مسرح

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

انـفــتـــاح المـســـــــــرح  .. الاكتشافات المسرحية ما بين التقليد والتجديد

د. عواطف نعيم

ميزة المسرح انه متجدد، ليس من ثوابت فيه بل تغيير واجتهاد وبحث، قد يكون متردداً خجولاً او قد يكون في احيان اخرى صادماً، حاداً كاسراً لكثير من التابوات والقوالب. المسرح عوالم تتوالد عبرها عوالم، بدءاً بالممثل الواحد، تحيط به وجوه المتطلعين المدهوشين بهذا الذي يشدو امامهم، والذي تشظى من واحد الى اثنين ثم الى ثلاثة ثم يضاء المسرح بالعديد من المؤدين البارعين. مر المسرح بالعديد من التحولات والتطورات بمرور الزمن وتواتر السنين وايامها، ليخرج من الملفوظ الكلاسيكي الجليل، الى الحركي الصامت التعبيري، من التقليدي المقدس الى العبثي المنفلت. المسرح حركة اكتشاف لا تعرف التوقف، اكتشاف يأتي من خلال البحث والتجريب. قد يكون هذا الاكتشاف مقبولاً عند انبثاقه وقد يتعرض للجدل والنقاش ويثير من حوله الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب. إلا انه سرعان ما ياخذ موضعه ليغدو جديداً يتم التعامل معه وبعد ذلك يصبح من القديم الذي لابد من مغادرته. هي اكتشافات عديدة افرزت لنا في المسرح مدارس ومذاهب واليات اشتغال وما الاسماء الكبيرة التي نستشهد بها في كتاباتنا ودراساتنا البحثية وتنظيراتنا الدرامية حين نتدارسها، منظرين وناقدين وباحثين الا نتاج تلك الاجتهادات والتجارب الباحثة المجربة وصولاً الى اكتشاف جديد، نظرية حديثة في فنون المسرح المتنوعة من تمثيل واخراج وكتابة نصية واعداد اقتباس ، تأليف خالص، تناص ادبي او في تقنيات المسرح واليات الاشتغال على خشبته، ظهر الكثير من المبدعين المجددين في الظاهرة المسرحية في مراحل مختلفة من عمر المسرح الذي امتد لسنوات طوال من زمنه التراجيدي عبر الاغريق حتى زمنه العبثي. واللامعقول في نهاية الالفية الثانية، وما بين حداثة وما بعد حداثة، تعرض المسرح الى العديد من التبدلات والاكتشافات ضمن نسخ وتقليد الى جدة وبناء والى هدم وتشظية (كي ننقذ المسرح لابد من تدميره واقامة مسرح المستقبل). وقد اتخذ هذا الهدم وذاك البناء اشكالاً متعددة ومظاهر مختلفة افضت الى ولادة مدارس اخراجية وطرائق ادائية جديدة غادرت المألوفف والجاهزي وابحرت نحو فضاءات مغايرة ومشاكسة ولدت بدورها انساقاً مدهشة انضجتها وتفتقت عنها المخيلة الابداعية للفنان المجرب صاحب الحس الشعري والروح المرهف (جميع الاشكال كامنة في ذهن المشاعر إلا ان هذه الاشكال ليست مستخلصة او مكونة من الطبيعة بل من الخيال). ونتيجة لذلك البحث والاجتهاد والتجريب في الظاهرة المسرحية تبلورت مفاهيم جديدة في فن المسرح خرجت به من آلية التنفيذ والتقليد والتبعية الى آلية التجديد والمغايرة واللاجاهزية. ولم يكتف المبدعون بذلك فكان ان خرجوا بالمسرح من المنطق والمعقول الى حالة من اللامنطق والتشظي والتشتيت. (ان المفهوم الجديد للفن المسرحي يقر بان الفن المسرحي سببه اشخاص امثال كوردن كريج وادولف ابيا، وهذا المفهوم يقر بان الفن المسرحي هو مزيج من الكلمات والاصوات والرؤى والحركات والاحداث. ان المسرح مزيج من كل العناصر التي تشكله). لقد ادت الاكتشافات المسرحية والتي لم تأت عن غير قصدية لدوافع عديدة تتعلق بذات المبدع والباحث وما يحيط به من متغيرات وانقلابات وتطور معرفي علمي وتكنولوجي، ادت الى بروز حالة من التطرف في التجريب ومغالاة في الرؤى. وقد طال هذا التوجه اغلب العناصر المكونة للعرض المسرحي بعد ان طال النص المسرحي، فما بين واقعي ورمزي وما بين تعبيري وسريالي، وما بين