة والقفاصة يكثرون في مجال
بيع الساعات والاجهزة الالكترونية، والظاهر منهم القفاص
الأول- البائع- والمانفس- العليوي - اما العلاسة فهم
يعملون في الخفاء لحماية البائع والعليوي، وهذه العصابات
لم تعد تعمل في اماكن ثانية فهي تتبادل الامكنة فيما بينها
كي لا تصبح معروفة تماماً.
السي بنديه
وهم (القمرجيه) على اختلاف العابهم ، "اللكو" و"الزار"
و"الفراره" واللكو قطعة قماش رسمت عليها علامات رسمت على
"الزار" المستخدم في اللعبة وهي (السنك والانكر والكوبه
والماجه والدنر واي رمز سادس آخر من رموز العاب الورق)
ويوضع الزار في علبة (قوطية) ثم يقلب على ارضية (اللكو)
وبعد ذلك ترفع العلبة ومن وضع رهانه على السنك مثلاً وظهر
الزار بعلامة السنك فهو رابح ويربح "دبل اذا كان زاران قد
حملا علامة السنك" ويربح مثلث اذا كانت الزارات الثلاثة قد
حملت نفس العلامة، وعند عدم ظهور العلامة على الزار فانه
يخسر، اما الفراره فهي دائرة خشبية مقسمة الى عدة مثلثات
وفوقها عود خشبي في رأسه سنان يؤشر موضع الوقوف ويدير صاحب
البنك أو مدير اللعبة هذا العود بعد ان يضع اللاعبون
رهاناتهم وعند توقفها على احد المثلثات المراهن عليه فانه
يربح ويخسر البقية، اما لعبة السي بنديه- أو السي بند- وهي
مترجمة عن التركية تعني الثلاث ورقات وهي اشهر لعبة في
العالم جلبها الاخوة المصريون الى العراق فلم نكن نعرف
عنها شيئاً، وهي ثلاثة اوراق واحدة منها مرسوم عليها صورة
والاثنتان الباقيتان فارغتان ينقل صاحب البنك أو مدير
اللعبة هذه الأوراق مغيراً اماكنهن وعليك ان تضع رهانك على
موقع الورقة ذات الصورة حيث تتوقع، وفي البداية .. ومهما
كنت ساذجاًُ .. سيجعلك مدير اللعبة تكسب ليشد سواك الى
اللعبة بعد ان تنجح في شدك اليها من خلال قفاصته تربح في
البدء ولكنك في النهاية ستنهض خاوي الجيوب صفر اليدين وقد
خسرت كل ما تملك في جيبك .
وقد شاع بسبب هذه اللعبة اصطلاح (سي بنديه) ليشمل جميع
لاعبي القمار بل جميع المخادعين ومفردهم سي بندي والبغدادي
يعتبر هذه التسمية شتيمة له.
منافع اسواق الباب
الشرقي
ولاسواق الباب الشرقي منافعها العديدة، فهي سوق السلعة
الرخيصة بالنسبة للملابس، فما تعرضه من ملابس (البالات) لا
يحتاج خداعاً ولاقفاصة، كذلك اجهزة الموبايل ومستلزماتها
والتي توفر ارباحاً تغني عن الخديعة وما يلزمها، ويمكنك ان
تجد في اسواق الباب الشرقي قطع غيار لاجهزتك الكهربائية
مما لا يمكن العثور عليها في اماكن اخرى، وحتى لسيارتك
وهناك باعة الانتكات والتحف، والطوابع والنقود من شتى دول
العالم وهنا يمكنك متابعة التاريخ العراقي عبر مجاميع
الاوسمة التي وزعها ملوك العراق ورؤساؤه على المبدعين
والشجعان، وهنا بامكانك شراء نوط شجاعة من زمن صدام أو نوط
تكريم ملكي أو انواط الجيش الاخرى وهذه كلها لا تحتاج الى
خداع وانما معرفة ورغبة في الاقتناء واثراء المجاميع
الخاصة، وهذه الحلقات تعقد في اسواق الباب الشرقي في ايام
الجمع وبعض ايام العطل الرسمية احياناً.
جمعة الباب الشرقي
يوم الجمعة هو يوم الازدحام والصخب العارم في الباب الشرقي
فالكل يتهيأ لهذا اليوم خلال اسبوع كامل يذهبون الى اسواق
اخرى واماكن قد تكون بعيدة من اجل شراء سلعة يتوقع احدهم
انها ستوفر له اجر اسبوع من الجهد من ربحها، وهم يجمعون
هذه السلع بانتظار يوم الجمعة، وينتظر اخرون يوم الجمعة
وجيوبهم ملأى بالنقود لشراء سلعة يمكن نقلها من السوق
الشعبي الى فترينات المغازات في الفنادق الراقية أو في
محال الدرجة الأولى في الاحياء الراقية أو تنقل هذه السلعة
أو تلك هدية لهذه الشخصية أو تلك من المتنفذين أو من
الأصدقاء الذي يعتز بصداقتهم.
وعلى هذه الخلفية تجد ان الباب الشرقي واسواقه تكتظ
بالوافدين متسوقين ومتفرجين وباعة، وقد تجد احدهم ممن فرق
بينك وبينه الزمن امداً طويلاً فاذا باسواق الباب الشرقي
تجمعك به، واحذر ان تحمل (كيساً أو علاقة) فان العشرات
سيسألونك (تبيع) ومع ان الطمأنينة عادت بنسبة كبيرة الى
اسواق الباب الشرقي الا ان مخلفات العهد المباد مازالت
تبرز بين الحين والاخر هنا وهناك وبخاصة ان منطقة
البتاويين المنطقة المجاورة للباب الشرقي هي الاخرى منطقة
موبوءة باللصوصية والغش والخداع والدعارة والتزوير ومختلف
انواع الجرائم. اما حديقة الامة وهي وريثة الحديقة التركية
(بقجه سي) فهي تتحول يوم الجمعة الى ساحة لعرض وبيع وشراء
الدراجات الهوائية والبخارية وفي الأيام العادية هي محطة
استراحة للباعة والمشترين على حد سواء صيفاً وشتاءً وعلى
الأكثر صيفاً.
احد الأصدقاء لمح الى ان اسواق الباب الشرقي هي المعارض
الدائمة (للحواسم المستمرة) وانا اثبت هنا ان الأيام
الأولى بل الاشهر الأولى عرضت في الباب الشرقي بضائع كثيرة
من (ماركة الحواسم).. بل عرض الباب الشرقي حتى ادوات
واجهزة التعذيب التي كانت تستخدمها اجهزة الأمن في النظام
المباد، اما الان فقد تم تصريف تلك البضائع.. لكن الحرامية
في كل مكان وليس في الباب الشرقي وحده، الباب الشرقي سوق
.. والاسواق تحتاج الى الامان لتعمل وتحتاج الثقة لتنمو
وتزدهر وهذه النقلات ستأتي كتحصيل حاصل للرغبة في الربح
والكسب لدى البائع والمشتري على حد سواء ولن تأتي بها
الاجراءات الامنية وحدها، ولا قوات الشرطة والجيش، اتركو
الامور للزمن وسيشذب كل شيء.. انها مسألة وقت ليس الا.
|