طوال
اسبوع تجولت (المدى) في مدن (حزام الفقر) التي تقع شرق
بغداد أو مناطق خلف السدة، لتتعرف على احوال المواطنين
ومعاناتهم هناك. يسكن هذه المدن نحو مليون مواطن، وهم
يعانون وما زالوا ضعف الخدمات في كل شيء.
(المدى) تنقل صوراً من الحميدية الجنوبيـــــــــــــة و(
سبع قصور ) والمعامل وحي طارق، حاملة أسئلة المواطنين إلى
المسؤولين.
المدى تفتح
ملف (مدن حزام الفقر) حول بغداد (القسم
الثاني)
..
منطقة المعامل جهزوها بمضخات ماء جديدة
فأغرقت الشوارع بدل توفير الماء !
بغداد/ مفيد الصافي
تصوير / سمير هادي
على
الرغم من ضيق المكان في مكتب الشهيد الصدر اجتمع عدد من
مواطني منطقة المعامل يناقشون أحوال منطقتهم التي غطى
الوحل ومياه الامطار طرقها وتعاني نقصاً حاداً في جميع
الخدمات. قال المواطن يحيى محمد 35 عاما " نحن مهملون منذ
زمن بعيد. لم تعرفنا سوى زنزانات امن الدولة ايام النظام
السابق" وافقه الرجال بحركات إيمائية من رؤوسهم.. وتحدثوا
كيف ان النظام السابق كان يخشى من ان تكون مدينة المعامل
مدينة صدر اخرى بعدد سكانها الذي يزيد على 500 الف نسمة
فحاربها بشتى الطرق من اجل تقسيمها الى وحدات صغير ة ليسهل
له السيطرة عليها.
قال
احد المواطنين غاضبا " هل تصدقون إن وزير الثقافة السابق
سئل مرة عن مدينة المعامل فقال انها غير موجودة على
الخارطة. لماذا لم يلتفت إليهم احد هل السبب لان اهلها
فقراء وليس فيهم الكثير من حملة الشهادات؟ أليس ذلك بفعل
عدم الاهتمام والإهمال الشديد الذي يدفع بالأسر إلى دفع
أولادها للعمل ومعاونة أسرهم على تكاليف الحياة الصعبة؟
أين المسؤول
تحدثوا عن عدم وصول أي مسؤول للمدينة وعدم الاهتمام بها
وذكروا مسألة التظاهرات التي تعاهدوا عليها حينما وصلت
أحوالهم وظروف معيشتهم إلى حالة سيئة فصمموا قائلين "سوف
نمنع وصول سيارات الطمر الصحي الى مناطقنا" لان هذا هو
الحل الوحيد. بعد التظاهرة التي قاموا بها جاء مسؤولون عن
الحكومة فوجدوا إن الحالة يرثى لها وان هنالك إهمالاً
كبيراً. تلاوم المجتمعون هناك بعد الاجتماع الذي عقد مع
الجهة الحكومية، لأن المتحدثين عن المنطقة ركزوا مواضيعهم
حول نقص الماء والغاز في حين أن مشاكلهم اكبر من ذلك بكثير.
ذكروا ان الشارع الوحيد المستغل فيها موجود منذ ايام
البريطانيين وفي زمن النظام السابق فتح طريق اخر خلف
المدينة ربما لابعاد المسافرين عن رؤية المناظر البائسة
للسكان .مدينة المعامل تضم احياءً عديدة مثل حي النصر وحي
الرشاد وقطاع خمسة وحي العماري وقطاع ستة وحي الصعيد- نحو
1500 منزل.ومنطقة الدوانم ومنطقة البستان ومنطقة الحسينية
وسوق العكيلي ومنطقة الحسينية وبستان سامي ومنطقة شاعورة
ام جدر.
في عهد الطاغية أمر بتقسيم المدينة من منطقة الباوية
وفصلها عن مدينة الصدر حتى يمكن ان يسيطر على العدد الكبير
من المصلين الذين يصلون صلاة الجمعة وقام احد الصداميين
بوضع لافتة على حدود منطقة الباوية التابعة الى مدينة
المعامل لتكون تابعة الى حدود محافظة ديالى مع العلم إنها
تفصلها عشرات الكيلو مترات.
تاريخ المدينة
السيد جليل جعاز رئيس المجلس البلدي ، ويحمل شهادة
بكالوريوس آداب لغة عربية وهو مدرس في إعدادية المشتل
الصناعية ، تحدث بصوت هادىء عن قصة مدينته وابتدأ بمعلومات
عن الطريق المبلط الذي يخترق المدينة المترامية الأطراف
وعن كونه منذ ايام الاحتلال البريطاني ووصفه بأنه المنجز
الوحيد في مدينة المعامل التي هدمت معامل الطابوق فيها
والتي كان يعيش عليها عدد كبير من السكان في عام 1988 ،
قال السيد جليل " إن المعامل محرومة من ابسط الخدمات مع
انها تقع على حدود أمانة بغداد" وكيف عامل النظام السابق
سكانها بطريقة غريبة إذ أمر بترحيل أهلها الى منطقة
النهروان في الشهر السادس من عام 1988 ووصل التبليغ إلى كل
منزل من منازلها الفقيرة. ولكن الأهالي لم يكونوا يعلمون
أين تقع النهروان وليس لهم هناك مصدر رزق. ودخلت آليات
يقودها أعضاء من حزب البعث وقاموا بإجبار المواطنين على
الرحيل الى النهروان بعد ان انذروا السكان ثلاثة ايام قبل
تحرك (الشفلات) عليهم. اجبر العديد منهم على الرحيل الى
النهروان وهدمت معامل الطابوق واستمر هذا الى بداية
التسعينيات ولكن بعد احتلا الكويت انشغل النظام بأمور اخرى
عن المواطنين وترحيلهم وبعد سقوط النظام عاد الكثير من
الأهالي الى هذه المنطقة من الذين كانوا يؤجرون منازل لهم
او من كان يسكن بعيدا عن محل عمله.
قال السيد جليل" اننا ضمن حدود أمانة بغداد في محلة 777
وضمن التصميم الأساسي لمحافظة بغداد". ويعرف الجميع أن
هنالك لافتة كانت موجودة قرب منطقة حدود البزل أو السدة
تشير إلى حدود بلدية بغداد وأزيلت هذه اللافتة من قبل
أشخاص أرادوا ان يجعلوا مناطقهم داخل حدود بغداد وكأن
الأمر سوف يقتصر على هذه اللافتة وليس إلى خرائط رسمية
وقرارات.
الكثير من المنازل هنا مبنية عن طريق الحصول على ما يسمى(
سحب عقاري) ولهم ميزانيات منذ السبعينيات والثمانينيات.
وهي منازل كل أوراقها الرسمية تبين تبعيتها إلى بغداد. "فكيف
يقول من يقول إننا خارج بغداد".
ان مدينة المعامل او محلة 777 تحيطها مناطق زراعية .الكثير
من الذين سكنوا النهروان باعوا منازلهم هناك وعادوا إلى
منطقة المعامل واشتروا منازل فيها بشكل قانوني.
لا يصل الماء الى البيوت الا عن طريق المضخات وهنالك شهران
من السنة يكثر فيهما استعمال السيارات الحوضية للحصول على
الماء. وأكدوا ان النظام حاربهم عن طريق عدم تقديم اية
خدمات فيها وان كل ذلك كان مقصودا.
المدرسة
كانت المديرة في المدرسة الابتدائية الوحيدة للفتيات في
منطقة المعامل الست ماجدة كاظم تجلس في مكتبها القديم في
غرفة غير مؤثثة . وهي تعلم انها لا تستطيع ان تحاسب
التلميذات على مستوياتهن الضعيفة بسبب الظروف الصعبة أصلا
للاهالي، قالت " تأتي الطالبة وهي متعبة من نقل الماء على
راسها لساعات متواصلة" المدرسة ليس فها حنفية ماء واحدة
لشرب الماء ولا كهرباء فيها. أما غرفة المراحيض الوحيدة
فهي ضيقة ومغلقة بمساحة متر مربع.
مدرسة زينب الحوراء الابتدائية ( سابقا الماجدة البهية)
تضم ألفين ومئتي طالبة..وان زخم المنطقة كلها مجتمع على
المدرسة هذه. في البداية كانت الابتدائية تشترك مع ثانوية
الآمال للبنات بعد الساعة الثانية ظهرا " من الصعب ان
نتمكن من إعطاء الدروس في هذه الأوقات" كما قالت المديرة.
اضطروا إلى استغلال بناية كانت تستخدم فرقة حزبية لا تصلح
الا ان تكون سجنا. الشارع القديم الذي يخترق مدينة المعامل
شارع مزدحم على الدوام مما يؤخر وصول التلميذات والطالبات
إلى مدارسهن ولكن المشكلة تكمن في مياه الأمطار التي تحول
الشوارع إلى وحل من الصعب ان يتحرك به احد وأحيانا تغلق
الطرق. وتحدثت عن أوضاع المدرسة قبل ان تتحسن الظروف
الامنية هناك بمشاركة الأهالي . واكدت المديرة حادثة وقعت
قبل عدة اشهر ، فقد ادى خطف إحدى الطالبات الى ترك ثلاثة
أرباع التلميذات المدرسة .
بعد إنشاء المجلس البلدي ونتيجة لتعاون المواطنين أنشيء
مجمع آخر جديد يضم محركات ومضخات وفيه حوض يتسع لنحو 900
متر مكعب في الساعة الواحدة.ولكنهم حينما جربوا الضخ ظهر
عيب لم تستطع شركة (هوزان) التي نفذت المشروع من إتمامه
أول الأمر . فأثناء عملية الضخ اخذ الماء يخرج من ثقوب في
الأنابيب وأدى الى إغراق الشوارع. وحدثت تكسرات عديدة في
أنابيب المدينة. حتى جاء مواطنون وطلبوا وقف الضخ لان
منازلهم غرقت. وكان الوضع محزنا فبعد انتظارنا الطويل تبين
فشل التدبير الذي قامت به الشركة الهولندية والتي تسلمت
المناقصة من دائرة ماء بغداد. راجعوا دائرة ماء بغداد التي
اعطتهم كتابا رسميا الى مقر الشركة التي قامت بعد عدة ايام
بإصلاح العطلات الكهربائية والميكانيكية ولكن بقي العطل
الأكبر وهوالأنبوب المثقب ولم يقوموا بعلاجها. هم وعدونا
بإصلاحه وأعطيت نسخة من الكتاب الى دائرة أمانة بغداد والى
مدير الاعمار فيها. الكهرباء فيها مشاكل لان الشبكة قديمة
تعود الى اكثر من عشرين عاما وهنالك تلف في الأسلاك ونعترف
بان هنالك تجاوز عليها وعند حدوث العطلات من المفروض ابدال
الأسلاك. وهنالك أسلاك تنتهي ولكن الاهالي يشترون بدائل
لها.
متاعب المدرسة
داخل الصف الصغير كانت المعلمة تحشر نفسها بين السبورة
والرحلات لان المكان ضيق وجلس بعض الفتيات على الأرض.
تحدثت المديرة عن نقص الرحلات وطلبها من المدير الذي قال
لها ان عليها ان تذهب الى منطقة (طويريج) بنفسها لأنه لا
يستطيع ان يجبر السواق الى الذهاب الى هناك لانه يمر
بمناطق خطرة ينشط فيها الإرهاب. " انه يخاف على السواق وهم
رجال ولا يخاف علي وأنا امرأة". واشتكت من ان المديرية لم
تشمل المدرسة بحملة الاعمار مدعين بان موقع المدرسة ليس
نظاميا " ان المدير العام السابق أعطانا امر الانتقال الى
هذا الموقع فكيف لا تشمل المدرسة بالاعمار وما الحل؟ وقالت
الست كاظمية مجيد علي مديرة المدرسة وإنها أوصلت هذا
الكلام الى كثير من المفتشين الذين يزورون المدرسة وهم
يعلمون بالمعاناة. وشكت ان المدرسة ليس فيها حارس ليلي لان
مديرية تربية الرصافة قالت انها لا تملك درجة وظيفية
مناسبة
مرت المديرة بجانب الحائط الذي انتشرت على واجهته أسلاك
الكهرباء السود كشبكة العنكبوت." تعرضت بعض الفتيات عندي
إلى صعقة كهربائية بسبب هذه الأسلاك ولا ادري متى تنتهي
هذه المعاناة".
|