قراءة في
كتاب ..
سيكولوجية السياسة
العربية
المؤلف: د.محمد احمد النابلسي
عرض: د.محمد عبد الظاهر الطيب
(علم
المستقبليات) من أحدث العلوم الإنسانية، وهو مرتبط مباشرة
بالعلوم النفسية. فالتعرف على نمط سلوك فرد أو جماعة معينة
من شأنه أن يساعدنا على توقع ردود الفعل المحتملة لصاحب
هذا السلوك. بهذا تتبين لنا العلاقة الوثيقة والعضوية بين
السيكولوجيا وبين المستقبليات. لكن هذه الأخيرة لم تظهر
إلى حيز الوجود إلا بدعم من السياسة، وتحديداً بسبب حاجة
السياسة إلى علم ضابط ومعياري للاقتراحات الستراتيجية
المبنية على قواعد التحليل الذاتي للعاملين في مجالها.
وبما أن السياسة لا تتحمل الأخطاء الستراتيجية، فقد كان من
الطبيعي أن تسعى جاهدة للبحث عن وسائل قياس وحكم موضوعية
لطروحاتها.
أمام هذه الوقائع وجدنا أن لكتاب (سيكولوجية السياسة
العربية –
العرب والمستقبليات)
أهمية فائقة، خصوصاً وأن مؤلفه الدكتور (محمد أحمد
النابلسي) هو أحد أهم الأطباء النفسيين العرب، وأكثرهم
اهتماماً بفرع الطب النفسي
–
الاجتماعي بمتفرعاته بما
فيها الطب النفسي السياسي.
بداية، يقوم النابلسي بتعريف القارئ العربي بقائمة من أهم
وأشهر كتب المستقبليات. فيعرض لها ولأفكارها الأساسية
ولمنطلقاتـها النظرية، ثم ينتقل لإبداء رأيه بهذه
المنطلقات. وهذه الكتب هي: (تحول السلطة)، و(على طريق
حضارة عالمية جديدة)، و( صدام الحضارات)، و(تآكل المصالح
الأميركية)، و(الألفية الجديدة)، و(خرافة المواجهة)،
و(نهاية العلم)، و(الصراع الداخلي)، و(الأساطير المؤسسة
للسياسة الإسرائيلية)، و(مثلث الشؤم)، و(قراصنة وأباطرة)،
و(الأنظمة العالمية
–
قديمها وحديثها)، و(إله
المعارك –
الحروب المقدسة)،
و(العولمة)، و(النظر غير المتساوي).
بعد هذا العرض الشامل لأهم النظريات المستقبلية ينتقل
المؤلف لعرض الراهن السياسي العالمي الذي تنطلق منه هذه
الدراسات المستقبلية. حيث يعتمد هذا الراهن على عنصرين
أساسيين هما:
1-المعلوماتية وثورة الاتصالات.
2-العولمة بوجوهها المختلفة، والاقتصادي منها خصوصاً.
فيتطرق إلى مناقشة سيكولوجية للمعلومات ولإمكانية توظيفها
في اتجاهات خاطئة، وبالتالي إمكانية إساءة استخدامها. ثم
يربط (النابلسي) بين المعلوماتية وبين العولمة، فيرى أن
مزيجهما يمكنه أن يكون قاتلاً. ويمكن تبسيط وجهة نظره
بالقول بأن عولمة المعلومات المختصة ببيئة معينة يمكنه أن
يجلب الأذى إلى البيئات الأخرى المتعولمة. والمؤلف يناقش
هذه الموضوعات على صعيد نظري-اختصاصي، لكنه صعيد لا يقبل
الفصل عن الصعيد السياسي.
ويأتي الكتاب إلى محاولة تطبيق هذه المعطيات المتحكمة
بالسياسة العالمية في مجال الصراع العربي
–
الإسرائيلي. ليناقش
موضوعات: سيكولوجيا الأسطورة في الإرهاب الصهيوني، وأزمة
الانتماء لدى اليهود الإسرائيليين، والقوة النووية
الإسرائيلية، ومشروع المؤرخين الإسرائيليين الجدد بوصفه
مشروعاً لما بعد الصهيونية.
وقضية الصراع بين العرب وإسرائيل تعيد طرح أزمة الاتصال
بين العرب والنظام العالمي الجديد وإشكاليات هذا التواصل،
إذ يرى المؤلف عبثية الخطاب العربي العاجز عن التوجه في
زمان العولمة. ويشير إلى أزمات الخطاب السيكولوجي العربي،
انطلاقاً من قناعته بأن البراغماتية هي من نتاج الفكر
السيكولوجي. وبالتالي فإن (النابلسي) يعطي للسيكولوجيا دور
البديل العملي للإيديولوجيات. وهذا البديل وإن كان قاصراً
ولكنه سائد وصالح للاستخدام في زمن العولمة. ومن هنا تتأتى
أهمية مناقشة أزمات الخطاب السيكولوجي العربي. وعلى الطرف
الآخر يجهد المؤلف لتقديم صورة موحية وموضوعية عن واقع
الولايات المتحدة. فهو يرى أن استيعاب هذا الواقع ضروري
لإقامة علاقة حد أدنى مع القطب الأوحد. لذلك نراه يتطرق
لموضوعات من نوع: انحرافات الرؤساء الأميركيين،
والميليشيات الأميركية البيضاء (العنصرية)، والقوة
اليهودية في أميركا؛ ومن ثم فهو يقدم تحليلاً نفسياً
لشخصية الرئيس كلينتون، لينهي فصله بمناقشة التهمة الملصقة
بالعرب وهي تهمة (الإرهاب).
الفصل السادس يخصصه المؤلف لدراسة نفسية للكوارث العربية
متخذاً من الكوارث اللبنانية نموذجاً لدراسته. ويليه فصل
سابع بعنوان : (الشخصية العربية في عالم متغير). وثامن
بعنوان (سيكولوجية الشائعات). أما الفصل العاشر والأخير
فيحمل عنوان (السيكولوجيا في مجال التجسس ).
يعتمد الكتاب منهجية مخالفة بعض الشيء، وهو يخرج على مألوف
ما يسمى بكتب المقالات المجمعة، حتى يبدو أن هذا الطراز من
الكتب سيكون غالباً خلال الفترة القادمة. فالمؤلف يعرض
لثلاثين كتاباً من أهم كتب الفكر السياسي المعاصر، ويقدم
رأيه في طروحاتها. ولم يكن المؤلف ليواجه صعوبة تذكر لو
أنه حاول صياغة هذه العروض بحيث يحول آراءه وانتقاداته إلى
محور ويحول الكتاب المعني إلى مرجع. إلا أن هذه الحيلة قد
لا تكون نافعة في عصر الاتصالات. ولعل المؤلف أراد إبقاء
المقالات على الحال التي نشرت فيه، مع ذكر مكان النشر
وتاريخه، للحفاظ على أسبقيته في نشر بعض التوقعات
المستقبلية والآراء المعارضة لطروحات سائدة. مثال ذلك
تساؤله عما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تصر على العولمة
إن هي رأت فيها أضراراً بالمصالح الأميركية!
|