رومانسي وسحري. وايضاً ما بين طبيعي وعبثي تنوعت المدارس الاخراجية وتعددت الرؤى المسرحية واتخذ الاداء الدرامي اشكالاً ومظاهر واليات اشتغال مختلفة ومتنوعة. المعايشة بكل صدقها وحرارتها وذاكرتها الانفعالية ولولاها السحرية الى كسر للحواجز وابعاد لحالة الابهام ووعي بلحظة الاداء، ثم محايدة باردة مجردة من المشاعر الانسانية قريبة من روح الالة، كسر لسلطة المكان، تفتيت لبنية النص، تشظية للمعاني والافكار بعثرة لكل ما هو مقدس فقد اجاز باحثو المسرح ومصلحوه لانفسهم ان يجربوا كل شيء ويكتشفوا كل خفي ويرفعوا الستر عن كل محجوب في الظاهرة المسرحية. فعن سلطة المكان وجدوا ان (الاحتفال المسرحي يمكن ان يحدث في كل مكان في الخارج في كراج او في حظيرة). وعن رفضهم لكل ما هو متعارف عليه وجدوا ان (الخلق الفني يجد القوانين الاساسية ويثور ضد المصطلحات المسرحية البالية). وبحثاً عن هذا الجديد والمدهش البكر الذي لم يتم غزوه، عمد المسرحيون من مخرجين وكتاب وممثلين وتقنيين الى الثورة على كل ما يمت للجاهزي والمألوف بصلة، منطلقين في ذلك من ان (التجريب يعني كل اكتشاف جديد يتحرر من التقنية القديمة). وقد كان الدافع لهذا التوجه لدى هؤلاء المصلحون والمجددون المسرحيون. هو الرغبة في التأثير على المتلقي والاستحواذ على اهتمامه ومتابعته وخلق حالة من التجاوب والتفاعل الذي يمس ويحفز مدركاتهم الحسية ومخيلتهم الانفعالية. (ان العمل الفني لا يستطيع ان يؤثر إلا عبر الخيال، لهذا يجب عليه ان يحفز هذا الخيال دائماً) وفي خضم كل هذه المحاولات التجريبية وعمليات الاكتشاف والبحث نشأت هوة كبيرة ما بين جمهور المتلقين والمسرح، فقد غالى المسرحيون في توجهاتهم تلك وحولوا خشبة المسرح سواء اكانت مسرح علبة ام فضاء جديداً تم توظيفه ليصبح مسرحاً او كانت مكاناً قادراً على خلق علاقة حميمة مع المتلقين الى فضاءات غارقة في الطلاسم والاحاجي. فوسائل الاتصال الحديثة تم استخدامها وتوظيفها قسراً او ضرورة على خشبة المسرح (شاشات العرض السنمائية، التلفزيونية، الشريط الصوري المسجل والشريط الصوري الحي المسجلة الموسيقى، مؤثرات ضوئية ليزرية... الخ). غاب الملفوظ وحل محله التعبير الحركي الراقص والايمائي. ضاع الاخراج في فوضى الحداثة وما بعد الحداثة ما بين منطوق متردد ومتقطع ومنطوق لا يحمل سوى التصويت والصراخ، وما بين منطق غائب ومعنى مفقود وفكرة مشتتة، قزم الممثل ذلك اللاعب الماهر والساحر المفكر حتى تحول الى جزء من تقنيات العرض ومكمل للصورة البصرية لم يعد هناك مسرح يحمل خصوصية بيئية او هوية محلية او سمة تحيل الذاكرة الجمعية للمتلقين الى بلد محدد او جماعة معينة اصبح هناك تسابق في نشر الفوضى على الخشبة وتنافس في التمويه والمسخ والتشابه فيما يقدم من عروض، فهل كان التجريب والاكتشاف في المسرح لاجل تشويه وتحجيم حركة المسرح ضمن توجه فكري ينحرف به عن هدفه الاساس بوصفه خطاباً فنياً وجمالياً ذا فكر انساني شامل بعيد عن اللون الواحد والنظرة الواحدة والتوجه العولمي، بوجهه السلبي المهجن لكل ما هو اصيل وخصوصي، المسرح وسيلة من وسائل التوعية والتثقيف يسعى للارتقاء بالذائقة وينهض بالمتلقي من خلال بثه لقيم الخير والوعي والمتعة، هناك مخاوف كبيرة ظهرت مع بداية ظهور الفن السابع بكل سحره لئلا يكون هذا الفن مؤثراً على المتلقين لفن المسرح، وزادت المخاوف حين ظهر التلفزيون وتحلق من حوله المتفرجون في كل بيت ومقهى ومكتب، تركزت المخاوف على المسرح من هذين الوسيلتين الجديدتين لما لهما من قدرة على التأثير وتحويل المتلقين الى ساحتهما وتجريد المسرح من جمهوره ومحبيه ورواده!!
لكن المسرح برغم ذلك الجديد استطاع ان يستوعب هذين الضيفين بكل جدارة ويحولهما الى ادوات موظفة داخل فضائه، الذي يحدث الان هو خلخلة لكل ما احببناه في المسرح تحت ذريعة الاكتشاف والتجديد والمغايرة.
لذا كان لزاما علينا ومن خلال هذه المهرجانات المسرحية التي تجمعنا تحت خيمتها مثقفين ومهمومين منشغلين بالمسرح ثقافة وحضارة، ان نشخص ونشير الى هذه المخاوف ونحذر من تلك المغالاة. وان نشدد على وجود مسرح حقيقي يكون فيه الجديد ضرورة تفرضها طبيعة التجربة وينحتها التجريب الواعي والذي يرتقي بالعرض المسرحي المقدم ويمد بينه وبين المتلقين جسوراً من الفهم والتجاوب والوضوح دون ان يغفل عناصر المسرح الاساس واركانه المتينة الكاتب والممثل والمخرج والمتلقي، لابد من وجود الافكار ولابد من وجود الاداء الصوتي وحرارة المشاعر والاحاسيس، كما لابد من وجود الجسد الراقص الرشيق المعبر عبر الحركة والايماءة بما يضيء خشبة المسرح، لابد من وجود رؤى ناضجة، ساحرة تستفز الخيال وتشحن المخيلة وتوقظ الاحاسيس في المشاهد البصرية والسمعية في تركيبة العرض المشهدية لابد من اعادة اكتشاف المسرح بعمقه الانساني وثقله الحضاري جمالاً وفناً وفكراً بعيداً عن الحذلقة والتطرف والمغالاة والغموض، وحذر من التشويه والتمويه والتعميم الذي يفضي الى غياب الخصوصية والاصالة بحجة الانفتاح على الاخر والتحاور معه، اذ ان الانفتاح بهذا المفهوم لابد وان يتأتى من مستوى معرفي قائم على التكافؤ والندية.
منطلقاً من اكتشاف الذات الانسانية اولاً بحجمها وخصوصيتها وتمايزها الابداعي لكي تكون مع الاخر في مواجهة متوازنة تمنح التواصل. وليس تابعاً او ناسخاً او مقلداً. ليكن الاكتشاف ركيزة للابداع الذي يضيف ويؤثر ويفتح الافاق واسعة لكي نحلم ونتخيل.


الفن المسرحي والتنميط الاجتماعي
 

أ.د.عقيل مهدي يوسف

يبحث (المخرج) عن العمليات الداخلية، والصراعات الخفية للظاهرة الاجتماعية والتاريخية في عروضه المسرحية من خلال تنوع اسلوبي، لتلك المرحلة التاريخية ولخواصها القومية والوطنية والاجتماعية. ان مخرج التيار الواقعي يدرس المرحلة التاريخية مسرحيا، من خلال مشكلاتها وافكارها، عن طريق ادواته الجمالية والفرجوية فلا ترى فيها (تاريخا) مجردا، بل نظرة (المخرج) نفسه ومشاعره وافكاره (ومعتقداته) الايديولوجية المسرحية فهو يسحب التاريخ الى مهنته المسرحية، ولاينسى مهنته وادواته الفنية في سبيل تقديم حدثٍِ تاريخي من الماضي المتحفي!! هذه المعالجة تكشف عن نظرته للنص وللقب الممثل وعن فعاليته الفنية والفكرية، التي تحرك طاقاتها خطة المخرج المنهمك دائماً بمناقشة مشكلة الانسان والتعبير عن غناه الروحي، عن المثال الانساني المطلوب عن صراعات اجتماعية لتحسين مستقبله، عن تعقيدات الجوهر الانساني. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يبحث عن مشكلات ابداعية مسرحية، تتعلق بالاشكال وبالبحث عن الوسائل والخامات المستخدمة، وعن اختيار خاصتي التعبير المسرحي والوصول الى الراهنية او المباشرة والآنية الموازنة بين مشاعر وانفعالات وعواطف (الممثل) وعلاقة ذلك (بالدور) المتميز لخواصه واستقلاليته، عن الدور التقني للممثل سواء في حرفياته (التقنية) تقنيات الجسد الصوت الحركة وكذلك في طبيعة افكاره وتخيلاته وتصوراته، كل هذا يرتبط في طموح المخرج لتقديم ابطال ايجابيين محرضين على التقدم نابذين التخلف والجمود والمهادنة السلبية للظلم السياسي والاجتماعي والاستلاب الوطني.
على خلفية الزمن الاخراجي الحديث بالغ (ارتو) بترميز قواعد اللعبة الخاصة بتداول الخطاب اللغوي (النص الدرامي) مابين الفنان وجمهوره.
واستعار لفظة المرض المرعب (الطاعون) لينقض على جمهوره كالوباء، ليصدم ذوق الناس وافكارهم ومرجعياتهم الاخلاقية والسلوكية، حتى يقوى على تأهيله من جديد واعادة برمجته بعيداً عن محيطه الاجتماعي التقليدي.
ولم يتخذ سبيلا ثوريا، تغييريا، كما يظن بل اراد حمل متفرجه عن طريقة صوفية غامضة على هذا التحول النبوئي، الغامض، ولم يجد سوى اشارات برقية سريعة، تومض ثم تخمد، لايقاظ هذا (المارد) بجسده الانساني، وهو (المتلقي) بعيدا عما حلله المجتمع او حرمه.
وتوالت تجارب مثل (الحادثة) وهو مسرح يلتقي فيه المتفرجون دون سابق موعد ليألفوا تجربة مسرحية خاصة بهم، وكما تقودهم السليقة والفطرة الانسانية وهم يرون في احداث التاريخ المعاصرة، ما يصلح نموذجا لتغيير نمط الحياة وحاول المسرح الفقير ان يوجد البعد المادي والروحي للانسان لتنطوي في جرم الانسان الصغير اجرام الكون المترامية الاطراف، فيحرر من براثن الثنائيات المميتة بين الجسدي التنوير الاشراقي، وتخليصه من الزوائد، فينحل الى قطرات من ندى وضوء ويحفزه الى اقصى لحظات الفرح فيصبح قادرا على الابداع الحقيقي والنادر، فيكون جسده آلة موسيقية ولوحة تشكيلية في آن واحد تبرمجها روح انسان حي (الفنان ومتلقيه). اراد جروتوفسكي في مسرحه الفقير ان يتبادل السخريات والتشوهات (الجروتسكية) للوصول الى نمطية بريئة اولية للانسان من خلال فنون المسرحية نفسها، وكلما ازداد التوتر ما بين الانسان وجوهرة الروحي استطاع ان يخرج بقداسة الاحتفاء بالولادة المقدسة للانسانية، ويسعى مواطنه (كانتور) الى تطوير البعد التشكيلي في تجربته المسرحية مثله مثل (شابنه) وان اختلفت الاساليب قليلا وكل منهما يركز على تشكيلية الرقص، والمنظر، والتكوينات الجمالية، وكأنهم يبتكرون طقوسا جديدة، لا علاقة لها بالطقوس القارة، المقدسة، في محاولة منهم لمعرفة الاسرار القابعة في ارواحهم المعقدة الغامضة، بلا وهم التقاليد التقنية المسرحية المعروفة، كذلك، بات المهم لديه توسيع الممكنات الحرفية والتقنية التي تشكل نظاماً من عروض، وليست حرفية الممثل نتاجاً لفنية عرض من العروض المنقطعة، الفردية، فالممثل اولاً، وتاتي العروض بالمقام التالي، هذا التدريب يجذب المتفرجين الى بؤرته مثل قطعة (المغناطيس) في حالة شفافة من التلقي، والتواصل المفتوح للارتجال.
كأنه يثأر من التنميط الاجتماعي المبتذل الذي شيأً الانسان وغربه عن روحه الذاتية المتفردة في مجتمع استهلاكي، ابتزازي، هدام لارادة الانسان ويحاول غوايته للانجراف وراء السلع وحضورها الكاسح في عالم الانتاج الرأسمالي. ان بعض المؤشرات والمهيمنات الجمالية، التي تشكل الخطاب الفني للعروض المسرحية التجريبية على وجه الخصوص، تقدمها (الورش) المسرحية العالمية، وهي تبحث قصديا عن تحقيق المغايرة والاختلاف والهروب من القبضة القدرية لطغيان الوعي النمطي الرتيب في فنية الكتابة وخطط الاخراج التقليدي وترسمات (الشكل) للمنظر في فضاء العرض وكذلك التململ من الكيان الحجري المعماري، وهندسته الفضائية، التي ابتعدت كثيرا عن الزمن الابداعي الخارق المتجاوز للتراكم بفتح تأويلات فلسفية جمالية وثغرات ضوء ولون وفكر حداثي متطور، تعكس بصوتها الخاص، كما تراه منفذا تاويليا متفلسفا لتيارات ابداعية من زمن قادم...
ينبغي علينا الاصغاء لنبضاته السرية.


علامات اخراجية / الصحف

حميد عبد المجيد مال الله
المسرح من وجهة نظر السيموطيقا نظام من العلامات المشفرة، تخلق معنى ما من خلالها. وحسب رولان بارت المسرحة: زخم من العلامات. ومن مميزات الابداع (المهارة) في صنع (تشفير) نص العرض وسياقاته بلغة اصطناعية Metalanguage شفهية وجسدية وصورية. وعلامة مسرحية ما مادية صماء، دالة تبث دلالة او دلالات للتوصيل، مما يتطلب حلاً للشفرة لدى المتلقي (غير البريء) حسب بارت.
الصحيفة من تلك العلامات المشتغلة حديثاً مقارنة بنشأة المسرح الاغريقي والمسرح القبلي السومري تبعاً للاستاذ د. عوني كرومي، والمصري القديم على حد اطروحة ايتين درايتون، ومسرح الشرق والهندي. في استخدامها اما ان تكون كاملة، او صفحات محددة منها وفي حالة ثالثة قصاصات. الاستخدام الماهر لها يبث جدلاً داخل الفضاء المسرحي وخارجه.
يرصد العالم الفيلسوف برتراند رسل مفارقة حادة في السياق مفادها تجربة اختراع الطباعة لم تكن (نعمة مؤكدة وذلك لسبب بسيط هو ان الزيف يمكن طبعه بنفس السهولة التي تطبع بها الحقيقة ويمكن ان ينتشر بنفس القدر من اليسر..)
يمكن افتراض ان الانباء التي يبثها المراسل (الرسول) في الدراما والجوقة احياناً تقابل الصحيفة ونصوصها.
في مسرحية (اوديب ملكاً) تؤشر كلمات الرسول (للعنف الدائر خارج منصة المسرح).
في مسرحية (اهلاً بالحياة) للفنان الرائد يوسف العاني، يعتقل (فوزي) زمن العهد الملكي لانه كتب مقالات كما في الحوار التالي:
جودت / ... وكتب عدة مقالات.
الاب / (يقاطعه) وما هي المقالات؟
جودت/ عن حرية الانتخابات .. ومقال عن حرية الفكر.. ومواضيع عامة اخرى.
العلامة اللغوية مصممة بشفرة مع حل آني، إلا انها تؤسس لرابطة جدلية بين فضاء المسرحية والفضاء خارج المنصة (المسرحية عرضت عام 1960 اخراج الفنان الراحل عبد الواحد طه
انتاج فرقة المسرح الفني الحديث).
في (الذي ياتي) نص الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي نشر في مجلة (الاقلام) اواخر التسعينيات. يعثر الاب على قصاصة صحيفة فيها نبا عن مقتل ابنه مراد والعثور على جثته في النهر، ما دون في العلامة الصورية يحل شفرة الغياب، إلا ان الحل غامض بخصوص الاغتيال وتبعاته، المخرج اسامة مهدي هاشم اعاد تشفير العلامة، حول القصاصة الى صحيفة بيد الاب لاعادة تمثيل الفاجعة، وكون لفافة صحف يطوق قاتل مجهول متخبل ضحاياه بها (جوقة خيالية ايضاً) بعد اغتيالهم كانها الكفن، العلامة الثانية تعبيرية تتطلب حلا يتولاه المتلقي، مثلا ايجاد علامة بين مجريات الفضاء المسرحي وخارجه في الحياة الدنيوية الراهنية، او ايجاد ترابط بين الموت الفردي الغامض ونظيره الجماعي، ويمكن سحب الحل على خطاب الموت كونياً.
في (ليالي الحصاد) للكاتب المصري محمود دياب، يعثر فلاح امي على قصاصة يعرضها على (افندي) للاطلاع، يقرأ الرجل انباء عن مقاومة فيتنام للعدوان الامريكي، ودور الامم المتحدة في غزة، وعن المدير اللص، وحيل تجار البهائم. دور القصاصة تنويري، يفضح التخلف: امية الفلاحين مثلاً وعزلتهم وواقعهم المتخلف في السبعينيات.
(المنجم) مسرحية شعرية لمعين بسيسو، نشرتها مجلة ليبية في السبعينيات، تفضح اتجار الحكام العرب بقضية فلسطين.
عمد المخرج جبار صبري العطية في عرضها الى البدء بحركة شارع عربي يخترقه بائع صحيفة معارضة يتحرك بحذر، ويعلن عن نبأ مثير يقلق الشارع والسلطة كمفتاح لطروحات الفضاء المسرحي بكامله المشتبك بحدة مع قمة الهرم السلطوي المتخيل ونظيره الدنيوي.
واذا كان دور (العلامة) تنويريا في النصين المذكورين، ففي (رأس الشليلة) للعاني (كتبت عام 1951) تسهم في كشف ملامح من شخصية موظف كانموذج لترس في ماكنة المؤسسة كما في الحوار:
عبد الجبار / "وهو يقلب صحيفة" يا أخي لا ادري ما هي علاقتنا بهذه الاخبار القريبة؟ مجلس الامن، كوريا... مادخلنا نحن؟ والله يا كامل انزعج فعلاً حين اشاهد الجرائد تمتلئ بمقالات وافتتاحيات عن مواضيع كهذه.
كامل/ لم اقرأ في حياتي افتتاحية جريدة واحدة !
عبد الجبار/ وانا ايضاً لا اقرأ غير اخبار الموظفين وتنقلاتهم. والافلام بدور السينما.
وضمن قطاع الموظفين كمثقفين تقليديين، ثيمة (ترفيع استثنائي) اعداد الكاتب السوري عدنان مارديني، تطرح معاناة موظف في مؤسسة اهلية من تحكم اداري وغبن في اجواء السبعينيات ، وتنشر (الصحف) بيانا بتأميم تلك المؤسسة، حيث ينصف القرار الموظف الشاكي باسلوب (الاله في الونش
الرافعة!).
في مسرحية تسجيلية (منهج الالماني بيتر فايس) كتبها الاستاذ العاني هي (الخرابة) ثبت التعليمات التالية (ستارة المسرح تمتلئ بصور وجرائد تتضمن اخباراًً واحداثاً مستقاة من المسرحية) دور (العلامة) فيها (توثيقي) مكمل لمعرض خارج وداخل الصالة يحوي صوراً فوتوغرافية وملصقات عن نضال شعب فلسطين وجرائم امريكا في فيتنام، دونت تحتها اجزاء من حوار المسرحية رسالة العلامات (جذب انتباه المشاهد وتحريك تفكيره) اشير إلى ان ديكور العرض المسرحي للفنان ضياء العزاوي.
في مونودراما (خطاب لاذع ضد رجل صامت) للكاتب الفائق الشهرة ماركيز تلقي الزوجة حواراً تقريبياً، تفضح زوجها الماثل (الصامت) تركيبة الحوار من منلوك خارجي وحوار موجه لرجل يطالع صحيفة بصمت، والحوار المنلوكي يتناوب مع حوار وفق تقنية تيار الوعي او تيار اللاوعي!
ولاعمل للرجل سوى القراءة الصامتة لصحيفته والقيام بحركات موضعية وهو يتجاهل كلمات فضحه سياسياً وسلوكياً وجنسياً. العلامة مجرد دريئة صماء.
الصحف
العلامة سواء اكانت سمعبصرية كما في معظم النصوص الانفة، ام بصرية فحسب كما في النصين الاخرين، تعتمد على المهارة في تشفيرها ضمن ميزانسن فضاء العرض المشفر لكتاب المسرحيات وردت في فضاء النص. وتعتبر الارشادات المسرحية على اساس مصطلحات (انجاردن) المتوازية (نظم دالة مكملة يعتمد بعضها على الاخر.) "المسرح والعلامات" الين ستون وجورج سافونا.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة