تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

على هامش محاكمة العصر ..حلبجــة هيروشيمــا العراق

  • الولادات المشوهة مازالت تتكرر حتى اليوم

  • حلبجة تنهض من جديد مع العراق الجديد

  • خمسة الاف ضحية وخمسة عشر الف معوق

  • الطائرات تلاحق الهاربين داخل إيران

  • تحت غيوم الكيمياوي استشهد البشر والحيوانات والطير والشجر والماء والهواء

متابعة/صافي الياسري
 

نوروز حلبجة
مازلنا غير قادرين على النظر الى تلك المشاهد المرعبة في ازمة وشوارع حلبجة يومها ذبلت الازهار واستمرت الطيور والعصافير والفراشات تتساقط في احضان الأطفال المخنوقين بغاز الساعة العاشرة صباحاً من نوروز حلبجة في آذار 88 الأطفال المصعوقون على ابواب دورهم في مهودهم على ارصفة الشوارع في احضان امهاتهم المضمخون بيراءة ملائكية لا مثيل لها، كيف استحالوا جثثاً؟ في لحظة خرجت على الانسانية وزمنها، ها انت تراهم ينهضون من رقدتهم ويتقدمون نحوك أو يطلعون من شاشات التلفاز ومن ورق التعاويذ في ايديهم الخبز واقداح الشاي الصباحي.. أو زاحفين من احضان امهاتهم ولاتزال افواههم ندية بحليب اثدائهن.. ويلي.. من يستطيع النظر؟
تقول باكزه احمد 67 سنة كنت في حقل خارج المدينة، سمعنا قصف المدفعية ورأينا اسراب الطائرات تغير على المدينة لكننا لم نعرف حجم الكارثة حتى عدنا الى المدينة لتصدمنا مشاهد الموت الجماعي وبدءاً لم نصدق انهم موتى، كنا نتهيأ لنوروز فأي نوروز منحنا صدام وعلي الكيمياوي، قتلوا عرسان حلبجة وشبابها ونساءها وأطفالها وشيوخها، ثم تجهش السيدة بالبكاء وهي تذكر انه لم يتبق من عائلتها احد وتولول بحسرة ليتني ذهبت معهم .
ويقول نوزاد خوشناو: لا احد منا يريد ان يتذكر تلك المشاهد المؤلمة ولا احد يستطع نسيانها فقد تيبست أجساد الضحايا وهم يتناولون طعامهم ويمكنك قراءة الدهشة والذهول والمفاجأة والرعب في ملامحهم، الصور التي نقلها إعلاميون زاروا المدينة بعد الجريمة مباشرة ابلغ تعبير عن الجريمة التي هزت ضمير العالم كله، لا نريد ان نتذكر حرارتها.. لكننا لا نستطيع النسيان.
ويقول شهود عيان: ارتفع سحاب كثيف ابيض اثر القصف الذي قامت به مدفعية الحرس الجمهوري وطائراته صباح 16/3/ 1988 وغطى المدينة باكملها وفي لحظات كان كل شيء يختنق ويموت وحصدت الجريمة خمسة الاف شهيد وخمسة عشر الف معوق وجريح ومات المئات من الهاربين الى إيران ودفنوا غرباء في قرى متفرقة ولاتزال العديد من الشواهد في مقبرة بهشتي زهراء بين قم وطهران تحمل اسماء شهداء من حلبجة نساءاً ورجالاً واطفالاً.
نوروز حلبجة كان واحداً من ايم جرائم الانفال سيئة الصيت التي امتدت من نيسان 1987 الى 25 آب 1988 وفي هذا اليوم فقط تعرضت 19 قرية في مدينة دهوك وحدها للقصف بقنابل الغاز السام، جرائم الانفال حصدت 182 الف شهيد ولا تزال مدن وقرى بنجوين وماوت واطراف مثلث كركوك السليمانية بعقوبة تحتفظ بآثار القصف الكيمياوي وبالضحايا المشوهين بسببه.
لم نكن نملك يومها الا ان ندون على صفحات قلوبنا وعلى احداق عيوننا بعض مشاهد تلك المجزرة دون ان نتمكن من الكتابة عنها على الورق الذي يعرفه العالم، فنحن المعتقلين في سجن العراق الكبير لم يكن من حقنا حتى التذكر.
وصحيح ان حلبجة اغتيلت معها وبعدها مدن عراقية اخرى، الا ان الاصح انها شهدت في لحظة الاغتيال ذاتها، لحظة ولادة جدية ويوماً جديداً فقد أصبحت راية ورمزاً لوطن قتيل ومحاصر تمتد إليه اكف الشرفاء من كل أصقاع الأرض.
وهي اليوم وثيقة ودليل ادانة دامغ ضد كل رموز الابادة الجماعية ولن يتمكن الانكار من طمس الحقيقة.
حتى تصل حلبجة عليك قطع مسافة 80 كيلو متراً من مركز مدينة السليمانية الى مركز حلبجة مروراً بسلاسل جبلية تشرف على واحد من اغنى سهول العالم واخصبها سهل شهرزور بعد عبور مدينة سيد صادق وجسرها الشهير وجسر "زه لم" ويمكنك وأنت تمر مشاهدة عمائم الثلوج وذوائبها على قمم وسفوح الجبال الشاهقة، وتقع حلبجة في زاوية الشمال الشرقي من العراق على خط الطول 46 شرقاً وبين خطي العرض 35 و36 شمالاً الى الجنوب الشرقي من مدينة السليمانية ويحيطها من هذا الجانب سهل شهرزور ومن الشرق جبل شزوى ومن الشمال جبل هورامان ومن الجنوب سلسلة جبال بانبو ومن الشمال الغربي تشكل بحيرة دربندي خان نصف دائرة حول المدينة ما يجعلها أشبه بشبه جزيرة خضراء تحتضنها الجبال.
وحلبجة تسمية ينسبها البعض الى العبارة الفارسية عجب جا ومعناها واضح وينسبها اخرون الى كلمة اجاص الفاكهة التي تشتهر بها بساتين المدينة بينما ينسبها بعضهم من التجار الذين يترددون على مدينة حلب السورية الى حلب هذه فيقولون عن حلبجة، انها حلب الصغيرة.
وتجمع المصادر على ان محمد باشا هو الذي انشأ المدينة اواسط القرن الثامن عشر الميلادي ابان السيطرة العثمانية على العراق وعلى منطقة شهرزور وهناك روايات تقول بان بكوات شيوه كه ل المعروفين باسم العوائل الثلاث عشرة التي تبدأ بـ حمه جاوش هم الذين بنوا المدينة ولا توجد دلائل اخرى على ان المدينة كانت عامرة قبل هذا الوقت سوى بعض الاخبار عن ارتياد بعض المتنفذين لها في موسم الصيد وقد مر بها الكثيرون ومنهم مامون بيكه بك وهو احد الأمراء السلاجقة الذي زارها في حدود القرن العاشر الهجري.
وتاريخ حلبجة يذكر ان مؤسسها كان أول حاكم لها وهو محمد باشا الجاف برغم ان الثابت تدويناً انه قه زاسي في عام 1889 وقد عين عثمان بك بن محمد باشا الجاف قائممقاماً لها وبعد وفاته عام 1909 تولت قرينته عادلة خانم مقاليد الامور وهي التي سماها الجمهور خاتمي عصمان باشا ثم أصبحت ممثلة عن الحاكم البريطاني حتى عام 1923 ثم عين ابنها طاهر بك بن عثمان باشا ثم خلفه عام 1924 احمد مختار جاف وقد اختير الاخير لعضوية المجلس النيابي في بغداد فحل بدلاً منه احمد بك الجاف الذي استمر بمنصبه حتى عام 1932 (تاريخ حلبجة المروي) ويقول الكاتب احمد الجاف ان حلبجة عرفت بتاريخها السياسي ونشأت فيها الحركات الوطنية وأسست فيها الجمعيات والاحزاب وكان ابناؤها من المناصرين لثورة الشيخ محمود الحفيد ويقول الكاتب ان 32 مسلحاً من أهالي حلبجة هزموا 500 جندي بريطاني في معركة ده ربه ندي ئه شكه وهـ ل عام 1921.
المجزرة
عام 1988 اجتاحت القوات الايرانية المدينة وعبرتها حتى نهر زه لم كما يقول السكان، ولايام قلائل ظل تبادل النيران بين الجانبين سارياً حتى ظهيرة يوم 16/3/1988 اذ امتلأت اجواء المدينة باسراب الطائرات القاصفة حسب الناجين من جريمة الكيمياوي ويحمل بعض هذه الطائرات بالونات لتحديد اتجاه الريح فقد كانوا يستعدون لاطلاق الغازات السامة ويتحسبون ان تحمل الريح هذه الغازات الى جهة غير التي يريدونها ويقول السكان ان عدد هذه الطائرات تراوح بين 6 و12 طائرة تناوبت قصف المدينة، المنازل والبنايات والمزارع والشوارع وقد فر السكان اثر ذلك عشوائياً باتجاه الجبال بينما كانت الطائرات تلاحقهم وتحصدهم برشاشاتها وتتعقبهم حتى داخل الاراضي الايرانية.
وقد استخدمت آنذاك انواع الغازات السامة وجربت على سكان حلبجة انواع لم تجرب من قبل من غاز الخردل والاعصاب فامتلأت سماء المدينة بغيوم كثيفة من الغازات ذات الالوان المتعددة فمات البعض حرقاً ومات اخرون اختناقاً وانتفاخاً ومنهم من جحظت عيناه حتى خرجتا من محجريهما ومنهم من امسكت به هستيريا الضحك أو البكاء حتى الموت.
(كاكا كان مثل يوم الحشر) تلك العبارة رددها العم حمه سور شيرزاد فقد فر السكان باتجاه الجبال أو حيث لا يعلمون أين يذهبون يطاردهم القصف المدفعي والطائرات وقد ذهلوا فلا احد منهم يفكر في عائلته أو أولاده أو زوجته أو أمه وأبيه أو جاره انشغل كل واحد بنفسه تماماً كاكا.. مثل يوم الحشر وخيطان الدخان الأبيض والملون تصطاد الأطفال والنساء والعصافير والشجر والماء والهواء.
وعند مقبرة المدينة القديمة دفن الناجون بعد ان عادوا الى مدينتهم الشهيدة بواسطة الشفلات أكثر من 1500 جثة لشهداء من النساء والاطفال والشيوخ والشباب، وقد اقامت الحكومة الاقليمية في كوردستان مقبرة رمزية للشهداء وضعت فيها شواهد كتب عليها عدد من اسماء الشهداء الذين قدر عددهم على القلة بـ 5000 شهيد عدا من استشهدوا في المستشفيات والمخيمات الايرانية التي اقيمت للهاربين من جحيم حلبجة التي لم يتخلص من مرارة ذكرياتها الناجون حتى اليوم .
يقول حبيب حسن علي- احد حراس المقبرة: هربنا الى قرية عبابيلي لكن الدخان والروائح القاتلة لاحقتنا الى هناك وقد فقدت العديد من اقاربي واصدقائي ومعارفي في يوم الحشر هذا.
عبد الرحمن عزيز احني- مسؤول عن حراسة المقبرة قال: لم يكن بامكاننا الفرار الا باتجاه قريتين إيرانيتين هما سازان وطويلة وقد فعلنا ولكن الطائرات لم تتركنا نمر فلاحقتنا بمدافعها الرشاشة وغازاتها السامة القاتلة، انها طائرات النظام المجرم ولا سبيل لانكار ذلك وكلنا شهود.
متحف المدينة
تدخل المتحف وكأنك تدخل ضريحاً مقدساً مرهف المشاعر والاحاسيس تسبقك الدمعة والشجن المضني فتصلي بينك وبين نفسك صلاة الشهداء والضحايا على وقع نغمات الفلوت الحزينة للموسيقار الايراني جمشيد عند ليبي.. ها انت محور طقس كان بدؤه يوم الحشر.. نور وز حلبجة.
ومنذ شهر كانون الثاني عام 2001 خصصت الحكومة الاقليمية- مجلس وزارء كردستان ميزانية مفتوحة لوزارة الثقافة لغرض اقامة نصب تذكاري ومتحف وثائقي للمدينة وقد بذلت في سبيل ذلك جهود كبيرة كما أوضح السيد مدير المتحف وقد تم افتتاح المشروع بحضور وزير الخارجية الاميركي آنذاك كولن باول في 15/9/2003.
وجسد النصب وصممه المهندس المعماري جمال بكر قصاب الذي جعله رمزاً تعبيرياً، فهو عبارة عن مجموعة من الأكف الخارجة من كوم من الخوذ العسكرية لتحتضن شكلاً قريباً من الماسة وهي مرفوعة الى اعلى باتجاه السماء ايحاءاً بحلبجة الناهضة من جديد.

حلبجة وثيقة ادانة حية.

بعيداً عن الاعيب والمناورات التي تجري في سوح المحاكم والثغرات التي يحاول اصطيادها المحامون والمدافعون ضمن لعبة المحاكمة عن مجرمين لا شفاعة لهم امام الشعب القتيل ترتفع حلبجة أو حلبشيما كما يسميها مثقفو المدينة اسوة بهيروشيما وثيقة ادانة لا تقبل الدفع لنظام القتل والجريمة المباد.


بمناسبة صدور كتاب المدى الشهري (العودة الى الاهوار) :قصص عن جريمة تجفيف الأهوار
 

العمارة/ محمد الحمراني

في عام 2000 وزعت الادارة الوطنية للطيران والفضاء (ناسا) في الولايات المتحدة الامريكية صورا تؤكد تجفيف 90 بالمئة من اهوار العراق وقالت بان ذلك اكبر كارثة بيئية في العالم .وفي تصريح لمدير برنامج الامم المتحدة للبيئة السيد (كلاوس تويفر) قال: ان التدمير شبه الكامل للاهوار العراقية في ظل نظام صدام حسين كان كارثة انسانية وبيئية كبرى حرمت عرب الاهوار من ثقافة عمرها قرون.ولكن كيف حصلت عمليات التجفيف؟ ومن المسؤول عنها؟ وهل هناك اسباب تدعو لذلك؟ وماذا حل بالسكان بعد عمليات التجفيف ؟ هذه الاسئلة ستجيب عليها اسرار وقصص بقيت حبيسة في رؤوس الكثير من سكان مناطق الاهوار وان الاوان لكشفها.
نبذة تعريفية مختصرة
اكد الكثير من الباحثين بان مجتمع الاهوار هو امتداد للمجتمع السومري القديم واتي هذا الرأي على ضوء دراسات علمية وتاريخية اثبتت الشبه الكبير بين كلا المجتمعين ولكن الكثير من ابناء هذا المجتمع لايعنيهم البحث في الاصول ويكتسبون الكثير من عاداتهم وتقاليدهم عن طريق الوراثة ويمتهنون الزراعة ورعي الجواميس اضافة لمهن اخرى مثل : حراسة السدود والصيد. وتذكر بعض الاحصائيات بان عدد سكان الاهوار في بداية السبعينات كان يقدر ب(500) الف نسمة ينتشرون على مسطح مائي يصل الى (20) الف كيلو متر مربع هو عبارة عن سلسلة من المستنقعات والبحيرات المتداخلة تمتد بين مدن العمارة والناصرية والبصرة تسكنها عشائر مختلفة في العادات واللهجات وتعتبر منطقة الاهوار حاضنة للكثير من المعارضين للانظمة السياسية على امتداد تاريخ البلاد ،لوجود متاهات عديدة تخفي مئات الافراد ومنها انطلقت العديد من الثورات كرد فعل ،على سنوات من الظلم والتجاهل لهذا المجتمع . واسفل المسطحات المائية يوجد خزين نفطي يقدر ب(30) مليار برميل من النفط الخام ويحصل سكان هذه المناطق على غذائهم من حقول الرز الكبيرة التي كانوا يزرعونها والجواميس التي توفر لهم الحليب ومشتقاته وكذلك يحصلون على الاسماك والطيور من المستنقعات المحيطة بهم وهذا ما جعلهم ينعزلون عن المجتمعات المدنية .وهم سكان يتقنون القتال والغناء معا ويحترمون السادة وكبار السن والغرباء وهم في سنوات متاخرة من الفتح الاسلامي كانوا يتكلمون اللغة الارامية وربما هم اخر من دخل من الشعوب العراقية في الاسلام وهذا ما جعل باحث مثل غافن يونغ يقدر عمر هذا المجتمع ب خمسة الاف سنة.
لماذا جففت الاهوار؟
احتضنت اهوار العراق خلال حكم الدكتاتور صدام حسين عشرات المعارضين لهذا النظام وكانت الحكومة بين حين واخر تنظم (حملات) بزوارق بخارية لأمساكهم او امساك ذويهم ولكن الصدمة التي اثارت الدكتاتور هي الانتفاضة التي جرت في المناطق الجنوبية بعد تمرد وهروب الجيش من دولة الكويت في عام 1991وهذه الانتفاضة ادت الى مقتل العشرات من اعضاء حزب البعث وبعضهم حرق بكتب (طريق البعث) وادت الانتفاضة الى دخول العديد من العراقيين الذين طردوا الى ايران خلال فترة الثمانينيات بحجة التبعية الايرانية وكذلك الاشخاص الذين وقعوا في الاسر ورفضوا العودة الى البلاد ورفعت خلال الانتفاضة شعارات معادية لصدام وصودرت آلاف المخازن الممتلئة بالاسلحة من القطعات العسكرية القريبة من الاهوار هم السلطة ودخل الكثير من معارضي النظام الى المدن القريبة من الاهوار وبدأوا يديرونها وينظمون الحياة فيها،وامتدت انتفاضة سكان الاهوار لتشمل اغلب المناطق الوسطى والجنوبية في البلاد واظهرت رغبة حقيقية في تغيير النظام.
الهرب من الكيمياوي
في لقاء مع العميد (خ.س) والذي كان مقرباً من مصدر القرار الحكومي في تلك الفترة قال: ان صدام كلف القائد العسكري بارق الحاج حنطة في القضاء على التمرد في الاهوار ولكن بارق حاول التنصل وقال لصدام بانه لايقتل العراقيين وادى هذا الرفض ببارق الى حبل المشنقة واضاف: لقد كلف عزت الدوري بالاشراف على الهجوم والقضاء على المنتفضين وكان عزت الدوري يشرف على اثنين من الضباط الكبار اشرفا على العمليات وهما اياد فتيح الراوي وعبد الواحد شنان ال رباط وكانت مهمة فتيح الراوي تصفية مدينة العمارة وال رباط اسندت له مهمة (تحرير) مناطق الاهوار وهذا الاسلوب اتخذ في مدينتي البصرة والناصرية ايضا ولكن تحت امرة ضباط اخرين ولكن في مدينة العمارة توجد اهوار متصلة بايران من جهة وبمدينة الناصرية من جهة اخرى مما جعل الحكومة تركز عليها قبل البدء بالهجوم اعلنت مكبرات الصوت الحكومية من خلال طائرات مروحية بان مدينة العمارة ستضرب بالغازات الكمياوية. واستمر العميد ( خ.س) في كلامه:وهذا الخبر ادى الى هرب الكثير من المنتفضين الى مناطق الاهوار وقدر في حينها ب(100) الف شاب واغلبهم مسلحون وكانت القوات التي تتبعهم اغلبها من الضباط. وفي منطقة الاهوار خاض الجيش معركة كبيرة مع المنتفضين خاصة تلك المعركة التي جرت في قرية الشطانية والتي استخدم فيها الجيش مايقارب (150)كغم من قذائف النابالم واصيب فيها قائد الحملة عبد الواحد شنان ال رباط بنيران المنتفضين واستخدمت الطائرات المروحية في جمع مئات الشبان هم وزوارقهم من خلال شباك الطائرات المروحية. وكانت قوات التحالف في تلك الفترة قد اعطت الضوء الاخضر لنظام صدام باستخدام المروحيات وادى الاعتقال والقتل العشوائي الى اختفاء اكثر من (50) الف مواطن من ابناء المنطقة بعضهم اقتيد الى السجون والبعض الاخر هرب الى ايران.
كيف جففت الاهوار؟
قبل بد التجفيف قام النظام الدكتاتوري بشراء الاسلحة من سكان مناطق الاهوار وباشراف سماسرة وموالين ثم كلف الجهد العسكري وباشراف مباشر من حسين كامل وعدد من المهندسين بوضع خطة محكمة لتجفيف الاهوار فقاموا في منطقة الفرات بشق قناة اطلق عليها(ام المعارك) تمتد الى اكثر من (100)ميل حول الاهوار الاصلية في الناصرية، وعند اعلى نهر ام المعارك تم تحويل بلايين الغالونات من مياه الفرات في قناة اخرى تصب وسط الصحراء، وفي العمارة تم شق قناة نهر العز وهي بعرض (1)كم وتمتد من الاهوار الوسطية حتى مدخل مدينة القرنة في البصرة، وشفط هذا النهر الكبير مياه اهوار الشطانية والصيكل والصحين وهذه الاهوار هي المغذية الرئيسية لهور الحمار وهور السناف. ورشت العديد من الطائرات مادة سائلة اسهمت في موت النباتات في هذه الفترة. وتم اسناد العاملين في تجفيف الاهوار بفرقة عسكرية هي الفرقة (18) التابعة الى الفيلق الرابع واسهم العقيد مزهر التكريتي امر استخبارات الفيلق الرابع بقتل المئات من سكان مناطق الاهوار خلال فترة التجفيف. وقام النظام السابق خلال هذه الفترة ببناء سدود وخزانات ماء عديدة وطلب من تركيا وسوريا تقليل الماء القادم الى العراق . وهكذا بدأ يتوسع التصحر وشق الطرق الترابية لملاحقة الفارين، وصرح عدد من المسؤولين السابقين بان التجفيف سيسهم في النمو الاقتصادي بينما كان هدفه الرئيسي سياسيا، وبقي هور الحويزة هو الوحيد الذي يتمتع بالحياة لان امداداته المائية كانت تاتي من ايران.
احاديث الناس
مرود حسون 45 عاما من سكان الاهوار تحدث عن تلك الفترة فقال: لقد عشنا تحت ظل خوف كبير، ومات العديد من اولادنا في حملات النظام ضدنا ونحن لم نكن نعمل في السياسة ..كنا فلاحين وصيادين وهم كانوا يريدون قتل الحياة، وفعلاً حصل لهم ذلك، واصبحنا بين لحظة وضحاها بلا اسماك وبلا طيور، ونامت الزوارق حزينة فوق الطين واصبح الصيادون يذهبون الى المدينة لغرض شراء الاسماك، فالطيور لم تعد تصل الينا. واضاف : تصوربان ارض الاهوار الجميلة اصبحت مشققة وتخرج منها ابخرة غريبة وخانقة وقالوا لنا لاتخافوا انها حرارة النفط المتواجد بكثرة في اعماق الارض ..ان تلك الايام هي ايام الموت الحقيقي. مواطن اخر من سكنة الاهوار اسمه(عواد حميد) حدثنا عن معاناته: نحن كنا من رعاة الجواميس والتي كانت منتشية بسبب تواجد المياه وحين اختفت هزلت اجساد الجواميس واصيبت بامراض مختلفة مما اضطرنا الى بيعها وشراء الأغنام.
لقد تغيرت حياتنا بين ليلة واخرى وانتشرت بين السكان امراض التايفوئيد والحمى السوداء والتهاب الكبد الفايروسي والتدرن .مواطن اخر اسمه(رسن خاجي) تحدث عن تلك الفترة فقال :تجفيف الاهوار اسهم في تهجير اغلب سكان مناطق الاهوار الى المدن الصغير المحيطة بها وهذا الحل حرم العديد من السكان من ممارسة حياتهم وفق مايريدون ولكن ماذا نفعل لصدام ؟
كلمة اخيرة
في عام 2000 بقي من الاهوار الاصلية سبعة بالمئة هي تلك المحاذية لايران وبقي من السكان الاصليين (20) الف نسمة فقط واختفت العديد من الحرف واثر التجفيف على الاوضاع النفسية للسكان وعلى التقاليد والعادات المتوارثة وبهذا بكون تجفيف الاهوار واحدة من اخطر الجرائم التي سببها نظام الدكتاتور صدام حسين في العراق.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة