رسالة
عمان الثقافية:
حمدي النجار يعتبر جواد سليم استاذه والبرونز خامته التي
يتحدث بها
محيي
المسعودي
حمدي النجار واحد
من النحاتين المصريين المعاصرين الذين اكتشفوا اسرار
البرونز فعشقوه واستطاعوا من خلاله تدوين الذاكرة المصرية
الراهنة فجاءت اعمال النجار تحمل دلالات عديدة ومترابطة من
حيث الوظائف والصلات فالبرونز هذا المعدن الذي ظل يحمل
معاني وصفات حضارات قديمة هو نفسه اليوم يدون للحضارة
المعاصرة ويربط بين حضارة مصر الفراعنة ومصر العرب هذه
الايام، والاعمال بالقدر الذي قدمت فيه صورة للحياة
المصرية المعاصرة بنفس هذا القدر حملت ثيما ودلالات مصرية
وظفها النجار كابجدية لقراءة اعماله التي تأتي استكمالا
لحضارة وادي النيل التي استأنف العمل عليها من قبله النحات
المصري الراحل محمود مختار.
البرونز هو الخامة الوحيدة التي كوّن منها الفنان منحوتاته
فكان للونها طابع التوحيد لجميع الاعمال التي عرضها في
جاليري دار الاندي مؤخرا وقد اعتمد النجار كثيرا على وزن
خامة هذا المعدن فنيا وتقنيا اذ وظف وزنها الثقيل من اجل
تثبيت الاشكال في امكنتها بقوة واضافة الى هذه الوظيفة
التقنية ترك الفنان اعماله تؤدي وظيفة دلالية اخرى تتحدث
عن رسوخ الاعمال وصلتها بواقعها من خلال ثقلها على القاعدة
اضافة لما يعكسه هذا الشكل الصغير نسبيا مع الوزن الثقيل
بها وظل يعمل على هذه الثيمة مستخدما التناسب بين النظر-
الشكل والوزن.. فالعين عندما ترى المنحوتة لا بد للعقل من
ان يقدر وزنها بشكل يتناسب طرديا مع حجمها.. ولكن النجار
اعتمد عكس هذا اذ عمل على التناسب العكسي، فنجد المنحوتة
الصغيرة اثقل وزنا مما اعتقدنا مقارنة مع حجمها وشكلها بل
نجدها احيانا اثقل وزنا من اعمال اخرى هي اكبر حجما.. ففي
الاحجام الكبيرة ترك فراغا- اشكالاً مجوفة- اما الصغيرة
فكانت مليئة.
وفي حسابات دقيقة لمساقط الاشكال الهندسية عمل النجار على
قاعدة الارتكاز في اعماله التي جاء مركز ثقلها شاقوليا على
نقطة الارتكاز -القاعدة- وتأتي اعمال النجار ثقيلة الوزن
بشكل عام.. جسد خلالها رؤيته الفنية وافكاره وتصوراته
ووجدانه.. كل هذه الاشياء عكستها المواضيع التي طرحها من
خلال الشكل او دلالاته.. وكان للمرأة الحضور الاقوى بين
الاعمال فهي الام والحبيبة والزوجة وربة المتعة والمضطهدة
والمنطلقة والراقصة.. والى جانبها الرجل كظل لها مما يذهب
بنا نحو الحياة المصرية القديمة والمعاصرة وملاحظ ان
الوجوه التي حملتها تكوينات النجار تتوحد في ملامحها
كالانف والوجه الطويلين الناعمين اضافة الى الاطراف التي
استطالت بشكل كبير.. ويكمن في الاشكال قدر كبير من الالم
وتتسم بضغط داخلي عال ينعكس على المظهر الخارجي برغم
محاولات الفنان بسط روحية الانسان المصري الميالة للفرح
والاحتفال.. وفي لقائنا مع الفنان حمدي النجار قال انه
وعلى الرغم من كون اعماله امتداداً للفن المصري الا انه
متأثر بفنون حضارة وادي الرافدين القديمة كما انه يعتبر
النحات محمود مختار استاذه فانه بنفس القدر ينظر للفنان
العراقي الراحل جواد سليم ويعتبره استاذا حقيقيا له في فن
النحت قائلا أن فناني البلاد العربية بعضهم يكمل البعض
وجيل يكمل جيلا منذ فجر التاريخ معتبرا العصر الجاهلي من
العصور التي شهدت رقي فن النحت من خلال - الاصنام - التي
كانوا يتخذون منها آلهة لهم معتبرا العبادة ثيمة القدسية
التي نزعت على فن النحت آنذاك مما رفعت من سويته فنيا..
وعن زيارته الى الاردن واقامة معرضه في عمان قال.. انه
ينظر الى المدن العربية جميعا كما ينظر الى القاهرة.. ولكن
لكل مدينة خصوصيتها المحلية في النظر للفن او التعامل
معه.. وفي عمان وجد الحميمية العالمية مع الذين التقاهم من
فنانين وناس عاديين.. ولكنه شكا من الاعلام الذي رأى انه
لم يعن كثيرا بمعرضه قائلا أن بعضهم دخل المعرض ولم يكتب
شيئا وقبل هذا لم يكلف نفسه الحديث مع الفنان وسؤاله عن
الاعمال.. والحقيقة ان وراء هذا الحال ظاهرة تنظيمية اكثر
منها اهمالا لمتابعة الفن ومعارضه لان يوم افتتاح معرض
النجار كانت هناك نشاطات فنية وثقافية كثيرة منها افتتاح
معرضين فنيين واحد في المركز الثقافي الفرنسي للفنان
السوري خالد بركة والثاني في جاليري الاورفلي للفنانة
ديانا شمعونكي اضافة الى نشاطات اخرى في مركز الحسين
الثقافي.. وقبل كل هذا جاء معرض النجار خارج برنامج
الجاليري وبشكل طارئ.. كما استغرب الفنان حمدي النجار من
غياب النقد الفني عن الساحة متسائلا: اين النقاد الفنيون
في مدينة كثيرة الجاريهات غنية بالمعارض المتنوعة في
الفنون ومشاربها المختلفة؟. |