المــــــــرأة العــــراقية بين صــــــورتين..
بغداد/مها عادل العزي
في
معرض أقيم مؤخراً للفنان أمري سليم لفتت انتباهي إحدى
الصور وهي بالأسود والأبيض. نسوة الكاظمية وقد خرجن
للتظاهر احتجاجاً على المحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الكريم
قاسم، زمن الصورة عام 1959، ما يثير الاستغراب في هذه
الصورة بغض النظر عن حرية المرأة في ذلك الوقت وتعبيرها عن
رأيها، أن النسوة كن بمجملهن من السافرات، سؤال يطرح الآن
ترى لو خرجت نساء الكاظمية في هذا الوقت.. فكيف ستكون
الصورة الآن؟ ولو وضعت كلتا الصورتين على شرط أن تكون
الثانية بالأسود والأبيض، في مكان واحد بدون تاريخ.. فكيف
سترتب الأحداث؟
أخذتنا هذه الصورة لتساؤلات كثيرة، من حقيقة وضع المرأة
اليوم وكيف يلخص زيها حقيقة ظرف مجتمعها وثقافته.. قبل ذلك
سنرسم صورة مختصرة لما كانت عليه المرأة قبل اليوم بأكثر
من خمسين عاماً..
كانت العباءة هي زي المرأة السائد في الأحياء الشعبية من
بغداد، وبالرغم من وجودها في الأحياء المتوسطة والراقية
فقد غلب السفور على بنات هذه المناطق، ومع الوقت تسربت
موجة السفور إلى الأحياء الشعبية وأول من بدأها الطالبات
والموظفات، المثير للاستغراب انتشار وجود الخياطات
المحترفات قبل ذلك بزمن ليس بالقصير وأغلبهن تركيات أو
يهوديات الأصل، ويطلق عليهن (الأستة).
إلى جانب الخياطة والتفصيل كانت الأستة تعلم بناتها (العاملات
لديها) التطريز والحياكة. ليتخرجن بعد ذلك خياطات ماهرات،
أما الموديلات والتصاميم فكانت تحصل عليها من كتلوك خاص
يصل إليها من الخارج.
مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، دخل التلفزيون إلى
أغلب البيوت العراقية، وكان له أثره في انتشار الموضة بآخر
صرعاتها بين الطالبات والموظفات وحتى ربات البيوت ابتداءً
من الميني جوب والميكروجوب وانتهاء بالجينز (الجالس) وما
بينهما من بوليره وبدي وقمصان قصيرة.
بعد ذلك وفي فترة الثمانينيات كان إن سادت الملابس التي
تميل إلى العقلانية فازداد طول التنورة إلى تحت الركبة
واتسع القميص قليلاً، ومع نهاية هذا العقد وبداية
التسعينيات بدأ ظهور الحجاب، سبقه زيادة في طول التنورة
مرة أخرى لتظهر في موديل (المكسي) بفتحته الطويلة.
بعد حرب الخليج الأولى أخذ الحجاب مدى آخر، فانتشر بين
طالبات الجامعة والموظفات وهم الشريحة التي تعطي صورة
لموضة الشارع.. أغلقت فتحة التنورة وبقي طولها وكانت هي
السائدة في الأسواق والمحال التجارية.
ومع نهاية التسعينيات سيطرت هذه الموجة حتى امتدت لتشمل
صغيرات السن والمراهقات.
بعد الحرب الأخيرة مباشرة شهد الشارع العراقي سلسلة لم
تنته حتى اليوم من أعمال العنف والإرهاب وانتشار العصابات
المسلحة، مما أصاب الكثير من النساء بالرعب حتى أن الشارع
حتى لم يكن آمناً بالمرة خاصة عقب السقوط، ومع اضطرار
المرأة للخروج أما للعمل أو الدراسة، كانت الوسيلة الوحيدة
لديها هي أن تخفي الإعلان عن نفسها وتؤثر لبس الملابس التي
لا تجذب الانتباه إليها وساد لبس الحجاب وظهرت العباءات
الإسلامية.
كان ما تناولناه هو ملخص بسيط، ولا يفوتنا أن نقول أن زي
المرأة بصورة خاصة يجسد صورة التفكير الاجتماعي وهو نتاج
ما يدور على الأرض من ارتباك أو تصالح من دون أن يكون
معياراً حقيقياً لمستوى التدين أو الأخلاق.
|