صحة نفسية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

ورقة ألقيت في مؤتمر مكافحة الارهاب في أربيل / شباط 2006 .. التحليـــــل النفسي لثقافــــــة الارهــــاب (2-2)
 

أ.د. قاسم حسين صالح
تشير الدراسات النفسية الاجتماعية الى أن (الأسرة العربية) لا سيما في الأوساط الفقيرة والمتوسطة والمتدنية ثقافياً، وهي الأوسع في أمة الإسلام والعرب، تنشئ أطفالها على العقاب الجسدي والترهيب والتهديد والقهر النفسي والازدراء والتحقير والتخجيل والسخرية والتهكم وخلق الإحساس بالدونية الذي يفضي إلى عقدة الشعور بالنقص ووأد حرية الرأي. فضلاً عن أن البعد السلطوي في الثقافة العربية يبدأ مع الأطفال وهم في المهد. فالأم تمارس أسلوب تخويف الأطفال بالأب والحيوانات و الجن كي يناموا ويطيعوا.
فالعصا والحيوان والشيطان أدوات تستخدم لقمع الأطفال، ومثيرات للرعب تفضي الى اغتيال أو خنق روح الحرية في نفوس الناشئة وتغلق نوافذ تفكيرهم في السؤال والحوار.
ونميل نحن النفسانيين إلى الاعتقاد بأن المنحرفين والمجرمين والمتمردين على النظام والقانون يأتون من بين هؤلاء الأطفال الذين عاشوا هذه الخبرات. فالذي أحتقر في صغره وكان موضوعا للسخرية والقمع النفسي والفكري، وكان ممسوخ الهوية (أعني قمع صوت الأنا) يتشكل لديه أسلوب عصابي في التعامل مع الآخرين يدفعه من بدايات شبابه إلى أن يعمل على (ردّ اعتباره) لنفسه واعلاء صوت (الأنا) من خلال النيل ممن يتخذه ضحية من هؤلاء الآخرين بإذلاله والاعتداء عليه. وبتكرار الضحايا يجري تضخيم (الأنا) وصولاً الى أن يكون بحجم صورة (البطل) في ذهن صاحبه، التي تكون عند العصابي بلا حدود.
والإرهابي ـــ في اجتهادنا ــ عصابي، بمعنى أنه يفقد المرونة في التعامل مع الأمور ولا يجد الا حلاً واحدا لكل قضية تسيطر عليه، ويكون هذا الحل قسرياً، بمعنى يجبره على ان يقوم به، ويجعله حروناً عنيداً حتى لو كان فيه فناؤه.
ويعد النظام التربوي بمؤسساته التعليمية من الابتدائية إلى الجامعة القناة الأكثر تأثيراً في تشكيل القيم لدى التلاميذ والطلبة، وأول من يحدد لهم الطريق الى ثقافة معينة. والباحث في الأنظمة التربوية العربية يجد أنها تقوم على تكريس علاقات السلطة الخاصة بالنظام الأبوي، وتسعى الى الضبط الاجتماعي بدلاً من توظيف الحرية المترتبة عن المعرفة. فالتعليم عندنا يقوم على التلقين وحشو الذاكرة الذي ينتج بالضرورة عقلاً يأخذ بالأمور كما لو كانت مسلمات دون أن يتحاور معها بفكر ناقد. فتلقين الطالب تفسيراً واحداً أو رأياً واحداً، وإجباره على تبنيه، واحدة من السمات السلطوية البارزة في مناهجنا التربوية التي نجم عنها أن الطالب (حتى الجامعي) تعود على الخضوع والعجز، وغلق كل نوافذ عقله إلا النافذة التي تضخ عليه المعلومات ليودعها في مخازن الذاكرة. وبهذا صاغ النظام التربوي العربي عقولاً عودها على أن (تستقبل) لا على أن (تحاور). وجعل من هذه العقول أشبه بحصان العربة، لا ترى إلا الذي أمامها في خط مستقيم، وإن استدارت فبتوجيه من سائسها. وللأسف فأن (السائس) لها من أصحاب الفتاوى المتشبع بثقافة الحقد ضد سلطة أو قوة يرى فيها أنها طاغية أو باغية وأنه لا سبيل الى ايقافها عند حدها الا بالعنف. ولهذا السبب فأنه سهـّل على العقول التي لا ترى الا حلاً واحدا لكل أزمة والنفوس المحبطة، تلقــّي الفتاوى والعمل بها دون نقاش.
أما موضوع السلطة، فذلك هو مرض العرب المزمن منذ ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة. فقد كانت ولا تزال أقرب إلى (التسلط) منها إلى (السلطة)، ذلك أن السلطة في المفهومين الفلسفي والأخلاقي ضرورة اجتماعية (لتنظيم أمور المجتمع)، وضرورة نفسية (لتحقيق العدالة بين الناس)، فيما يتضمن مفهوم (التسلط) معاني الظلم، والقهر، والإكراه، والتشديد، والعنف، والإرهاب ... وهو الأقرب لواقع الحال في مجتمعاتنا العربية. فضلاً عن أن السلطة لدينا تتفرد بالثروة والبذخ والترف السفيه. ومعروف أن المجتمع الذي يضع قيمة كبيرة على الأمور المادية، تتمتع فيها فقط جماعات قليلة في السلطة تأكل لحم الغزلان المطّعم برائحة الهيل فيما يأكل الفقراء خبز النخالة (كما حصل في العراق)، فأنه تبرز في هذا المجتمع حالة الإحساس بانعدام العدالة الاجتماعية لدى الجماعات المحرومة منها، فيظهر بينهم من يعمد الى تجاوز قيم المجتمع ونظامه ليأخذ حقه بسيفه.
والمفارقة أن عامة العرب رسمت صورة عن السلطة العربية مشابهة لصورة أحمد عبد الجواد (سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ ) الذي يحل لنفسه اللهو الحرام ، ويحرّم على أهل بيته اللهو الحلال. فنشأت حالة من (اغتراب) الفرد العربي عن سلطته، نجم عنها فقدان المعنى أو الهدف من الحياة، فصار معظم الشباب العربي موزعاً بين القديم والحديث، سواء نزع قسم منهم إلى السلفية، أو اتجه آخر إلى تقليد الغرب، فكلا الحالين يمثل الاغتراب عن السلطة والمجتمع والذات.
ومحنة نفسية ثقافية وقيمية أخرى يعيشها الشاب العربي، هي أنه يملك تاريخاً مجيدا،ً يحمل في الوقت نفسه صورة سلبية عن ذاته. وبين هاتين الصورتين(الحالين) يعيش حالة مأزقية. فتاريخه يحدثه بالأمجاد فيما حاضره يصفعه بالانكسارات وبما يحاول أن يذله. وما يزيد من هذه المحنة أن السلطة في مجتمعاتنا العربية تعمق إحساس الفرد بمشاعر الإحباط، وتمارس آلية (الإسقاط) بأن تتنصل عن مسؤوليتها وترميها على قوى خارجية، فوضعته في حالة نفسية مأزقية، أما أن يستكين لها و يقبل بالأمر الواقع بأي تخريج نفسي مخفف، واما أن يخاصمها ويبحث عن (سلطة) أخرى ، يجد فيها ذاته...ولقد وجدها في (الجامع) و(أهل الفتوى).
فقد التقط بعض أئمة الجوامع من الذين أفتوا بقطع الرؤوس، من التاريخ الإسلامي وفقهه ما يشبع الحاجات النفسية لدى بعض الشباب العرب المتشبعين بثقافة الإحباط والانكسار النفسي، ويحرضّهم على (الجهاد) لتغيير واقع متخم فعلا بالظلم وتخلخل أو انعدام العدالة الاجتماعية وتحلل من قيم يرون فيها الأصالة والهوية ،فاحتقنوا بما يثير لديهم غريزة العدوان وشرعية الانتقام. وأهملوا الضفة الأوسع من الدين التي تدعو إلى التسامح والحوار واصلاح الحال بالتي هي احسن، ومتى يكون الجهاد فرضاً موجباً. وغيّبت قوى الإصلاح الديني وصارت مهمشة، فكانت فوضى الفتاوى التي ينشغل بها الناس الآن بعد أن كانوا منشغلين بالفكر والثقافة والسياسة.
وللحقيقة فأن قطع رؤوس الخصوم وذبحهم ذبح الشاة، ليس جديداً في تاريخنا العربي و الإسلامي. فقد ذبح السلف ابن بنت نبيهم. وما كان الذابحون من عامة الناس. فالذين نحروا رأس الحسين كانوا أبناء صحابة، وجرى المشهد أمام أنظار صحابة أيضاً. وطافوا بالرؤوس (الحسين وأصحابه) في أمصار العرب والإسلام.
وقتل (معاوية) عمر الخزاعي ورفع رأسه على رمح من الموصل حتى دمشق، ثم رموا رأسه في حجر زوجته الرهينة. ورمى (هشام بن عبد الملك) رأس الإمام (زيد بن علي) في حجر والدته. ورمي رأس (مروان بن محمد) آخر خلفاء بني أمية في حجر ابنته. ورمى (أبو جعفر المنصور) رأس (إبراهيم) أخي (النفس الزكية) في حجر والده (عبد الله بن الحسن). ورمي رأس (المعتز بالله) في حجر جاريته. ورمي رأس (ابن الفرات) في حجر والده الوزير قبل ضرب عنق الأخير..،والقائمة طويلة، فبعض حكام العرب والإسلام كانوا يتفردون بحفظ رؤوس الخصوم بخزائن في مقرات إقامتهم!
ولا يختلف التخريج الفقهي للذبح في (دين السلطة) و (ثقافة العنف) وفتاوى القائلين بـ (حلال الدم) التي أشاعها بعض السلف، عن مئات مشاهد الذبح الأخرى التي صرنا نشهدها يومياً، والتي لا نملك إزاءها سوى موقف الحلاج (الحسين بن منصور) حين جاءوا به الى منصة الإعدام، فصعد وضحك حتى دمعت عيناه، وشرّ البلية ما يضحك...! إن النابشين في موروثنا الفقهي عن ما يحرق الحاضر، يفتي به ليس فقط بعض من يضع العمامة على رأسه، بل وأكاديميون وقيادات أحزاب يدعون الى العدالة والفضيلة!
نكرر ما بدأنا به: إن الارهابي لا يولد إرهابياً، إنما نحن الذين نصنعه: الأسرة والمدرسة والجامع والسلطة التي لم تقم العدل بين الناس.
وفي أدبنا العربي قول بليغ: (ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له......اياك اياك أن تبتل بالماء). وفي الإنجيل ايضاً مقولة بليغة: (إذا فسد الملح فبماذا نملح؟!).


قراءة في كتاب .. سيكولوجية السياسة العربية
 

المؤلف: د.محمد احمد النابلسي
عرض: د.محمد عبد الظاهر الطيب

(علم المستقبليات) من أحدث العلوم الإنسانية، وهو مرتبط مباشرة بالعلوم النفسية. فالتعرف على نمط سلوك فرد أو جماعة معينة من شأنه أن يساعدنا على توقع ردود الفعل المحتملة لصاحب هذا السلوك. بهذا تتبين لنا العلاقة الوثيقة والعضوية بين السيكولوجيا وبين المستقبليات. لكن هذه الأخيرة لم تظهر إلى حيز الوجود إلا بدعم من السياسة، وتحديداً بسبب حاجة السياسة إلى علم ضابط ومعياري للاقتراحات الستراتيجية المبنية على قواعد التحليل الذاتي للعاملين في مجالها. وبما أن السياسة لا تتحمل الأخطاء الستراتيجية، فقد كان من الطبيعي أن تسعى جاهدة للبحث عن وسائل قياس وحكم موضوعية لطروحاتها.
أمام هذه الوقائع وجدنا أن لكتاب (سيكولوجية السياسة العربية
العرب والمستقبليات) أهمية فائقة، خصوصاً وأن مؤلفه الدكتور (محمد أحمد النابلسي) هو أحد أهم الأطباء النفسيين العرب، وأكثرهم اهتماماً بفرع الطب النفسي الاجتماعي بمتفرعاته بما فيها الطب النفسي السياسي.
بداية، يقوم النابلسي بتعريف القارئ العربي بقائمة من أهم وأشهر كتب المستقبليات. فيعرض لها ولأفكارها الأساسية ولمنطلقاتـها النظرية، ثم ينتقل لإبداء رأيه بهذه المنطلقات. وهذه الكتب هي: (تحول السلطة)، و(على طريق حضارة عالمية جديدة)، و( صدام الحضارات)، و(تآكل المصالح الأميركية)، و(الألفية الجديدة)، و(خرافة المواجهة)، و(نهاية العلم)، و(الصراع الداخلي)، و(الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية)، و(مثلث الشؤم)، و(قراصنة وأباطرة)، و(الأنظمة العالمية
قديمها وحديثها)، و(إله المعارك الحروب المقدسة)، و(العولمة)، و(النظر غير المتساوي).
بعد هذا العرض الشامل لأهم النظريات المستقبلية ينتقل المؤلف لعرض الراهن السياسي العالمي الذي تنطلق منه هذه الدراسات المستقبلية. حيث يعتمد هذا الراهن على عنصرين أساسيين هما:
1-المعلوماتية وثورة الاتصالات.
2-العولمة بوجوهها المختلفة، والاقتصادي منها خصوصاً.
فيتطرق إلى مناقشة سيكولوجية للمعلومات ولإمكانية توظيفها في اتجاهات خاطئة، وبالتالي إمكانية إساءة استخدامها. ثم يربط (النابلسي) بين المعلوماتية وبين العولمة، فيرى أن مزيجهما يمكنه أن يكون قاتلاً. ويمكن تبسيط وجهة نظره بالقول بأن عولمة المعلومات المختصة ببيئة معينة يمكنه أن يجلب الأذى إلى البيئات الأخرى المتعولمة. والمؤلف يناقش هذه الموضوعات على صعيد نظري-اختصاصي، لكنه صعيد لا يقبل الفصل عن الصعيد السياسي.
ويأتي الكتاب إلى محاولة تطبيق هذه المعطيات المتحكمة بالسياسة العالمية في مجال الصراع العربي
الإسرائيلي. ليناقش موضوعات: سيكولوجيا الأسطورة في الإرهاب الصهيوني، وأزمة الانتماء لدى اليهود الإسرائيليين، والقوة النووية الإسرائيلية، ومشروع المؤرخين الإسرائيليين الجدد بوصفه مشروعاً لما بعد الصهيونية.
وقضية الصراع بين العرب وإسرائيل تعيد طرح أزمة الاتصال بين العرب والنظام العالمي الجديد وإشكاليات هذا التواصل، إذ يرى المؤلف عبثية الخطاب العربي العاجز عن التوجه في زمان العولمة. ويشير إلى أزمات الخطاب السيكولوجي العربي، انطلاقاً من قناعته بأن البراغماتية هي من نتاج الفكر السيكولوجي. وبالتالي فإن (النابلسي) يعطي للسيكولوجيا دور البديل العملي للإيديولوجيات. وهذا البديل وإن كان قاصراً ولكنه سائد وصالح للاستخدام في زمن العولمة. ومن هنا تتأتى أهمية مناقشة أزمات الخطاب السيكولوجي العربي. وعلى الطرف الآخر يجهد المؤلف لتقديم صورة موحية وموضوعية عن واقع الولايات المتحدة. فهو يرى أن استيعاب هذا الواقع ضروري لإقامة علاقة حد أدنى مع القطب الأوحد. لذلك نراه يتطرق لموضوعات من نوع: انحرافات الرؤساء الأميركيين، والميليشيات الأميركية البيضاء (العنصرية)، والقوة اليهودية في أميركا؛ ومن ثم فهو يقدم تحليلاً نفسياً لشخصية الرئيس كلينتون، لينهي فصله بمناقشة التهمة الملصقة بالعرب وهي تهمة (الإرهاب).
الفصل السادس يخصصه المؤلف لدراسة نفسية للكوارث العربية متخذاً من الكوارث اللبنانية نموذجاً لدراسته. ويليه فصل سابع بعنوان : (الشخصية العربية في عالم متغير). وثامن بعنوان (سيكولوجية الشائعات). أما الفصل العاشر والأخير فيحمل عنوان (السيكولوجيا في مجال التجسس ).
يعتمد الكتاب منهجية مخالفة بعض الشيء، وهو يخرج على مألوف ما يسمى بكتب المقالات المجمعة، حتى يبدو أن هذا الطراز من الكتب سيكون غالباً خلال الفترة القادمة. فالمؤلف يعرض لثلاثين كتاباً من أهم كتب الفكر السياسي المعاصر، ويقدم رأيه في طروحاتها. ولم يكن المؤلف ليواجه صعوبة تذكر لو أنه حاول صياغة هذه العروض بحيث يحول آراءه وانتقاداته إلى محور ويحول الكتاب المعني إلى مرجع. إلا أن هذه الحيلة قد لا تكون نافعة في عصر الاتصالات. ولعل المؤلف أراد إبقاء المقالات على الحال التي نشرت فيه، مع ذكر مكان النشر وتاريخه، للحفاظ على أسبقيته في نشر بعض التوقعات المستقبلية والآراء المعارضة لطروحات سائدة. مثال ذلك تساؤله عما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تصر على العولمة إن هي رأت فيها أضراراً بالمصالح الأميركية!


البارانويـــــا والجريمــــــة

صابر مصطفى
جامعة صلاح الدين

يتداول الناس مفردة (البارانويا)، وقد لا يعرف معظمهم أن المصاب بالبارانويا يمكن أن يرتكب جريمة قتل بتدبير غاية في الإتقان.
ولكي تكون الأسرة والمشتغلون بالخدمات النفسية والاجتماعية، وكذلك رجال الشرطة والمحققون الجنائيون، على دراية بأنهم قد يكونون أمام شخص يبدو لهم مرتباً ومنظماً وصاحب قدرة على الإقناع وبعيد عن الشبهة، لكنه غاية في الخطورة لدرجة أن أحدهم يمكن أن يكون ضحيته، فأننا سنبدأ أولاً بتحديد المعنى العلمي للبارانويا.
البارانويا أسلوب مضطرب من التفكير، يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي وغير عقلاني ودائم من الشك وعدم الثقة بالناس، ونزعة دائمة نحو تفسير أفعال الآخرين على أنها تهديد مقصود أو مهين له.
أعراض البارانويا
لكي تكون الصورة أمامنا أوضح ،نورد الأعراض أو المظاهر التي يتصف بها المصاب بـ(البارانويا) كما حددتها منظمة الصحة العالمية في أخر تصنيف طبي نفسي لها، ونوجزها بالآتي:
1- حساسية مفرطة للنكسات أو العقوبات، والصد أو الرفض.
2- نزعة لحمل ضغينة مستديمة ورفض التسامح عن الإهانات أو الحيف أو الاستخفاف.
3- شك ونزعة شاملة نحو تشويه الخبرة، تتضمن سوء الفهم للأفعال الحياتية أو الصديقة للآخرين وتفسيرها على أنها عداء أو ازدراء له.
4- استعداد للقتال والمقاومة والإصرار بعناد على التمسك بحقوقه الشخصية بغض النظر عن الموقف العملي.
5- يحمل ضغينة ضد من يتجاهله للحط من قدره، ويحولها الى إشارات معينة أو أحداث.
6- استفهامات لا مبرر لها بخصوص إخلاص (الزوج أو الزوجة) أو الطرف الأخر في علاقة زواج أو حب.
7- نزعة مفرطة في الإحساس بأهمية الذات، تصبح معها (الذات) الاتجاه المرجعي الدائم له.
8- انشغال لا مبرر له بتفسير الأحداث المحيطة به أو في العالم على سعته، بأنها تآمر موجه ضده.
وفي ضوء توصيف منظمة الصحة العالمية للاضطرابات العقلية والسلوكية هذا، فانه اذا توافرت أربعة في الأقل من الأعراض المذكورة آنفاً في شخص ما، فانه يكون مصاباً بالبرانويا.
الأبعاد الوظيفية والبنيوية لـلبارانويا
لغرض أن نكون على بينة من هذا الاضطراب الخطر(الذي يبدو صاحبه مهندماً ومرتباً وإنساناً عادياً جداً، وعلى غفلة يرتكب جريمة قتل)، نقدم عدداً من المؤشرات التي تساعد على تشخيصه، اصطلح على تسميتها بالابعاد الوظيفية والأبعاد البنيوية.
نبدأها بـ(الأبعاد الوظيفية) التي تتضمن أربعة مكونات، هي:
1- دفاعية سلوكية : وتعني إن المصاب بالبارانويا يكون حذراُ ومحترساُ نحو من يصدر أفعالاً يرى أنها تهدف الى الحط من قدره، أو بما يفسره هو على أنها فيها إهانة له.
2- شكوك معرفية : بمعنى انه يكون شكوكاً بدوافع الآخرين ولا يثق بهم. ويفسر الإحداث على أنها تآمر موجه ضده، والصعوبات الاجتماعية البسيطة على أنها أدلة ثابتة على الخيانة والخداع (قد يقتل زوجته متهماً إياها بالخيانة وهي بريئة).
3- استفزاز الآخرين: ويعني أنه يمتلك اتجاهاً عدائياً نحو الآخرين يظهر في خصومة أو شجار، ويستثار بسهولة ويتصرف بغضب، وينشغل بالبحث عن عدم الولاء أو عدم النزاهة وخفايا نوايا الآخرين ودوافعهم.
4- الإسقاط: إذ يعمل على عزو صفاته الشخصية غير المرغوب فيها الى الآخرين، ويعمد الى توجيه النقد اللاذع لهم.
إما (الأبعاد البنيوية) فتتضمن أربعة مكونات أيضاً، هي:
1- مزاج غضوب: فالمصاب بهذا الاضطراب تظهر عليه تصرفات بالتجهم والنكد، ويكون فظاً أو غليظاً. ومع أنه يحاول إن يكون موضوعياً وغير انفعالي، إلا انه في حقيقته يكون منفعلاً وحسوداً وغيوراً وسريع الغضب.
2- تضخم الذات: وتعني أن لديه أفكاراً ثابتة بخصوص أهمية الذات ومرجعيتها، تؤكد له أن الأفعال والأحداث مهما كانت تافهة أو غير مؤذية، فهي إن لم تكن تستهدف التشهير به، فإنها كافية لإثارة مخاوفه على شخصيته ومكانته، ويعمد الى تحصين أفكاره هذه داخل ذاته.
3- استدخالات ثابتة: إذ تكون الأفكار والمعتقدات والتصورات والاتجاهات والذكريات مرتبة لديه كما لو كانت هدفاً ثابتاً غير قابل للتغيير.
4- تنظيم تشكيلي غير مرن: وتعني أن لدى المصاب بالبارانويا أنظمة وطرق دفاعية غير مرنة، ويكون جامداً أو متصلباً في تعامله مع الصراعات والضغوط النفسية.
أصبحت الصورة واضحة عن الشخص المصاب بالبارانويا، ومع ذلك نورد عدداً إضافياً من المؤشرات تجعل الصورة أكثر وضوحاً، نجملها بالصفات الآتية:
1- الحقد أو حب الانتقام، إذ أن لديه حاجة تدفعه دفعاً الى النيل من (الأعداء).
2- الشك، ويتضمن سوء تفسير مقاصد الآخرين وافعالهم والإحساس بأن العالم مصدر للعدائية والتهديد.
3- الحذر أو الاحتراس المفرط لأية إشارة تهديد.
4- الحساسية المفرطة لأي تقويم سلبي واقعي أو متخيل.
5- مقاومة اللوم أو القاء المسؤولية عليه.
6- مقاومة الثقة بالآخرين.
7- عزو المشاكل الى العالم الخارجي.
8- أسلوب معرفي متصلب وجامد.
9- سرعة الغضب.
10- الامتعاض من السلطة (سلطة الأسرة أو المؤسسة).
11- الخوف من الإذلال.
وبالرغم من هذه الصفات أو الأعراض التي تبدو واضحة ومكشوفة، فأن المصاب بالبارانويا يمكن أن يخدع لجنة طبية نفسية متخصصة، وقد لا تكشف حقيقته إلا بعد أن يعرض عليها عدداً من المرات. كما إن عدداً من المصابين بهذا الاضطراب موجودون في المجتمع ويمارسون أعمالهم بشكل يبدو طبيعاً. وقد نصاب بالدهشة، وربما لا نصدق عندما نسمع أن فلاناً قتل فلاناً، لاننا لا ندري بأن فلاناً هذا مصاب باضطراب (البارانويا).

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة